البحث

  • إجازة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية الأسبق لتلميذه النجيب الشيخ محمود خليل #الحصري رحمه الله تعالى
    وكان في العشرينات من عمره
    إجازة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية الأسبق لتلميذه النجيب الشيخ محمود خليل #الحصري رحمه الله تعالى وكان في العشرينات من عمره
    0
  • رسالة لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية
    أجاب فيها عن أسئلة في علم القراءات

    حققها وقدم لها الدكتور : محمد علي سلطاني

    (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثالث عشر - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1405هـ)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد :
    فإن القراءات القرآنية من أكثر علوم القرآن والعربية أهمية وأجلها شأنا . . أما أهميتها من حيث اللغة فتعود إلى جانبين كبيرين:
    - أولهما ما تقدمه للباحثين في نشأة اللغات وتطورها وتاريخها من الظواهر اللغوية الحية على اختلاف صنوفها: في الحرف والصوت والكلمة والتركيب . .
    - وثانيهما ما تقدمه للنحو وفقه اللغة من الشواهد والنماذج مما لا يبلغ بعض شأوه شواهد العربية الأخرى في الشعر والخطب والأمثال والأقوال . . وذلك بسبب مما حظيت به القراءات منذ نشأتها من عناية وضبط وتوثيق . . بالتلقي المتثبت ، والمشافهة الواعية ، والرواية المتواترة أو النقل المستفيض ، والتدوين المقرون بالوصف الدقيق والأسانيد المدروسة الموثوقة . .
    وأما رفعة شأنها فلارتباطها بالقرآن العظيم منهاج المتقين ومعراج المرتقين ، مصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
    غير أن هذا الميدان الجليل بما اتسم به من الغنى اللغوي الفريد ، نتيجة التيسير الذي عبر عنه الحديث النبوي : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ؛ أثار قدرًا غير قليل من القضايا التي ارتبطت بعلم القراءات ، وغدت مع الزمن أقرب إلى المشكلات ، فشغلت العلماء والباحثين عبر القرون - وما يزال بعضها يشغلهم- للوصول إلى المعرفة اليقينية بشأنها . . من ذلك قولهم: ما تفسير الأحرف السبعة؟ أهي للتكثير أم لتحديد؟ وإن كانت الأخيرة فما المقصود بها على الدقة أهي القبائل أم الطرائق أم الظواهر؟
    ما مدى شيوع التواتر بين القراءات ، أهو مقصور على السبع أم العشر أم ما فوق ذلك؟
    أهي سواء في الفصاحة أم أن بينها فصيحًا وأفصح؟ ما موقف النحو والقياس من هذا التفاوت في الفصاحة؟ . .
    هذه وغيرها أسئلة كثيرة تتردد بينهم لا تفتر ، تبحث لها عن الجواب الأخير .
    وقد أحدث اختلاف القراءات وتعددها حركة علمية مباركة ، أسفرت عن أعداد من مجموعات الكتب القيمة . . بدأت بكتب جمعت القراءات ، فأخرى نهضت بالاحتجاج لها بلغة العرب ، وثالثة وصفت مرسوم مصاحف الأمصار ، ورابعة اهتمت بالنقط والشكل . . وبقي في الميدان زوايا يلفها بعض الغموض والاختلاف وتباين الآراء ، مما تعد رسالة شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الآتي نصها حلقة في سلسلة الردود على تساؤلات الباحثين عن الحقيقة ، حيث أجاب فيها عن عدد من هذه التساؤلات .
    أما الرسالة فهي واحدة مما تضمه مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض من نفائس المخطوطات ، وتقع في سبع صفحات تضمها أربع ورقات ضمن مجموع يحمل رقم 3653 \ ف مصور عن الأصل في مكتبة تشستربتي ، كتبه بخط نسخي دقيق علي عبد الله الغزي سنة 859 هـ .
    ومما يعد نسخة قيمة أخرى لهذا النص ، ما تم نشره بعنوان (فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) جـ13 \ 389- 404 فقد ضم الفاضل الشيخ عبد الرحمن العاصمي هذا النص إلى الكتاب بوصفه إحدى الفتاوى التي صدرت عن شيخ الإسلام آنذاك . . وقد أفدت منه في تصويب المواضع التي تأثرت بالرطوبة في الأصل لديّ .
    ولم يذكر الشيخ العاصمي مصادره ، غير أن الاختلاف الطفيف في بعض ألفاظ النصين يثبت أنه نسخة أخرى لهذه الرسالة ، مما تجد ثماره وأثره في المتن وبعض حواشي التحقيق .
    ومما يعد طرفا في هذا التوثيق نقول مطولة لمقاطع تامة من هذا النص ، احتج بها ابن الجزري مقرونة بنسبتها إلى ابن تيمية في كتابه (النشر في القراءات العشر 1 \ 39 وما بعدها) مما تجد الإشارة إليه في مواضعه بعد .
    وتبدأ الرسالة بالبسملة والدعاء فالنص على الأثر بلا عنوان يتقدمه ، ولا ضير في هذا ، لأن النص نفسه وما ورد فيه من عبارات صريحة أدلة ناصعة على صحة نسبته إلى الشيخ الإمام ابن تيمية ، مما يطالع القارئ منذ السطور الأولى .
    وقد لقيت هذه الرسالة من عناية العلماء عبر القرون ما يبدو أثره في الخاتم الرابض في نهايتها ، وجاء في نقشه للواقف ما نصه:
    "وقف سيد يوسف فضل الله ، إمام جامع سلطان محمد خان ، للولاة وللمدرسين المتأهلين ، في جامع المزبور 1145 " .
    أما مؤلف الرسالة فغني عن التعريف ، فهو أبرز قوة فاعلة في صياغة الحياة في دولة المماليك في القرن الثامن الهجري بميادينها: العلمية والفكرية والعامة . . مما تجده مبسوطا في مظانه ، وتؤكده مئات الكتب والرسائل التي كتبها بخطه في معالجة قضايا عصره ، رافعًا بقوة صوت الدين وموقفه منها ، مما يتأبى على الحصر " فكان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله " .
    ومات رحمه الله معتقلا بقلعة دمشق سنة 728 هـ ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رضي الله تعالى عنه وأرضاه .

    النص المحقق

    (1 \ أ) بسم الله الرحمن الرحيم ، رب يسر

    ما يقول سيدي الشيخ- جمع الله له خير الدنيا والآخرة- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف .

    - ما المراد بهذه السبعة ؟
    - وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها ؟
    - وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟
    - وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أو لا .
    - وإذا جازت القراءة بها ، فهل تجوز الصلاة بها أو لا ؟
    أفتونا مأجورين .

    أجاب ( الشيخ تقي الدين بن تيمية ) : .
    الحمد لله رب العالمين . هذه مسألة كبيرة ، فقد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد ، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية .
    فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطًا ؛ فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة ، إلى ما لا يتسع له هذا المكان . . ولا يليق بمثل هذا الجواب ، ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب ، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين بأن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد ، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات: الحرمين والعراقين والشام ، إذ هذه الأمصار الخمسة [هي] التي خرج منها علم النبوة: من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة ، وسائر العلوم الدينية .
    فلما أراد ذلك ، جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ، ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن ، لا لاعتقاده أو اعتماد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم .
    ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة ، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المئتين .
    [و] لا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناهما متفقًا أو متقاربًا . كما قال عبد الله بن مسعود : "إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال " .
    وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر ، لكن كلا المعنيين حق ، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض . وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى (1 \ ب) الله عليه وسلم في هذا ، حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف : إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : عزيزا حكيما ؛ فالله كذلك ، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة" ، وهذا كما في القراءات المشهورة: .
    إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا و {إلا أن يُخافا ألا يقيما} .
    و {وإن كان مكرهم لتَزول - ولتزول - من الجبال} .
    و {بل عجبتُ} و بَلْ عَجِبْتَ . ونحو ذلك .
    ومن القراءات ما يكون المعنى فيها: متفقا من وجه ، متباينا من وجه ، كقوله:
    {يخدعون} و {يخادعون} .
    و {يُكَذِّبون} و {يَكذِبون} .
    و {لمستم} و { لامستم } .
    حَتَّى يَطْهُرْنَ و {يَطَّهَرْن} .
    ونحو ذلك .
    فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنه من المعنى علمًا وعملا ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " .
    وأما ما اتحد لفظه ومعناه ، وإنما يتنوع صفة النطق به ، كالهمزات والمدَّات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها ، ونحو ذلك مما تسمى القَرَأَة عامته الأصول ، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى .
    إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه ، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه ، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ؛ مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النَقْط أو الشكل .
    ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين ، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة ، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما ، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف .
    بل أكثر العلماء الأئمة - الذين أدركوا قراءة [ حمزة ] كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم- يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين ، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم - على قراءة حمزة والكسائي . وللعلماء [الأئمة] في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء .
    ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة- يجمعون ذلك في الكتب ، ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم .
    وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل (2 \ أ) من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة ، وجرت له قضية مشهورة ، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه .
    ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة ، ولكن من لم يكن عالما بها ، أو لم تثبت عنده - كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره ، ولم يتصل به بعض هذه القراءات- فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه منها ، [فإن] القراءة - كما قال زيد بن ثابت : سنة يأخذها الآخر عن الأول .
    كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة ، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك ، كله حسن ، يشرع العمل به لمن علمه .
    وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم ، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ، ولا أن يخالفه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تختلفوا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا .
    وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني ، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما: ( والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، والذكر والأنثى ) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين .
    ومثل قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وكقراءته: (إن كانت إلا زقية واحدة) ونحو ذلك ، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ [ذلك] على قولين للعلماء - هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد - وروايتان عن مالك : :
    - إحداهما يجوز ذلك ، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة .
    - والثانية : لا يجوز ذلك ، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة ، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ، أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين .
    والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره ، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها .
    ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار ، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره .
    وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل ، وهو أن القراءات السبع: هل هي حرف من الحروف السبعة أو ، لا ؟ . فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة ، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة ، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل ، والأحاديث (2 \ ب) والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول .
    وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة ، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيره ، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة ، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه ، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها . ثم أرسل عثمان - بمشاورة الصحابة - إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف ، وأمر بترك ما سوى ذلك . قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة .
    ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكره محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبًا على الأمة ، إنما كان جائزا لهم مرخصا لهم فيه ، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه ، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا ، بل مفوضًا إلى اجتهادهم ، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد ، وكذلك مصحف غيره ، وأما ترتيب آي السور فهو منزل منصوص عليه ، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة ، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًّا ، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم ، قالوا: فكذلك الأحرف السبعة . فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد ، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا- وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة- ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور .
    ومن هؤلاء من يقول: إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام ، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا ، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة ، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أرفق بهم- أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك ، وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف- منسوخة .
    وأما من قال عن ابن مسعود : إنه يجوز القراءة بالمعنى ؛ فقد كذب عليه . وإنما قال: "قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال . فاقرءوا كما علمتم " أو كما قال .
    فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها .
    ومن لم يجوزه فله أربعة مآخذ:
    - تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة .
    - وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة .
    - وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه .
    - وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن .
    وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين (3 \ أ) .
    ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه: إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة ، لعدم ثبوت القرآن بذلك . وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل ، لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها .
    وهذا القول ينبني على أصل ، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟
    فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك ، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا .
    وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه ، حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة [آية] ، من القرآن في غير سورة النمل لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه .
    والصواب القطع بخطأ هؤلاء ، وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف ؛ إذا لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه مما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور . ولكن مع ذلك لا يقال: هي من السورة التي بعدها ، كما [أنها] ليست من السورة التي قبلها ، بل هي كما كتبت - آية أنزلها الله في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة ، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة .
    وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات ؛ فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت . بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق ، وإنها آية من القرآن في بعض القراءات- وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين - وليست آية في بعض القراءات ، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها
    وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟
    فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله ، إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد ، بل القراءة سنة متبعة وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمام وقد أقرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء- لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف .
    ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء ، ويتنوعون في بعض ، كما اتفقوا في قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع ، وتنوعوا في موضعين .
    وقد بينا أن القراءتين كالآيتين ، فزيادة القراءات كزيادة الآيات ، لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذاك أخصر في الرسم ، والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على حفظ المصاحف ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم . فقلت: أي رب إذن يثلغوا رأسي ، فقال: إني مبتليك ومبتل بك ، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء ، تقرأه (3 \ ب) نائما ويقظان . فابعث جندا أبعث مثليهم ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأنفق أنفق عليك .
    فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء ، بل يقرأه في كل حال ، كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا ، لا عن ظهر قلب .
    وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة: كالأربعة الذين من الأنصار ، وكعبد الله بن عمرو ، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم . . ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف ، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، باتفاق العلماء المعتبرين ، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراءة كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة ، عند من ثبت ذلك عنده كما ثبت ذلك .
    وهذا أيضًا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم ، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام ، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأمة بعدهم- (هل هو بما فيه من قراءة السبعة وتمام العشرة وغير ذلك ، حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها) أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين:
    - الأول: قول أئمة السلف والعلماء .
    - الثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم .
    وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا خلافا يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا .
    وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم ، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع .
    أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر ، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة . فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم - فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى .
    وهذا من أسباب تركهم المصاحف - أول ما كتبت - غير مشكولة ولا منقوطة ، لتكون صورة الرسم محتملة لأمرين: كالتاء والياء ، والفتح والضم . وهم يضبطون
    المنقولين المسموعين المتلوين - شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين .
    فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا ، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي .
    - وهو الذي روى عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه كما رواه البخاري في صحيحه ، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة ، قال : -
    "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل . . قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا" .
    ولهذا دخل في معنى قوله : خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا ، بل تعليم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه ، وذلك هو الذي يزيد الإيمان . كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر (10) وغيرهما:
    "تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا ، وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان " .
    وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين ، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ؛ حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ونزل القرآن . . . وذكر الحديث بطوله ، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك .
    وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه ، وذلك مما أوحاه الله إليه . كما قال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا .
    وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست بشاذة حينئذ . والله أعلم بالصواب .
    تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في يوم الثلاثاء سادس عشرين جماد[ى] الأولى من شهور سنة تسع وخمسين وثمانمائة .

    مصادر البحث والتحقيق

    * الإبانة عن معاني القراءات . لمكي القيسي . تح د . محيي الدين رمضان . دار المأمون للتراث بدمشق 1399 هـ - 1979 م .
    * إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة الدمشقي . البابي الحلبي بمصر 1349 هـ.
    * الإصابة في تمييز الصحابة . لابن حجر العسقلاني .
    الطبعة الأولى - مطبعة السعادة بمصر 1328 هـ .
    * الأعلام . للزركلي . الطبعة الثالثة .
    * تاريخ بغداد . للخطيب البغدادي . دار الكتاب العربي - بيروت .
    * تفسير القرطبي - مصورة عن طبعة دار الكتب .
    * التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني . تح أوتوبرتزل ط . استانبول 1930 م .
    * السبعة لابن مجاهد . تح د . شوقي ضيف ط . الثانية - دار المعارف بالقاهرة 1400 هـ * الشاطبية . وشرحها للشيخ علي الضباع .
    مكتبة صبيح بالقاهرة 1381 هـ - 1961م .
    * صحيح البخاري . مصورة الطبعة الأولى 1315 هـ بمصر .
    * صحيح مسلم بشرح النووي - المطبعة المصرية ومكتبتها .
    * غاية النهاية في طبقات القراء . لابن الجزري . تح . برجستراسر . مصورة الطبعة الأولى 1351م هـ - 1932 .
    * كتاب سيبويه . مصورة طبعة بولاق .
    * لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني تح الشيخ عامر عثمان ود . عبد الصبور شاهين بالقاهرة 1392 هـ - 1972 .
    * لسان العرب لابن منظور . مصورة طبعة بولاق 1300 هـ .
    * مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية . جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي وابنه محمد .
    مصورة الطبعة الأولى 1398 هـ .
    * المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز . لأبي شامة الدمشقي تح طيار آلتي قولاج ط . دار صادر - بيروت 1395 هـ - 1975م .
    * مسند الإمام أحمد . مصورة الطبعة الأولى . الميمنية بمصر 1313 هـ .
    * منجد المقرئين ومرشد الطالبين . لابن الجزري . مكتبة القدسي 1350 هـ .
    * النشر في القراءات العشر . لابن الجزري . تح الشيخ علي الضباع .
    * وفيات الأعيان لابن خلكان . تح د . إحسان عباس . دار الثقافة ببيروت .
    رسالة لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية أجاب فيها عن أسئلة في علم القراءات حققها وقدم لها الدكتور : محمد علي سلطاني (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثالث عشر - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1405هـ) الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد : فإن القراءات القرآنية من أكثر علوم القرآن والعربية أهمية وأجلها شأنا . . أما أهميتها من حيث اللغة فتعود إلى جانبين كبيرين: - أولهما ما تقدمه للباحثين في نشأة اللغات وتطورها وتاريخها من الظواهر اللغوية الحية على اختلاف صنوفها: في الحرف والصوت والكلمة والتركيب . . - وثانيهما ما تقدمه للنحو وفقه اللغة من الشواهد والنماذج مما لا يبلغ بعض شأوه شواهد العربية الأخرى في الشعر والخطب والأمثال والأقوال . . وذلك بسبب مما حظيت به القراءات منذ نشأتها من عناية وضبط وتوثيق . . بالتلقي المتثبت ، والمشافهة الواعية ، والرواية المتواترة أو النقل المستفيض ، والتدوين المقرون بالوصف الدقيق والأسانيد المدروسة الموثوقة . . وأما رفعة شأنها فلارتباطها بالقرآن العظيم منهاج المتقين ومعراج المرتقين ، مصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: خيركم من تعلم القرآن وعلمه . غير أن هذا الميدان الجليل بما اتسم به من الغنى اللغوي الفريد ، نتيجة التيسير الذي عبر عنه الحديث النبوي : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ؛ أثار قدرًا غير قليل من القضايا التي ارتبطت بعلم القراءات ، وغدت مع الزمن أقرب إلى المشكلات ، فشغلت العلماء والباحثين عبر القرون - وما يزال بعضها يشغلهم- للوصول إلى المعرفة اليقينية بشأنها . . من ذلك قولهم: ما تفسير الأحرف السبعة؟ أهي للتكثير أم لتحديد؟ وإن كانت الأخيرة فما المقصود بها على الدقة أهي القبائل أم الطرائق أم الظواهر؟ ما مدى شيوع التواتر بين القراءات ، أهو مقصور على السبع أم العشر أم ما فوق ذلك؟ أهي سواء في الفصاحة أم أن بينها فصيحًا وأفصح؟ ما موقف النحو والقياس من هذا التفاوت في الفصاحة؟ . . هذه وغيرها أسئلة كثيرة تتردد بينهم لا تفتر ، تبحث لها عن الجواب الأخير . وقد أحدث اختلاف القراءات وتعددها حركة علمية مباركة ، أسفرت عن أعداد من مجموعات الكتب القيمة . . بدأت بكتب جمعت القراءات ، فأخرى نهضت بالاحتجاج لها بلغة العرب ، وثالثة وصفت مرسوم مصاحف الأمصار ، ورابعة اهتمت بالنقط والشكل . . وبقي في الميدان زوايا يلفها بعض الغموض والاختلاف وتباين الآراء ، مما تعد رسالة شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الآتي نصها حلقة في سلسلة الردود على تساؤلات الباحثين عن الحقيقة ، حيث أجاب فيها عن عدد من هذه التساؤلات . أما الرسالة فهي واحدة مما تضمه مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض من نفائس المخطوطات ، وتقع في سبع صفحات تضمها أربع ورقات ضمن مجموع يحمل رقم 3653 \ ف مصور عن الأصل في مكتبة تشستربتي ، كتبه بخط نسخي دقيق علي عبد الله الغزي سنة 859 هـ . ومما يعد نسخة قيمة أخرى لهذا النص ، ما تم نشره بعنوان (فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) جـ13 \ 389- 404 فقد ضم الفاضل الشيخ عبد الرحمن العاصمي هذا النص إلى الكتاب بوصفه إحدى الفتاوى التي صدرت عن شيخ الإسلام آنذاك . . وقد أفدت منه في تصويب المواضع التي تأثرت بالرطوبة في الأصل لديّ . ولم يذكر الشيخ العاصمي مصادره ، غير أن الاختلاف الطفيف في بعض ألفاظ النصين يثبت أنه نسخة أخرى لهذه الرسالة ، مما تجد ثماره وأثره في المتن وبعض حواشي التحقيق . ومما يعد طرفا في هذا التوثيق نقول مطولة لمقاطع تامة من هذا النص ، احتج بها ابن الجزري مقرونة بنسبتها إلى ابن تيمية في كتابه (النشر في القراءات العشر 1 \ 39 وما بعدها) مما تجد الإشارة إليه في مواضعه بعد . وتبدأ الرسالة بالبسملة والدعاء فالنص على الأثر بلا عنوان يتقدمه ، ولا ضير في هذا ، لأن النص نفسه وما ورد فيه من عبارات صريحة أدلة ناصعة على صحة نسبته إلى الشيخ الإمام ابن تيمية ، مما يطالع القارئ منذ السطور الأولى . وقد لقيت هذه الرسالة من عناية العلماء عبر القرون ما يبدو أثره في الخاتم الرابض في نهايتها ، وجاء في نقشه للواقف ما نصه: "وقف سيد يوسف فضل الله ، إمام جامع سلطان محمد خان ، للولاة وللمدرسين المتأهلين ، في جامع المزبور 1145 " . أما مؤلف الرسالة فغني عن التعريف ، فهو أبرز قوة فاعلة في صياغة الحياة في دولة المماليك في القرن الثامن الهجري بميادينها: العلمية والفكرية والعامة . . مما تجده مبسوطا في مظانه ، وتؤكده مئات الكتب والرسائل التي كتبها بخطه في معالجة قضايا عصره ، رافعًا بقوة صوت الدين وموقفه منها ، مما يتأبى على الحصر " فكان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله " . ومات رحمه الله معتقلا بقلعة دمشق سنة 728 هـ ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رضي الله تعالى عنه وأرضاه . النص المحقق (1 \ أ) بسم الله الرحمن الرحيم ، رب يسر ما يقول سيدي الشيخ- جمع الله له خير الدنيا والآخرة- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف . - ما المراد بهذه السبعة ؟ - وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها ؟ - وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟ - وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أو لا . - وإذا جازت القراءة بها ، فهل تجوز الصلاة بها أو لا ؟ أفتونا مأجورين . أجاب ( الشيخ تقي الدين بن تيمية ) : . الحمد لله رب العالمين . هذه مسألة كبيرة ، فقد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد ، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية . فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطًا ؛ فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة ، إلى ما لا يتسع له هذا المكان . . ولا يليق بمثل هذا الجواب ، ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب ، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين بأن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد ، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات: الحرمين والعراقين والشام ، إذ هذه الأمصار الخمسة [هي] التي خرج منها علم النبوة: من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة ، وسائر العلوم الدينية . فلما أراد ذلك ، جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ، ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن ، لا لاعتقاده أو اعتماد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم . ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة ، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المئتين . [و] لا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناهما متفقًا أو متقاربًا . كما قال عبد الله بن مسعود : "إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال " . وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر ، لكن كلا المعنيين حق ، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض . وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى (1 \ ب) الله عليه وسلم في هذا ، حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف : إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : عزيزا حكيما ؛ فالله كذلك ، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة" ، وهذا كما في القراءات المشهورة: . إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا و {إلا أن يُخافا ألا يقيما} . و {وإن كان مكرهم لتَزول - ولتزول - من الجبال} . و {بل عجبتُ} و بَلْ عَجِبْتَ . ونحو ذلك . ومن القراءات ما يكون المعنى فيها: متفقا من وجه ، متباينا من وجه ، كقوله: {يخدعون} و {يخادعون} . و {يُكَذِّبون} و {يَكذِبون} . و {لمستم} و { لامستم } . حَتَّى يَطْهُرْنَ و {يَطَّهَرْن} . ونحو ذلك . فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنه من المعنى علمًا وعملا ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " . وأما ما اتحد لفظه ومعناه ، وإنما يتنوع صفة النطق به ، كالهمزات والمدَّات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها ، ونحو ذلك مما تسمى القَرَأَة عامته الأصول ، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى . إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه ، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه ، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ؛ مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النَقْط أو الشكل . ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين ، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة ، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما ، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف . بل أكثر العلماء الأئمة - الذين أدركوا قراءة [ حمزة ] كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم- يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين ، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم - على قراءة حمزة والكسائي . وللعلماء [الأئمة] في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء . ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة- يجمعون ذلك في الكتب ، ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم . وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل (2 \ أ) من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة ، وجرت له قضية مشهورة ، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه . ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة ، ولكن من لم يكن عالما بها ، أو لم تثبت عنده - كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره ، ولم يتصل به بعض هذه القراءات- فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه منها ، [فإن] القراءة - كما قال زيد بن ثابت : سنة يأخذها الآخر عن الأول . كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة ، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك ، كله حسن ، يشرع العمل به لمن علمه . وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم ، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ، ولا أن يخالفه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تختلفوا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا . وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني ، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما: ( والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، والذكر والأنثى ) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين . ومثل قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وكقراءته: (إن كانت إلا زقية واحدة) ونحو ذلك ، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ [ذلك] على قولين للعلماء - هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد - وروايتان عن مالك : : - إحداهما يجوز ذلك ، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة . - والثانية : لا يجوز ذلك ، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة ، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ، أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين . والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره ، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها . ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار ، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره . وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل ، وهو أن القراءات السبع: هل هي حرف من الحروف السبعة أو ، لا ؟ . فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة ، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة ، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل ، والأحاديث (2 \ ب) والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول . وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة ، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيره ، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة ، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه ، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها . ثم أرسل عثمان - بمشاورة الصحابة - إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف ، وأمر بترك ما سوى ذلك . قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة . ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكره محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبًا على الأمة ، إنما كان جائزا لهم مرخصا لهم فيه ، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه ، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا ، بل مفوضًا إلى اجتهادهم ، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد ، وكذلك مصحف غيره ، وأما ترتيب آي السور فهو منزل منصوص عليه ، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة ، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًّا ، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم ، قالوا: فكذلك الأحرف السبعة . فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد ، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا- وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة- ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور . ومن هؤلاء من يقول: إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام ، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا ، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة ، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أرفق بهم- أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك ، وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف- منسوخة . وأما من قال عن ابن مسعود : إنه يجوز القراءة بالمعنى ؛ فقد كذب عليه . وإنما قال: "قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال . فاقرءوا كما علمتم " أو كما قال . فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها . ومن لم يجوزه فله أربعة مآخذ: - تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة . - وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة . - وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه . - وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن . وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين (3 \ أ) . ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه: إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة ، لعدم ثبوت القرآن بذلك . وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل ، لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها . وهذا القول ينبني على أصل ، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك ، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا . وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه ، حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة [آية] ، من القرآن في غير سورة النمل لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه . والصواب القطع بخطأ هؤلاء ، وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف ؛ إذا لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه مما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور . ولكن مع ذلك لا يقال: هي من السورة التي بعدها ، كما [أنها] ليست من السورة التي قبلها ، بل هي كما كتبت - آية أنزلها الله في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة ، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة . وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات ؛ فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت . بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق ، وإنها آية من القرآن في بعض القراءات- وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين - وليست آية في بعض القراءات ، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟ فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله ، إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد ، بل القراءة سنة متبعة وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمام وقد أقرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء- لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف . ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء ، ويتنوعون في بعض ، كما اتفقوا في قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع ، وتنوعوا في موضعين . وقد بينا أن القراءتين كالآيتين ، فزيادة القراءات كزيادة الآيات ، لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذاك أخصر في الرسم ، والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على حفظ المصاحف ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم . فقلت: أي رب إذن يثلغوا رأسي ، فقال: إني مبتليك ومبتل بك ، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء ، تقرأه (3 \ ب) نائما ويقظان . فابعث جندا أبعث مثليهم ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأنفق أنفق عليك . فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء ، بل يقرأه في كل حال ، كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا ، لا عن ظهر قلب . وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة: كالأربعة الذين من الأنصار ، وكعبد الله بن عمرو ، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم . . ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف ، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، باتفاق العلماء المعتبرين ، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراءة كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة ، عند من ثبت ذلك عنده كما ثبت ذلك . وهذا أيضًا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم ، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام ، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأمة بعدهم- (هل هو بما فيه من قراءة السبعة وتمام العشرة وغير ذلك ، حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها) أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: - الأول: قول أئمة السلف والعلماء . - الثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم . وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا خلافا يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا . وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم ، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع . أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر ، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة . فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم - فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى . وهذا من أسباب تركهم المصاحف - أول ما كتبت - غير مشكولة ولا منقوطة ، لتكون صورة الرسم محتملة لأمرين: كالتاء والياء ، والفتح والضم . وهم يضبطون المنقولين المسموعين المتلوين - شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين . فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا ، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي . - وهو الذي روى عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه كما رواه البخاري في صحيحه ، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة ، قال : - "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل . . قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا" . ولهذا دخل في معنى قوله : خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا ، بل تعليم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه ، وذلك هو الذي يزيد الإيمان . كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر (10) وغيرهما: "تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا ، وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان " . وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين ، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ؛ حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ونزل القرآن . . . وذكر الحديث بطوله ، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك . وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه ، وذلك مما أوحاه الله إليه . كما قال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا . وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست بشاذة حينئذ . والله أعلم بالصواب . تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في يوم الثلاثاء سادس عشرين جماد[ى] الأولى من شهور سنة تسع وخمسين وثمانمائة . مصادر البحث والتحقيق * الإبانة عن معاني القراءات . لمكي القيسي . تح د . محيي الدين رمضان . دار المأمون للتراث بدمشق 1399 هـ - 1979 م . * إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة الدمشقي . البابي الحلبي بمصر 1349 هـ. * الإصابة في تمييز الصحابة . لابن حجر العسقلاني . الطبعة الأولى - مطبعة السعادة بمصر 1328 هـ . * الأعلام . للزركلي . الطبعة الثالثة . * تاريخ بغداد . للخطيب البغدادي . دار الكتاب العربي - بيروت . * تفسير القرطبي - مصورة عن طبعة دار الكتب . * التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني . تح أوتوبرتزل ط . استانبول 1930 م . * السبعة لابن مجاهد . تح د . شوقي ضيف ط . الثانية - دار المعارف بالقاهرة 1400 هـ * الشاطبية . وشرحها للشيخ علي الضباع . مكتبة صبيح بالقاهرة 1381 هـ - 1961م . * صحيح البخاري . مصورة الطبعة الأولى 1315 هـ بمصر . * صحيح مسلم بشرح النووي - المطبعة المصرية ومكتبتها . * غاية النهاية في طبقات القراء . لابن الجزري . تح . برجستراسر . مصورة الطبعة الأولى 1351م هـ - 1932 . * كتاب سيبويه . مصورة طبعة بولاق . * لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني تح الشيخ عامر عثمان ود . عبد الصبور شاهين بالقاهرة 1392 هـ - 1972 . * لسان العرب لابن منظور . مصورة طبعة بولاق 1300 هـ . * مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية . جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي وابنه محمد . مصورة الطبعة الأولى 1398 هـ . * المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز . لأبي شامة الدمشقي تح طيار آلتي قولاج ط . دار صادر - بيروت 1395 هـ - 1975م . * مسند الإمام أحمد . مصورة الطبعة الأولى . الميمنية بمصر 1313 هـ . * منجد المقرئين ومرشد الطالبين . لابن الجزري . مكتبة القدسي 1350 هـ . * النشر في القراءات العشر . لابن الجزري . تح الشيخ علي الضباع . * وفيات الأعيان لابن خلكان . تح د . إحسان عباس . دار الثقافة ببيروت .
    0
  • إرسال نسخ مصحف الإمام مع صحابي يقرئ كل قٌطر *

    قال الزّركشي رحمه الله: "قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[1].

    ويقول الإمام السيوطي رحمه الله اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[2].

    وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[3].

    والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[4]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[5].

    ولم يكتف سيدنا عثمان رضي الله عنه بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري، وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[6].

    وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب [7].
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * بتصرف يسير من "فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه" لأبي سليمان المختار بن العربي مؤمن (https://www.alukah.net/sharia/0/57264/#ixzz6amMa32tR).
    [1] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ).
    [2] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ).
    [3] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16.
    [4] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ).
    [5] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30.
    [6] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ).
    [7] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    إرسال نسخ مصحف الإمام مع صحابي يقرئ كل قٌطر * قال الزّركشي رحمه الله: "قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[1]. ويقول الإمام السيوطي رحمه الله اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[2]. وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[3]. والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[4]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[5]. ولم يكتف سيدنا عثمان رضي الله عنه بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري، وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[6]. وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب [7]. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * بتصرف يسير من "فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه" لأبي سليمان المختار بن العربي مؤمن (https://www.alukah.net/sharia/0/57264/#ixzz6amMa32tR). [1] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ). [2] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ). [3] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16. [4] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ). [5] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30. [6] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ). [7] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    0
  • جمع القرآن الكريم *
    هشام الهواري[1]

    الحمدُ لله الذي هدانا لكتابه، وفضَّلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه، حمدًا يستجلب المرغوب من وضائه، ويستعطف المخزون من عطائه، ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه، والعارفين لأوليائه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ رسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، وعلى آله وعترته الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وأمته أجمعين.

    أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده محمدٍ صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم ليكونَ للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وجعله خاتمةَ كتبِهِ، مصدِّقًا لها، ومهيمنًا عليها، وحجَّةً على خلقه، ومعجزةً لنبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    وقيَّض الله تبارك وتعالى لكتابه العزيز أئمةً ثقاتٍ، تلقَّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقلوه إلينا غضًّا طريًّا كما أُنزل رواية ودِرَاية، سالمًا معصومًا من الخطأ والزَّلل.

    وجعل للمشتغلين به أجرًا ومَزِيَّةً، وتواترت فضائل حَمَلَتِهِ وقُرَّائه في الأحاديث النبوية، تحقيقًا لوعد الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

    ولما تكفَّل الله تعالى بحفظه، خصَّ مَن شاء مِن بَرِيَّتِهِ، وأورثه مَن اصطفاه من خليقته؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أهلين من الناسِ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُهُ)[2].

    ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا فيه حثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، وإذا بعث بعثًا جعل إمامهم في صلاتهم أحفظَهم لكتاب الله، فضلًا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من تعلم القرآن وعلَّمه، بلَّغه وبيَّنه لصحابته الكرام، فحفِظوه وتنافسوا في تلاوته وتدبره، ومدارسته وتفسيره والعمل به، وعلى نهجهم سار التابعون ومَن تبعهم بإحسان، فغدت سنة مُتَّبَعَةٌ يأخذها اللاحق عن السابق؛ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنهما قال: (القراءة سُنَّةٌ، فاقرؤوه كما تجدونه)[3].

    هكذا كانت نظرة السلف رحمهم الله لِما يتلقَّونه من الوحي، مستشعرين في ذلك أنهم مبلِّغون عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    معنى جمع القرآن:
    لغة: الجمع مصدر الفعل "جمع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا؛ قال الجوهري: "أجمعت الشيء: جعلته جميعًا، والمجموع: الذي جُمِعَ من ها هنا وها هنا، وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد"[4].

    وقال ابن منظور: "جمع الشيء عن كل تفرقة يجمعه جمعًا، واستجمع السيل: اجتمع مع كل موضع، وجمعتُ الشيء... وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من ها هنا وها هنا"[5].
    ويتضح أن معنى كلمة (جمع) في اللغة: التأليف وضمُّ المتفرق.
    اصطلاحًا: جمع القرآن الكريم يُطلَق في علوم القرآن على معنيين:
    الأول: جمعه بمعنى: حفظه في الصدور؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]؛ أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك"[6]؛ يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه: "وقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد، حتى نثبته فيه، ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك"[7].

    والثاني: جمعه بمعنى: كتابته؛ ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في قضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومما ورد فيه قول عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: ((وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن))، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ((فتتبَّعتُ القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدور الرجال))[8].

    يقول الإمام الزرقاني: "كلمة جمع القرآن تُطلَق تارة ويُراد منها: حفظه واستظهاره في الصدور، وتطلق تارة أخرى ويُراد منها: كتابته كله حروفًا وكلمات وآيات وسورًا؛ هذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور، ثم إن جمعه بمعنى كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات؛ الأولى: في عهد النبي صــلى الله عليه وسلم، والثانية: في خلافة أبي بكر، والثالثة: على عهد عثمـــان، وفي هذه المرة الأخيرة وحدهـــا، نُسخِت المصـــاحف، وأُرسلت إلى الآفـــــــاق"[9].

    جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
    كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مولَعًا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، يُقرِئه القرآن فيحفظه ويفهمه، فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة؛ شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة السماوية.

    وأما الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان كتاب الله عز وجل في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه وتدبره والعمل به؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأه في شهر))[10].

    يقول الإمام ابن الجزري رحمه الله: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة"[11]، وقال: "وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب، ولما خصَّ الله تعالى بحفظه مَن شاء مِن أهله، أقام له أئمة ثقات تجرَّدوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقَّوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا، لم يهملوا منه حركةً ولا سكونًا، ولا إثباتًا ولا حذفًا، ولا دخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وَهْمٌ، وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ أكثره، ومنهم من حفظ بعضه، كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أول كتابه في القراءات من نقل عنهم شيء من وجوه القـــراءة من الصحابة وغيرهم؛ فذكر من الصحابة: أبا بكــر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، وسعدًا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالمًا، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبدالله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين، وذكر من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، ومجمع بن جارية، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم أجمعين"[12].

    من خلال ما تقدم يتضح لنا أن حفَّاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جمًّا غفيرًا، "حتى كان عدد القتلى ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة؛ قال القرطبي: قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القرَّاء، وقُتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد"[13].

    لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن الكريم، وإقرائه لأصحابه، وحثِّهم على تعلمه وتعليمه، بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته وتقييده في السطور، فكان كلما نزلت عليه آياتٍ، دعا الكُتَّاب فأملاه عليهم، فيكتبونه، وبذلك كان القرآن مكتوبًا كله بأمره في عهده صلى الله عليه وسلم.

    ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ عددًا من كُتَّابِ الوحي، ومنهم الخلفاء الأربعة، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعبدالله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وغيرهم[14]، "وكان يأمرهم بكتابة كل ما ينزل من القرآن؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنت جارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل الوحي، أرسل إليَّ فكتبت الوحي))[15]، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور، كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداءً من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيخطُّونه في العُسُبِ (جريد النخل)، واللِّخاف (صحائف الحجارة)..."[16]؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرِّقاع))[17].
    ويسمى هذا الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حفظًا وكتابةً: "الجمع الأول".

    جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
    قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداثٌ جِسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهَّز الجيوش وأوقدها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثني عشرة للهجرة، تضم عددًا كبيرًا من الصحابة القُرَّاء، فاستُشهد في هذه الغزوة سبعون قارئًا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر رضي الله عنهما، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشيةَ الضياع؛ فإن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالقُرَّاء[18].

    "روى البخاري في صحيحه[19]، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يَزَلْ عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبَّعِ القرآن واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير[20]، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128] مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر"[21].

    "وقد راعى زيد بن ثابت رضي الله عنه نهاية التَّثَبُّتِ، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله في الحديث: ((ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره))، لا ينافي هذا، ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك؛ لأن زيدًا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معًا[22]، فكانت هذه الرواية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كُتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري"[23].

    منهج الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم:
    لقد اتبع زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم منهجًا قويمًا، وطريقة دقيقة مُحكَمة، وضعها له أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم:
    ١- ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ٢- ما كان محفوظًا في صدور الصحابة رضي الله عنهم.

    فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه، بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتمد الحفظ وحسب، بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادة في التوثيق.

    يقول الإمام الزرقاني: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبُّتٍ بالغٍ وحَذَرٍ دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛ أحدهما: ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[24].

    وبهذه الخصائص العظيمة المعتبرة تميز جمعُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن الكريم؛ قال علي كرم الله وجهه: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر رحمة الله عليه، هو أول من جمع كتاب الله"[25].

    قال الخراز:
    جمعَه في الصُّحفِ الصِّدِّيقُ
    كما أشارَ عُمَرُ الفارُوقُ
    وذاك حينَ قتلُوا مُسيلمة
    وانقلبتْ جيوشُه منهزمَة
    وبعده جرده الإمام
    في مصحف ليقتديَ الأنام
    ولا يكون بعده اضطراب
    وكان فيما قد رأى صواب[26]
    جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

    "إن ما يميز السياسة الراشدة نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجَّلها المؤرخون قديمًا وحديثًا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة مرات آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت"[27].

    فقد "اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن، وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن"[28].

    روى البخاري "عن أنس بن مالك ((أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرِكِ الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا[29]، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق"[30].

    قال الإمام الزركشي في "البرهان": "وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف، فإنه جهلٌ منهم وعمى، فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولمَّ الشعْثَ وكان ذلك واجبًا عليه، ولو تركه لعصى؛ لِما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك"[31]؛ قال علي كرم الله وجهه: "لو وليتُ ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل"[32].

    ثم إن النص الذي كان عند حفصة هو النص المكتوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته النص المكتوب في مصحف عثمان رضي الله عنه، فلا يصح الزيادة عليه ولا يصح النقص[33].

    عن سويد بن غفلة قال: "قال علي رضي الله عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيًرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا"[34].

    توحيد المصاحف:
    "إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك - وإنما فعل ذلك - عثمان - لأن الناس اختلفوا في القراءات؛ بسبب تفرق الصحابة في البلدان، واشتد الأمر في ذلك، وعظُمَ اختلافهم وتشتُّتُهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما رُوي لها، فاختلفوا وتنازعوا، وأظهر بعضهم إكفارَ بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري - إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلِكَ، قال: في ماذا؟ قال: في كتاب الله؛ إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسًا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم، كما اختلف اليهود والنصارى"[35].

    "أضِفْ إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، إنما كان كل صحابي في إقليمه يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن، ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد.

    لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء، قبل أن يعزَّ الدواء، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضع حدًّا لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يُرسَل بها إلى الأمصار، وأن يُؤمَرَ الناس بإحراق كل ما عداها، وألَّا يعتمدوا سواها، وبذلك يرأب الصَّدْعَ، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلال هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحَكَمهم العدل في ذلك النزاع والمِراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء"[36].

    وكان هذا من عثمان رضي الله تعالى عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار، وجُلَّةَ أهل الإسلام، وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطَرْحِ ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأيًا سديدًا موفَّقًا، رضي الله عنهم أجمعين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * موقع الألوكة: (https://www.alukah.net/sharia/0/142194/#ixzz6ZeFwm3P2).
    [1] جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، المملكة المغربية.
    [2] "سنن ابن ماجه"، كتاب المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، حديث رقم: 215.
    [3] الإمام جعفر المستغفري، "فضائل القرآن"، تحقيق: محمد عثمان، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ص: 130، انظر أيضًا: "السبع" لابن مجاهد، ص: 47.
    [4] الجوهري، "الصحاح"، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطَّار، دار العلم للملايين، بيروت، القاهرة، الطبعة الثانية، 1376هـ/ 1556م، ج: 3، ص: 1199.
    [5] ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، ج: 8، ص: 53.
    [6] "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجه التأويل"، الزمخشري، تحقيق: محمود بن عمر الزمخشري أبو القاسم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1430هـ/ 2009م، ط: 3، ج:1، ص: 1161.
    [7] ابن جرير الطبري، "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، تحقيق: الدكتور بشَّار عوار معروف، وعصام فارس الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ/ 1994م، ج: 7، ص: 213.
    [8] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98.
    [9] محمد عبدالعظيم الزرقاني، "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 115.
    [10] أخرجه النسائي بسند صحيح، "السنن الكبرى"، رقم: 8064.
    [11] محمد بن الجزري، "النشر في القراءات العشر"، تحقيق: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 6.
    [12] المرجع السابق، ص: 6.
    [13] "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 242.
    [14] انظر: "جوامع السير"، لابن حزم، ص: 26.
    [15] أخرجه ابن أبي داود، كتاب "المصاحف"، ص: 3.
    [16] مناع القطان، "مباحث في علوم القرآن"، مكتبة وهبة، القاهرة، ص: 118.
    [17] أخرجه الحاكم في "المستدرك"، بسند على شرط الشيخين: 6112.
    [18] انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمناع القطان، ص: 121.
    [19] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98.
    [20] قال الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن": "كتابة القرآن ليست بمحدثة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنما أمر الصدِّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامعٌ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء"؛ [الإتقان في علوم القرآن، ص: 385].
    [21] "البرهان في علوم القرآن"، الزركشي، تحقيق: أبي الفضل الدمياطي، ص: 165.
    [22] أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: ((قدِمَ عمر، فقال: من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن، فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان))، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا، حتى يشهد من تلقَّاه سماعًا، مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة من الاحتياط؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 165]، الحديث أخرجه ابن أبي داود، في كتاب "المصاحف"، ص: 10.
    [23] "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 122.
    [24] "مناهل العرفان"، ص: 352.
    [25] "مباحث في علوم القرآن"، ص: 122، بتصرف.
    [26]- الشريشي الخراز، "منظومة مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن"، ص: 7.
    [27]- نور الدين عتر، "علوم القرآن الكريم"، مطبعة الصباح، دمشق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414ه/ 1993م، ص: 172.
    [28]- "مناهل العرفان"، ص: 255.
    [29]- قال أبو عمرو الداني في "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف، جعله على أربعة نسخ وبعث إلى كل ناحية واحدًا: الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحدًا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد إلى مكة، وإلى اليمن، وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 169].
    [30]- رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 99.
    [31]- الزركشي، "البرهان في علوم القرآن"، ص: 169.
    [32]- أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف"، ص: 97، 98.
    [33]- محمد أبو زهرة، "المعجزة الكبرى القرآن"، ص: 42.
    [34]- أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح، انظر: "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 125.
    [35]- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ص: 86.
    [36]- "مناهل العرفان"، ص: 256، 257.
    جمع القرآن الكريم * هشام الهواري[1] الحمدُ لله الذي هدانا لكتابه، وفضَّلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه، حمدًا يستجلب المرغوب من وضائه، ويستعطف المخزون من عطائه، ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه، والعارفين لأوليائه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ رسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، وعلى آله وعترته الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وأمته أجمعين. أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده محمدٍ صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم ليكونَ للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وجعله خاتمةَ كتبِهِ، مصدِّقًا لها، ومهيمنًا عليها، وحجَّةً على خلقه، ومعجزةً لنبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقيَّض الله تبارك وتعالى لكتابه العزيز أئمةً ثقاتٍ، تلقَّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقلوه إلينا غضًّا طريًّا كما أُنزل رواية ودِرَاية، سالمًا معصومًا من الخطأ والزَّلل. وجعل للمشتغلين به أجرًا ومَزِيَّةً، وتواترت فضائل حَمَلَتِهِ وقُرَّائه في الأحاديث النبوية، تحقيقًا لوعد الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. ولما تكفَّل الله تعالى بحفظه، خصَّ مَن شاء مِن بَرِيَّتِهِ، وأورثه مَن اصطفاه من خليقته؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أهلين من الناسِ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُهُ)[2]. ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا فيه حثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، وإذا بعث بعثًا جعل إمامهم في صلاتهم أحفظَهم لكتاب الله، فضلًا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من تعلم القرآن وعلَّمه، بلَّغه وبيَّنه لصحابته الكرام، فحفِظوه وتنافسوا في تلاوته وتدبره، ومدارسته وتفسيره والعمل به، وعلى نهجهم سار التابعون ومَن تبعهم بإحسان، فغدت سنة مُتَّبَعَةٌ يأخذها اللاحق عن السابق؛ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنهما قال: (القراءة سُنَّةٌ، فاقرؤوه كما تجدونه)[3]. هكذا كانت نظرة السلف رحمهم الله لِما يتلقَّونه من الوحي، مستشعرين في ذلك أنهم مبلِّغون عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. معنى جمع القرآن: لغة: الجمع مصدر الفعل "جمع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا؛ قال الجوهري: "أجمعت الشيء: جعلته جميعًا، والمجموع: الذي جُمِعَ من ها هنا وها هنا، وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد"[4]. وقال ابن منظور: "جمع الشيء عن كل تفرقة يجمعه جمعًا، واستجمع السيل: اجتمع مع كل موضع، وجمعتُ الشيء... وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من ها هنا وها هنا"[5]. ويتضح أن معنى كلمة (جمع) في اللغة: التأليف وضمُّ المتفرق. اصطلاحًا: جمع القرآن الكريم يُطلَق في علوم القرآن على معنيين: الأول: جمعه بمعنى: حفظه في الصدور؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]؛ أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك"[6]؛ يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه: "وقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد، حتى نثبته فيه، ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك"[7]. والثاني: جمعه بمعنى: كتابته؛ ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في قضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومما ورد فيه قول عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: ((وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن))، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ((فتتبَّعتُ القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدور الرجال))[8]. يقول الإمام الزرقاني: "كلمة جمع القرآن تُطلَق تارة ويُراد منها: حفظه واستظهاره في الصدور، وتطلق تارة أخرى ويُراد منها: كتابته كله حروفًا وكلمات وآيات وسورًا؛ هذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور، ثم إن جمعه بمعنى كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات؛ الأولى: في عهد النبي صــلى الله عليه وسلم، والثانية: في خلافة أبي بكر، والثالثة: على عهد عثمـــان، وفي هذه المرة الأخيرة وحدهـــا، نُسخِت المصـــاحف، وأُرسلت إلى الآفـــــــاق"[9]. جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مولَعًا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، يُقرِئه القرآن فيحفظه ويفهمه، فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة؛ شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة السماوية. وأما الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان كتاب الله عز وجل في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه وتدبره والعمل به؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأه في شهر))[10]. يقول الإمام ابن الجزري رحمه الله: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة"[11]، وقال: "وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب، ولما خصَّ الله تعالى بحفظه مَن شاء مِن أهله، أقام له أئمة ثقات تجرَّدوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقَّوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا، لم يهملوا منه حركةً ولا سكونًا، ولا إثباتًا ولا حذفًا، ولا دخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وَهْمٌ، وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ أكثره، ومنهم من حفظ بعضه، كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أول كتابه في القراءات من نقل عنهم شيء من وجوه القـــراءة من الصحابة وغيرهم؛ فذكر من الصحابة: أبا بكــر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، وسعدًا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالمًا، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبدالله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين، وذكر من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، ومجمع بن جارية، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم أجمعين"[12]. من خلال ما تقدم يتضح لنا أن حفَّاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جمًّا غفيرًا، "حتى كان عدد القتلى ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة؛ قال القرطبي: قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القرَّاء، وقُتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد"[13]. لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن الكريم، وإقرائه لأصحابه، وحثِّهم على تعلمه وتعليمه، بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته وتقييده في السطور، فكان كلما نزلت عليه آياتٍ، دعا الكُتَّاب فأملاه عليهم، فيكتبونه، وبذلك كان القرآن مكتوبًا كله بأمره في عهده صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ عددًا من كُتَّابِ الوحي، ومنهم الخلفاء الأربعة، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعبدالله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وغيرهم[14]، "وكان يأمرهم بكتابة كل ما ينزل من القرآن؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنت جارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل الوحي، أرسل إليَّ فكتبت الوحي))[15]، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور، كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداءً من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيخطُّونه في العُسُبِ (جريد النخل)، واللِّخاف (صحائف الحجارة)..."[16]؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرِّقاع))[17]. ويسمى هذا الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حفظًا وكتابةً: "الجمع الأول". جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداثٌ جِسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهَّز الجيوش وأوقدها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثني عشرة للهجرة، تضم عددًا كبيرًا من الصحابة القُرَّاء، فاستُشهد في هذه الغزوة سبعون قارئًا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر رضي الله عنهما، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشيةَ الضياع؛ فإن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالقُرَّاء[18]. "روى البخاري في صحيحه[19]، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يَزَلْ عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبَّعِ القرآن واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير[20]، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128] مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر"[21]. "وقد راعى زيد بن ثابت رضي الله عنه نهاية التَّثَبُّتِ، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله في الحديث: ((ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره))، لا ينافي هذا، ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك؛ لأن زيدًا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معًا[22]، فكانت هذه الرواية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كُتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري"[23]. منهج الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم: لقد اتبع زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم منهجًا قويمًا، وطريقة دقيقة مُحكَمة، وضعها له أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم: ١- ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ٢- ما كان محفوظًا في صدور الصحابة رضي الله عنهم. فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه، بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتمد الحفظ وحسب، بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادة في التوثيق. يقول الإمام الزرقاني: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبُّتٍ بالغٍ وحَذَرٍ دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛ أحدهما: ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[24]. وبهذه الخصائص العظيمة المعتبرة تميز جمعُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن الكريم؛ قال علي كرم الله وجهه: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر رحمة الله عليه، هو أول من جمع كتاب الله"[25]. قال الخراز: جمعَه في الصُّحفِ الصِّدِّيقُ كما أشارَ عُمَرُ الفارُوقُ وذاك حينَ قتلُوا مُسيلمة وانقلبتْ جيوشُه منهزمَة وبعده جرده الإمام في مصحف ليقتديَ الأنام ولا يكون بعده اضطراب وكان فيما قد رأى صواب[26] جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن ما يميز السياسة الراشدة نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجَّلها المؤرخون قديمًا وحديثًا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة مرات آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت"[27]. فقد "اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن، وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن"[28]. روى البخاري "عن أنس بن مالك ((أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرِكِ الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا[29]، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق"[30]. قال الإمام الزركشي في "البرهان": "وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف، فإنه جهلٌ منهم وعمى، فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولمَّ الشعْثَ وكان ذلك واجبًا عليه، ولو تركه لعصى؛ لِما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك"[31]؛ قال علي كرم الله وجهه: "لو وليتُ ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل"[32]. ثم إن النص الذي كان عند حفصة هو النص المكتوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته النص المكتوب في مصحف عثمان رضي الله عنه، فلا يصح الزيادة عليه ولا يصح النقص[33]. عن سويد بن غفلة قال: "قال علي رضي الله عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيًرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا"[34]. توحيد المصاحف: "إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك - وإنما فعل ذلك - عثمان - لأن الناس اختلفوا في القراءات؛ بسبب تفرق الصحابة في البلدان، واشتد الأمر في ذلك، وعظُمَ اختلافهم وتشتُّتُهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما رُوي لها، فاختلفوا وتنازعوا، وأظهر بعضهم إكفارَ بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري - إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلِكَ، قال: في ماذا؟ قال: في كتاب الله؛ إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسًا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم، كما اختلف اليهود والنصارى"[35]. "أضِفْ إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، إنما كان كل صحابي في إقليمه يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن، ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد. لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء، قبل أن يعزَّ الدواء، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضع حدًّا لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يُرسَل بها إلى الأمصار، وأن يُؤمَرَ الناس بإحراق كل ما عداها، وألَّا يعتمدوا سواها، وبذلك يرأب الصَّدْعَ، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلال هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحَكَمهم العدل في ذلك النزاع والمِراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء"[36]. وكان هذا من عثمان رضي الله تعالى عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار، وجُلَّةَ أهل الإسلام، وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطَرْحِ ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأيًا سديدًا موفَّقًا، رضي الله عنهم أجمعين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * موقع الألوكة: (https://www.alukah.net/sharia/0/142194/#ixzz6ZeFwm3P2). [1] جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، المملكة المغربية. [2] "سنن ابن ماجه"، كتاب المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، حديث رقم: 215. [3] الإمام جعفر المستغفري، "فضائل القرآن"، تحقيق: محمد عثمان، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ص: 130، انظر أيضًا: "السبع" لابن مجاهد، ص: 47. [4] الجوهري، "الصحاح"، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطَّار، دار العلم للملايين، بيروت، القاهرة، الطبعة الثانية، 1376هـ/ 1556م، ج: 3، ص: 1199. [5] ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، ج: 8، ص: 53. [6] "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجه التأويل"، الزمخشري، تحقيق: محمود بن عمر الزمخشري أبو القاسم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1430هـ/ 2009م، ط: 3، ج:1، ص: 1161. [7] ابن جرير الطبري، "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، تحقيق: الدكتور بشَّار عوار معروف، وعصام فارس الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ/ 1994م، ج: 7، ص: 213. [8] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98. [9] محمد عبدالعظيم الزرقاني، "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 115. [10] أخرجه النسائي بسند صحيح، "السنن الكبرى"، رقم: 8064. [11] محمد بن الجزري، "النشر في القراءات العشر"، تحقيق: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 6. [12] المرجع السابق، ص: 6. [13] "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 242. [14] انظر: "جوامع السير"، لابن حزم، ص: 26. [15] أخرجه ابن أبي داود، كتاب "المصاحف"، ص: 3. [16] مناع القطان، "مباحث في علوم القرآن"، مكتبة وهبة، القاهرة، ص: 118. [17] أخرجه الحاكم في "المستدرك"، بسند على شرط الشيخين: 6112. [18] انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمناع القطان، ص: 121. [19] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98. [20] قال الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن": "كتابة القرآن ليست بمحدثة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنما أمر الصدِّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامعٌ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء"؛ [الإتقان في علوم القرآن، ص: 385]. [21] "البرهان في علوم القرآن"، الزركشي، تحقيق: أبي الفضل الدمياطي، ص: 165. [22] أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: ((قدِمَ عمر، فقال: من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن، فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان))، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا، حتى يشهد من تلقَّاه سماعًا، مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة من الاحتياط؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 165]، الحديث أخرجه ابن أبي داود، في كتاب "المصاحف"، ص: 10. [23] "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 122. [24] "مناهل العرفان"، ص: 352. [25] "مباحث في علوم القرآن"، ص: 122، بتصرف. [26]- الشريشي الخراز، "منظومة مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن"، ص: 7. [27]- نور الدين عتر، "علوم القرآن الكريم"، مطبعة الصباح، دمشق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414ه/ 1993م، ص: 172. [28]- "مناهل العرفان"، ص: 255. [29]- قال أبو عمرو الداني في "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف، جعله على أربعة نسخ وبعث إلى كل ناحية واحدًا: الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحدًا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد إلى مكة، وإلى اليمن، وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 169]. [30]- رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 99. [31]- الزركشي، "البرهان في علوم القرآن"، ص: 169. [32]- أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف"، ص: 97، 98. [33]- محمد أبو زهرة، "المعجزة الكبرى القرآن"، ص: 42. [34]- أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح، انظر: "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 125. [35]- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ص: 86. [36]- "مناهل العرفان"، ص: 256، 257.
    0
  • فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه *
    الكاتب: أبو سليمان المختار بن العربي مؤمن

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
    وبعد:

    فهذا مبحث لطيف في فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه.
    ذكرت فيه مقدمة، وتمهيدا، وستة فصول تحتها طائفة من المباحث، وقد بينت في المقدمة سبب اختياري للموضوع، وأوردت إجمال موضوع البحث.
    وأمّا التمهيد فذكرت فيه مبحثين:
    الأول: نزول القرآن.
    الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث:
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف.
    الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى.
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث.
    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه.
    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.
    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه.
    المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    الفصل الرابع: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -.
    المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام.
    المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه.
    المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية.
    المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي.
    المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟
    الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا.
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث.
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم.
    الخاتمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة:
    لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم على عبده ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتم الرسالات السماوية، وأخذ على نفسه سبحانه حفظ كتابه لتقوم به الحجة على الخلق، وتتضح به المحجة لأهل الصدق والحق فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: ٩]، فحفظه من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه[1]، وحفظه من شياطين الإنس والجن حتى لا يزيدوا فيه حرفا أو ينقصوه وليس في العالم كله كتاب هيئ له من وسائل الحفظ والصون لكل كلمة من كلماته ولكل حرف من حروفه ما هيئّ للقرآن الكريم.
    وقد يسر الله تعالى حفظه في الصدور، وجعل له حراسا في الرّق المسطور، فلايزال بحمد الله محفوظا أبد الأيام والدهور، وقد ثبت في الحديث القدسي من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: قال الله تعالى - في الحديث القدسي -: " إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"[2].
    التمهيد وفيه مبحثان:
    الأول: نزول القرآن.
    الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    المبحث الأول: نزول القرآن.
    لقد نزل القرآن الكريم في أفضل بقعة، وأقدس زمان، على أفضل إنسان على وجه الأرض ألا وهو الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاءه سفير رب العالمين إلى الرسل، وأمين الوحي جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يتعبد الله في غار حراء، فارتبطت الأرض بالسماء، وأضاء النور سائر الأرجاء، فدعونا نأخذ بداية الأمر من أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من فم الطاهرة الصدّيقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:" أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ"، قال: " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3] " فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم"، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي"[3].
    بل إن من فضل الله على هذه الأمة المباركة المرحومة أن وسّع الله لها في قراءة القرآن الكريم فنزل على سبعة أحرف فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"[4].
    المبحث الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    إنّ لكلام الله تعالى فضلا على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ" [5].
    وقد مدح الله كلامه في كثير من آيات القرآن ووصفه بالبركة والحسن والنور وغير ذلك من الصّفات الطيبة المباركة فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، وجعله روحا من عاش به كان حيًّا، ومن استنكّف عن هُداه عاش عيشة ضنكا، وكان مآله خسرا قال تعالى ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ [الشورى: 52] فسماه روحا وهل هناك حياة بدون روح، وقال تعالى ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126].
    وإذا كان لكلامه ذلك الفضل فإن لحفظته الرفعة في الدنيا والآخرة فقد نوه بذكرهم، ورفع من شأنهم، فَقَالَ عزَّ وجلَّ من قائل: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]، واصطفاهم لحمل رسالته فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].
    وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن عثمان بن عفان - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه "[6].
    و عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ"[7].
    ولقد كتب العلماء كثيرا عن فضائل القرآن وأهله فلنكتف بما أشرنا إليه، ومن أراد المزيد فعلى بكتب الفضائل والله الموفق [8].
    الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث:
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف.
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، جملهم الله بكتابه، واصطفاهم على عباده، فأدرج النبوة بين جنوبهم إلا أنه لا يوحى إليهم، فحري بهم أن يتأدبوا بآداب القرآن ويتحلوا بزينة آيات الرحمن، قال عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: "يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنِهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِوَرَعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَبِحزُنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ"[9].
    وقال النّووي رحمه الله تعالى: وينبغي - أي لحامل القرآن - أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
    ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قلّ، ولوكان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه قال تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ الآية [الإسراء: 18، 19].
    وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلّم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلّمه إلاّ ليصيب به غرضا من الدّنيا، لم يجد عَرْفَ الجنّة يوم القيامة" [10]، ومثله أحاديث كثيرة.
    وعلى حامل القرآن أن يتميّز بإخلاصه في عمله لله تعالى، وتلاوته ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليحذر كلّ الحذر إذا كان معلّما للقرآن من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلّمين الجاهلين وهي دلالة بيّنة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته"[11].
    المبحث الثاني: المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته و حكم مس المصحف.
    إنّ من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها قارئ القرآن أن يكرم كتاب الله ويعظمه، وينزهه، ولا يحلّ له مسّ المصحف على المشهور من غير طهارة وهو قول الجمهور من الفقهاء والعلماء، فيجب له الوضوء، وذلك لحديث أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم مرسلا أنّه قد أتاهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر" [12].
    قال الحافظ ابن عبدالبر[13]: وكتاب عمرو بن حزم قد تلقّاه العلماء بالقبول والعمل، وخرّج له الحافظ الزّيلعي[14]شواهد وطرقا يتقوّى ويصحّ بها[15].
    بل من الأدب الظاهر أن لا يمس جلدها لا بيده ولا بعود أو غير ذلك.
    ويحرم عليه توسده والاتكاء عليه كما يكره مد الأرجل إلى جهته - كما يفعلهبعض العامة الآن في المساجد - واستدباره وتخطيه ورميه على الأرض بدون وضعه على شيء عال، فإنّ من إكرام المصحف ألا نساوي بينه وبين الكتب الأخرى، فقد روى أبوداود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودٍ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْقُفِّ، فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "بِالتَّوْرَاةِ"، فَأُتِيَ بِهَا، فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ، فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا"[16] ثم قال بالتوراة أي أمر أن يؤتى له بها لأنها الله تعالى قال له: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [ المائدة: 44].
    والشاهد من الحديث هو تعظيم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للتوراة وهي كتاب فيه ما فيه من التحريف، ولكن فيه أيضا ممّا لم يحرف فغلّب - صلى الله عليه وسلم - جانب التّعظيم للأخير، فكيف بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا يصان ويعظم، بل يرميه بعض السّفهاء على الأرض فإذا طالبتهم بالأدب مع القرآن زعموا ألاّ دليل على ذلك من قلّة أدبهم فإلى الله المشتكى.
    وأن لايوضع بين الكتب أو في أسفلها بل يوضع في أعلاها[17]، ومن آدابه أن لا يُعرَّض بآياته عند أمر من أمور الدنيا، أو يستخفّ به ويجعله عرضة للمزاح قال أبو عبيد القاسمبن سلاّم: "وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بالحاجة فتأتيه من غير طلب فيقول كالمازح ﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40] وهذا من الاستخفاف بالقرآن" [18].
    ومن باب أولى فإن الاستهزاء به وإهانته كفر وردّة، وناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله.
    ومن آدابه أتباع أوامره واجتناب نواهيه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121] قال: "يتّبعونه حقّ إتباعه".
    وروى العكبري عن عامر بن مطر قال: " رأى حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - من النّاس كثرة فقال: "يا عامر بن مطر كيف أنت إذا أخذ النّاس طريقاً وأخذ القرآن طريقاً مع أيّهما تكون؟ قلت أكون مع القرآن أموت معه وأحيا معه، قال: فأنت إذاً أنت فأنت إذاً أنت" [19] - أي: أنت المصيب بينهم.
    وروى أبو عبيد عن الحسن البصري - رحمه الله - قال: "إنّ أولى النّاس بهذا القرآن من أتبعه وإن لم يكن يقرؤه".
    ومن آدابه أيضاً أن يترسل القارئ ويتدبّر في قراءته، وعليه بترتيله وتحسين الصّوت به، وأن لا يجهر على جالسيه وأصحابه فيؤذيهم كالّذي يصلّي ويقرأ بجانبه، فعن البياضي - رضى الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النّاس وهم يصلّون وقد علت أصواتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ المصلي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه، ولايجهر بعضكم على بعض بالقرآن" [20].
    ومن آدابه عدم التمايل والاهتزاز عند قراءته - كما يفعل اليهود في قرأت التوراة - أو وضع اليدين على الأذنين أو إحداهما على إحداها عند القراءة أو التلحين الذي يشبه الغناء فإنها بدعة لم يفعلها أحد من السلف الصالح.[21]
    ومن آدابه احترام الأوراق التي فيها آيات منه أو لفظ الجلالة أو البسملة فلا تلقى على الأرض ولا في القمامة، كما يفعله من لا خلاق لهم، وكذلك ما ينشر في الجرائد والمجلات ثم ترمى في المزابل والقمامات مما يغضب رب الأرض والسموات، أو تجعل سفرة للطعام، أو أغطية على الجدران والسيارات عند صبغها، فليحذر الذين يستهينون بذلك فإن الله يغار سبحانه على كلامه، فليتق الله من كان مسلما وليراع حرمة القرآن [22].
    وهناك آداب أخرى كثيرة ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الإتقان[23] فلنأت بها على سبيل الاختصار:
    • تسن القراءة في مكان نظيف و أفضله المساجد، ويكره قراءة القرآن في الحمام والطريق، و قال النووي مذهبنا لا تكره فيهما قال: وكرهها الشعبي في الحش و بيت الرحا وهي تدور، قال: و هي مقتضى مذهبنا.
    • ويسن أن يجلس مستقبلا القبلة متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه.
    • ويسن أن يستاك تعظيما و تطهيرا.
    • ويسن التعوذ قبل القراءة.
    • وعليه أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة، غير براءة.
    • ويستحب البكاء عند قراءة القرآن و التباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع.
    • ويستحب قراءته بالتفخي مقال الحليمي: و معناه أن يقرأه على قراءة الرجال و لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء، كما أنه يكره قطع القراءة لمكالمة أحد.
    • لا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا، سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أو خارجها.
    • ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشر سجدة.
    • ويسن التكبير من الضحى إلى آخر القرآن و هي قراءة المكيين.
    • ويكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها.
    • ويسن الاستماع لقراءة القرآن و ترك اللغط و الحديث بحضور القراءة.
    • ويستحسن صوم يوم الختم، وأن يحضر أهله وأصدقائه، و يدعو لأن الرحمة تتنزل في ذلك الوقت كما جاء عن أنس - رضى الله عنه - ومجاهد رحمه الله.
    • كما يسن إذا انتهى من ختمه أن يشرع في أخرى عقب الختم.
    الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى.
    وفيه مباحث:
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    المبحث الثالث: جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    حفظ الله تعالى لكتابه:
    لقد أنزل الله الكتب السماوية السابقة على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ووكّلهم بحفظها، فبلغها الرسل إلى أقوامهم إلا أن الأمم السابقة حرفت كتبها وبدلت ما أمرها الله بحفظه قال تعالى: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة : 44].وقال سبحانه: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13].
    وشرف الله تعالى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ لها كتابها الذي جاء به نبيّها عليه الصلاة والسلام منذ اللحظة الأولى قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه لها في صدورها وفي كتبها والحمد لله أولا وآخرا.
    ويطلق حفظ الكتاب العزيز على جمعه ويراد به أحد ثلاثة معان:
    1- جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    2- جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    3- جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور:

    قال تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16-19]، أي جمعه في صدرك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه فقال ابن عباس: فأنا أحرّكهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرّكهما، وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عباس يحرّكهما، فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى: ﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه ﴾ [القيامة: 16-17] قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه: ﴿ فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ﴾ [القيامة: 18] قال: فاستمع له وأنصت: ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾ [القيامة: 19] ثم إنّ علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه"[24].
    ولم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا يحثّ فيه على حفظ القرآن إلاّ فعله، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفاضل بين أصحابه بمقدار حفظهم للقرآن، ويقدّم في الصّلاة أكثرهم حفظا، ويعطي الرّاية في الحروب أكثرهم قرءانا، ويقدّم في الدّفن أحفظهم لكتاب الله تعالى، ولربما زوّج الرجل على ما معه من القرآن، فضلا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن، ثم حفظه التابعون وتوارثته الأمة جيلا بعد جيل، فلم ينقص منه حرف، ولم يتطاول على كتاب الله أحد إلاّ رمته سهام الحفاظ فأردته طريحا، ولقد وصل لنا بالسند العالي إلى ربّ العزة عن طريق جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهيهات أن تجد أمة حفظ كتابها طريا نقيا، شامخا عليا مثل أمتنا ولله الحمد والمنة.
    ولجمع كتاب الله وحفظه خصائص أهمها:
    1- أنّ جمع القرآن الكريم أي حفظه في الصّدور هو أوّل علم نشأ من علوم القرآن.

    2- أنّ حفظه دائم لا ينقطع إلى أن تقوم السّاعة.

    3- أنّ الحفظ في الصّدور خاصّ بالقرآن فليس هناك أمة تحفظ كتابها في صدورها.

    4- أنه يجب على كل مسلم حفظ ما يمكن أن يؤدي به صلاته، بخلاف جمعه كتابة فلا تجب على كل أحد.

    المبحث الثاني:. جمعه بمعنى كتابته وتدوينه

    لقد مرّ جمع القرآن الكريم بهذا المعنى على ثلاث مراحل:

    1- الجمع الأول: في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

    2- الجمع الثاني: في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -.

    3- الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -.

    أمّا الجمع الأول بمعنى كتابته وتدوينه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

    فمن المعلوم أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتّخذ كُتّابا للوحي منهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس - رضى الله عنهم -، وكان يأمرهم بكتابة كل مايقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة.
    ولقد كان يومئذ يدون في الصحف، واللخاف (الحجارة الرقيقة )، والعسب، والرقاع، والأكتاف ونحو ذلك.

    روى الحاكم من حديث عثمان بن عفان - رضى الله عنه - أن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا الحديث"[25].
    الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث:

    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه.

    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.
    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه.
    المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه:

    لقد كان الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها فيمكانها الخاص من سورها؛ وكانت الكتابة متفرقة بين عُسُب[26]، وعظام وحجارة ونحوذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة.

    ومن مزايا جمعه يومئذ:
    1- زيادة التّوثيق للقرآن.

    2- أنّه كتب على الأحرف السّبعة.

    3- أنّه كان مرتب الآيات أمّا السور ففي ترتيبها خلاف.

    4- لم يكن مجموعا في مصحف واحد كما قال زيد بن ثابت - رضى الله عنه -: "قبض النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء واحد"[27].

    يقول زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نؤلّف القرآن من الرّقاع"[28] قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.

    لقد كان انتقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّفيق الأعلى أحدث فراغا في النّفوس، فارتدّت قبائل العرب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - إلاّ أن يعيدهم للإسلام، وشارك جمهور الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في تلك المعارك الطاحنة، وقتل فيها عدد كبير من القراء الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم مما جعل بعض الصحابة يخشى أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته فتشاوروا فيما بينهم واتفقوا على جمع القرآن في مصحف واحد[29]، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة[30] فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ[31] بقُرَّاءِ القرآن، وإنّي أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.." الحديث[32].

    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:
    كان هذا الجمع المبارك بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة.

    واختير زيد بن ثابت - رضى الله عنه - لهذا الجمع لأسباب عدّة منها:

    1- أنه من حفاظ القرآن الكريم المتقنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

    2- أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم.

    3- أنه من كتبة الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو أشهرهم وأكثرهم كتابة للوحي.

    4- أنه كان عاقلا ورعا مع كمال خلق واستقامة في دينه وعظم أمانته، وقد قال له الصديق - رضى الله عنه -: إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّع القرآن فاجمعه - وقال هو عن نفسه: فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن"

    مميزات جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:

    1- جمعه على أدّق وجوه البحث والتّحري والإتقان.

    2- أهمل في هذا الجمع ما نسخت تلاوته من الآيات.

    3- أنّ هذا الجمع كان بالأحرف السّبعة التي نزل عليها القرآن الكريم.

    4- أنه كان مرتّب الآيات باتفاق، بخلاف السور فقد اختلف العلماء هل تم ترتيبها في هذا العهد أم في عهد عثمان - رضى الله عنه.

    5- اتفق العلماء أنّه كتب منه نسخة واحدة حفظها الخليفة الراشد الصديق - رضى الله عنه - عنده لأنّه الإمام.

    6- أجمعت الأمة على هذا الجمع المبارك للقرآن وتواتر ما فيه.

    الفصل الرّابع: وفيه مبحث واحد: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    لم يكن (المصحف) يطلق على القرآن قبل جمع أبي بكر - رضى الله عنه - وإنما عرف بذلك بعد أن أتم زيد - رضى الله عنه - كتابته روى السيوطي عن ابن اشته في كتابه (المصاحف) قال " لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف"[33].

    الفصل الخامس: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -
    وفيه مباحث:
    المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام:
    اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في أقطار الدنيا، وحمل الصحابة والتابعون كلام الله تعالى ينشرونه نورا في الآفاق، وكان كل صحابي يعلّم تلاميذه بالحرف الذي تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما اتجه الجيش الإسلامي إلى "أرمينية" و"أذربيجان"، التقت كتائب الجيش التي جاءت من الشام والعراق، فكاد الشقاق والنزاع يقع بينهم في أحقية قراءة كل جهة منهم أنها هي المحقة، فسارع حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - في إبلاغ أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - بما وقع من التناكر والاختلاف، وكان عثمان - رضى الله عنه - لمس هذا الاختلاف من قراء المدينة أنفسهم فقام خطيبا وقال: " أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إماما" [34].

    المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه -:

    1- خطبة عثمان - رضى الله عنه - وعزمه على جميع الصحابة بجمع ما عندهم من الصحف والمجيء بها عنده.
    2- بعثه إلى حفصة لترسل له الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - ثم ردها إليها.

    3- تكليفه لزيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش بنسخ مصاحف منها، وقد ندب اثنا عشر رجلا آخرين لمعاونتهم في هذا الأمر الجليل[35].
    4- إذا كان في الآية أكثر من قراءة تكتب خالية من أيّة علامة تقصر النّطق بها على قراءة واحدة مثال ذلك قوله تعالى:
    أ‌- ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6] قرئت أيضا (فتثبتوا)[36].
    ب‌- ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ [البقرة: 259] قرئت أيضا (ننشرها)[37].

    المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية.

    عزم عثمان - رضى الله عنه - في أواخر سنة 24هـ وأوائل سنة 25هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضاً: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً" [38].

    ولم تذكر المدة التي استغرقتها اللجنة في كتابة المصحف، وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان"[39].

    المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي:
    قال الزّركشي رحمه الله: (قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[40].

    ويقول الإمام السيوطي - رحمه الله - اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[41].

    وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[42].

    والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[43]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[44].

    ولم يكتف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[45].

    وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب[46]
    المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟
    قال الشيخ مناع القطان: المصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم. والذي يُرْوَى عن ابن كثير في كتابه "فضائل القرآن" أنه رأى واحدًا منها بجامع دمشق بالشام، في رقّ يظنه من جلود الإبل، ويُرْوَى أن هذا المصحف الشامي نُقِلَ إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة، وقيل أنه احترق في مسجد دمشق سنة(1310) هجرية. والله أعلم.

    الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا:
    وفيه مبحث:
    المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا.
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    المبحث الأول: أوّل من سجّل له القرآن الكريم كاملا.
    لقد شهد عصرنا طفرة في عالم التقنية الحديثة، وتعددت وسائل النسخ والتسجيل، فسارعت الجهات الغيورة على حفظ كتاب الله تعالى في تسجليه على الأشرطة السمعية والبصرية، ليكون عونا لأهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها على تلاوة كتاب الله عز وجل تلاوة صحيحة، وتبنت جمعية المحافظة على القرآن الكريم في مصر سنة 1378 هجرية، ووضعت لذلك شروطا ومواصفات وقواعد وأحكاما، وبدأ التسجيل لأول مرة سنة 1379 هجرية وانتهت الطبعة ألأولى في المحرم من عام 1381 هجرية بقراءة الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص عن عاصم وأعقب ذلك سنة 1382 هجرية تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري [47].
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    1- متانة القراءة ورزانة الصوت، وحسن المخارج التي صقلها بالرياضة.
    2- الاهتمام بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء الفن.
    3- العناية بمساواة مقادير المدود، والغنّات، ومراتب التّفخيم والتّرقيق، وتوفية الحركات.
    4- وجود لجنة من المشايخ المتقنين في فنّ القراءات لسماع القارئ.

    الفصل السادس:
    طباعة المصحف في العصر الحديث:
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم.
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    كان اكتشاف الآلات الحديثة في الطباعة نعمة من النعم العظمى التي أدت إلى انتشار كتاب الله في أرجاء الأرض، فقد كانت أول طبعة للمصحف في مدينة البندقية (إيطاليا) عام 1538م ولم يبق من هذه الطبعة سوى نسخة واحدة محفوظة في دير سانت ميشيل بالبندقية.
    كما أن الطبعة الثانية للمصحف طبعت في هامبورغ بألمانيا عام 1694م، والتي تتوفر منها عدة نسخ من بينها نسخة مودعة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض.
    كما تمت طباعة أخرى هي طبعة بتافيا لعام 1698م وطبعة سانت بطرسبرغ عام 1787م وطبعة ليبزغ عام 1834م وطبعة قازان عام 1848م.
    ثم انتشرت المطابع في العالم الإسلامي، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في طباعة المصحف الشريف وتوزيعه بالملايين على المسلمين في شتى بقاع المعمورة، وأنشئ لذلك الغرض مجمع متكامل.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم:
    • نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بغار حراء.
    • نزل القرآن منجما (مفرقا) خلال ثلاث وعشرين سنة.
    • أوّل ما نزل من القرآن خمس آيات الأولى من سورة اقرأ، وآخر آية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
    • القرآن العزيز أربعة أقسام: الطِّوال، والمئون، والمثاني، والمفصل.
    • عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، منها (86) مكي، و(28) مدني.
    • عدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين (على خلاف بين المصاحف في العدّ)
    • أوّل من نقط المصحف أبو الأسود الدّؤلي، وأوّل من أدخل الشّكل هو عبد الملك بن مروان بأمر منه.

    الخاتمة
    عندما نتكلم عن القرآن فإنّما نتكلّم على صفة من صفات ذي الجلال والإكرام، وحينها على الوجود أن يصغي لروائع كلام ربّ العالمين، فتخشع الأرض والجبال، وتلين لعظمته السموات الطباق، ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].
    وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31]
    يتشرف المسلم حينما يصل نفسه بكتاب الله فتسمو روحه، وتطهر نفسه، ويزكو قلبه، ويعيش عيشة سعيدة ملؤها الإيمان وانشراح الصدر، وتتلألأ بين جوانحه أنوار الوحي فيعيش كبيرا ويموت كبيرا، فيا أيها المسلم لا تبرح ساحة القرآن، ولا تبتعد عن رحابه الطاهرة إن كنت تريد ركب النجاة في الآخرة وذي الحياة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * موقع الألوكة: (https://2u.pw/BpLMM).
    [1] جامع البيان في تأويل القرآن للإمام ابن جرير الطبري (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
    [2] رواه مسلم (الحديث رقم: 7309).
    [3] البخاري (3) ومسلم (160).
    [4] رواه البخاري باب انزل القرآن على سبعة أحرف4705، مسلم في صلاة المسافرين 519
    [5] رواه الترمذي (2926) وقال "هذا حديث حسن غريب". وكذلك رواه الدارمي في سننه (2: 441 طبعة دمشق).
    ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9: 58 - 59) عن الترمذي، وقال: "ورجاله ثقات إلا عطية العوفي، ففيه ضعف.
    [6] رواه البخاري (الحديث رقم: 5027).
    [7] رواه مسلم ( الحديث رقم: (798).
    [8] من الكتب في ذلك: فضائل القرآن لابن كثير، وللقاسم بن سلام، وللنسائي، وللجهضمي ن ولابن الضريس وغيرهم ممن كتب قديما وحديثا.
    [9] فضائل القرآن للقاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ)، ص(112)تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م.
    [10] رواه أبو داود بإسناد صحيح (3664).
    [11] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي بتصرف يسير.
    [12] طا(2/10-11)، وعب في مصنفه (1/342)، قط(1/122) وابن أبي داود في المصاحف (2/582) ووصله الدّارمي في سننه (2166)، وك في المستدرك (1/395) وقال: إنّ هذا الحديث من قواعد الإسلام، وحب كما في الموارد (202).
    [13] الاستذكار (2/472) قال:، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتّصل وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأنّ المصحف لا يمسّه إلاّ طاهر)، وقال: لا خلاف في إرسال هذا الحديث، وقدروي من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السيّر معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنّه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقِّي النّاس له بالقبول ولا يصحّ عليهم تلقّي ما لا يصحّ.
    [14] انظر نصب الراية للزيلعي (1/196).
    [15] وقد صححه الإمام أحمد كما في مسائل البغوي (38). وقال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف (2\26): قال أحمد بن حنبل: "كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح". وقال بعض الحفاظ من المتأخرين كما في نصب الراية (2\341): "نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة الأربعة بالقبول". وقال الإمام الشافعي في الرسالة (ص422): "ولم يقبلوا (أي الصحابة أيام عمر) كتاب آل عمرو بن حزم -والله أعلم- حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله". وصححه إسحاق ابن راهويَه كما في الأوسط لابن المنذر (2\102). وقال يعقوب بن سفيان الفسوي كما في نصب الراية (2\341): "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه. كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون يرجعون إليه ويَدَعُون آراءهم". وقال العقيلي في ضعفاءه (2\127): "هو عندنا ثابت محفوظ". وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته للحديث بطوله وتصحيحه (1\553): "هذا حديثٌ كبيرٌ مفسرٌ في هذا الباب، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزُّهري بالصحة". ونقل تقويته عن أبي حاتم الرازي. وصححه ابن حبان (14\510)، وابن خزيمة كذلك في صحيحه (4\19).
    [16] سنن أبي داود برقم (4449).
    [17] رد المحتار على الدر المختار (1/177) لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى:1252هـ) الناشر: دار الفكر- بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م.وانظر كشاف القناع 1 / 136، والآداب الشرعية 2 / 296 - 297.
    [18] فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (123) (المتوفى: 224 هـ)، تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين.
    الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1995 م.
    [19] الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري.
    [20] رواه مالك في الموطأ بسند صحيح 76).
    [21] معجم البدع لرائد أبي علفة، ولابن أبي زيد القيرواني رحمه الله رسالة خاصة في تبديع المتحرك في القراءة.
    [22] فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز.
    [23] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، في النوع الخامس والثلاثين من علوم القرآن (1/359)، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م.
    [24] البخاري (5).
    [25] رواه الحاكم في المستدرك ( 2/221).
    [26] العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل إِذا نُحِّيَ عنه خُوصه. (لسان العرب).
    [27] فتح الباري (9/9).
    [28] الوجيز في فضائل الكتاب العزيز محمد بن أحمد الأندلسي القرطبيدار الحديث تحقيق علاء الدين علي رضا.
    [29] وقصة جمعه في عهد أبي بكر مخرجة في صحيح البخاري (6/98-99).
    [30] مكان بنجد بينه وبين البحرين عشرة أيام -كما يقول ياقوت الحموي- وكانت تسمى قبل ذلك بالعروض، فسميت باليمامة على اسم "اليمامة بنت سهم بن طسم" انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي "5/ 442". قريب من مدينة الرياض بالسعودية.
    [31] استحر: اشتد.
    [32] صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وفي كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء... " و انظر: فتح الباري "9/ 10-11، 13/ 404". وانظر كتاب المصاحف للسجستاني "1/ 181" تحقيق الدكتور محب الدين عبد السبحان ط قطر.
    [33] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/51).
    [34] المصاحف لابن أبي داود(29).
    [35] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص (21-22).
    [36] وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف.
    [37] الأولى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بالزاي، وقرأ الباقون بالراء المهملة.
    [38] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص19. من اهم المراجع التي أخذت منها.
    [39] غرائب القرآن للنيسابوري (1/27).
    [40] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ).
    [41] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ).
    [42] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16.
    [43] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ).
    [44] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30.
    [45] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ).
    [46] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    [47] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد الرومي ص7-8).
    فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه * الكاتب: أبو سليمان المختار بن العربي مؤمن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وبعد: فهذا مبحث لطيف في فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه. ذكرت فيه مقدمة، وتمهيدا، وستة فصول تحتها طائفة من المباحث، وقد بينت في المقدمة سبب اختياري للموضوع، وأوردت إجمال موضوع البحث. وأمّا التمهيد فذكرت فيه مبحثين: الأول: نزول القرآن. الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث: المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف. الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى. المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور. المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث. المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه. المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. الفصل الرابع: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -. المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام. المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه. المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية. المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي. المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟ الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث. المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم. الخاتمة بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم على عبده ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتم الرسالات السماوية، وأخذ على نفسه سبحانه حفظ كتابه لتقوم به الحجة على الخلق، وتتضح به المحجة لأهل الصدق والحق فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: ٩]، فحفظه من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه[1]، وحفظه من شياطين الإنس والجن حتى لا يزيدوا فيه حرفا أو ينقصوه وليس في العالم كله كتاب هيئ له من وسائل الحفظ والصون لكل كلمة من كلماته ولكل حرف من حروفه ما هيئّ للقرآن الكريم. وقد يسر الله تعالى حفظه في الصدور، وجعل له حراسا في الرّق المسطور، فلايزال بحمد الله محفوظا أبد الأيام والدهور، وقد ثبت في الحديث القدسي من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: قال الله تعالى - في الحديث القدسي -: " إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"[2]. التمهيد وفيه مبحثان: الأول: نزول القرآن. الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. المبحث الأول: نزول القرآن. لقد نزل القرآن الكريم في أفضل بقعة، وأقدس زمان، على أفضل إنسان على وجه الأرض ألا وهو الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاءه سفير رب العالمين إلى الرسل، وأمين الوحي جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يتعبد الله في غار حراء، فارتبطت الأرض بالسماء، وأضاء النور سائر الأرجاء، فدعونا نأخذ بداية الأمر من أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من فم الطاهرة الصدّيقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:" أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ"، قال: " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3] " فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم"، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي"[3]. بل إن من فضل الله على هذه الأمة المباركة المرحومة أن وسّع الله لها في قراءة القرآن الكريم فنزل على سبعة أحرف فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"[4]. المبحث الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. إنّ لكلام الله تعالى فضلا على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ" [5]. وقد مدح الله كلامه في كثير من آيات القرآن ووصفه بالبركة والحسن والنور وغير ذلك من الصّفات الطيبة المباركة فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، وجعله روحا من عاش به كان حيًّا، ومن استنكّف عن هُداه عاش عيشة ضنكا، وكان مآله خسرا قال تعالى ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ [الشورى: 52] فسماه روحا وهل هناك حياة بدون روح، وقال تعالى ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126]. وإذا كان لكلامه ذلك الفضل فإن لحفظته الرفعة في الدنيا والآخرة فقد نوه بذكرهم، ورفع من شأنهم، فَقَالَ عزَّ وجلَّ من قائل: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]، واصطفاهم لحمل رسالته فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]. وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن عثمان بن عفان - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه "[6]. و عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ"[7]. ولقد كتب العلماء كثيرا عن فضائل القرآن وأهله فلنكتف بما أشرنا إليه، ومن أراد المزيد فعلى بكتب الفضائل والله الموفق [8]. الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث: المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف. المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، جملهم الله بكتابه، واصطفاهم على عباده، فأدرج النبوة بين جنوبهم إلا أنه لا يوحى إليهم، فحري بهم أن يتأدبوا بآداب القرآن ويتحلوا بزينة آيات الرحمن، قال عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: "يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنِهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِوَرَعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَبِحزُنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ"[9]. وقال النّووي رحمه الله تعالى: وينبغي - أي لحامل القرآن - أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك. ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قلّ، ولوكان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه قال تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ الآية [الإسراء: 18، 19]. وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلّم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلّمه إلاّ ليصيب به غرضا من الدّنيا، لم يجد عَرْفَ الجنّة يوم القيامة" [10]، ومثله أحاديث كثيرة. وعلى حامل القرآن أن يتميّز بإخلاصه في عمله لله تعالى، وتلاوته ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليحذر كلّ الحذر إذا كان معلّما للقرآن من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلّمين الجاهلين وهي دلالة بيّنة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته"[11]. المبحث الثاني: المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته و حكم مس المصحف. إنّ من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها قارئ القرآن أن يكرم كتاب الله ويعظمه، وينزهه، ولا يحلّ له مسّ المصحف على المشهور من غير طهارة وهو قول الجمهور من الفقهاء والعلماء، فيجب له الوضوء، وذلك لحديث أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم مرسلا أنّه قد أتاهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر" [12]. قال الحافظ ابن عبدالبر[13]: وكتاب عمرو بن حزم قد تلقّاه العلماء بالقبول والعمل، وخرّج له الحافظ الزّيلعي[14]شواهد وطرقا يتقوّى ويصحّ بها[15]. بل من الأدب الظاهر أن لا يمس جلدها لا بيده ولا بعود أو غير ذلك. ويحرم عليه توسده والاتكاء عليه كما يكره مد الأرجل إلى جهته - كما يفعلهبعض العامة الآن في المساجد - واستدباره وتخطيه ورميه على الأرض بدون وضعه على شيء عال، فإنّ من إكرام المصحف ألا نساوي بينه وبين الكتب الأخرى، فقد روى أبوداود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودٍ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْقُفِّ، فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "بِالتَّوْرَاةِ"، فَأُتِيَ بِهَا، فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ، فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا"[16] ثم قال بالتوراة أي أمر أن يؤتى له بها لأنها الله تعالى قال له: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [ المائدة: 44]. والشاهد من الحديث هو تعظيم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للتوراة وهي كتاب فيه ما فيه من التحريف، ولكن فيه أيضا ممّا لم يحرف فغلّب - صلى الله عليه وسلم - جانب التّعظيم للأخير، فكيف بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا يصان ويعظم، بل يرميه بعض السّفهاء على الأرض فإذا طالبتهم بالأدب مع القرآن زعموا ألاّ دليل على ذلك من قلّة أدبهم فإلى الله المشتكى. وأن لايوضع بين الكتب أو في أسفلها بل يوضع في أعلاها[17]، ومن آدابه أن لا يُعرَّض بآياته عند أمر من أمور الدنيا، أو يستخفّ به ويجعله عرضة للمزاح قال أبو عبيد القاسمبن سلاّم: "وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بالحاجة فتأتيه من غير طلب فيقول كالمازح ﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40] وهذا من الاستخفاف بالقرآن" [18]. ومن باب أولى فإن الاستهزاء به وإهانته كفر وردّة، وناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله. ومن آدابه أتباع أوامره واجتناب نواهيه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121] قال: "يتّبعونه حقّ إتباعه". وروى العكبري عن عامر بن مطر قال: " رأى حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - من النّاس كثرة فقال: "يا عامر بن مطر كيف أنت إذا أخذ النّاس طريقاً وأخذ القرآن طريقاً مع أيّهما تكون؟ قلت أكون مع القرآن أموت معه وأحيا معه، قال: فأنت إذاً أنت فأنت إذاً أنت" [19] - أي: أنت المصيب بينهم. وروى أبو عبيد عن الحسن البصري - رحمه الله - قال: "إنّ أولى النّاس بهذا القرآن من أتبعه وإن لم يكن يقرؤه". ومن آدابه أيضاً أن يترسل القارئ ويتدبّر في قراءته، وعليه بترتيله وتحسين الصّوت به، وأن لا يجهر على جالسيه وأصحابه فيؤذيهم كالّذي يصلّي ويقرأ بجانبه، فعن البياضي - رضى الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النّاس وهم يصلّون وقد علت أصواتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ المصلي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه، ولايجهر بعضكم على بعض بالقرآن" [20]. ومن آدابه عدم التمايل والاهتزاز عند قراءته - كما يفعل اليهود في قرأت التوراة - أو وضع اليدين على الأذنين أو إحداهما على إحداها عند القراءة أو التلحين الذي يشبه الغناء فإنها بدعة لم يفعلها أحد من السلف الصالح.[21] ومن آدابه احترام الأوراق التي فيها آيات منه أو لفظ الجلالة أو البسملة فلا تلقى على الأرض ولا في القمامة، كما يفعله من لا خلاق لهم، وكذلك ما ينشر في الجرائد والمجلات ثم ترمى في المزابل والقمامات مما يغضب رب الأرض والسموات، أو تجعل سفرة للطعام، أو أغطية على الجدران والسيارات عند صبغها، فليحذر الذين يستهينون بذلك فإن الله يغار سبحانه على كلامه، فليتق الله من كان مسلما وليراع حرمة القرآن [22]. وهناك آداب أخرى كثيرة ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الإتقان[23] فلنأت بها على سبيل الاختصار: • تسن القراءة في مكان نظيف و أفضله المساجد، ويكره قراءة القرآن في الحمام والطريق، و قال النووي مذهبنا لا تكره فيهما قال: وكرهها الشعبي في الحش و بيت الرحا وهي تدور، قال: و هي مقتضى مذهبنا. • ويسن أن يجلس مستقبلا القبلة متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه. • ويسن أن يستاك تعظيما و تطهيرا. • ويسن التعوذ قبل القراءة. • وعليه أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة، غير براءة. • ويستحب البكاء عند قراءة القرآن و التباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع. • ويستحب قراءته بالتفخي مقال الحليمي: و معناه أن يقرأه على قراءة الرجال و لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء، كما أنه يكره قطع القراءة لمكالمة أحد. • لا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا، سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أو خارجها. • ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشر سجدة. • ويسن التكبير من الضحى إلى آخر القرآن و هي قراءة المكيين. • ويكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها. • ويسن الاستماع لقراءة القرآن و ترك اللغط و الحديث بحضور القراءة. • ويستحسن صوم يوم الختم، وأن يحضر أهله وأصدقائه، و يدعو لأن الرحمة تتنزل في ذلك الوقت كما جاء عن أنس - رضى الله عنه - ومجاهد رحمه الله. • كما يسن إذا انتهى من ختمه أن يشرع في أخرى عقب الختم. الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى. وفيه مباحث: المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور. المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. المبحث الثالث: جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. حفظ الله تعالى لكتابه: لقد أنزل الله الكتب السماوية السابقة على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ووكّلهم بحفظها، فبلغها الرسل إلى أقوامهم إلا أن الأمم السابقة حرفت كتبها وبدلت ما أمرها الله بحفظه قال تعالى: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة : 44].وقال سبحانه: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13]. وشرف الله تعالى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ لها كتابها الذي جاء به نبيّها عليه الصلاة والسلام منذ اللحظة الأولى قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه لها في صدورها وفي كتبها والحمد لله أولا وآخرا. ويطلق حفظ الكتاب العزيز على جمعه ويراد به أحد ثلاثة معان: 1- جمعه بمعنى حفظه في الصدور. 2- جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. 3- جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور: قال تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16-19]، أي جمعه في صدرك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه فقال ابن عباس: فأنا أحرّكهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرّكهما، وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عباس يحرّكهما، فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى: ﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه ﴾ [القيامة: 16-17] قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه: ﴿ فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ﴾ [القيامة: 18] قال: فاستمع له وأنصت: ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾ [القيامة: 19] ثم إنّ علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه"[24]. ولم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا يحثّ فيه على حفظ القرآن إلاّ فعله، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفاضل بين أصحابه بمقدار حفظهم للقرآن، ويقدّم في الصّلاة أكثرهم حفظا، ويعطي الرّاية في الحروب أكثرهم قرءانا، ويقدّم في الدّفن أحفظهم لكتاب الله تعالى، ولربما زوّج الرجل على ما معه من القرآن، فضلا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن، ثم حفظه التابعون وتوارثته الأمة جيلا بعد جيل، فلم ينقص منه حرف، ولم يتطاول على كتاب الله أحد إلاّ رمته سهام الحفاظ فأردته طريحا، ولقد وصل لنا بالسند العالي إلى ربّ العزة عن طريق جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهيهات أن تجد أمة حفظ كتابها طريا نقيا، شامخا عليا مثل أمتنا ولله الحمد والمنة. ولجمع كتاب الله وحفظه خصائص أهمها: 1- أنّ جمع القرآن الكريم أي حفظه في الصّدور هو أوّل علم نشأ من علوم القرآن. 2- أنّ حفظه دائم لا ينقطع إلى أن تقوم السّاعة. 3- أنّ الحفظ في الصّدور خاصّ بالقرآن فليس هناك أمة تحفظ كتابها في صدورها. 4- أنه يجب على كل مسلم حفظ ما يمكن أن يؤدي به صلاته، بخلاف جمعه كتابة فلا تجب على كل أحد. المبحث الثاني:. جمعه بمعنى كتابته وتدوينه لقد مرّ جمع القرآن الكريم بهذا المعنى على ثلاث مراحل: 1- الجمع الأول: في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 2- الجمع الثاني: في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -. 3- الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -. أمّا الجمع الأول بمعنى كتابته وتدوينه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فمن المعلوم أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتّخذ كُتّابا للوحي منهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس - رضى الله عنهم -، وكان يأمرهم بكتابة كل مايقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة. ولقد كان يومئذ يدون في الصحف، واللخاف (الحجارة الرقيقة )، والعسب، والرقاع، والأكتاف ونحو ذلك. روى الحاكم من حديث عثمان بن عفان - رضى الله عنه - أن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا الحديث"[25]. الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث: المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه. المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه: لقد كان الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها فيمكانها الخاص من سورها؛ وكانت الكتابة متفرقة بين عُسُب[26]، وعظام وحجارة ونحوذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة. ومن مزايا جمعه يومئذ: 1- زيادة التّوثيق للقرآن. 2- أنّه كتب على الأحرف السّبعة. 3- أنّه كان مرتب الآيات أمّا السور ففي ترتيبها خلاف. 4- لم يكن مجموعا في مصحف واحد كما قال زيد بن ثابت - رضى الله عنه -: "قبض النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء واحد"[27]. يقول زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نؤلّف القرآن من الرّقاع"[28] قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. لقد كان انتقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّفيق الأعلى أحدث فراغا في النّفوس، فارتدّت قبائل العرب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - إلاّ أن يعيدهم للإسلام، وشارك جمهور الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في تلك المعارك الطاحنة، وقتل فيها عدد كبير من القراء الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم مما جعل بعض الصحابة يخشى أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته فتشاوروا فيما بينهم واتفقوا على جمع القرآن في مصحف واحد[29]، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة[30] فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ[31] بقُرَّاءِ القرآن، وإنّي أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.." الحديث[32]. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -: كان هذا الجمع المبارك بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة. واختير زيد بن ثابت - رضى الله عنه - لهذا الجمع لأسباب عدّة منها: 1- أنه من حفاظ القرآن الكريم المتقنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم. 2- أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم. 3- أنه من كتبة الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو أشهرهم وأكثرهم كتابة للوحي. 4- أنه كان عاقلا ورعا مع كمال خلق واستقامة في دينه وعظم أمانته، وقد قال له الصديق - رضى الله عنه -: إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّع القرآن فاجمعه - وقال هو عن نفسه: فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن" مميزات جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -: 1- جمعه على أدّق وجوه البحث والتّحري والإتقان. 2- أهمل في هذا الجمع ما نسخت تلاوته من الآيات. 3- أنّ هذا الجمع كان بالأحرف السّبعة التي نزل عليها القرآن الكريم. 4- أنه كان مرتّب الآيات باتفاق، بخلاف السور فقد اختلف العلماء هل تم ترتيبها في هذا العهد أم في عهد عثمان - رضى الله عنه. 5- اتفق العلماء أنّه كتب منه نسخة واحدة حفظها الخليفة الراشد الصديق - رضى الله عنه - عنده لأنّه الإمام. 6- أجمعت الأمة على هذا الجمع المبارك للقرآن وتواتر ما فيه. الفصل الرّابع: وفيه مبحث واحد: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. لم يكن (المصحف) يطلق على القرآن قبل جمع أبي بكر - رضى الله عنه - وإنما عرف بذلك بعد أن أتم زيد - رضى الله عنه - كتابته روى السيوطي عن ابن اشته في كتابه (المصاحف) قال " لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف"[33]. الفصل الخامس: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه - وفيه مباحث: المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام: اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في أقطار الدنيا، وحمل الصحابة والتابعون كلام الله تعالى ينشرونه نورا في الآفاق، وكان كل صحابي يعلّم تلاميذه بالحرف الذي تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما اتجه الجيش الإسلامي إلى "أرمينية" و"أذربيجان"، التقت كتائب الجيش التي جاءت من الشام والعراق، فكاد الشقاق والنزاع يقع بينهم في أحقية قراءة كل جهة منهم أنها هي المحقة، فسارع حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - في إبلاغ أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - بما وقع من التناكر والاختلاف، وكان عثمان - رضى الله عنه - لمس هذا الاختلاف من قراء المدينة أنفسهم فقام خطيبا وقال: " أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إماما" [34]. المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه -: 1- خطبة عثمان - رضى الله عنه - وعزمه على جميع الصحابة بجمع ما عندهم من الصحف والمجيء بها عنده. 2- بعثه إلى حفصة لترسل له الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - ثم ردها إليها. 3- تكليفه لزيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش بنسخ مصاحف منها، وقد ندب اثنا عشر رجلا آخرين لمعاونتهم في هذا الأمر الجليل[35]. 4- إذا كان في الآية أكثر من قراءة تكتب خالية من أيّة علامة تقصر النّطق بها على قراءة واحدة مثال ذلك قوله تعالى: أ‌- ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6] قرئت أيضا (فتثبتوا)[36]. ب‌- ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ [البقرة: 259] قرئت أيضا (ننشرها)[37]. المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية. عزم عثمان - رضى الله عنه - في أواخر سنة 24هـ وأوائل سنة 25هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضاً: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً" [38]. ولم تذكر المدة التي استغرقتها اللجنة في كتابة المصحف، وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان"[39]. المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي: قال الزّركشي رحمه الله: (قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[40]. ويقول الإمام السيوطي - رحمه الله - اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[41]. وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[42]. والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[43]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[44]. ولم يكتف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[45]. وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب[46] المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟ قال الشيخ مناع القطان: المصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم. والذي يُرْوَى عن ابن كثير في كتابه "فضائل القرآن" أنه رأى واحدًا منها بجامع دمشق بالشام، في رقّ يظنه من جلود الإبل، ويُرْوَى أن هذا المصحف الشامي نُقِلَ إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة، وقيل أنه احترق في مسجد دمشق سنة(1310) هجرية. والله أعلم. الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا: وفيه مبحث: المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. المبحث الأول: أوّل من سجّل له القرآن الكريم كاملا. لقد شهد عصرنا طفرة في عالم التقنية الحديثة، وتعددت وسائل النسخ والتسجيل، فسارعت الجهات الغيورة على حفظ كتاب الله تعالى في تسجليه على الأشرطة السمعية والبصرية، ليكون عونا لأهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها على تلاوة كتاب الله عز وجل تلاوة صحيحة، وتبنت جمعية المحافظة على القرآن الكريم في مصر سنة 1378 هجرية، ووضعت لذلك شروطا ومواصفات وقواعد وأحكاما، وبدأ التسجيل لأول مرة سنة 1379 هجرية وانتهت الطبعة ألأولى في المحرم من عام 1381 هجرية بقراءة الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص عن عاصم وأعقب ذلك سنة 1382 هجرية تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري [47]. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. 1- متانة القراءة ورزانة الصوت، وحسن المخارج التي صقلها بالرياضة. 2- الاهتمام بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء الفن. 3- العناية بمساواة مقادير المدود، والغنّات، ومراتب التّفخيم والتّرقيق، وتوفية الحركات. 4- وجود لجنة من المشايخ المتقنين في فنّ القراءات لسماع القارئ. الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث: المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم. المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. كان اكتشاف الآلات الحديثة في الطباعة نعمة من النعم العظمى التي أدت إلى انتشار كتاب الله في أرجاء الأرض، فقد كانت أول طبعة للمصحف في مدينة البندقية (إيطاليا) عام 1538م ولم يبق من هذه الطبعة سوى نسخة واحدة محفوظة في دير سانت ميشيل بالبندقية. كما أن الطبعة الثانية للمصحف طبعت في هامبورغ بألمانيا عام 1694م، والتي تتوفر منها عدة نسخ من بينها نسخة مودعة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض. كما تمت طباعة أخرى هي طبعة بتافيا لعام 1698م وطبعة سانت بطرسبرغ عام 1787م وطبعة ليبزغ عام 1834م وطبعة قازان عام 1848م. ثم انتشرت المطابع في العالم الإسلامي، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في طباعة المصحف الشريف وتوزيعه بالملايين على المسلمين في شتى بقاع المعمورة، وأنشئ لذلك الغرض مجمع متكامل. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم: • نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بغار حراء. • نزل القرآن منجما (مفرقا) خلال ثلاث وعشرين سنة. • أوّل ما نزل من القرآن خمس آيات الأولى من سورة اقرأ، وآخر آية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. • القرآن العزيز أربعة أقسام: الطِّوال، والمئون، والمثاني، والمفصل. • عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، منها (86) مكي، و(28) مدني. • عدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين (على خلاف بين المصاحف في العدّ) • أوّل من نقط المصحف أبو الأسود الدّؤلي، وأوّل من أدخل الشّكل هو عبد الملك بن مروان بأمر منه. الخاتمة عندما نتكلم عن القرآن فإنّما نتكلّم على صفة من صفات ذي الجلال والإكرام، وحينها على الوجود أن يصغي لروائع كلام ربّ العالمين، فتخشع الأرض والجبال، وتلين لعظمته السموات الطباق، ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]. وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31] يتشرف المسلم حينما يصل نفسه بكتاب الله فتسمو روحه، وتطهر نفسه، ويزكو قلبه، ويعيش عيشة سعيدة ملؤها الإيمان وانشراح الصدر، وتتلألأ بين جوانحه أنوار الوحي فيعيش كبيرا ويموت كبيرا، فيا أيها المسلم لا تبرح ساحة القرآن، ولا تبتعد عن رحابه الطاهرة إن كنت تريد ركب النجاة في الآخرة وذي الحياة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * موقع الألوكة: (https://2u.pw/BpLMM). [1] جامع البيان في تأويل القرآن للإمام ابن جرير الطبري (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. [2] رواه مسلم (الحديث رقم: 7309). [3] البخاري (3) ومسلم (160). [4] رواه البخاري باب انزل القرآن على سبعة أحرف4705، مسلم في صلاة المسافرين 519 [5] رواه الترمذي (2926) وقال "هذا حديث حسن غريب". وكذلك رواه الدارمي في سننه (2: 441 طبعة دمشق). ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9: 58 - 59) عن الترمذي، وقال: "ورجاله ثقات إلا عطية العوفي، ففيه ضعف. [6] رواه البخاري (الحديث رقم: 5027). [7] رواه مسلم ( الحديث رقم: (798). [8] من الكتب في ذلك: فضائل القرآن لابن كثير، وللقاسم بن سلام، وللنسائي، وللجهضمي ن ولابن الضريس وغيرهم ممن كتب قديما وحديثا. [9] فضائل القرآن للقاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ)، ص(112)تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م. [10] رواه أبو داود بإسناد صحيح (3664). [11] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي بتصرف يسير. [12] طا(2/10-11)، وعب في مصنفه (1/342)، قط(1/122) وابن أبي داود في المصاحف (2/582) ووصله الدّارمي في سننه (2166)، وك في المستدرك (1/395) وقال: إنّ هذا الحديث من قواعد الإسلام، وحب كما في الموارد (202). [13] الاستذكار (2/472) قال:، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتّصل وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأنّ المصحف لا يمسّه إلاّ طاهر)، وقال: لا خلاف في إرسال هذا الحديث، وقدروي من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السيّر معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنّه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقِّي النّاس له بالقبول ولا يصحّ عليهم تلقّي ما لا يصحّ. [14] انظر نصب الراية للزيلعي (1/196). [15] وقد صححه الإمام أحمد كما في مسائل البغوي (38). وقال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف (2\26): قال أحمد بن حنبل: "كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح". وقال بعض الحفاظ من المتأخرين كما في نصب الراية (2\341): "نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة الأربعة بالقبول". وقال الإمام الشافعي في الرسالة (ص422): "ولم يقبلوا (أي الصحابة أيام عمر) كتاب آل عمرو بن حزم -والله أعلم- حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله". وصححه إسحاق ابن راهويَه كما في الأوسط لابن المنذر (2\102). وقال يعقوب بن سفيان الفسوي كما في نصب الراية (2\341): "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه. كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون يرجعون إليه ويَدَعُون آراءهم". وقال العقيلي في ضعفاءه (2\127): "هو عندنا ثابت محفوظ". وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته للحديث بطوله وتصحيحه (1\553): "هذا حديثٌ كبيرٌ مفسرٌ في هذا الباب، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزُّهري بالصحة". ونقل تقويته عن أبي حاتم الرازي. وصححه ابن حبان (14\510)، وابن خزيمة كذلك في صحيحه (4\19). [16] سنن أبي داود برقم (4449). [17] رد المحتار على الدر المختار (1/177) لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى:1252هـ) الناشر: دار الفكر- بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م.وانظر كشاف القناع 1 / 136، والآداب الشرعية 2 / 296 - 297. [18] فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (123) (المتوفى: 224 هـ)، تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين. الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1995 م. [19] الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري. [20] رواه مالك في الموطأ بسند صحيح 76). [21] معجم البدع لرائد أبي علفة، ولابن أبي زيد القيرواني رحمه الله رسالة خاصة في تبديع المتحرك في القراءة. [22] فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز. [23] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، في النوع الخامس والثلاثين من علوم القرآن (1/359)، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م. [24] البخاري (5). [25] رواه الحاكم في المستدرك ( 2/221). [26] العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل إِذا نُحِّيَ عنه خُوصه. (لسان العرب). [27] فتح الباري (9/9). [28] الوجيز في فضائل الكتاب العزيز محمد بن أحمد الأندلسي القرطبيدار الحديث تحقيق علاء الدين علي رضا. [29] وقصة جمعه في عهد أبي بكر مخرجة في صحيح البخاري (6/98-99). [30] مكان بنجد بينه وبين البحرين عشرة أيام -كما يقول ياقوت الحموي- وكانت تسمى قبل ذلك بالعروض، فسميت باليمامة على اسم "اليمامة بنت سهم بن طسم" انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي "5/ 442". قريب من مدينة الرياض بالسعودية. [31] استحر: اشتد. [32] صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وفي كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء... " و انظر: فتح الباري "9/ 10-11، 13/ 404". وانظر كتاب المصاحف للسجستاني "1/ 181" تحقيق الدكتور محب الدين عبد السبحان ط قطر. [33] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/51). [34] المصاحف لابن أبي داود(29). [35] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص (21-22). [36] وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. [37] الأولى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بالزاي، وقرأ الباقون بالراء المهملة. [38] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص19. من اهم المراجع التي أخذت منها. [39] غرائب القرآن للنيسابوري (1/27). [40] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ). [41] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ). [42] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16. [43] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ). [44] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30. [45] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ). [46] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330). [47] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد الرومي ص7-8).
    0
  • محمود خليل الحصري (1)

    هل الشيخ محمود خليل الحصري، ولد في 1/ 12/ 1335 هـ غرة شهر ذي الحجة عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة بقرية شُبر النملة - مركز طنطا - محافظة الغربية - بجمهورية مصر العربية.

    [حياته العلمية]
    لما بلغ سن التعليم بدأ بالقرآن الكريم، فحفظه وسنه ثمان سنوات ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة عام 1364 هـ أربعة وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    وكان قارئاً بالمسجد الأحمدي، ثم تولي القراءة بالمسجد الحسيني.
    عُينَ مفتشاً للمقاري المصرية، ثم وكيلاً لها, إلى أن تولى مشيخة المقارئ عام 1381هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1381 هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وظلت إذاعة مصر تقتصر على صوته منفرداً حوالي عشر سنوات ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1384هـ أربعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم رواية قالون والدوري عام 1388هـ ثمانية وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وفي العام نفسه سجل المصحف المعلم وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإِسلامي.
    ورتل القرآن الكريم في كثير من المؤتمرات، وزار كثيراً من البلاد العربية والإِسلامية الآسيوية والإفريقية، وأسلم على يديه كثيرون.
    وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن له سُبُلَ العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
    وكان حريصاً في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كافة وجوه الخير.

    [شيوخه]
    لم تذكر الصادر التي بين أيدينا شيوخه الذين تلقى عنهم العلم إلا أنه درس في الأزهر سنوات معلومة، ولعل المشايخ والمدرسين والعلماء الذين كانوا يقوموا بالتدريس معروفين عند المتخصصين في هذا الجانب.
    وأما شيخه وأستاذه الذي أخذ على يديه القراءات هو الشيخ الكبير والعالم النحرير، شيخ القراء بالديار المصرية في وقته الشيخ عامر السيد عثمان حيث قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات العشر (2).
    2 - الشيخ علي محمَّد الضباع، شيخ القراء بالديار المصرية (3).

    [مؤلفاته]
    1 - أحكام قراءة القرآن الكريم.
    2 - القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
    3 - معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء.
    4 - الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
    5 - أحسن الأثر في تاريخ القرآء الأربعة عشر.
    6 - مع القرآن الكريم.
    7 - قراءة ورش عن نافع المدني.
    8 - قراءة الدوري عن أبي عمر البصري.
    9 - نور القلوب في قراءة الإِمام يعقوب.
    10 - السبيل الميسَّر في قراءة الإِمام أبي جعفر.
    11 - حسن المسرَّة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
    12 - النهج الجديد في علم التجويد.
    13 - رحلاتي في الإِسلام.
    14 - وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإِسلام.

    [وفاته]
    توفي في مساء يوم الاثنين 16/ 1/ 1401 هـ السادس عشر من شهر الله المحرم عام إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة في جمهورية مصر العربية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 369 - 372)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" ص 8.
    (2) قال المؤلف: انظر كتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" ص 2 ص 757.
    (3) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    محمود خليل الحصري (1) هل الشيخ محمود خليل الحصري، ولد في 1/ 12/ 1335 هـ غرة شهر ذي الحجة عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة بقرية شُبر النملة - مركز طنطا - محافظة الغربية - بجمهورية مصر العربية. [حياته العلمية] لما بلغ سن التعليم بدأ بالقرآن الكريم، فحفظه وسنه ثمان سنوات ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة عام 1364 هـ أربعة وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وكان قارئاً بالمسجد الأحمدي، ثم تولي القراءة بالمسجد الحسيني. عُينَ مفتشاً للمقاري المصرية، ثم وكيلاً لها, إلى أن تولى مشيخة المقارئ عام 1381هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1381 هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وظلت إذاعة مصر تقتصر على صوته منفرداً حوالي عشر سنوات ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1384هـ أربعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم رواية قالون والدوري عام 1388هـ ثمانية وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وفي العام نفسه سجل المصحف المعلم وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإِسلامي. ورتل القرآن الكريم في كثير من المؤتمرات، وزار كثيراً من البلاد العربية والإِسلامية الآسيوية والإفريقية، وأسلم على يديه كثيرون. وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن له سُبُلَ العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة. وكان حريصاً في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كافة وجوه الخير. [شيوخه] لم تذكر الصادر التي بين أيدينا شيوخه الذين تلقى عنهم العلم إلا أنه درس في الأزهر سنوات معلومة، ولعل المشايخ والمدرسين والعلماء الذين كانوا يقوموا بالتدريس معروفين عند المتخصصين في هذا الجانب. وأما شيخه وأستاذه الذي أخذ على يديه القراءات هو الشيخ الكبير والعالم النحرير، شيخ القراء بالديار المصرية في وقته الشيخ عامر السيد عثمان حيث قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات العشر (2). 2 - الشيخ علي محمَّد الضباع، شيخ القراء بالديار المصرية (3). [مؤلفاته] 1 - أحكام قراءة القرآن الكريم. 2 - القراءات العشر من الشاطبية والدرة. 3 - معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء. 4 - الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير. 5 - أحسن الأثر في تاريخ القرآء الأربعة عشر. 6 - مع القرآن الكريم. 7 - قراءة ورش عن نافع المدني. 8 - قراءة الدوري عن أبي عمر البصري. 9 - نور القلوب في قراءة الإِمام يعقوب. 10 - السبيل الميسَّر في قراءة الإِمام أبي جعفر. 11 - حسن المسرَّة في الجمع بين الشاطبية والدرة. 12 - النهج الجديد في علم التجويد. 13 - رحلاتي في الإِسلام. 14 - وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإِسلام. [وفاته] توفي في مساء يوم الاثنين 16/ 1/ 1401 هـ السادس عشر من شهر الله المحرم عام إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة في جمهورية مصر العربية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 369 - 372)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" ص 8. (2) قال المؤلف: انظر كتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" ص 2 ص 757. (3) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    0
  • علي الضباع (1)

    هو العلامة الشيخ علي بن محمَّد بن حسن بن إبراهيم الملقب بالضباع ولد في مصر ما بين عام 1300هـ وعام 1313هـ (2).

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم ولما يزل صغيراً، وانكب بعد ذلك في تلقي القراءات وعلوم القرآن من رسم وضبط وعد الآى وفنون التجويد ودرس واطلع كثيراً من كتب المتولي حتى أصبح بحراً في العلم لا يزال يفيض وكتب في كل ما له صلة بالقرآن، فأحسن وأجاد وأفاد.
    وعين عضواً لمراجعة المصحف الشريف، وولي مشيخة عموم المقارئ والإقراء بالديار المصرية.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ أحمد بن محمَّد بن منصور السكري، قرأ المترجم عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
    2 - الشيخ حسن بن يحيى الكتبي.
    3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسين الخطيب الشعار.
    تلقى عنهما القراءات السبع والعشر الصغرى والكبرى وعلم الرسم والضبط وعد الآى وغيرها من علوم القرآن.

    [تلاميذه]
    1 - الشيخ أحمد حامد التيجي.
    2 - الشيخ إبراهيم عوض عطوه.
    3 - الشيخ عبد العزيز عيون السود.
    ثلاثتهم تلقوا عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة وعلوم القرآن والقراءات.
    4 - الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات (3)
    قرأ عليه القراءات الشاذة.
    5 - الشيخ محمود خليل الحصري (4)

    [مؤلفاته]
    لقد ألف المترجم أكثر من سبعين مؤلفاً، كثير منها ما يخص بالقرآن والقراءات: وهي:
    1 - إرشاد المريد إلى مقصود القصيد.
    2 - إنشاء الشريد من معاني القصيد.
    3 - البهجة المرضية شرح الدرة المضية.
    4 - الأقوال المعربة عن مقاصد الطيبة.
    5 - قطف الزهو من ناظمة الزهر في علم الفواصل.
    6 - إرشاد الإخوان إلى شرح مورد الظمآن.
    7 - الفوائد المدخرة شرح الفوائد المعتبرة في قراءات الأربعة الذين بعد العشرة.
    8 - هداية المريد إلى رواية أبي سعيد.
    9 - الجوهر المكنون شرح رواية قالون، وهو من نظمه وشرحه.
    10 - المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب.
    11 - صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص.
    12 - تذكرة الإخوان في أحكام رواية حفص بن سليمان.
    13 - الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة في بيان خلف حفص من طريق الطيبة، وهو من نظمه وشرحه.
    14 - القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق عن ورش.
    15 - فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن.
    16 - الإضاءة في بيان أصول القراءة بالنسبة للقراء العشرة.
    17 - الشرح الصغير على تحفة الأطفال.
    18 - أقرب الأقوال على فتح الأقفال.
    19 - بلوغ الأمنية شرح إتحاف البرية في تحرير الشاطبية.
    20 - الدر النظيم شرح فتح الكريم في تحرير الطيبة.
    21 - البدر المنير في قراءة ابن كثير.
    22 - إتحاف المريد بشرح فتح المجيد في قراءة حمزة من طريق القصيد.
    23 - نور العصر في تاريخ رجال النشر.
    24 - الدرر الفاخرة في أسانيد القراءة المتواترة.
    25 - الشرح الكبير لتحفة الأطفال، المسمى "بمنحة ذي الجلال في شرح تحفة الأطفال".
    26 - سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين.
    27 - شرح رسالة قالون.
    قلت وله غيرها من المؤلفات منها: (5)
    28 - إتحاف البررة بالمتون العشرة.
    29 - القول المعتبر في الأوجه التي بين السور.
    30 - تقريب النفع في القراءات السبع.
    31 - النور الساطع في قراءة الإِمام نافع.
    32 - أسرار المطلوب.

    [وفاته]
    توفي - رحمه الله - في مصر في نحو عام 1376 هـ ستة وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 236 - 240)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: أفادنى بأجزاء من هذه الترجمة فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، وانظر كذلك "هداية القارئ إلى تجويد كلام البارى" ج 2 ص 680، وكتاب، تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإِمام حفص بن سليمان" ص44.
    (2)قال المؤلف: يقول الشيخ الضباع: كنت غلاماً لا أزال أحفظ القرآن الكريم، وكان المتولي شيخاً للمقاري آنذاك، وفي أواخر حياته، كانت وصيته لابن أخته أو صهره الشيخ حسن بن يحيى الكتبي حيث قال: اعتني بتحفيظ هذا الغلام القرآن الكريم وعلمه القراءات، وحَول إليه كُتبي بعد مماتي.
    يقول الشيخ الضياع: فكأن الشيخ كان يعلم أن هذا الغلام سيتحمل في مستقبل أيامه تبعات مشيخة المقارئ، ويصير من خادمى القرآن الكريم، والحاملين لعلم قراءاته -مع أن الشيخ كان ضريراً- والأولى بأخذ الكتب صهره الكُتبي لأنه كان من علماء القراءات، حيث قرأ السبع على المتولي، ولكن فراسة الشيخ جعلته يحصرها في هذا الغلام وهو المترجم.
    فتبين لنا أن الضباع من هذه الحادثة كان عمره ما بين السبعة والثالث عشر -حيث إن سن الغلام ما بينهما- والمتولي توفي عام 1313 هـ، فيحتمل أن تكون ولادة المترجم ما ذكرناه, والله أعلم.
    (من إملاء فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، حفظه الله ونفع بن المسلمين) الجمعة ليلة السبت 19/ 6/ 1419 هـ. وانظر الحاشية من كتاب: فتح المعطي وغنية المقري. ص 169.
    (3) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (4) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (5) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    علي الضباع (1) هو العلامة الشيخ علي بن محمَّد بن حسن بن إبراهيم الملقب بالضباع ولد في مصر ما بين عام 1300هـ وعام 1313هـ (2). [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم ولما يزل صغيراً، وانكب بعد ذلك في تلقي القراءات وعلوم القرآن من رسم وضبط وعد الآى وفنون التجويد ودرس واطلع كثيراً من كتب المتولي حتى أصبح بحراً في العلم لا يزال يفيض وكتب في كل ما له صلة بالقرآن، فأحسن وأجاد وأفاد. وعين عضواً لمراجعة المصحف الشريف، وولي مشيخة عموم المقارئ والإقراء بالديار المصرية. [شيوخه] 1 - الشيخ أحمد بن محمَّد بن منصور السكري، قرأ المترجم عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم. 2 - الشيخ حسن بن يحيى الكتبي. 3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسين الخطيب الشعار. تلقى عنهما القراءات السبع والعشر الصغرى والكبرى وعلم الرسم والضبط وعد الآى وغيرها من علوم القرآن. [تلاميذه] 1 - الشيخ أحمد حامد التيجي. 2 - الشيخ إبراهيم عوض عطوه. 3 - الشيخ عبد العزيز عيون السود. ثلاثتهم تلقوا عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة وعلوم القرآن والقراءات. 4 - الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات (3) قرأ عليه القراءات الشاذة. 5 - الشيخ محمود خليل الحصري (4) [مؤلفاته] لقد ألف المترجم أكثر من سبعين مؤلفاً، كثير منها ما يخص بالقرآن والقراءات: وهي: 1 - إرشاد المريد إلى مقصود القصيد. 2 - إنشاء الشريد من معاني القصيد. 3 - البهجة المرضية شرح الدرة المضية. 4 - الأقوال المعربة عن مقاصد الطيبة. 5 - قطف الزهو من ناظمة الزهر في علم الفواصل. 6 - إرشاد الإخوان إلى شرح مورد الظمآن. 7 - الفوائد المدخرة شرح الفوائد المعتبرة في قراءات الأربعة الذين بعد العشرة. 8 - هداية المريد إلى رواية أبي سعيد. 9 - الجوهر المكنون شرح رواية قالون، وهو من نظمه وشرحه. 10 - المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب. 11 - صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص. 12 - تذكرة الإخوان في أحكام رواية حفص بن سليمان. 13 - الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة في بيان خلف حفص من طريق الطيبة، وهو من نظمه وشرحه. 14 - القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق عن ورش. 15 - فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن. 16 - الإضاءة في بيان أصول القراءة بالنسبة للقراء العشرة. 17 - الشرح الصغير على تحفة الأطفال. 18 - أقرب الأقوال على فتح الأقفال. 19 - بلوغ الأمنية شرح إتحاف البرية في تحرير الشاطبية. 20 - الدر النظيم شرح فتح الكريم في تحرير الطيبة. 21 - البدر المنير في قراءة ابن كثير. 22 - إتحاف المريد بشرح فتح المجيد في قراءة حمزة من طريق القصيد. 23 - نور العصر في تاريخ رجال النشر. 24 - الدرر الفاخرة في أسانيد القراءة المتواترة. 25 - الشرح الكبير لتحفة الأطفال، المسمى "بمنحة ذي الجلال في شرح تحفة الأطفال". 26 - سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين. 27 - شرح رسالة قالون. قلت وله غيرها من المؤلفات منها: (5) 28 - إتحاف البررة بالمتون العشرة. 29 - القول المعتبر في الأوجه التي بين السور. 30 - تقريب النفع في القراءات السبع. 31 - النور الساطع في قراءة الإِمام نافع. 32 - أسرار المطلوب. [وفاته] توفي - رحمه الله - في مصر في نحو عام 1376 هـ ستة وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 236 - 240)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: أفادنى بأجزاء من هذه الترجمة فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، وانظر كذلك "هداية القارئ إلى تجويد كلام البارى" ج 2 ص 680، وكتاب، تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإِمام حفص بن سليمان" ص44. (2)قال المؤلف: يقول الشيخ الضباع: كنت غلاماً لا أزال أحفظ القرآن الكريم، وكان المتولي شيخاً للمقاري آنذاك، وفي أواخر حياته، كانت وصيته لابن أخته أو صهره الشيخ حسن بن يحيى الكتبي حيث قال: اعتني بتحفيظ هذا الغلام القرآن الكريم وعلمه القراءات، وحَول إليه كُتبي بعد مماتي. يقول الشيخ الضياع: فكأن الشيخ كان يعلم أن هذا الغلام سيتحمل في مستقبل أيامه تبعات مشيخة المقارئ، ويصير من خادمى القرآن الكريم، والحاملين لعلم قراءاته -مع أن الشيخ كان ضريراً- والأولى بأخذ الكتب صهره الكُتبي لأنه كان من علماء القراءات، حيث قرأ السبع على المتولي، ولكن فراسة الشيخ جعلته يحصرها في هذا الغلام وهو المترجم. فتبين لنا أن الضباع من هذه الحادثة كان عمره ما بين السبعة والثالث عشر -حيث إن سن الغلام ما بينهما- والمتولي توفي عام 1313 هـ، فيحتمل أن تكون ولادة المترجم ما ذكرناه, والله أعلم. (من إملاء فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، حفظه الله ونفع بن المسلمين) الجمعة ليلة السبت 19/ 6/ 1419 هـ. وانظر الحاشية من كتاب: فتح المعطي وغنية المقري. ص 169. (3) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (4) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (5) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    0
  • عبد العزيز عيون السود (1)

    هو الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمَّد علي بن الشيخ عبد الغنى عيون السود.
    ولد في حمص عام 1916 م ستة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد (2)

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم، وتلقى القراءات السبع والعشر والأربعة الشواذ وعلم الرسم والضبط وعد الآي علي كبار علماء القراءات في عصره، داخل وخارج بلاده، كما تلقى العلوم الأخرى، مثل الحديث الشريف وعلومه، والعلوم الشرعية والعربية.
    تولى مشيخ دور الإقراء بحمص وأمانة دار الإفتاء بها.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ سليمان الفارسكوري المصري، أخذ عنه القراءات السبع بمضمن الشاطبية.
    2 - الشيخ محمَّد سليم الحلواني، شيخ القراء بدمشق الشام في وقته، قرأ عليه القراءات العشر بمضمن الشاطبية والدرة.
    3 - الشيخ عبد القادر قويدر العربيني، قرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر.
    4 - الشيخ أحمد حامد التيجي شيخ القراء والإقراء بمكة المشرفة، قرأ عليه القراءات الأربع عشرة
    5 - العلامة الشيخ علي بن محمَّد الضباع، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وناظمة الزهر في الفواصل، وعقيلة أتراب القصائد في الرسم والمقدمة الجزرية وغيرها.
    6 - والده الشيخ محمَّد علي عيون السود.
    7 - الشيخ عبد الغفار عيون السود.
    8 - الشيخ عبد القادر الخوجة.
    9 - الشيخ النعيم النعيمي المحدث.

    [تلاميذه]
    1 - الشيخ محمَّد تميم الزعبي، تلقى عنه القراءات العشر من طريق الطيبة.
    2 - الشيخ المحدث النعيم النعيمي، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وغيرها.
    3 - الشيخ عبد الغفار الدروبي، قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.
    4 - الشيخ سعيد العبد الله المحمد، قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للعشر من طريق الدرة.
    قلت: وممن قرأ عليه أيضاً:
    5 - الشيخ أيمن رشدي سويد (3)
    قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة، ثم قرأ ختمة كاملة تدريباً علي القراءات العشر من طريق طيبة النشر بالإفراد، ثم ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الطيبة جمعاً.
    كما تلقى عنه منظومة المقدمة الجزرية والشاطبية والدرة والطيبة وغيرها من رسم وضبط وفقه ... الخ.
    6 - الشيخ محمَّد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز عيون السود (4).
    قرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.
    7 - الشيخ أبو الحسن محيي الدين الكردى (5).
    قرأ عليه القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأصبهاني بطيبة النشر.
    8 - الشيخ محمَّد خالد الأشقر المعروف بالغجري.
    قرأ عليه القرآن ختمة بالقراءات السبع من الشاطبية (6).
    وممن قرأ عليه بعض القراءات السبع هم: (7)
    9 - الشيخ أحمد اليافي.
    10 - الشيخ علي قزُّو.
    11 - خالد التركماني.
    12 - الشيخ محمود مندو.
    13 - الشيخ عبد الرحمن مندو.
    14 - الشيخ نصوح شمس باشا.
    15 - الشيخ محمَّد علي المصري الحلبي.
    16 - الشيخ مروان سوار.
    وهذا الأخير قرأ عليه القراءات العشر من طريق الطيبة.
    وأخبرني الأخ الشيخ خالد لطيف الجهني، الموظف بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وفضيلة الدكتور الشيخ أيمن رشدى سويد بأن:
    17 - الشيخ مبشر ابن المترجم، قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من الشاطبية.

    [مؤلفاته]
    1 - النفس المطمئنة في كيفية إخفاء اسم الساكنة.
    2 - رسالة في أحكام بعد البيوع والمكاييل والأوزان الشرعية.
    قلت: ومن مؤلفاته أيضاً (8).
    4 - منظومة تلخيص صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص.
    5 - منظومة اختصار القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق.

    [وفاته]
    وبعد حياة حافلة مليئة بخدمة كتاب الله تعالى وتقديم العلم للمسلمين توضأ المترجم وبدأ في صلاة التهجد كعادته، وتوفى في أثناء الصلاة وهو ساجد في ليلة السبت 13/ 2/ 1399هـ الثالث عشر من شهر صفر الخير عام تسعة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة عن عمر قارب الثلاثة والستين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة وأورده موارد الأبرار.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 181 - 185)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأحال المؤلف في الترجمة إلى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" جـ2 ص 656.
    (2) قال المؤلف: وأخبرني فضيلة المقرئ الشيخ محمَّد تميم الزعبي أنه ولد عام 1917م سبعة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق ليلة الخميس من شهر جمادى الأولى عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    (3) قال المؤلف: أخبرني بذلك الشيخ أيمن سويد نفسه.
    (4) انظر مقدمة كتاب: التغريد في علم التجويد.
    (5) قال المؤلف: أفادني بذلك الشيخ محمَّد تميم الزعبى والشيخ أسامة حجازى - رحمه الله - وانظر كتاب: فضائل القرآن وحملته وبيان الأحرف السبعة والقراءة بها 78.
    (6) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (7) أداب القرآن وحملته. ص 76.
    (8) قال المؤلف: أخبرني بذلك فضيلة الشيخ أيمن رشدي سويد كتابةً.
    عبد العزيز عيون السود (1) هو الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمَّد علي بن الشيخ عبد الغنى عيون السود. ولد في حمص عام 1916 م ستة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد (2) [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم، وتلقى القراءات السبع والعشر والأربعة الشواذ وعلم الرسم والضبط وعد الآي علي كبار علماء القراءات في عصره، داخل وخارج بلاده، كما تلقى العلوم الأخرى، مثل الحديث الشريف وعلومه، والعلوم الشرعية والعربية. تولى مشيخ دور الإقراء بحمص وأمانة دار الإفتاء بها. [شيوخه] 1 - الشيخ سليمان الفارسكوري المصري، أخذ عنه القراءات السبع بمضمن الشاطبية. 2 - الشيخ محمَّد سليم الحلواني، شيخ القراء بدمشق الشام في وقته، قرأ عليه القراءات العشر بمضمن الشاطبية والدرة. 3 - الشيخ عبد القادر قويدر العربيني، قرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر. 4 - الشيخ أحمد حامد التيجي شيخ القراء والإقراء بمكة المشرفة، قرأ عليه القراءات الأربع عشرة 5 - العلامة الشيخ علي بن محمَّد الضباع، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وناظمة الزهر في الفواصل، وعقيلة أتراب القصائد في الرسم والمقدمة الجزرية وغيرها. 6 - والده الشيخ محمَّد علي عيون السود. 7 - الشيخ عبد الغفار عيون السود. 8 - الشيخ عبد القادر الخوجة. 9 - الشيخ النعيم النعيمي المحدث. [تلاميذه] 1 - الشيخ محمَّد تميم الزعبي، تلقى عنه القراءات العشر من طريق الطيبة. 2 - الشيخ المحدث النعيم النعيمي، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وغيرها. 3 - الشيخ عبد الغفار الدروبي، قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة. 4 - الشيخ سعيد العبد الله المحمد، قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للعشر من طريق الدرة. قلت: وممن قرأ عليه أيضاً: 5 - الشيخ أيمن رشدي سويد (3) قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة، ثم قرأ ختمة كاملة تدريباً علي القراءات العشر من طريق طيبة النشر بالإفراد، ثم ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الطيبة جمعاً. كما تلقى عنه منظومة المقدمة الجزرية والشاطبية والدرة والطيبة وغيرها من رسم وضبط وفقه ... الخ. 6 - الشيخ محمَّد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز عيون السود (4). قرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية. 7 - الشيخ أبو الحسن محيي الدين الكردى (5). قرأ عليه القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأصبهاني بطيبة النشر. 8 - الشيخ محمَّد خالد الأشقر المعروف بالغجري. قرأ عليه القرآن ختمة بالقراءات السبع من الشاطبية (6). وممن قرأ عليه بعض القراءات السبع هم: (7) 9 - الشيخ أحمد اليافي. 10 - الشيخ علي قزُّو. 11 - خالد التركماني. 12 - الشيخ محمود مندو. 13 - الشيخ عبد الرحمن مندو. 14 - الشيخ نصوح شمس باشا. 15 - الشيخ محمَّد علي المصري الحلبي. 16 - الشيخ مروان سوار. وهذا الأخير قرأ عليه القراءات العشر من طريق الطيبة. وأخبرني الأخ الشيخ خالد لطيف الجهني، الموظف بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وفضيلة الدكتور الشيخ أيمن رشدى سويد بأن: 17 - الشيخ مبشر ابن المترجم، قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من الشاطبية. [مؤلفاته] 1 - النفس المطمئنة في كيفية إخفاء اسم الساكنة. 2 - رسالة في أحكام بعد البيوع والمكاييل والأوزان الشرعية. قلت: ومن مؤلفاته أيضاً (8). 4 - منظومة تلخيص صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص. 5 - منظومة اختصار القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق. [وفاته] وبعد حياة حافلة مليئة بخدمة كتاب الله تعالى وتقديم العلم للمسلمين توضأ المترجم وبدأ في صلاة التهجد كعادته، وتوفى في أثناء الصلاة وهو ساجد في ليلة السبت 13/ 2/ 1399هـ الثالث عشر من شهر صفر الخير عام تسعة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة عن عمر قارب الثلاثة والستين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة وأورده موارد الأبرار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 181 - 185)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأحال المؤلف في الترجمة إلى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" جـ2 ص 656. (2) قال المؤلف: وأخبرني فضيلة المقرئ الشيخ محمَّد تميم الزعبي أنه ولد عام 1917م سبعة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق ليلة الخميس من شهر جمادى الأولى عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة. (3) قال المؤلف: أخبرني بذلك الشيخ أيمن سويد نفسه. (4) انظر مقدمة كتاب: التغريد في علم التجويد. (5) قال المؤلف: أفادني بذلك الشيخ محمَّد تميم الزعبى والشيخ أسامة حجازى - رحمه الله - وانظر كتاب: فضائل القرآن وحملته وبيان الأحرف السبعة والقراءة بها 78. (6) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (7) أداب القرآن وحملته. ص 76. (8) قال المؤلف: أخبرني بذلك فضيلة الشيخ أيمن رشدي سويد كتابةً.
    1
    0
  • عبد الباسط عبد الصمد (1)

    هو الشيخ المشهور عبد الباسط بن محمَّد عبد الصمد.
    ولد في قرية "أرمنت" بمحافظة قنا بصعيد مصر، في عام 1927 م سبعة وعشرين وتسعمائة وألف من الميلاد.

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم وعمره 10 سنوات، بكُتَّاب القرية، على يد الشيخ الأمير.
    ارتحل إلى "طنطا" والتحق بالمعهد الدينى فيها، وتعلم القراءات والتجويد والترتيل وظل يتعلم الأداء، حتى أصبح من أشهر قراء مصر صوتاً وأداءاً، وأصبح يدعى للقراءة في المناسبات والحفلات، وما إلى ذلك.
    اختير للقراءة في الإذاعة علي الهواء مباشرة في صباح كل يوم.
    وعندما سافر إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، عام 1951م إحدى وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد، طلب منه الأستاذ: إبراهيم الشورى مدير إذاعة جدة أن يسجل القرآن للإذاعة، تقبل الشيخ ذلك، وكان هذا أول تسجيل له بالإذاعة.
    قام بالقراءة في الحرم المكي الشريف، والحرم النبوى الشريف، وفي الحرم الإبراهيمي في الخليل، والمجسد الأقصى الشريف.
    قام بقراءة القرآن في كثير من الدول العربية والإِسلامية والأوربية وأمريكا الشمالية، وهكذا.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ سليم حمادة.
    2 - الشيخ سعودي، وهو الذي كان له الدور الكبير في تشجيعه على القراءة، حيث تلقى عنه علوم القراءات وفنون التجويد.
    3 - الشيخ علي محمَّد الضباع.

    [وفاته]
    توفي - رحمه الله - في 30/ 11/ 1988 م الثلاثين من شهر نوفمبر عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف من الميلاد.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 150-151)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: بتصرف من كتاب: "أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث" من ص:112 - 119.
    عبد الباسط عبد الصمد (1) هو الشيخ المشهور عبد الباسط بن محمَّد عبد الصمد. ولد في قرية "أرمنت" بمحافظة قنا بصعيد مصر، في عام 1927 م سبعة وعشرين وتسعمائة وألف من الميلاد. [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم وعمره 10 سنوات، بكُتَّاب القرية، على يد الشيخ الأمير. ارتحل إلى "طنطا" والتحق بالمعهد الدينى فيها، وتعلم القراءات والتجويد والترتيل وظل يتعلم الأداء، حتى أصبح من أشهر قراء مصر صوتاً وأداءاً، وأصبح يدعى للقراءة في المناسبات والحفلات، وما إلى ذلك. اختير للقراءة في الإذاعة علي الهواء مباشرة في صباح كل يوم. وعندما سافر إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، عام 1951م إحدى وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد، طلب منه الأستاذ: إبراهيم الشورى مدير إذاعة جدة أن يسجل القرآن للإذاعة، تقبل الشيخ ذلك، وكان هذا أول تسجيل له بالإذاعة. قام بالقراءة في الحرم المكي الشريف، والحرم النبوى الشريف، وفي الحرم الإبراهيمي في الخليل، والمجسد الأقصى الشريف. قام بقراءة القرآن في كثير من الدول العربية والإِسلامية والأوربية وأمريكا الشمالية، وهكذا. [شيوخه] 1 - الشيخ سليم حمادة. 2 - الشيخ سعودي، وهو الذي كان له الدور الكبير في تشجيعه على القراءة، حيث تلقى عنه علوم القراءات وفنون التجويد. 3 - الشيخ علي محمَّد الضباع. [وفاته] توفي - رحمه الله - في 30/ 11/ 1988 م الثلاثين من شهر نوفمبر عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف من الميلاد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 150-151)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: بتصرف من كتاب: "أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث" من ص:112 - 119.
    1
  • أحمد التيجي (1)

    هو العلامة المقرئ الشهير السيد أحمد بن حامد بن عبد الرزاق بن عَشْري ابن عبد الرزاق الحسيني التيجي المصري الريدي.
    ولد في أبى تيج بجمهورية مصر العربية، في شهر ذى الحجة عام 1285هـ خمسة وثمانين ومائتين وألف من الهجرة.

    [حياته العلمية]
    اعتنى بحفظ القرآن الكريم وتجويده وقراءته، فقرأ منظومة الشاطبية والدرة، وقرأ القراءات العشر بمضمن الشاطبية، والدرة، ثم جد واجتهد وحفظ منظومة طيبة النشر ثم قرأ القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة، وتعلم القراءات الشاذة.
    قام برحلات علمية عديدة فارتحل إلى الحجاز عام 1316هـ ستة عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة، وأقام بالمدينة عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم ارتحل إلى حلب، ومنها ارتحل إلى مكة وعين مدرساً بمدرسة الفلاح في شعبة حفظ القرآن الكريم فانتفع منه خلق كثير.
    وظل مدرساً بها إلى أن توفي رحمه الله.

    [شيوخه]
    1 - السيد أحمد زكوة التيجي.
    2 - والده السيد حامد التيجي، حفظ عليهما القرآن الكريم.
    3 - الشيخ محمَّد سابق، أخذ عنه القراءات السبع من طريق الشاطبية في الإسكندرية ولم يكمل، حيث قرأ عليه القرآن إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. [الأنعام:161]، وأعاقه عن إتمام الختمة، موت الشيخ سابق عام 1312 هـ اثنتى عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    4 - الشيخ عبد العزيز علي كحيل -شيخ القراء- أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأجازه في ذلك شفهياً وكتابةً.
    5 - الشيخ على محمَّد الضباع، شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية في وقته أخذ عنه القراءات العشر من طريق الطيبة عام، 1344 هـ أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم أخذ عنه القراءات الأربعة المتممة للأربعة عشر عام 1345هـ خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة وأجازه في جميع ذلك شفهياً وكتابةً.

    [تلاميذه]
    1 - أبو بكر أحمد بن حسين بن محمَّد الحبشي القاضي بمكة المكرمة. قرأ عليه القرآن الكريم ختمة كاملة بقراءة الإِمام عاصم بروايتي أبى بكر شعبة وحفص، وختمة أخرى بقراءة ابن كثير بروايتي البزي وقنبل.
    2 - الشيخ عبد الفتاح بن عبد الرحيم مُلاَّ محمود الآقُّورغانى (2).
    قرأ عليه القرآن الكريم عرضاً وسماعاً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية.
    3 - الشيخ عبد العزيز محمَّد عيون السود (3) أخذ عنه القراءات الأربع عشر.
    4 - زيني بويان.
    5 - محمد حسين عبيد.
    6 - الشيخ محمَّد عبد الله الكحيلي.
    7 - الشيخ أحمد حجازي أربعتهم (4) تلقوا عنه القراءات السبع من الشاطبية.

    [وفاته](5)
    ظل الشيخ في مكة المكرمه مدرسًا في مدارس الفلاح حتى وافاه الأجل المحتوم بداره في محلة أجياد ليلة الأربعاء ثاني شهر محرم سنة (1368هـ)، وشيعت جنازته ضحوة يوم الأربعاء في جمع عظيم، وصلي عليه بالمسجد الحرام، ودفن بالمعلاة رحمه الله تعالى.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 21-23)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأشار المؤلف إلى مرجع الترجمة كتاب "الدليل المشير" ص 31، وكتاب: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 333.
    (2) قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "قواعد التجويد" ص 24
    (3) قال المؤلف: انظر ملحق الأعلام في كتاب "هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري" ص 664.
    (4) قال المؤلف: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 352.
    (5) إضافة فريق المحتوى في شبكة التواصل القرآنية (آي نت).
    أحمد التيجي (1) هو العلامة المقرئ الشهير السيد أحمد بن حامد بن عبد الرزاق بن عَشْري ابن عبد الرزاق الحسيني التيجي المصري الريدي. ولد في أبى تيج بجمهورية مصر العربية، في شهر ذى الحجة عام 1285هـ خمسة وثمانين ومائتين وألف من الهجرة. [حياته العلمية] اعتنى بحفظ القرآن الكريم وتجويده وقراءته، فقرأ منظومة الشاطبية والدرة، وقرأ القراءات العشر بمضمن الشاطبية، والدرة، ثم جد واجتهد وحفظ منظومة طيبة النشر ثم قرأ القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة، وتعلم القراءات الشاذة. قام برحلات علمية عديدة فارتحل إلى الحجاز عام 1316هـ ستة عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة، وأقام بالمدينة عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم ارتحل إلى حلب، ومنها ارتحل إلى مكة وعين مدرساً بمدرسة الفلاح في شعبة حفظ القرآن الكريم فانتفع منه خلق كثير. وظل مدرساً بها إلى أن توفي رحمه الله. [شيوخه] 1 - السيد أحمد زكوة التيجي. 2 - والده السيد حامد التيجي، حفظ عليهما القرآن الكريم. 3 - الشيخ محمَّد سابق، أخذ عنه القراءات السبع من طريق الشاطبية في الإسكندرية ولم يكمل، حيث قرأ عليه القرآن إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. [الأنعام:161]، وأعاقه عن إتمام الختمة، موت الشيخ سابق عام 1312 هـ اثنتى عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة. 4 - الشيخ عبد العزيز علي كحيل -شيخ القراء- أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأجازه في ذلك شفهياً وكتابةً. 5 - الشيخ على محمَّد الضباع، شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية في وقته أخذ عنه القراءات العشر من طريق الطيبة عام، 1344 هـ أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم أخذ عنه القراءات الأربعة المتممة للأربعة عشر عام 1345هـ خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة وأجازه في جميع ذلك شفهياً وكتابةً. [تلاميذه] 1 - أبو بكر أحمد بن حسين بن محمَّد الحبشي القاضي بمكة المكرمة. قرأ عليه القرآن الكريم ختمة كاملة بقراءة الإِمام عاصم بروايتي أبى بكر شعبة وحفص، وختمة أخرى بقراءة ابن كثير بروايتي البزي وقنبل. 2 - الشيخ عبد الفتاح بن عبد الرحيم مُلاَّ محمود الآقُّورغانى (2). قرأ عليه القرآن الكريم عرضاً وسماعاً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية. 3 - الشيخ عبد العزيز محمَّد عيون السود (3) أخذ عنه القراءات الأربع عشر. 4 - زيني بويان. 5 - محمد حسين عبيد. 6 - الشيخ محمَّد عبد الله الكحيلي. 7 - الشيخ أحمد حجازي أربعتهم (4) تلقوا عنه القراءات السبع من الشاطبية. [وفاته](5) ظل الشيخ في مكة المكرمه مدرسًا في مدارس الفلاح حتى وافاه الأجل المحتوم بداره في محلة أجياد ليلة الأربعاء ثاني شهر محرم سنة (1368هـ)، وشيعت جنازته ضحوة يوم الأربعاء في جمع عظيم، وصلي عليه بالمسجد الحرام، ودفن بالمعلاة رحمه الله تعالى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 21-23)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأشار المؤلف إلى مرجع الترجمة كتاب "الدليل المشير" ص 31، وكتاب: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 333. (2) قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "قواعد التجويد" ص 24 (3) قال المؤلف: انظر ملحق الأعلام في كتاب "هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري" ص 664. (4) قال المؤلف: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 352. (5) إضافة فريق المحتوى في شبكة التواصل القرآنية (آي نت).
    0
شاهد المزيد

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

  • إجازة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية الأسبق لتلميذه النجيب الشيخ محمود خليل #الحصري رحمه الله تعالى
    وكان في العشرينات من عمره
    إجازة الشيخ علي محمد الضباع شيخ المقارئ المصرية الأسبق لتلميذه النجيب الشيخ محمود خليل #الحصري رحمه الله تعالى وكان في العشرينات من عمره
    0
  • رسالة لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية
    أجاب فيها عن أسئلة في علم القراءات

    حققها وقدم لها الدكتور : محمد علي سلطاني

    (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثالث عشر - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1405هـ)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد :
    فإن القراءات القرآنية من أكثر علوم القرآن والعربية أهمية وأجلها شأنا . . أما أهميتها من حيث اللغة فتعود إلى جانبين كبيرين:
    - أولهما ما تقدمه للباحثين في نشأة اللغات وتطورها وتاريخها من الظواهر اللغوية الحية على اختلاف صنوفها: في الحرف والصوت والكلمة والتركيب . .
    - وثانيهما ما تقدمه للنحو وفقه اللغة من الشواهد والنماذج مما لا يبلغ بعض شأوه شواهد العربية الأخرى في الشعر والخطب والأمثال والأقوال . . وذلك بسبب مما حظيت به القراءات منذ نشأتها من عناية وضبط وتوثيق . . بالتلقي المتثبت ، والمشافهة الواعية ، والرواية المتواترة أو النقل المستفيض ، والتدوين المقرون بالوصف الدقيق والأسانيد المدروسة الموثوقة . .
    وأما رفعة شأنها فلارتباطها بالقرآن العظيم منهاج المتقين ومعراج المرتقين ، مصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: خيركم من تعلم القرآن وعلمه .
    غير أن هذا الميدان الجليل بما اتسم به من الغنى اللغوي الفريد ، نتيجة التيسير الذي عبر عنه الحديث النبوي : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ؛ أثار قدرًا غير قليل من القضايا التي ارتبطت بعلم القراءات ، وغدت مع الزمن أقرب إلى المشكلات ، فشغلت العلماء والباحثين عبر القرون - وما يزال بعضها يشغلهم- للوصول إلى المعرفة اليقينية بشأنها . . من ذلك قولهم: ما تفسير الأحرف السبعة؟ أهي للتكثير أم لتحديد؟ وإن كانت الأخيرة فما المقصود بها على الدقة أهي القبائل أم الطرائق أم الظواهر؟
    ما مدى شيوع التواتر بين القراءات ، أهو مقصور على السبع أم العشر أم ما فوق ذلك؟
    أهي سواء في الفصاحة أم أن بينها فصيحًا وأفصح؟ ما موقف النحو والقياس من هذا التفاوت في الفصاحة؟ . .
    هذه وغيرها أسئلة كثيرة تتردد بينهم لا تفتر ، تبحث لها عن الجواب الأخير .
    وقد أحدث اختلاف القراءات وتعددها حركة علمية مباركة ، أسفرت عن أعداد من مجموعات الكتب القيمة . . بدأت بكتب جمعت القراءات ، فأخرى نهضت بالاحتجاج لها بلغة العرب ، وثالثة وصفت مرسوم مصاحف الأمصار ، ورابعة اهتمت بالنقط والشكل . . وبقي في الميدان زوايا يلفها بعض الغموض والاختلاف وتباين الآراء ، مما تعد رسالة شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الآتي نصها حلقة في سلسلة الردود على تساؤلات الباحثين عن الحقيقة ، حيث أجاب فيها عن عدد من هذه التساؤلات .
    أما الرسالة فهي واحدة مما تضمه مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض من نفائس المخطوطات ، وتقع في سبع صفحات تضمها أربع ورقات ضمن مجموع يحمل رقم 3653 \ ف مصور عن الأصل في مكتبة تشستربتي ، كتبه بخط نسخي دقيق علي عبد الله الغزي سنة 859 هـ .
    ومما يعد نسخة قيمة أخرى لهذا النص ، ما تم نشره بعنوان (فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) جـ13 \ 389- 404 فقد ضم الفاضل الشيخ عبد الرحمن العاصمي هذا النص إلى الكتاب بوصفه إحدى الفتاوى التي صدرت عن شيخ الإسلام آنذاك . . وقد أفدت منه في تصويب المواضع التي تأثرت بالرطوبة في الأصل لديّ .
    ولم يذكر الشيخ العاصمي مصادره ، غير أن الاختلاف الطفيف في بعض ألفاظ النصين يثبت أنه نسخة أخرى لهذه الرسالة ، مما تجد ثماره وأثره في المتن وبعض حواشي التحقيق .
    ومما يعد طرفا في هذا التوثيق نقول مطولة لمقاطع تامة من هذا النص ، احتج بها ابن الجزري مقرونة بنسبتها إلى ابن تيمية في كتابه (النشر في القراءات العشر 1 \ 39 وما بعدها) مما تجد الإشارة إليه في مواضعه بعد .
    وتبدأ الرسالة بالبسملة والدعاء فالنص على الأثر بلا عنوان يتقدمه ، ولا ضير في هذا ، لأن النص نفسه وما ورد فيه من عبارات صريحة أدلة ناصعة على صحة نسبته إلى الشيخ الإمام ابن تيمية ، مما يطالع القارئ منذ السطور الأولى .
    وقد لقيت هذه الرسالة من عناية العلماء عبر القرون ما يبدو أثره في الخاتم الرابض في نهايتها ، وجاء في نقشه للواقف ما نصه:
    "وقف سيد يوسف فضل الله ، إمام جامع سلطان محمد خان ، للولاة وللمدرسين المتأهلين ، في جامع المزبور 1145 " .
    أما مؤلف الرسالة فغني عن التعريف ، فهو أبرز قوة فاعلة في صياغة الحياة في دولة المماليك في القرن الثامن الهجري بميادينها: العلمية والفكرية والعامة . . مما تجده مبسوطا في مظانه ، وتؤكده مئات الكتب والرسائل التي كتبها بخطه في معالجة قضايا عصره ، رافعًا بقوة صوت الدين وموقفه منها ، مما يتأبى على الحصر " فكان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله " .
    ومات رحمه الله معتقلا بقلعة دمشق سنة 728 هـ ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رضي الله تعالى عنه وأرضاه .

    النص المحقق

    (1 \ أ) بسم الله الرحمن الرحيم ، رب يسر

    ما يقول سيدي الشيخ- جمع الله له خير الدنيا والآخرة- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف .

    - ما المراد بهذه السبعة ؟
    - وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها ؟
    - وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟
    - وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أو لا .
    - وإذا جازت القراءة بها ، فهل تجوز الصلاة بها أو لا ؟
    أفتونا مأجورين .

    أجاب ( الشيخ تقي الدين بن تيمية ) : .
    الحمد لله رب العالمين . هذه مسألة كبيرة ، فقد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد ، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية .
    فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطًا ؛ فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة ، إلى ما لا يتسع له هذا المكان . . ولا يليق بمثل هذا الجواب ، ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب ، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين بأن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد ، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات: الحرمين والعراقين والشام ، إذ هذه الأمصار الخمسة [هي] التي خرج منها علم النبوة: من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة ، وسائر العلوم الدينية .
    فلما أراد ذلك ، جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ، ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن ، لا لاعتقاده أو اعتماد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم .
    ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة ، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المئتين .
    [و] لا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناهما متفقًا أو متقاربًا . كما قال عبد الله بن مسعود : "إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال " .
    وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر ، لكن كلا المعنيين حق ، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض . وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى (1 \ ب) الله عليه وسلم في هذا ، حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف : إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : عزيزا حكيما ؛ فالله كذلك ، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة" ، وهذا كما في القراءات المشهورة: .
    إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا و {إلا أن يُخافا ألا يقيما} .
    و {وإن كان مكرهم لتَزول - ولتزول - من الجبال} .
    و {بل عجبتُ} و بَلْ عَجِبْتَ . ونحو ذلك .
    ومن القراءات ما يكون المعنى فيها: متفقا من وجه ، متباينا من وجه ، كقوله:
    {يخدعون} و {يخادعون} .
    و {يُكَذِّبون} و {يَكذِبون} .
    و {لمستم} و { لامستم } .
    حَتَّى يَطْهُرْنَ و {يَطَّهَرْن} .
    ونحو ذلك .
    فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنه من المعنى علمًا وعملا ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " .
    وأما ما اتحد لفظه ومعناه ، وإنما يتنوع صفة النطق به ، كالهمزات والمدَّات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها ، ونحو ذلك مما تسمى القَرَأَة عامته الأصول ، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى .
    إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه ، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه ، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ؛ مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النَقْط أو الشكل .
    ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين ، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة ، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما ، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف .
    بل أكثر العلماء الأئمة - الذين أدركوا قراءة [ حمزة ] كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم- يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين ، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم - على قراءة حمزة والكسائي . وللعلماء [الأئمة] في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء .
    ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة- يجمعون ذلك في الكتب ، ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم .
    وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل (2 \ أ) من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة ، وجرت له قضية مشهورة ، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه .
    ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة ، ولكن من لم يكن عالما بها ، أو لم تثبت عنده - كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره ، ولم يتصل به بعض هذه القراءات- فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه منها ، [فإن] القراءة - كما قال زيد بن ثابت : سنة يأخذها الآخر عن الأول .
    كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة ، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك ، كله حسن ، يشرع العمل به لمن علمه .
    وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم ، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ، ولا أن يخالفه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تختلفوا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا .
    وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني ، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما: ( والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، والذكر والأنثى ) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين .
    ومثل قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وكقراءته: (إن كانت إلا زقية واحدة) ونحو ذلك ، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ [ذلك] على قولين للعلماء - هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد - وروايتان عن مالك : :
    - إحداهما يجوز ذلك ، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة .
    - والثانية : لا يجوز ذلك ، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة ، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ، أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين .
    والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره ، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها .
    ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار ، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره .
    وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل ، وهو أن القراءات السبع: هل هي حرف من الحروف السبعة أو ، لا ؟ . فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة ، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة ، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل ، والأحاديث (2 \ ب) والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول .
    وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة ، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيره ، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة ، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه ، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها . ثم أرسل عثمان - بمشاورة الصحابة - إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف ، وأمر بترك ما سوى ذلك . قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة .
    ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكره محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبًا على الأمة ، إنما كان جائزا لهم مرخصا لهم فيه ، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه ، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا ، بل مفوضًا إلى اجتهادهم ، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد ، وكذلك مصحف غيره ، وأما ترتيب آي السور فهو منزل منصوص عليه ، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة ، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًّا ، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم ، قالوا: فكذلك الأحرف السبعة . فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد ، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا- وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة- ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور .
    ومن هؤلاء من يقول: إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام ، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا ، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة ، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أرفق بهم- أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك ، وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف- منسوخة .
    وأما من قال عن ابن مسعود : إنه يجوز القراءة بالمعنى ؛ فقد كذب عليه . وإنما قال: "قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال . فاقرءوا كما علمتم " أو كما قال .
    فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها .
    ومن لم يجوزه فله أربعة مآخذ:
    - تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة .
    - وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة .
    - وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه .
    - وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن .
    وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين (3 \ أ) .
    ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه: إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة ، لعدم ثبوت القرآن بذلك . وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل ، لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها .
    وهذا القول ينبني على أصل ، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟
    فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك ، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا .
    وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه ، حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة [آية] ، من القرآن في غير سورة النمل لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه .
    والصواب القطع بخطأ هؤلاء ، وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف ؛ إذا لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه مما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور . ولكن مع ذلك لا يقال: هي من السورة التي بعدها ، كما [أنها] ليست من السورة التي قبلها ، بل هي كما كتبت - آية أنزلها الله في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة ، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة .
    وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات ؛ فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت . بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق ، وإنها آية من القرآن في بعض القراءات- وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين - وليست آية في بعض القراءات ، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها
    وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟
    فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله ، إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد ، بل القراءة سنة متبعة وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمام وقد أقرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء- لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف .
    ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء ، ويتنوعون في بعض ، كما اتفقوا في قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع ، وتنوعوا في موضعين .
    وقد بينا أن القراءتين كالآيتين ، فزيادة القراءات كزيادة الآيات ، لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذاك أخصر في الرسم ، والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على حفظ المصاحف ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم . فقلت: أي رب إذن يثلغوا رأسي ، فقال: إني مبتليك ومبتل بك ، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء ، تقرأه (3 \ ب) نائما ويقظان . فابعث جندا أبعث مثليهم ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأنفق أنفق عليك .
    فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء ، بل يقرأه في كل حال ، كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا ، لا عن ظهر قلب .
    وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة: كالأربعة الذين من الأنصار ، وكعبد الله بن عمرو ، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم . . ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف ، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، باتفاق العلماء المعتبرين ، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراءة كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة ، عند من ثبت ذلك عنده كما ثبت ذلك .
    وهذا أيضًا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم ، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام ، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأمة بعدهم- (هل هو بما فيه من قراءة السبعة وتمام العشرة وغير ذلك ، حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها) أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين:
    - الأول: قول أئمة السلف والعلماء .
    - الثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم .
    وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا خلافا يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا .
    وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم ، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع .
    أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر ، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة . فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم - فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى .
    وهذا من أسباب تركهم المصاحف - أول ما كتبت - غير مشكولة ولا منقوطة ، لتكون صورة الرسم محتملة لأمرين: كالتاء والياء ، والفتح والضم . وهم يضبطون
    المنقولين المسموعين المتلوين - شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين .
    فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا ، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي .
    - وهو الذي روى عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه كما رواه البخاري في صحيحه ، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة ، قال : -
    "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل . . قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا" .
    ولهذا دخل في معنى قوله : خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا ، بل تعليم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه ، وذلك هو الذي يزيد الإيمان . كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر (10) وغيرهما:
    "تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا ، وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان " .
    وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين ، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ؛ حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ونزل القرآن . . . وذكر الحديث بطوله ، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك .
    وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه ، وذلك مما أوحاه الله إليه . كما قال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا .
    وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست بشاذة حينئذ . والله أعلم بالصواب .
    تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في يوم الثلاثاء سادس عشرين جماد[ى] الأولى من شهور سنة تسع وخمسين وثمانمائة .

    مصادر البحث والتحقيق

    * الإبانة عن معاني القراءات . لمكي القيسي . تح د . محيي الدين رمضان . دار المأمون للتراث بدمشق 1399 هـ - 1979 م .
    * إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة الدمشقي . البابي الحلبي بمصر 1349 هـ.
    * الإصابة في تمييز الصحابة . لابن حجر العسقلاني .
    الطبعة الأولى - مطبعة السعادة بمصر 1328 هـ .
    * الأعلام . للزركلي . الطبعة الثالثة .
    * تاريخ بغداد . للخطيب البغدادي . دار الكتاب العربي - بيروت .
    * تفسير القرطبي - مصورة عن طبعة دار الكتب .
    * التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني . تح أوتوبرتزل ط . استانبول 1930 م .
    * السبعة لابن مجاهد . تح د . شوقي ضيف ط . الثانية - دار المعارف بالقاهرة 1400 هـ * الشاطبية . وشرحها للشيخ علي الضباع .
    مكتبة صبيح بالقاهرة 1381 هـ - 1961م .
    * صحيح البخاري . مصورة الطبعة الأولى 1315 هـ بمصر .
    * صحيح مسلم بشرح النووي - المطبعة المصرية ومكتبتها .
    * غاية النهاية في طبقات القراء . لابن الجزري . تح . برجستراسر . مصورة الطبعة الأولى 1351م هـ - 1932 .
    * كتاب سيبويه . مصورة طبعة بولاق .
    * لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني تح الشيخ عامر عثمان ود . عبد الصبور شاهين بالقاهرة 1392 هـ - 1972 .
    * لسان العرب لابن منظور . مصورة طبعة بولاق 1300 هـ .
    * مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية . جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي وابنه محمد .
    مصورة الطبعة الأولى 1398 هـ .
    * المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز . لأبي شامة الدمشقي تح طيار آلتي قولاج ط . دار صادر - بيروت 1395 هـ - 1975م .
    * مسند الإمام أحمد . مصورة الطبعة الأولى . الميمنية بمصر 1313 هـ .
    * منجد المقرئين ومرشد الطالبين . لابن الجزري . مكتبة القدسي 1350 هـ .
    * النشر في القراءات العشر . لابن الجزري . تح الشيخ علي الضباع .
    * وفيات الأعيان لابن خلكان . تح د . إحسان عباس . دار الثقافة ببيروت .
    رسالة لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية أجاب فيها عن أسئلة في علم القراءات حققها وقدم لها الدكتور : محمد علي سلطاني (مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الثالث عشر - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1405هـ) الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . وبعد : فإن القراءات القرآنية من أكثر علوم القرآن والعربية أهمية وأجلها شأنا . . أما أهميتها من حيث اللغة فتعود إلى جانبين كبيرين: - أولهما ما تقدمه للباحثين في نشأة اللغات وتطورها وتاريخها من الظواهر اللغوية الحية على اختلاف صنوفها: في الحرف والصوت والكلمة والتركيب . . - وثانيهما ما تقدمه للنحو وفقه اللغة من الشواهد والنماذج مما لا يبلغ بعض شأوه شواهد العربية الأخرى في الشعر والخطب والأمثال والأقوال . . وذلك بسبب مما حظيت به القراءات منذ نشأتها من عناية وضبط وتوثيق . . بالتلقي المتثبت ، والمشافهة الواعية ، والرواية المتواترة أو النقل المستفيض ، والتدوين المقرون بالوصف الدقيق والأسانيد المدروسة الموثوقة . . وأما رفعة شأنها فلارتباطها بالقرآن العظيم منهاج المتقين ومعراج المرتقين ، مصداقًا لقوله عليه الصلاة والسلام: خيركم من تعلم القرآن وعلمه . غير أن هذا الميدان الجليل بما اتسم به من الغنى اللغوي الفريد ، نتيجة التيسير الذي عبر عنه الحديث النبوي : أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه ؛ أثار قدرًا غير قليل من القضايا التي ارتبطت بعلم القراءات ، وغدت مع الزمن أقرب إلى المشكلات ، فشغلت العلماء والباحثين عبر القرون - وما يزال بعضها يشغلهم- للوصول إلى المعرفة اليقينية بشأنها . . من ذلك قولهم: ما تفسير الأحرف السبعة؟ أهي للتكثير أم لتحديد؟ وإن كانت الأخيرة فما المقصود بها على الدقة أهي القبائل أم الطرائق أم الظواهر؟ ما مدى شيوع التواتر بين القراءات ، أهو مقصور على السبع أم العشر أم ما فوق ذلك؟ أهي سواء في الفصاحة أم أن بينها فصيحًا وأفصح؟ ما موقف النحو والقياس من هذا التفاوت في الفصاحة؟ . . هذه وغيرها أسئلة كثيرة تتردد بينهم لا تفتر ، تبحث لها عن الجواب الأخير . وقد أحدث اختلاف القراءات وتعددها حركة علمية مباركة ، أسفرت عن أعداد من مجموعات الكتب القيمة . . بدأت بكتب جمعت القراءات ، فأخرى نهضت بالاحتجاج لها بلغة العرب ، وثالثة وصفت مرسوم مصاحف الأمصار ، ورابعة اهتمت بالنقط والشكل . . وبقي في الميدان زوايا يلفها بعض الغموض والاختلاف وتباين الآراء ، مما تعد رسالة شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الآتي نصها حلقة في سلسلة الردود على تساؤلات الباحثين عن الحقيقة ، حيث أجاب فيها عن عدد من هذه التساؤلات . أما الرسالة فهي واحدة مما تضمه مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض من نفائس المخطوطات ، وتقع في سبع صفحات تضمها أربع ورقات ضمن مجموع يحمل رقم 3653 \ ف مصور عن الأصل في مكتبة تشستربتي ، كتبه بخط نسخي دقيق علي عبد الله الغزي سنة 859 هـ . ومما يعد نسخة قيمة أخرى لهذا النص ، ما تم نشره بعنوان (فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ) جـ13 \ 389- 404 فقد ضم الفاضل الشيخ عبد الرحمن العاصمي هذا النص إلى الكتاب بوصفه إحدى الفتاوى التي صدرت عن شيخ الإسلام آنذاك . . وقد أفدت منه في تصويب المواضع التي تأثرت بالرطوبة في الأصل لديّ . ولم يذكر الشيخ العاصمي مصادره ، غير أن الاختلاف الطفيف في بعض ألفاظ النصين يثبت أنه نسخة أخرى لهذه الرسالة ، مما تجد ثماره وأثره في المتن وبعض حواشي التحقيق . ومما يعد طرفا في هذا التوثيق نقول مطولة لمقاطع تامة من هذا النص ، احتج بها ابن الجزري مقرونة بنسبتها إلى ابن تيمية في كتابه (النشر في القراءات العشر 1 \ 39 وما بعدها) مما تجد الإشارة إليه في مواضعه بعد . وتبدأ الرسالة بالبسملة والدعاء فالنص على الأثر بلا عنوان يتقدمه ، ولا ضير في هذا ، لأن النص نفسه وما ورد فيه من عبارات صريحة أدلة ناصعة على صحة نسبته إلى الشيخ الإمام ابن تيمية ، مما يطالع القارئ منذ السطور الأولى . وقد لقيت هذه الرسالة من عناية العلماء عبر القرون ما يبدو أثره في الخاتم الرابض في نهايتها ، وجاء في نقشه للواقف ما نصه: "وقف سيد يوسف فضل الله ، إمام جامع سلطان محمد خان ، للولاة وللمدرسين المتأهلين ، في جامع المزبور 1145 " . أما مؤلف الرسالة فغني عن التعريف ، فهو أبرز قوة فاعلة في صياغة الحياة في دولة المماليك في القرن الثامن الهجري بميادينها: العلمية والفكرية والعامة . . مما تجده مبسوطا في مظانه ، وتؤكده مئات الكتب والرسائل التي كتبها بخطه في معالجة قضايا عصره ، رافعًا بقوة صوت الدين وموقفه منها ، مما يتأبى على الحصر " فكان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن ، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله " . ومات رحمه الله معتقلا بقلعة دمشق سنة 728 هـ ، فخرجت دمشق كلها في جنازته رضي الله تعالى عنه وأرضاه . النص المحقق (1 \ أ) بسم الله الرحمن الرحيم ، رب يسر ما يقول سيدي الشيخ- جمع الله له خير الدنيا والآخرة- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف . - ما المراد بهذه السبعة ؟ - وهل هذه القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم وغيرهما هي الأحرف السبعة أو واحد منها ؟ - وما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟ - وهل تجوز القراءة برواية الأعمش وابن محيصن وغيرهما من القراءات الشاذة أو لا . - وإذا جازت القراءة بها ، فهل تجوز الصلاة بها أو لا ؟ أفتونا مأجورين . أجاب ( الشيخ تقي الدين بن تيمية ) : . الحمد لله رب العالمين . هذه مسألة كبيرة ، فقد تكلم فيها أصناف العلماء من الفقهاء والقراء وأهل الحديث والتفسير والكلام وشرح الغريب وغيرهم حتى صنف فيها التصنيف المفرد ، ومن آخر ما أفرد في ذلك ما صنفه الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة صاحب شرح الشاطبية . فأما ذكر أقاويل الناس وأدلتهم وتقرير الحق فيها مبسوطًا ؛ فيحتاج من ذكر الأحاديث الواردة في ذلك وذكر ألفاظها وسائر الأدلة ، إلى ما لا يتسع له هذا المكان . . ولا يليق بمثل هذا الجواب ، ولكن نذكر النكت الجامعة التي تنبه على المقصود بالجواب ، فنقول: لا نزاع بين العلماء المعتبرين بأن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن أنزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ، بل أول من جمع قراءات هؤلاء هو الإمام أبو بكر بن مجاهد ، وكان على رأس المائة الثالثة ببغداد ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات: الحرمين والعراقين والشام ، إذ هذه الأمصار الخمسة [هي] التي خرج منها علم النبوة: من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه في الأعمال الباطنة والظاهرة ، وسائر العلوم الدينية . فلما أراد ذلك ، جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار ، ليكون ذلك موافقًا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن ، لا لاعتقاده أو اعتماد غيره من العلماء أن القراءات السبع هي الحروف السبعة ، أو أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءتهم . ولهذا قال من قال من أئمة القراء: لولا أن ابن مجاهد سبقني إلى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي إمام جامع البصرة ، وإمام قراء البصرة في زمانه في رأس المئتين . [و] لا نزاع بين المسلمين أن الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها لا تتضمن تناقض المعنى وتضاده ، بل قد يكون معناهما متفقًا أو متقاربًا . كما قال عبد الله بن مسعود : "إنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال " . وقد يكون معنى أحدهما ليس هو معنى الآخر ، لكن كلا المعنيين حق ، وهذا اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض . وهذا كما جاء في الحديث المرفوع عن النبي صلى (1 \ ب) الله عليه وسلم في هذا ، حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف : إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : عزيزا حكيما ؛ فالله كذلك ، ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب ، أو آية عذاب بآية رحمة" ، وهذا كما في القراءات المشهورة: . إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا و {إلا أن يُخافا ألا يقيما} . و {وإن كان مكرهم لتَزول - ولتزول - من الجبال} . و {بل عجبتُ} و بَلْ عَجِبْتَ . ونحو ذلك . ومن القراءات ما يكون المعنى فيها: متفقا من وجه ، متباينا من وجه ، كقوله: {يخدعون} و {يخادعون} . و {يُكَذِّبون} و {يَكذِبون} . و {لمستم} و { لامستم } . حَتَّى يَطْهُرْنَ و {يَطَّهَرْن} . ونحو ذلك . فهذه القراءات التي يتغاير فيها المعنى كلها حق ، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية ، يجب الإيمان بها كلها ، واتباع ما تضمنه من المعنى علمًا وعملا ، لا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن ذلك تعارض ، بل كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " . وأما ما اتحد لفظه ومعناه ، وإنما يتنوع صفة النطق به ، كالهمزات والمدَّات والإمالات ونقل الحركات والإظهار والإدغام والاختلاس وترقيق اللامات والراءات أو تغليظها ، ونحو ذلك مما تسمى القَرَأَة عامته الأصول ، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى . إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه واتحد معناه ، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه ، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها ؛ مما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى وإن وافق رسم المصحف وهو ما يختلف فيه النَقْط أو الشكل . ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام المتبوعون من السلف والأئمة في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين ، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة ، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما ، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي - فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف . بل أكثر العلماء الأئمة - الذين أدركوا قراءة [ حمزة ] كسفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم- يختارون قراءة أبي جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين ، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم - على قراءة حمزة والكسائي . وللعلماء [الأئمة] في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء . ولهذا كان أئمة أهل العراق الذين ثبتت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة- يجمعون ذلك في الكتب ، ويقرأونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم . وأما الذي ذكره القاضي عياض ومن نقل (2 \ أ) من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة ، وجرت له قضية مشهورة ، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف كما سنبينه . ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة ، ولكن من لم يكن عالما بها ، أو لم تثبت عنده - كمن يكون في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره ، ولم يتصل به بعض هذه القراءات- فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه منها ، [فإن] القراءة - كما قال زيد بن ثابت : سنة يأخذها الآخر عن الأول . كما أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنواع الاستفتاحات في الصلاة ، ومن أنواع صفة الأذان والإقامة وصفة صلاة الخوف وغير ذلك ، كله حسن ، يشرع العمل به لمن علمه . وأما من علم نوعا ولم يعلم غيره فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلم ، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك ، ولا أن يخالفه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تختلفوا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا . وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني ، مثل قراءة ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما: ( والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، والذكر والأنثى ) كما قد ثبت ذلك في الصحيحين . ومثل قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وكقراءته: (إن كانت إلا زقية واحدة) ونحو ذلك ، فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ [ذلك] على قولين للعلماء - هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد - وروايتان عن مالك : : - إحداهما يجوز ذلك ، لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرأون بهذه الحروف في الصلاة . - والثانية : لا يجوز ذلك ، وهو قول أكثر العلماء؛ لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن ثبتت فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة ، فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم ، أن جبريل عليه السلام كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل عام مرة ، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين . والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره ، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف ، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في صحف أمر زيد بن ثابت بكتابتها . ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار ، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة علي وغيره . وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل ، وهو أن القراءات السبع: هل هي حرف من الحروف السبعة أو ، لا ؟ . فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والأئمة أنها حرف من الحروف السبعة ، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة ، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل ، والأحاديث (2 \ ب) والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول . وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة ، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام كالقاضي أبي بكر بن الباقلاني وغيره ، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة ، وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه ، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها . ثم أرسل عثمان - بمشاورة الصحابة - إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف ، وأمر بترك ما سوى ذلك . قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة . ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكره محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبًا على الأمة ، إنما كان جائزا لهم مرخصا لهم فيه ، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه ، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا ، بل مفوضًا إلى اجتهادهم ، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد ، وكذلك مصحف غيره ، وأما ترتيب آي السور فهو منزل منصوص عليه ، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم كما قدموا سورة على سورة ، لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًّا ، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم ، قالوا: فكذلك الأحرف السبعة . فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد ، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا- وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة- ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور . ومن هؤلاء من يقول: إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام ، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا ، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة ، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم وهو أرفق بهم- أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك ، وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف- منسوخة . وأما من قال عن ابن مسعود : إنه يجوز القراءة بالمعنى ؛ فقد كذب عليه . وإنما قال: "قد نظرت إلى القرأة فرأيت قراءتهم متقاربة ، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل وهلم وتعال . فاقرءوا كما علمتم " أو كما قال . فمن جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها . ومن لم يجوزه فله أربعة مآخذ: - تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة . - وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة . - وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه . - وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن . وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين (3 \ أ) . ولهذا كان في المسألة قول ثالث وهو اختيار جدي أبي البركات أنه: إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة - وهي الفاتحة عند القدرة عليها - لم تصح صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة ، لعدم ثبوت القرآن بذلك . وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته ، لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل ، لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها . وهذا القول ينبني على أصل ، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك ، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيا . وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه ، حتى قطع بعض هؤلاء كالقاضي أبي بكر بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة [آية] ، من القرآن في غير سورة النمل لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه . والصواب القطع بخطأ هؤلاء ، وأن البسملة آية من كتاب الله حيث كتبها الصحابة في المصحف ؛ إذا لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه مما ليس منه كالتخميس والتعشير وأسماء السور . ولكن مع ذلك لا يقال: هي من السورة التي بعدها ، كما [أنها] ليست من السورة التي قبلها ، بل هي كما كتبت - آية أنزلها الله في أول كل سورة وإن لم تكن من السورة ، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة . وسواء قيل بالقطع في النفي أو الإثبات ؛ فذلك لا يمنع كونها من موارد الاجتهاد التي لا تكفير ولا تفسيق فيها للنافي ولا للمثبت . بل قد يقال ما قاله طائفة من العلماء: إن كل واحد من القولين حق ، وإنها آية من القرآن في بعض القراءات- وهي قراءة الذين يفصلون بها بين السورتين - وليست آية في بعض القراءات ، وهي قراءة الذين يصلون ولا يفصلون بها وأما قول السائل: ما السبب الذي أوجب الاختلاف بين القراء فيما احتمله خط المصحف؟ فهذا مرجعه إلى النقل واللغة العربية لتسويغ الشارع لهم القراءة بذلك كله ، إذ ليس لأحد أن يقرأ برأيه المجرد ، بل القراءة سنة متبعة وهم إذا اتفقوا على اتباع القرآن المكتوب في المصحف الإمام وقد أقرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء- لم يكن واحد منهما خارجا عن المصحف . ومما يوضح ذلك أنهم يتفقون في بعض المواضع على ياء أو تاء ، ويتنوعون في بعض ، كما اتفقوا في قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ في موضع ، وتنوعوا في موضعين . وقد بينا أن القراءتين كالآيتين ، فزيادة القراءات كزيادة الآيات ، لكن إذا كان الخط واحدا واللفظ محتملا كان ذاك أخصر في الرسم ، والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على حفظ المصاحف ، كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن ربي قال لي: قم في قريش فأنذرهم . فقلت: أي رب إذن يثلغوا رأسي ، فقال: إني مبتليك ومبتل بك ، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء ، تقرأه (3 \ ب) نائما ويقظان . فابعث جندا أبعث مثليهم ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ، وأنفق أنفق عليك . فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء ، بل يقرأه في كل حال ، كما جاء في نعت أمته: أناجيلهم في صدورهم بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرءونه كله إلا نظرا ، لا عن ظهر قلب . وقد ثبت في الصحيح أنه جمع القرآن كله على عهد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة: كالأربعة الذين من الأنصار ، وكعبد الله بن عمرو ، فتبين بما ذكرناه أن القراءات المنسوبة إلى نافع وعاصم . . ليست هي الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، وذلك باتفاق علماء السلف والخلف ، وكذلك ليست هذه القراءات السبع هي مجموع حرف واحد من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، باتفاق العلماء المعتبرين ، بل القراءات الثابتة عن أئمة القراءة كالأعمش ويعقوب وخلف وأبي جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح ونحوهم هي بمنزلة القراءات الثابتة عن هؤلاء السبعة ، عند من ثبت ذلك عنده كما ثبت ذلك . وهذا أيضًا مما لم يتنازع فيه الأئمة المتبوعون من أئمة الفقهاء والقراء وغيرهم ، وإنما تنازع الناس من الخلف في المصحف العثماني الإمام ، الذي أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان والأمة بعدهم- (هل هو بما فيه من قراءة السبعة وتمام العشرة وغير ذلك ، حرف من الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها) أو هو مجموع الأحرف السبعة؟ على قولين مشهورين: - الأول: قول أئمة السلف والعلماء . - الثاني: قول طوائف من أهل الكلام والقراء وغيرهم . وهم متفقون على أن الأحرف السبعة لا يخالف بعضها بعضًا خلافا يتضاد فيه المعنى ويتناقض ، بل يصدق بعضها بعضًا كما تصدق الآيات بعضها بعضًا . وسبب تنوع القراءات فيما احتمله خط المصحف هو تجويز الشارع وتسويغه ذلك لهم ، إذ مرجع ذلك إلى السنة والاتباع لا إلى الرأي والابتداع . أما إذا قيل: إن ذلك هي الأحرف السبعة فظاهر ، وكذلك بطريق الأولى إذا قيل: إن ذلك حرف من الأحرف السبعة . فإنه إذا كان قد سوغ لهم أن يقرءوه على سبعة أحرف كلها شاف كاف مع تنوع الأحرف في الرسم - فلأن يسوغ ذلك مع اتفاق ذلك في الرسم وتنوعه في اللفظ أولى وأحرى . وهذا من أسباب تركهم المصاحف - أول ما كتبت - غير مشكولة ولا منقوطة ، لتكون صورة الرسم محتملة لأمرين: كالتاء والياء ، والفتح والضم . وهم يضبطون المنقولين المسموعين المتلوين - شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المعقولين المفهومين . فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلقوا عنه ما أمره الله بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعًا ، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي . - وهو الذي روى عن عثمان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه كما رواه البخاري في صحيحه ، وكان يقرئ القرآن أربعين سنة ، قال : - "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما ، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل . . قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا" . ولهذا دخل في معنى قوله : خيركم من تعلم القرآن وعلمه تعليم حروفه ومعانيه جميعا ، بل تعليم معانيه هو المقصود الأول بتعليم حروفه ، وذلك هو الذي يزيد الإيمان . كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر (10) وغيرهما: "تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا ، وإنكم تتعلمون القرآن ثم تتعلمون الإيمان " . وفي الصحيحين عن حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين ، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ؛ حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ونزل القرآن . . . وذكر الحديث بطوله ، ولا تتسع هذه الورقة لذكر ذلك . وإنما المقصود التنبيه على أن ذلك كله مما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، وبلغنا أصحابه عنه الإيمان والقرآن حروفه ومعانيه ، وذلك مما أوحاه الله إليه . كما قال تعالى : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا . وتجوز القراءة في الصلاة وخارجها بالقراءات الثابتة الموافقة لرسم المصحف كما ثبتت هذه القراءات وليست بشاذة حينئذ . والله أعلم بالصواب . تمت بحمد الله وعونه وحسن توفيقه في يوم الثلاثاء سادس عشرين جماد[ى] الأولى من شهور سنة تسع وخمسين وثمانمائة . مصادر البحث والتحقيق * الإبانة عن معاني القراءات . لمكي القيسي . تح د . محيي الدين رمضان . دار المأمون للتراث بدمشق 1399 هـ - 1979 م . * إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة الدمشقي . البابي الحلبي بمصر 1349 هـ. * الإصابة في تمييز الصحابة . لابن حجر العسقلاني . الطبعة الأولى - مطبعة السعادة بمصر 1328 هـ . * الأعلام . للزركلي . الطبعة الثالثة . * تاريخ بغداد . للخطيب البغدادي . دار الكتاب العربي - بيروت . * تفسير القرطبي - مصورة عن طبعة دار الكتب . * التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني . تح أوتوبرتزل ط . استانبول 1930 م . * السبعة لابن مجاهد . تح د . شوقي ضيف ط . الثانية - دار المعارف بالقاهرة 1400 هـ * الشاطبية . وشرحها للشيخ علي الضباع . مكتبة صبيح بالقاهرة 1381 هـ - 1961م . * صحيح البخاري . مصورة الطبعة الأولى 1315 هـ بمصر . * صحيح مسلم بشرح النووي - المطبعة المصرية ومكتبتها . * غاية النهاية في طبقات القراء . لابن الجزري . تح . برجستراسر . مصورة الطبعة الأولى 1351م هـ - 1932 . * كتاب سيبويه . مصورة طبعة بولاق . * لطائف الإشارات لفنون القراءات للقسطلاني تح الشيخ عامر عثمان ود . عبد الصبور شاهين بالقاهرة 1392 هـ - 1972 . * لسان العرب لابن منظور . مصورة طبعة بولاق 1300 هـ . * مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية . جمع وترتيب عبد الرحمن العاصمي وابنه محمد . مصورة الطبعة الأولى 1398 هـ . * المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز . لأبي شامة الدمشقي تح طيار آلتي قولاج ط . دار صادر - بيروت 1395 هـ - 1975م . * مسند الإمام أحمد . مصورة الطبعة الأولى . الميمنية بمصر 1313 هـ . * منجد المقرئين ومرشد الطالبين . لابن الجزري . مكتبة القدسي 1350 هـ . * النشر في القراءات العشر . لابن الجزري . تح الشيخ علي الضباع . * وفيات الأعيان لابن خلكان . تح د . إحسان عباس . دار الثقافة ببيروت .
    0
  • إرسال نسخ مصحف الإمام مع صحابي يقرئ كل قٌطر *

    قال الزّركشي رحمه الله: "قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[1].

    ويقول الإمام السيوطي رحمه الله اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[2].

    وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[3].

    والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[4]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[5].

    ولم يكتف سيدنا عثمان رضي الله عنه بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري، وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[6].

    وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب [7].
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * بتصرف يسير من "فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه" لأبي سليمان المختار بن العربي مؤمن (https://www.alukah.net/sharia/0/57264/#ixzz6amMa32tR).
    [1] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ).
    [2] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ).
    [3] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16.
    [4] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ).
    [5] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30.
    [6] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ).
    [7] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    إرسال نسخ مصحف الإمام مع صحابي يقرئ كل قٌطر * قال الزّركشي رحمه الله: "قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[1]. ويقول الإمام السيوطي رحمه الله اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[2]. وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[3]. والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[4]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[5]. ولم يكتف سيدنا عثمان رضي الله عنه بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري، وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[6]. وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب [7]. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * بتصرف يسير من "فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه" لأبي سليمان المختار بن العربي مؤمن (https://www.alukah.net/sharia/0/57264/#ixzz6amMa32tR). [1] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ). [2] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ). [3] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16. [4] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ). [5] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30. [6] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ). [7] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    0
  • جمع القرآن الكريم *
    هشام الهواري[1]

    الحمدُ لله الذي هدانا لكتابه، وفضَّلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه، حمدًا يستجلب المرغوب من وضائه، ويستعطف المخزون من عطائه، ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه، والعارفين لأوليائه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ رسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، وعلى آله وعترته الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وأمته أجمعين.

    أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده محمدٍ صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم ليكونَ للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وجعله خاتمةَ كتبِهِ، مصدِّقًا لها، ومهيمنًا عليها، وحجَّةً على خلقه، ومعجزةً لنبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    وقيَّض الله تبارك وتعالى لكتابه العزيز أئمةً ثقاتٍ، تلقَّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقلوه إلينا غضًّا طريًّا كما أُنزل رواية ودِرَاية، سالمًا معصومًا من الخطأ والزَّلل.

    وجعل للمشتغلين به أجرًا ومَزِيَّةً، وتواترت فضائل حَمَلَتِهِ وقُرَّائه في الأحاديث النبوية، تحقيقًا لوعد الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

    ولما تكفَّل الله تعالى بحفظه، خصَّ مَن شاء مِن بَرِيَّتِهِ، وأورثه مَن اصطفاه من خليقته؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أهلين من الناسِ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُهُ)[2].

    ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا فيه حثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، وإذا بعث بعثًا جعل إمامهم في صلاتهم أحفظَهم لكتاب الله، فضلًا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من تعلم القرآن وعلَّمه، بلَّغه وبيَّنه لصحابته الكرام، فحفِظوه وتنافسوا في تلاوته وتدبره، ومدارسته وتفسيره والعمل به، وعلى نهجهم سار التابعون ومَن تبعهم بإحسان، فغدت سنة مُتَّبَعَةٌ يأخذها اللاحق عن السابق؛ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنهما قال: (القراءة سُنَّةٌ، فاقرؤوه كما تجدونه)[3].

    هكذا كانت نظرة السلف رحمهم الله لِما يتلقَّونه من الوحي، مستشعرين في ذلك أنهم مبلِّغون عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    معنى جمع القرآن:
    لغة: الجمع مصدر الفعل "جمع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا؛ قال الجوهري: "أجمعت الشيء: جعلته جميعًا، والمجموع: الذي جُمِعَ من ها هنا وها هنا، وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد"[4].

    وقال ابن منظور: "جمع الشيء عن كل تفرقة يجمعه جمعًا، واستجمع السيل: اجتمع مع كل موضع، وجمعتُ الشيء... وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من ها هنا وها هنا"[5].
    ويتضح أن معنى كلمة (جمع) في اللغة: التأليف وضمُّ المتفرق.
    اصطلاحًا: جمع القرآن الكريم يُطلَق في علوم القرآن على معنيين:
    الأول: جمعه بمعنى: حفظه في الصدور؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]؛ أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك"[6]؛ يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه: "وقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد، حتى نثبته فيه، ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك"[7].

    والثاني: جمعه بمعنى: كتابته؛ ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في قضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومما ورد فيه قول عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: ((وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن))، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ((فتتبَّعتُ القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدور الرجال))[8].

    يقول الإمام الزرقاني: "كلمة جمع القرآن تُطلَق تارة ويُراد منها: حفظه واستظهاره في الصدور، وتطلق تارة أخرى ويُراد منها: كتابته كله حروفًا وكلمات وآيات وسورًا؛ هذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور، ثم إن جمعه بمعنى كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات؛ الأولى: في عهد النبي صــلى الله عليه وسلم، والثانية: في خلافة أبي بكر، والثالثة: على عهد عثمـــان، وفي هذه المرة الأخيرة وحدهـــا، نُسخِت المصـــاحف، وأُرسلت إلى الآفـــــــاق"[9].

    جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
    كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مولَعًا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، يُقرِئه القرآن فيحفظه ويفهمه، فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة؛ شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة السماوية.

    وأما الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان كتاب الله عز وجل في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه وتدبره والعمل به؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأه في شهر))[10].

    يقول الإمام ابن الجزري رحمه الله: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة"[11]، وقال: "وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب، ولما خصَّ الله تعالى بحفظه مَن شاء مِن أهله، أقام له أئمة ثقات تجرَّدوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقَّوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا، لم يهملوا منه حركةً ولا سكونًا، ولا إثباتًا ولا حذفًا، ولا دخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وَهْمٌ، وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ أكثره، ومنهم من حفظ بعضه، كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أول كتابه في القراءات من نقل عنهم شيء من وجوه القـــراءة من الصحابة وغيرهم؛ فذكر من الصحابة: أبا بكــر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، وسعدًا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالمًا، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبدالله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين، وذكر من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، ومجمع بن جارية، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم أجمعين"[12].

    من خلال ما تقدم يتضح لنا أن حفَّاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جمًّا غفيرًا، "حتى كان عدد القتلى ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة؛ قال القرطبي: قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القرَّاء، وقُتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد"[13].

    لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن الكريم، وإقرائه لأصحابه، وحثِّهم على تعلمه وتعليمه، بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته وتقييده في السطور، فكان كلما نزلت عليه آياتٍ، دعا الكُتَّاب فأملاه عليهم، فيكتبونه، وبذلك كان القرآن مكتوبًا كله بأمره في عهده صلى الله عليه وسلم.

    ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ عددًا من كُتَّابِ الوحي، ومنهم الخلفاء الأربعة، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعبدالله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وغيرهم[14]، "وكان يأمرهم بكتابة كل ما ينزل من القرآن؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنت جارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل الوحي، أرسل إليَّ فكتبت الوحي))[15]، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور، كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداءً من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيخطُّونه في العُسُبِ (جريد النخل)، واللِّخاف (صحائف الحجارة)..."[16]؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرِّقاع))[17].
    ويسمى هذا الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حفظًا وكتابةً: "الجمع الأول".

    جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
    قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداثٌ جِسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهَّز الجيوش وأوقدها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثني عشرة للهجرة، تضم عددًا كبيرًا من الصحابة القُرَّاء، فاستُشهد في هذه الغزوة سبعون قارئًا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر رضي الله عنهما، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشيةَ الضياع؛ فإن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالقُرَّاء[18].

    "روى البخاري في صحيحه[19]، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يَزَلْ عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبَّعِ القرآن واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير[20]، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128] مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر"[21].

    "وقد راعى زيد بن ثابت رضي الله عنه نهاية التَّثَبُّتِ، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله في الحديث: ((ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره))، لا ينافي هذا، ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك؛ لأن زيدًا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معًا[22]، فكانت هذه الرواية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كُتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري"[23].

    منهج الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم:
    لقد اتبع زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم منهجًا قويمًا، وطريقة دقيقة مُحكَمة، وضعها له أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم:
    ١- ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ٢- ما كان محفوظًا في صدور الصحابة رضي الله عنهم.

    فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه، بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتمد الحفظ وحسب، بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادة في التوثيق.

    يقول الإمام الزرقاني: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبُّتٍ بالغٍ وحَذَرٍ دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛ أحدهما: ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[24].

    وبهذه الخصائص العظيمة المعتبرة تميز جمعُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن الكريم؛ قال علي كرم الله وجهه: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر رحمة الله عليه، هو أول من جمع كتاب الله"[25].

    قال الخراز:
    جمعَه في الصُّحفِ الصِّدِّيقُ
    كما أشارَ عُمَرُ الفارُوقُ
    وذاك حينَ قتلُوا مُسيلمة
    وانقلبتْ جيوشُه منهزمَة
    وبعده جرده الإمام
    في مصحف ليقتديَ الأنام
    ولا يكون بعده اضطراب
    وكان فيما قد رأى صواب[26]
    جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

    "إن ما يميز السياسة الراشدة نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجَّلها المؤرخون قديمًا وحديثًا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة مرات آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت"[27].

    فقد "اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن، وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن"[28].

    روى البخاري "عن أنس بن مالك ((أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرِكِ الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا[29]، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق"[30].

    قال الإمام الزركشي في "البرهان": "وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف، فإنه جهلٌ منهم وعمى، فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولمَّ الشعْثَ وكان ذلك واجبًا عليه، ولو تركه لعصى؛ لِما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك"[31]؛ قال علي كرم الله وجهه: "لو وليتُ ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل"[32].

    ثم إن النص الذي كان عند حفصة هو النص المكتوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته النص المكتوب في مصحف عثمان رضي الله عنه، فلا يصح الزيادة عليه ولا يصح النقص[33].

    عن سويد بن غفلة قال: "قال علي رضي الله عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيًرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا"[34].

    توحيد المصاحف:
    "إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك - وإنما فعل ذلك - عثمان - لأن الناس اختلفوا في القراءات؛ بسبب تفرق الصحابة في البلدان، واشتد الأمر في ذلك، وعظُمَ اختلافهم وتشتُّتُهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما رُوي لها، فاختلفوا وتنازعوا، وأظهر بعضهم إكفارَ بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري - إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلِكَ، قال: في ماذا؟ قال: في كتاب الله؛ إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسًا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم، كما اختلف اليهود والنصارى"[35].

    "أضِفْ إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، إنما كان كل صحابي في إقليمه يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن، ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد.

    لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء، قبل أن يعزَّ الدواء، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضع حدًّا لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يُرسَل بها إلى الأمصار، وأن يُؤمَرَ الناس بإحراق كل ما عداها، وألَّا يعتمدوا سواها، وبذلك يرأب الصَّدْعَ، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلال هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحَكَمهم العدل في ذلك النزاع والمِراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء"[36].

    وكان هذا من عثمان رضي الله تعالى عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار، وجُلَّةَ أهل الإسلام، وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطَرْحِ ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأيًا سديدًا موفَّقًا، رضي الله عنهم أجمعين.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * موقع الألوكة: (https://www.alukah.net/sharia/0/142194/#ixzz6ZeFwm3P2).
    [1] جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، المملكة المغربية.
    [2] "سنن ابن ماجه"، كتاب المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، حديث رقم: 215.
    [3] الإمام جعفر المستغفري، "فضائل القرآن"، تحقيق: محمد عثمان، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ص: 130، انظر أيضًا: "السبع" لابن مجاهد، ص: 47.
    [4] الجوهري، "الصحاح"، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطَّار، دار العلم للملايين، بيروت، القاهرة، الطبعة الثانية، 1376هـ/ 1556م، ج: 3، ص: 1199.
    [5] ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، ج: 8، ص: 53.
    [6] "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجه التأويل"، الزمخشري، تحقيق: محمود بن عمر الزمخشري أبو القاسم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1430هـ/ 2009م، ط: 3، ج:1، ص: 1161.
    [7] ابن جرير الطبري، "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، تحقيق: الدكتور بشَّار عوار معروف، وعصام فارس الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ/ 1994م، ج: 7، ص: 213.
    [8] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98.
    [9] محمد عبدالعظيم الزرقاني، "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 115.
    [10] أخرجه النسائي بسند صحيح، "السنن الكبرى"، رقم: 8064.
    [11] محمد بن الجزري، "النشر في القراءات العشر"، تحقيق: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 6.
    [12] المرجع السابق، ص: 6.
    [13] "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 242.
    [14] انظر: "جوامع السير"، لابن حزم، ص: 26.
    [15] أخرجه ابن أبي داود، كتاب "المصاحف"، ص: 3.
    [16] مناع القطان، "مباحث في علوم القرآن"، مكتبة وهبة، القاهرة، ص: 118.
    [17] أخرجه الحاكم في "المستدرك"، بسند على شرط الشيخين: 6112.
    [18] انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمناع القطان، ص: 121.
    [19] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98.
    [20] قال الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن": "كتابة القرآن ليست بمحدثة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنما أمر الصدِّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامعٌ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء"؛ [الإتقان في علوم القرآن، ص: 385].
    [21] "البرهان في علوم القرآن"، الزركشي، تحقيق: أبي الفضل الدمياطي، ص: 165.
    [22] أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: ((قدِمَ عمر، فقال: من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن، فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان))، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا، حتى يشهد من تلقَّاه سماعًا، مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة من الاحتياط؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 165]، الحديث أخرجه ابن أبي داود، في كتاب "المصاحف"، ص: 10.
    [23] "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 122.
    [24] "مناهل العرفان"، ص: 352.
    [25] "مباحث في علوم القرآن"، ص: 122، بتصرف.
    [26]- الشريشي الخراز، "منظومة مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن"، ص: 7.
    [27]- نور الدين عتر، "علوم القرآن الكريم"، مطبعة الصباح، دمشق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414ه/ 1993م، ص: 172.
    [28]- "مناهل العرفان"، ص: 255.
    [29]- قال أبو عمرو الداني في "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف، جعله على أربعة نسخ وبعث إلى كل ناحية واحدًا: الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحدًا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد إلى مكة، وإلى اليمن، وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 169].
    [30]- رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 99.
    [31]- الزركشي، "البرهان في علوم القرآن"، ص: 169.
    [32]- أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف"، ص: 97، 98.
    [33]- محمد أبو زهرة، "المعجزة الكبرى القرآن"، ص: 42.
    [34]- أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح، انظر: "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 125.
    [35]- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ص: 86.
    [36]- "مناهل العرفان"، ص: 256، 257.
    جمع القرآن الكريم * هشام الهواري[1] الحمدُ لله الذي هدانا لكتابه، وفضَّلنا على سائر الأمم بأكرم أحبابه، حمدًا يستجلب المرغوب من وضائه، ويستعطف المخزون من عطائه، ويجعلنا من الشاكرين لنعمائه، والعارفين لأوليائه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ رسوله المصطفى، ونبيه المجتبى، وعلى آله وعترته الطيبين، وعلى أصحابه الطاهرين، وأمته أجمعين. أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده محمدٍ صلى الله عليه وسلم القرآنَ الكريم ليكونَ للعالمين بشيرًا ونذيرًا، وجعله خاتمةَ كتبِهِ، مصدِّقًا لها، ومهيمنًا عليها، وحجَّةً على خلقه، ومعجزةً لنبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقيَّض الله تبارك وتعالى لكتابه العزيز أئمةً ثقاتٍ، تلقَّوه عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقلوه إلينا غضًّا طريًّا كما أُنزل رواية ودِرَاية، سالمًا معصومًا من الخطأ والزَّلل. وجعل للمشتغلين به أجرًا ومَزِيَّةً، وتواترت فضائل حَمَلَتِهِ وقُرَّائه في الأحاديث النبوية، تحقيقًا لوعد الله تعالى القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. ولما تكفَّل الله تعالى بحفظه، خصَّ مَن شاء مِن بَرِيَّتِهِ، وأورثه مَن اصطفاه من خليقته؛ قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ [فاطر: 32]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ لله أهلين من الناسِ، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصَّتُهُ)[2]. ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمرًا فيه حثٌّ على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا للقرآن، وإذا بعث بعثًا جعل إمامهم في صلاتهم أحفظَهم لكتاب الله، فضلًا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم. فالنبي صلى الله عليه وسلم هو خير من تعلم القرآن وعلَّمه، بلَّغه وبيَّنه لصحابته الكرام، فحفِظوه وتنافسوا في تلاوته وتدبره، ومدارسته وتفسيره والعمل به، وعلى نهجهم سار التابعون ومَن تبعهم بإحسان، فغدت سنة مُتَّبَعَةٌ يأخذها اللاحق عن السابق؛ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنهما قال: (القراءة سُنَّةٌ، فاقرؤوه كما تجدونه)[3]. هكذا كانت نظرة السلف رحمهم الله لِما يتلقَّونه من الوحي، مستشعرين في ذلك أنهم مبلِّغون عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. معنى جمع القرآن: لغة: الجمع مصدر الفعل "جمع"، يقال: جمع الشيء يجمعه جمعًا؛ قال الجوهري: "أجمعت الشيء: جعلته جميعًا، والمجموع: الذي جُمِعَ من ها هنا وها هنا، وإن لم يُجعَل كالشيء الواحد"[4]. وقال ابن منظور: "جمع الشيء عن كل تفرقة يجمعه جمعًا، واستجمع السيل: اجتمع مع كل موضع، وجمعتُ الشيء... وتجمَّع القوم: اجتمعوا أيضًا من ها هنا وها هنا"[5]. ويتضح أن معنى كلمة (جمع) في اللغة: التأليف وضمُّ المتفرق. اصطلاحًا: جمع القرآن الكريم يُطلَق في علوم القرآن على معنيين: الأول: جمعه بمعنى: حفظه في الصدور؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ [القيامة: 17]؛ أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته في لسانك"[6]؛ يقول الإمام الطبري رحمة الله عليه: "وقوله: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد، حتى نثبته فيه، ﴿ وَقُرْآنَهُ ﴾؛ يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك"[7]. والثاني: جمعه بمعنى: كتابته؛ ويدل على ذلك ما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في قضية جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومما ورد فيه قول عمر بن الخطاب لأبي بكر رضي الله عنهما: ((وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن))، وقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: ((فتتبَّعتُ القرآن أجمعه من العُسُبِ واللِّخافِ وصدور الرجال))[8]. يقول الإمام الزرقاني: "كلمة جمع القرآن تُطلَق تارة ويُراد منها: حفظه واستظهاره في الصدور، وتطلق تارة أخرى ويُراد منها: كتابته كله حروفًا وكلمات وآيات وسورًا؛ هذا جمع في الصحائف والسطور، وذاك جمع في القلوب والصدور، ثم إن جمعه بمعنى كتابته حدث في الصدر الأول ثلاث مرات؛ الأولى: في عهد النبي صــلى الله عليه وسلم، والثانية: في خلافة أبي بكر، والثالثة: على عهد عثمـــان، وفي هذه المرة الأخيرة وحدهـــا، نُسخِت المصـــاحف، وأُرسلت إلى الآفـــــــاق"[9]. جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مولَعًا بالوحي، يترقب نزوله عليه بشوق، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، يُقرِئه القرآن فيحفظه ويفهمه، فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة؛ شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة السماوية. وأما الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان كتاب الله عز وجل في المحل الأول من عنايتهم، يتنافسون في استظهاره وحفظه، ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه وتدبره والعمل به؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((جمعت القرآن، فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأه في شهر))[10]. يقول الإمام ابن الجزري رحمه الله: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على حفظ المصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة"[11]، وقال: "وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه، لا في الكتب، ولا يقرؤونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب، ولما خصَّ الله تعالى بحفظه مَن شاء مِن أهله، أقام له أئمة ثقات تجرَّدوا لتصحيحه، وبذلوا أنفسهم في إتقانه، وتلقَّوه من النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا، لم يهملوا منه حركةً ولا سكونًا، ولا إثباتًا ولا حذفًا، ولا دخل عليهم في شيء منه شكٌّ ولا وَهْمٌ، وكان منهم من حفظه كله، ومنهم من حفظ أكثره، ومنهم من حفظ بعضه، كل ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في أول كتابه في القراءات من نقل عنهم شيء من وجوه القـــراءة من الصحابة وغيرهم؛ فذكر من الصحابة: أبا بكــر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، وسعدًا، وابن مسعود، وحذيفة، وسالمًا، وأبا هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبدالله، ومعاوية، وابن الزبير، وعبدالله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وهؤلاء كلهم من المهاجرين، وذكر من الأنصار أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وأبا الدرداء، وزيد بن ثابت، ومجمع بن جارية، وأنس بن مالك، رضي الله عنهم أجمعين"[12]. من خلال ما تقدم يتضح لنا أن حفَّاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا جمًّا غفيرًا، "حتى كان عدد القتلى ببئر معونة ويوم اليمامة أربعين ومائة؛ قال القرطبي: قد قُتل يوم اليمامة سبعون من القرَّاء، وقُتل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد"[13]. لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن الكريم، وإقرائه لأصحابه، وحثِّهم على تعلمه وتعليمه، بل جمع إلى ذلك الأمر بكتابته وتقييده في السطور، فكان كلما نزلت عليه آياتٍ، دعا الكُتَّاب فأملاه عليهم، فيكتبونه، وبذلك كان القرآن مكتوبًا كله بأمره في عهده صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ عددًا من كُتَّابِ الوحي، ومنهم الخلفاء الأربعة، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وعبدالله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وغيرهم[14]، "وكان يأمرهم بكتابة كل ما ينزل من القرآن؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنت جارَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل الوحي، أرسل إليَّ فكتبت الوحي))[15]، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها، حتى تظاهر الكتابة في السطور الجمع في الصدور، كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداءً من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فيخطُّونه في العُسُبِ (جريد النخل)، واللِّخاف (صحائف الحجارة)..."[16]؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلِّف القرآن من الرِّقاع))[17]. ويسمى هذا الجمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حفظًا وكتابةً: "الجمع الأول". جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهته أحداثٌ جِسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهَّز الجيوش وأوقدها لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة اثني عشرة للهجرة، تضم عددًا كبيرًا من الصحابة القُرَّاء، فاستُشهد في هذه الغزوة سبعون قارئًا من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، ودخل على أبي بكر رضي الله عنهما، وأشار عليه بجمع القرآن وكتابته خشيةَ الضياع؛ فإن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بالقُرَّاء[18]. "روى البخاري في صحيحه[19]، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ((أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن، فيذهب كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يَزَلْ عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شابٌّ عاقل لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبَّعِ القرآن واجمعه، قال زيد: فوالله لو كلَّفوني نقلَ جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير[20]، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبَّعْتُ القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾ [التوبة: 128] مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر"[21]. "وقد راعى زيد بن ثابت رضي الله عنه نهاية التَّثَبُّتِ، فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، وقوله في الحديث: ((ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره))، لا ينافي هذا، ولا يعني أنها ليست متواترة، وإنما المراد أنه لم يجدها مكتوبة عند غيره، وكان زيد يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك؛ لأن زيدًا كان يعتمد على الحفظ والكتابة معًا[22]، فكانت هذه الرواية محفوظة عند كثير منهم، ويشهدون بأنها كُتبت، ولكنها لم توجد مكتوبة إلا عند أبي خزيمة الأنصاري"[23]. منهج الصحابة الكرام في جمع القرآن الكريم: لقد اتبع زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع القرآن الكريم منهجًا قويمًا، وطريقة دقيقة مُحكَمة، وضعها له أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم: ١- ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ٢- ما كان محفوظًا في صدور الصحابة رضي الله عنهم. فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه، بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعتمد الحفظ وحسب، بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادة في التوثيق. يقول الإمام الزرقاني: "وانتهج زيد في القرآن طريقة دقيقة محكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبُّتٍ بالغٍ وحَذَرٍ دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتفِ بما حفظ في قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه، بل جعل يتتبع ويستقصي آخذًا على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين؛ أحدهما: ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما كان محفوظًا في صدور الرجال، وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"[24]. وبهذه الخصائص العظيمة المعتبرة تميز جمعُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن الكريم؛ قال علي كرم الله وجهه: "أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر رحمة الله عليه، هو أول من جمع كتاب الله"[25]. قال الخراز: جمعَه في الصُّحفِ الصِّدِّيقُ كما أشارَ عُمَرُ الفارُوقُ وذاك حينَ قتلُوا مُسيلمة وانقلبتْ جيوشُه منهزمَة وبعده جرده الإمام في مصحف ليقتديَ الأنام ولا يكون بعده اضطراب وكان فيما قد رأى صواب[26] جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن ما يميز السياسة الراشدة نظرها الثاقب الذي يتدبر الأمور، بل الذي يسبق الحوادث قبل وقوعها، كما سجَّلها المؤرخون قديمًا وحديثًا، وهكذا كان عمل أبي بكر والصحابة في جمع المصحف عدة مرات آتت أعظم النتائج في مواجهة ما تطويه الأيام من تغيرات ومفاجآت"[27]. فقد "اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن، وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبدالله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن"[28]. روى البخاري "عن أنس بن مالك ((أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرِكِ الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا[29]، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرَق"[30]. قال الإمام الزركشي في "البرهان": "وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف، فإنه جهلٌ منهم وعمى، فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولمَّ الشعْثَ وكان ذلك واجبًا عليه، ولو تركه لعصى؛ لِما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك"[31]؛ قال علي كرم الله وجهه: "لو وليتُ ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل"[32]. ثم إن النص الذي كان عند حفصة هو النص المكتوب في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاته النص المكتوب في مصحف عثمان رضي الله عنه، فلا يصح الزيادة عليه ولا يصح النقص[33]. عن سويد بن غفلة قال: "قال علي رضي الله عنه: لا تقولوا في عثمان إلا خيًرا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا"[34]. توحيد المصاحف: "إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك - وإنما فعل ذلك - عثمان - لأن الناس اختلفوا في القراءات؛ بسبب تفرق الصحابة في البلدان، واشتد الأمر في ذلك، وعظُمَ اختلافهم وتشتُّتُهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما رُوي لها، فاختلفوا وتنازعوا، وأظهر بعضهم إكفارَ بعض، والبراءة منه، وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم، فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري - إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلِكَ، قال: في ماذا؟ قال: في كتاب الله؛ إني حضرت هذه الغزوة، وجمعت ناسًا من العراق والشام والحجاز، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم، كما اختلف اليهود والنصارى"[35]. "أضِفْ إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون، إنما كان كل صحابي في إقليمه يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن، ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد. لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرق قبل أن يتسع على الراقع، وأن يستأصل الداء، قبل أن يعزَّ الدواء، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضع حدًّا لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يُرسَل بها إلى الأمصار، وأن يُؤمَرَ الناس بإحراق كل ما عداها، وألَّا يعتمدوا سواها، وبذلك يرأب الصَّدْعَ، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلال هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحَكَمهم العدل في ذلك النزاع والمِراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء"[36]. وكان هذا من عثمان رضي الله تعالى عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار، وجُلَّةَ أهل الإسلام، وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت من القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وطَرْحِ ما سواها، واستصوبوا رأيه، وكان رأيًا سديدًا موفَّقًا، رضي الله عنهم أجمعين. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * موقع الألوكة: (https://www.alukah.net/sharia/0/142194/#ixzz6ZeFwm3P2). [1] جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، المملكة المغربية. [2] "سنن ابن ماجه"، كتاب المقدمة، باب: فضل من تعلم القرآن وعلمه، حديث رقم: 215. [3] الإمام جعفر المستغفري، "فضائل القرآن"، تحقيق: محمد عثمان، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ص: 130، انظر أيضًا: "السبع" لابن مجاهد، ص: 47. [4] الجوهري، "الصحاح"، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطَّار، دار العلم للملايين، بيروت، القاهرة، الطبعة الثانية، 1376هـ/ 1556م، ج: 3، ص: 1199. [5] ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى، ج: 8، ص: 53. [6] "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجه التأويل"، الزمخشري، تحقيق: محمود بن عمر الزمخشري أبو القاسم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1430هـ/ 2009م، ط: 3، ج:1، ص: 1161. [7] ابن جرير الطبري، "جامع البيان عن تأويل آي القرآن"، تحقيق: الدكتور بشَّار عوار معروف، وعصام فارس الحرستاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ/ 1994م، ج: 7، ص: 213. [8] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98. [9] محمد عبدالعظيم الزرقاني، "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 115. [10] أخرجه النسائي بسند صحيح، "السنن الكبرى"، رقم: 8064. [11] محمد بن الجزري، "النشر في القراءات العشر"، تحقيق: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، ج: 1، ص: 6. [12] المرجع السابق، ص: 6. [13] "مناهل العرفان"، ج: 1، ص: 242. [14] انظر: "جوامع السير"، لابن حزم، ص: 26. [15] أخرجه ابن أبي داود، كتاب "المصاحف"، ص: 3. [16] مناع القطان، "مباحث في علوم القرآن"، مكتبة وهبة، القاهرة، ص: 118. [17] أخرجه الحاكم في "المستدرك"، بسند على شرط الشيخين: 6112. [18] انظر: "مباحث في علوم القرآن"، لمناع القطان، ص: 121. [19] أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 98. [20] قال الحارث المحاسبي في كتاب "فهم السنن": "كتابة القرآن ليست بمحدثة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرَّقًا في الرِّقاع والأكتاف والعُسُب، فإنما أمر الصدِّيق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وُجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامعٌ، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء"؛ [الإتقان في علوم القرآن، ص: 385]. [21] "البرهان في علوم القرآن"، الزركشي، تحقيق: أبي الفضل الدمياطي، ص: 165. [22] أخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب، قال: ((قدِمَ عمر، فقال: من كان تلقَّى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من القرآن، فليأتِ به، وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان))، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا، حتى يشهد من تلقَّاه سماعًا، مع كون زيد كان يحفظ، فكان يفعل ذلك مبالغة من الاحتياط؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 165]، الحديث أخرجه ابن أبي داود، في كتاب "المصاحف"، ص: 10. [23] "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 122. [24] "مناهل العرفان"، ص: 352. [25] "مباحث في علوم القرآن"، ص: 122، بتصرف. [26]- الشريشي الخراز، "منظومة مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن"، ص: 7. [27]- نور الدين عتر، "علوم القرآن الكريم"، مطبعة الصباح، دمشق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414ه/ 1993م، ص: 172. [28]- "مناهل العرفان"، ص: 255. [29]- قال أبو عمرو الداني في "المقنع": أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف، جعله على أربعة نسخ وبعث إلى كل ناحية واحدًا: الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحدًا عنده، وقد قيل: إنه جعله سبع نسخ، وزاد إلى مكة، وإلى اليمن، وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة؛ [البرهان في علوم القرآن، ص: 169]. [30]- رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب: فضائل القرآن، باب: جمع القرآن، ج: 6، ص: 99. [31]- الزركشي، "البرهان في علوم القرآن"، ص: 169. [32]- أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف"، ص: 97، 98. [33]- محمد أبو زهرة، "المعجزة الكبرى القرآن"، ص: 42. [34]- أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح، انظر: "مباحث في علوم القرآن"، مناع القطان، ص: 125. [35]- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ص: 86. [36]- "مناهل العرفان"، ص: 256، 257.
    0
  • فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه *
    الكاتب: أبو سليمان المختار بن العربي مؤمن

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
    وبعد:

    فهذا مبحث لطيف في فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه.
    ذكرت فيه مقدمة، وتمهيدا، وستة فصول تحتها طائفة من المباحث، وقد بينت في المقدمة سبب اختياري للموضوع، وأوردت إجمال موضوع البحث.
    وأمّا التمهيد فذكرت فيه مبحثين:
    الأول: نزول القرآن.
    الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث:
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف.
    الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى.
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث.
    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه.
    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.
    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه.
    المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    الفصل الرابع: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -.
    المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام.
    المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه.
    المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية.
    المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي.
    المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟
    الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا.
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث.
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم.
    الخاتمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة:
    لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم على عبده ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتم الرسالات السماوية، وأخذ على نفسه سبحانه حفظ كتابه لتقوم به الحجة على الخلق، وتتضح به المحجة لأهل الصدق والحق فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: ٩]، فحفظه من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه[1]، وحفظه من شياطين الإنس والجن حتى لا يزيدوا فيه حرفا أو ينقصوه وليس في العالم كله كتاب هيئ له من وسائل الحفظ والصون لكل كلمة من كلماته ولكل حرف من حروفه ما هيئّ للقرآن الكريم.
    وقد يسر الله تعالى حفظه في الصدور، وجعل له حراسا في الرّق المسطور، فلايزال بحمد الله محفوظا أبد الأيام والدهور، وقد ثبت في الحديث القدسي من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: قال الله تعالى - في الحديث القدسي -: " إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"[2].
    التمهيد وفيه مبحثان:
    الأول: نزول القرآن.
    الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    المبحث الأول: نزول القرآن.
    لقد نزل القرآن الكريم في أفضل بقعة، وأقدس زمان، على أفضل إنسان على وجه الأرض ألا وهو الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاءه سفير رب العالمين إلى الرسل، وأمين الوحي جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يتعبد الله في غار حراء، فارتبطت الأرض بالسماء، وأضاء النور سائر الأرجاء، فدعونا نأخذ بداية الأمر من أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من فم الطاهرة الصدّيقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:" أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ"، قال: " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3] " فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم"، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي"[3].
    بل إن من فضل الله على هذه الأمة المباركة المرحومة أن وسّع الله لها في قراءة القرآن الكريم فنزل على سبعة أحرف فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"[4].
    المبحث الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله.
    إنّ لكلام الله تعالى فضلا على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ" [5].
    وقد مدح الله كلامه في كثير من آيات القرآن ووصفه بالبركة والحسن والنور وغير ذلك من الصّفات الطيبة المباركة فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، وجعله روحا من عاش به كان حيًّا، ومن استنكّف عن هُداه عاش عيشة ضنكا، وكان مآله خسرا قال تعالى ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ [الشورى: 52] فسماه روحا وهل هناك حياة بدون روح، وقال تعالى ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126].
    وإذا كان لكلامه ذلك الفضل فإن لحفظته الرفعة في الدنيا والآخرة فقد نوه بذكرهم، ورفع من شأنهم، فَقَالَ عزَّ وجلَّ من قائل: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]، واصطفاهم لحمل رسالته فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].
    وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن عثمان بن عفان - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه "[6].
    و عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ"[7].
    ولقد كتب العلماء كثيرا عن فضائل القرآن وأهله فلنكتف بما أشرنا إليه، ومن أراد المزيد فعلى بكتب الفضائل والله الموفق [8].
    الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث:
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف.
    المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب.
    إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، جملهم الله بكتابه، واصطفاهم على عباده، فأدرج النبوة بين جنوبهم إلا أنه لا يوحى إليهم، فحري بهم أن يتأدبوا بآداب القرآن ويتحلوا بزينة آيات الرحمن، قال عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: "يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنِهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِوَرَعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَبِحزُنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ"[9].
    وقال النّووي رحمه الله تعالى: وينبغي - أي لحامل القرآن - أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك.
    ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قلّ، ولوكان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه قال تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ الآية [الإسراء: 18، 19].
    وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلّم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلّمه إلاّ ليصيب به غرضا من الدّنيا، لم يجد عَرْفَ الجنّة يوم القيامة" [10]، ومثله أحاديث كثيرة.
    وعلى حامل القرآن أن يتميّز بإخلاصه في عمله لله تعالى، وتلاوته ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليحذر كلّ الحذر إذا كان معلّما للقرآن من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلّمين الجاهلين وهي دلالة بيّنة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته"[11].
    المبحث الثاني: المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته و حكم مس المصحف.
    إنّ من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها قارئ القرآن أن يكرم كتاب الله ويعظمه، وينزهه، ولا يحلّ له مسّ المصحف على المشهور من غير طهارة وهو قول الجمهور من الفقهاء والعلماء، فيجب له الوضوء، وذلك لحديث أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم مرسلا أنّه قد أتاهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر" [12].
    قال الحافظ ابن عبدالبر[13]: وكتاب عمرو بن حزم قد تلقّاه العلماء بالقبول والعمل، وخرّج له الحافظ الزّيلعي[14]شواهد وطرقا يتقوّى ويصحّ بها[15].
    بل من الأدب الظاهر أن لا يمس جلدها لا بيده ولا بعود أو غير ذلك.
    ويحرم عليه توسده والاتكاء عليه كما يكره مد الأرجل إلى جهته - كما يفعلهبعض العامة الآن في المساجد - واستدباره وتخطيه ورميه على الأرض بدون وضعه على شيء عال، فإنّ من إكرام المصحف ألا نساوي بينه وبين الكتب الأخرى، فقد روى أبوداود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودٍ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْقُفِّ، فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "بِالتَّوْرَاةِ"، فَأُتِيَ بِهَا، فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ، فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا"[16] ثم قال بالتوراة أي أمر أن يؤتى له بها لأنها الله تعالى قال له: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [ المائدة: 44].
    والشاهد من الحديث هو تعظيم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للتوراة وهي كتاب فيه ما فيه من التحريف، ولكن فيه أيضا ممّا لم يحرف فغلّب - صلى الله عليه وسلم - جانب التّعظيم للأخير، فكيف بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا يصان ويعظم، بل يرميه بعض السّفهاء على الأرض فإذا طالبتهم بالأدب مع القرآن زعموا ألاّ دليل على ذلك من قلّة أدبهم فإلى الله المشتكى.
    وأن لايوضع بين الكتب أو في أسفلها بل يوضع في أعلاها[17]، ومن آدابه أن لا يُعرَّض بآياته عند أمر من أمور الدنيا، أو يستخفّ به ويجعله عرضة للمزاح قال أبو عبيد القاسمبن سلاّم: "وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بالحاجة فتأتيه من غير طلب فيقول كالمازح ﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40] وهذا من الاستخفاف بالقرآن" [18].
    ومن باب أولى فإن الاستهزاء به وإهانته كفر وردّة، وناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله.
    ومن آدابه أتباع أوامره واجتناب نواهيه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121] قال: "يتّبعونه حقّ إتباعه".
    وروى العكبري عن عامر بن مطر قال: " رأى حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - من النّاس كثرة فقال: "يا عامر بن مطر كيف أنت إذا أخذ النّاس طريقاً وأخذ القرآن طريقاً مع أيّهما تكون؟ قلت أكون مع القرآن أموت معه وأحيا معه، قال: فأنت إذاً أنت فأنت إذاً أنت" [19] - أي: أنت المصيب بينهم.
    وروى أبو عبيد عن الحسن البصري - رحمه الله - قال: "إنّ أولى النّاس بهذا القرآن من أتبعه وإن لم يكن يقرؤه".
    ومن آدابه أيضاً أن يترسل القارئ ويتدبّر في قراءته، وعليه بترتيله وتحسين الصّوت به، وأن لا يجهر على جالسيه وأصحابه فيؤذيهم كالّذي يصلّي ويقرأ بجانبه، فعن البياضي - رضى الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النّاس وهم يصلّون وقد علت أصواتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ المصلي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه، ولايجهر بعضكم على بعض بالقرآن" [20].
    ومن آدابه عدم التمايل والاهتزاز عند قراءته - كما يفعل اليهود في قرأت التوراة - أو وضع اليدين على الأذنين أو إحداهما على إحداها عند القراءة أو التلحين الذي يشبه الغناء فإنها بدعة لم يفعلها أحد من السلف الصالح.[21]
    ومن آدابه احترام الأوراق التي فيها آيات منه أو لفظ الجلالة أو البسملة فلا تلقى على الأرض ولا في القمامة، كما يفعله من لا خلاق لهم، وكذلك ما ينشر في الجرائد والمجلات ثم ترمى في المزابل والقمامات مما يغضب رب الأرض والسموات، أو تجعل سفرة للطعام، أو أغطية على الجدران والسيارات عند صبغها، فليحذر الذين يستهينون بذلك فإن الله يغار سبحانه على كلامه، فليتق الله من كان مسلما وليراع حرمة القرآن [22].
    وهناك آداب أخرى كثيرة ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الإتقان[23] فلنأت بها على سبيل الاختصار:
    • تسن القراءة في مكان نظيف و أفضله المساجد، ويكره قراءة القرآن في الحمام والطريق، و قال النووي مذهبنا لا تكره فيهما قال: وكرهها الشعبي في الحش و بيت الرحا وهي تدور، قال: و هي مقتضى مذهبنا.
    • ويسن أن يجلس مستقبلا القبلة متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه.
    • ويسن أن يستاك تعظيما و تطهيرا.
    • ويسن التعوذ قبل القراءة.
    • وعليه أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة، غير براءة.
    • ويستحب البكاء عند قراءة القرآن و التباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع.
    • ويستحب قراءته بالتفخي مقال الحليمي: و معناه أن يقرأه على قراءة الرجال و لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء، كما أنه يكره قطع القراءة لمكالمة أحد.
    • لا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا، سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أو خارجها.
    • ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشر سجدة.
    • ويسن التكبير من الضحى إلى آخر القرآن و هي قراءة المكيين.
    • ويكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها.
    • ويسن الاستماع لقراءة القرآن و ترك اللغط و الحديث بحضور القراءة.
    • ويستحسن صوم يوم الختم، وأن يحضر أهله وأصدقائه، و يدعو لأن الرحمة تتنزل في ذلك الوقت كما جاء عن أنس - رضى الله عنه - ومجاهد رحمه الله.
    • كما يسن إذا انتهى من ختمه أن يشرع في أخرى عقب الختم.
    الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى.
    وفيه مباحث:
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    المبحث الثالث: جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    حفظ الله تعالى لكتابه:
    لقد أنزل الله الكتب السماوية السابقة على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ووكّلهم بحفظها، فبلغها الرسل إلى أقوامهم إلا أن الأمم السابقة حرفت كتبها وبدلت ما أمرها الله بحفظه قال تعالى: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة : 44].وقال سبحانه: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13].
    وشرف الله تعالى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ لها كتابها الذي جاء به نبيّها عليه الصلاة والسلام منذ اللحظة الأولى قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه لها في صدورها وفي كتبها والحمد لله أولا وآخرا.
    ويطلق حفظ الكتاب العزيز على جمعه ويراد به أحد ثلاثة معان:
    1- جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
    2- جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
    3- جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا.
    المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور:

    قال تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16-19]، أي جمعه في صدرك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه فقال ابن عباس: فأنا أحرّكهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرّكهما، وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عباس يحرّكهما، فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى: ﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه ﴾ [القيامة: 16-17] قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه: ﴿ فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ﴾ [القيامة: 18] قال: فاستمع له وأنصت: ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾ [القيامة: 19] ثم إنّ علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه"[24].
    ولم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا يحثّ فيه على حفظ القرآن إلاّ فعله، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفاضل بين أصحابه بمقدار حفظهم للقرآن، ويقدّم في الصّلاة أكثرهم حفظا، ويعطي الرّاية في الحروب أكثرهم قرءانا، ويقدّم في الدّفن أحفظهم لكتاب الله تعالى، ولربما زوّج الرجل على ما معه من القرآن، فضلا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن، ثم حفظه التابعون وتوارثته الأمة جيلا بعد جيل، فلم ينقص منه حرف، ولم يتطاول على كتاب الله أحد إلاّ رمته سهام الحفاظ فأردته طريحا، ولقد وصل لنا بالسند العالي إلى ربّ العزة عن طريق جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهيهات أن تجد أمة حفظ كتابها طريا نقيا، شامخا عليا مثل أمتنا ولله الحمد والمنة.
    ولجمع كتاب الله وحفظه خصائص أهمها:
    1- أنّ جمع القرآن الكريم أي حفظه في الصّدور هو أوّل علم نشأ من علوم القرآن.

    2- أنّ حفظه دائم لا ينقطع إلى أن تقوم السّاعة.

    3- أنّ الحفظ في الصّدور خاصّ بالقرآن فليس هناك أمة تحفظ كتابها في صدورها.

    4- أنه يجب على كل مسلم حفظ ما يمكن أن يؤدي به صلاته، بخلاف جمعه كتابة فلا تجب على كل أحد.

    المبحث الثاني:. جمعه بمعنى كتابته وتدوينه

    لقد مرّ جمع القرآن الكريم بهذا المعنى على ثلاث مراحل:

    1- الجمع الأول: في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

    2- الجمع الثاني: في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -.

    3- الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -.

    أمّا الجمع الأول بمعنى كتابته وتدوينه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

    فمن المعلوم أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتّخذ كُتّابا للوحي منهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس - رضى الله عنهم -، وكان يأمرهم بكتابة كل مايقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة.
    ولقد كان يومئذ يدون في الصحف، واللخاف (الحجارة الرقيقة )، والعسب، والرقاع، والأكتاف ونحو ذلك.

    روى الحاكم من حديث عثمان بن عفان - رضى الله عنه - أن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا الحديث"[25].
    الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث:

    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه.

    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.
    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه.
    المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه:

    لقد كان الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها فيمكانها الخاص من سورها؛ وكانت الكتابة متفرقة بين عُسُب[26]، وعظام وحجارة ونحوذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة.

    ومن مزايا جمعه يومئذ:
    1- زيادة التّوثيق للقرآن.

    2- أنّه كتب على الأحرف السّبعة.

    3- أنّه كان مرتب الآيات أمّا السور ففي ترتيبها خلاف.

    4- لم يكن مجموعا في مصحف واحد كما قال زيد بن ثابت - رضى الله عنه -: "قبض النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء واحد"[27].

    يقول زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نؤلّف القرآن من الرّقاع"[28] قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

    المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه.

    لقد كان انتقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّفيق الأعلى أحدث فراغا في النّفوس، فارتدّت قبائل العرب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - إلاّ أن يعيدهم للإسلام، وشارك جمهور الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في تلك المعارك الطاحنة، وقتل فيها عدد كبير من القراء الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم مما جعل بعض الصحابة يخشى أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته فتشاوروا فيما بينهم واتفقوا على جمع القرآن في مصحف واحد[29]، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة[30] فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ[31] بقُرَّاءِ القرآن، وإنّي أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.." الحديث[32].

    المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:
    كان هذا الجمع المبارك بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة.

    واختير زيد بن ثابت - رضى الله عنه - لهذا الجمع لأسباب عدّة منها:

    1- أنه من حفاظ القرآن الكريم المتقنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم.

    2- أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم.

    3- أنه من كتبة الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو أشهرهم وأكثرهم كتابة للوحي.

    4- أنه كان عاقلا ورعا مع كمال خلق واستقامة في دينه وعظم أمانته، وقد قال له الصديق - رضى الله عنه -: إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّع القرآن فاجمعه - وقال هو عن نفسه: فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن"

    مميزات جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -:

    1- جمعه على أدّق وجوه البحث والتّحري والإتقان.

    2- أهمل في هذا الجمع ما نسخت تلاوته من الآيات.

    3- أنّ هذا الجمع كان بالأحرف السّبعة التي نزل عليها القرآن الكريم.

    4- أنه كان مرتّب الآيات باتفاق، بخلاف السور فقد اختلف العلماء هل تم ترتيبها في هذا العهد أم في عهد عثمان - رضى الله عنه.

    5- اتفق العلماء أنّه كتب منه نسخة واحدة حفظها الخليفة الراشد الصديق - رضى الله عنه - عنده لأنّه الإمام.

    6- أجمعت الأمة على هذا الجمع المبارك للقرآن وتواتر ما فيه.

    الفصل الرّابع: وفيه مبحث واحد: أوّل من سمى القرآن بالمصحف.
    لم يكن (المصحف) يطلق على القرآن قبل جمع أبي بكر - رضى الله عنه - وإنما عرف بذلك بعد أن أتم زيد - رضى الله عنه - كتابته روى السيوطي عن ابن اشته في كتابه (المصاحف) قال " لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف"[33].

    الفصل الخامس: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -
    وفيه مباحث:
    المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام:
    اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في أقطار الدنيا، وحمل الصحابة والتابعون كلام الله تعالى ينشرونه نورا في الآفاق، وكان كل صحابي يعلّم تلاميذه بالحرف الذي تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما اتجه الجيش الإسلامي إلى "أرمينية" و"أذربيجان"، التقت كتائب الجيش التي جاءت من الشام والعراق، فكاد الشقاق والنزاع يقع بينهم في أحقية قراءة كل جهة منهم أنها هي المحقة، فسارع حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - في إبلاغ أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - بما وقع من التناكر والاختلاف، وكان عثمان - رضى الله عنه - لمس هذا الاختلاف من قراء المدينة أنفسهم فقام خطيبا وقال: " أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إماما" [34].

    المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه -:

    1- خطبة عثمان - رضى الله عنه - وعزمه على جميع الصحابة بجمع ما عندهم من الصحف والمجيء بها عنده.
    2- بعثه إلى حفصة لترسل له الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - ثم ردها إليها.

    3- تكليفه لزيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش بنسخ مصاحف منها، وقد ندب اثنا عشر رجلا آخرين لمعاونتهم في هذا الأمر الجليل[35].
    4- إذا كان في الآية أكثر من قراءة تكتب خالية من أيّة علامة تقصر النّطق بها على قراءة واحدة مثال ذلك قوله تعالى:
    أ‌- ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6] قرئت أيضا (فتثبتوا)[36].
    ب‌- ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ [البقرة: 259] قرئت أيضا (ننشرها)[37].

    المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية.

    عزم عثمان - رضى الله عنه - في أواخر سنة 24هـ وأوائل سنة 25هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضاً: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً" [38].

    ولم تذكر المدة التي استغرقتها اللجنة في كتابة المصحف، وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان"[39].

    المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي:
    قال الزّركشي رحمه الله: (قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[40].

    ويقول الإمام السيوطي - رحمه الله - اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[41].

    وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[42].

    والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[43]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[44].

    ولم يكتف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[45].

    وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب[46]
    المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟
    قال الشيخ مناع القطان: المصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم. والذي يُرْوَى عن ابن كثير في كتابه "فضائل القرآن" أنه رأى واحدًا منها بجامع دمشق بالشام، في رقّ يظنه من جلود الإبل، ويُرْوَى أن هذا المصحف الشامي نُقِلَ إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة، وقيل أنه احترق في مسجد دمشق سنة(1310) هجرية. والله أعلم.

    الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا:
    وفيه مبحث:
    المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا.
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    المبحث الأول: أوّل من سجّل له القرآن الكريم كاملا.
    لقد شهد عصرنا طفرة في عالم التقنية الحديثة، وتعددت وسائل النسخ والتسجيل، فسارعت الجهات الغيورة على حفظ كتاب الله تعالى في تسجليه على الأشرطة السمعية والبصرية، ليكون عونا لأهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها على تلاوة كتاب الله عز وجل تلاوة صحيحة، وتبنت جمعية المحافظة على القرآن الكريم في مصر سنة 1378 هجرية، ووضعت لذلك شروطا ومواصفات وقواعد وأحكاما، وبدأ التسجيل لأول مرة سنة 1379 هجرية وانتهت الطبعة ألأولى في المحرم من عام 1381 هجرية بقراءة الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص عن عاصم وأعقب ذلك سنة 1382 هجرية تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري [47].
    المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم.
    1- متانة القراءة ورزانة الصوت، وحسن المخارج التي صقلها بالرياضة.
    2- الاهتمام بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء الفن.
    3- العناية بمساواة مقادير المدود، والغنّات، ومراتب التّفخيم والتّرقيق، وتوفية الحركات.
    4- وجود لجنة من المشايخ المتقنين في فنّ القراءات لسماع القارئ.

    الفصل السادس:
    طباعة المصحف في العصر الحديث:
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم.
    المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي.
    كان اكتشاف الآلات الحديثة في الطباعة نعمة من النعم العظمى التي أدت إلى انتشار كتاب الله في أرجاء الأرض، فقد كانت أول طبعة للمصحف في مدينة البندقية (إيطاليا) عام 1538م ولم يبق من هذه الطبعة سوى نسخة واحدة محفوظة في دير سانت ميشيل بالبندقية.
    كما أن الطبعة الثانية للمصحف طبعت في هامبورغ بألمانيا عام 1694م، والتي تتوفر منها عدة نسخ من بينها نسخة مودعة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض.
    كما تمت طباعة أخرى هي طبعة بتافيا لعام 1698م وطبعة سانت بطرسبرغ عام 1787م وطبعة ليبزغ عام 1834م وطبعة قازان عام 1848م.
    ثم انتشرت المطابع في العالم الإسلامي، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في طباعة المصحف الشريف وتوزيعه بالملايين على المسلمين في شتى بقاع المعمورة، وأنشئ لذلك الغرض مجمع متكامل.
    المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم:
    • نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بغار حراء.
    • نزل القرآن منجما (مفرقا) خلال ثلاث وعشرين سنة.
    • أوّل ما نزل من القرآن خمس آيات الأولى من سورة اقرأ، وآخر آية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
    • القرآن العزيز أربعة أقسام: الطِّوال، والمئون، والمثاني، والمفصل.
    • عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، منها (86) مكي، و(28) مدني.
    • عدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين (على خلاف بين المصاحف في العدّ)
    • أوّل من نقط المصحف أبو الأسود الدّؤلي، وأوّل من أدخل الشّكل هو عبد الملك بن مروان بأمر منه.

    الخاتمة
    عندما نتكلم عن القرآن فإنّما نتكلّم على صفة من صفات ذي الجلال والإكرام، وحينها على الوجود أن يصغي لروائع كلام ربّ العالمين، فتخشع الأرض والجبال، وتلين لعظمته السموات الطباق، ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].
    وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31]
    يتشرف المسلم حينما يصل نفسه بكتاب الله فتسمو روحه، وتطهر نفسه، ويزكو قلبه، ويعيش عيشة سعيدة ملؤها الإيمان وانشراح الصدر، وتتلألأ بين جوانحه أنوار الوحي فيعيش كبيرا ويموت كبيرا، فيا أيها المسلم لا تبرح ساحة القرآن، ولا تبتعد عن رحابه الطاهرة إن كنت تريد ركب النجاة في الآخرة وذي الحياة.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * موقع الألوكة: (https://2u.pw/BpLMM).
    [1] جامع البيان في تأويل القرآن للإمام ابن جرير الطبري (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
    [2] رواه مسلم (الحديث رقم: 7309).
    [3] البخاري (3) ومسلم (160).
    [4] رواه البخاري باب انزل القرآن على سبعة أحرف4705، مسلم في صلاة المسافرين 519
    [5] رواه الترمذي (2926) وقال "هذا حديث حسن غريب". وكذلك رواه الدارمي في سننه (2: 441 طبعة دمشق).
    ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9: 58 - 59) عن الترمذي، وقال: "ورجاله ثقات إلا عطية العوفي، ففيه ضعف.
    [6] رواه البخاري (الحديث رقم: 5027).
    [7] رواه مسلم ( الحديث رقم: (798).
    [8] من الكتب في ذلك: فضائل القرآن لابن كثير، وللقاسم بن سلام، وللنسائي، وللجهضمي ن ولابن الضريس وغيرهم ممن كتب قديما وحديثا.
    [9] فضائل القرآن للقاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ)، ص(112)تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م.
    [10] رواه أبو داود بإسناد صحيح (3664).
    [11] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي بتصرف يسير.
    [12] طا(2/10-11)، وعب في مصنفه (1/342)، قط(1/122) وابن أبي داود في المصاحف (2/582) ووصله الدّارمي في سننه (2166)، وك في المستدرك (1/395) وقال: إنّ هذا الحديث من قواعد الإسلام، وحب كما في الموارد (202).
    [13] الاستذكار (2/472) قال:، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتّصل وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأنّ المصحف لا يمسّه إلاّ طاهر)، وقال: لا خلاف في إرسال هذا الحديث، وقدروي من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السيّر معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنّه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقِّي النّاس له بالقبول ولا يصحّ عليهم تلقّي ما لا يصحّ.
    [14] انظر نصب الراية للزيلعي (1/196).
    [15] وقد صححه الإمام أحمد كما في مسائل البغوي (38). وقال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف (2\26): قال أحمد بن حنبل: "كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح". وقال بعض الحفاظ من المتأخرين كما في نصب الراية (2\341): "نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة الأربعة بالقبول". وقال الإمام الشافعي في الرسالة (ص422): "ولم يقبلوا (أي الصحابة أيام عمر) كتاب آل عمرو بن حزم -والله أعلم- حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله". وصححه إسحاق ابن راهويَه كما في الأوسط لابن المنذر (2\102). وقال يعقوب بن سفيان الفسوي كما في نصب الراية (2\341): "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه. كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون يرجعون إليه ويَدَعُون آراءهم". وقال العقيلي في ضعفاءه (2\127): "هو عندنا ثابت محفوظ". وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته للحديث بطوله وتصحيحه (1\553): "هذا حديثٌ كبيرٌ مفسرٌ في هذا الباب، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزُّهري بالصحة". ونقل تقويته عن أبي حاتم الرازي. وصححه ابن حبان (14\510)، وابن خزيمة كذلك في صحيحه (4\19).
    [16] سنن أبي داود برقم (4449).
    [17] رد المحتار على الدر المختار (1/177) لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى:1252هـ) الناشر: دار الفكر- بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م.وانظر كشاف القناع 1 / 136، والآداب الشرعية 2 / 296 - 297.
    [18] فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (123) (المتوفى: 224 هـ)، تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين.
    الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1995 م.
    [19] الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري.
    [20] رواه مالك في الموطأ بسند صحيح 76).
    [21] معجم البدع لرائد أبي علفة، ولابن أبي زيد القيرواني رحمه الله رسالة خاصة في تبديع المتحرك في القراءة.
    [22] فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز.
    [23] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، في النوع الخامس والثلاثين من علوم القرآن (1/359)، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م.
    [24] البخاري (5).
    [25] رواه الحاكم في المستدرك ( 2/221).
    [26] العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل إِذا نُحِّيَ عنه خُوصه. (لسان العرب).
    [27] فتح الباري (9/9).
    [28] الوجيز في فضائل الكتاب العزيز محمد بن أحمد الأندلسي القرطبيدار الحديث تحقيق علاء الدين علي رضا.
    [29] وقصة جمعه في عهد أبي بكر مخرجة في صحيح البخاري (6/98-99).
    [30] مكان بنجد بينه وبين البحرين عشرة أيام -كما يقول ياقوت الحموي- وكانت تسمى قبل ذلك بالعروض، فسميت باليمامة على اسم "اليمامة بنت سهم بن طسم" انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي "5/ 442". قريب من مدينة الرياض بالسعودية.
    [31] استحر: اشتد.
    [32] صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وفي كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء... " و انظر: فتح الباري "9/ 10-11، 13/ 404". وانظر كتاب المصاحف للسجستاني "1/ 181" تحقيق الدكتور محب الدين عبد السبحان ط قطر.
    [33] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/51).
    [34] المصاحف لابن أبي داود(29).
    [35] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص (21-22).
    [36] وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف.
    [37] الأولى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بالزاي، وقرأ الباقون بالراء المهملة.
    [38] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص19. من اهم المراجع التي أخذت منها.
    [39] غرائب القرآن للنيسابوري (1/27).
    [40] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ).
    [41] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ).
    [42] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16.
    [43] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ).
    [44] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30.
    [45] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ).
    [46] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330).
    [47] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد الرومي ص7-8).
    فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه * الكاتب: أبو سليمان المختار بن العربي مؤمن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وبعد: فهذا مبحث لطيف في فضل القرآن الكريم ومراحل تدوينه. ذكرت فيه مقدمة، وتمهيدا، وستة فصول تحتها طائفة من المباحث، وقد بينت في المقدمة سبب اختياري للموضوع، وأوردت إجمال موضوع البحث. وأمّا التمهيد فذكرت فيه مبحثين: الأول: نزول القرآن. الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث: المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف. الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى. المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور. المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث. المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه. المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. الفصل الرابع: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -. المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام. المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه. المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية. المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي. المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟ الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث. المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم. الخاتمة بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: لقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم على عبده ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتم الرسالات السماوية، وأخذ على نفسه سبحانه حفظ كتابه لتقوم به الحجة على الخلق، وتتضح به المحجة لأهل الصدق والحق فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: ٩]، فحفظه من أن يزاد فيه باطل مَّا ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه[1]، وحفظه من شياطين الإنس والجن حتى لا يزيدوا فيه حرفا أو ينقصوه وليس في العالم كله كتاب هيئ له من وسائل الحفظ والصون لكل كلمة من كلماته ولكل حرف من حروفه ما هيئّ للقرآن الكريم. وقد يسر الله تعالى حفظه في الصدور، وجعل له حراسا في الرّق المسطور، فلايزال بحمد الله محفوظا أبد الأيام والدهور، وقد ثبت في الحديث القدسي من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: قال الله تعالى - في الحديث القدسي -: " إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ"[2]. التمهيد وفيه مبحثان: الأول: نزول القرآن. الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. المبحث الأول: نزول القرآن. لقد نزل القرآن الكريم في أفضل بقعة، وأقدس زمان، على أفضل إنسان على وجه الأرض ألا وهو الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فقد جاءه سفير رب العالمين إلى الرسل، وأمين الوحي جبريل عليه السلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يتعبد الله في غار حراء، فارتبطت الأرض بالسماء، وأضاء النور سائر الأرجاء، فدعونا نأخذ بداية الأمر من أقرب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من فم الطاهرة الصدّيقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت:" أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: "ما أنا بقارئ"، قال: " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3] " فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم"، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي"[3]. بل إن من فضل الله على هذه الأمة المباركة المرحومة أن وسّع الله لها في قراءة القرآن الكريم فنزل على سبعة أحرف فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"[4]. المبحث الثاني: فضل القرآن الكريم وأهله. إنّ لكلام الله تعالى فضلا على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ" [5]. وقد مدح الله كلامه في كثير من آيات القرآن ووصفه بالبركة والحسن والنور وغير ذلك من الصّفات الطيبة المباركة فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]، وجعله روحا من عاش به كان حيًّا، ومن استنكّف عن هُداه عاش عيشة ضنكا، وكان مآله خسرا قال تعالى ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ [الشورى: 52] فسماه روحا وهل هناك حياة بدون روح، وقال تعالى ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124-126]. وإذا كان لكلامه ذلك الفضل فإن لحفظته الرفعة في الدنيا والآخرة فقد نوه بذكرهم، ورفع من شأنهم، فَقَالَ عزَّ وجلَّ من قائل: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]، واصطفاهم لحمل رسالته فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]. وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عن عثمان بن عفان - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه "[6]. و عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ"[7]. ولقد كتب العلماء كثيرا عن فضائل القرآن وأهله فلنكتف بما أشرنا إليه، ومن أراد المزيد فعلى بكتب الفضائل والله الموفق [8]. الفصل الأول: آداب ضرورية في تلاوته، وفيه مباحث: المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته، حكم مس المصحف. المبحث الأول: فيما ينبغي أن يكون عليه أهل القرآن من الأدب. إن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، جملهم الله بكتابه، واصطفاهم على عباده، فأدرج النبوة بين جنوبهم إلا أنه لا يوحى إليهم، فحري بهم أن يتأدبوا بآداب القرآن ويتحلوا بزينة آيات الرحمن، قال عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه -: "يَنْبَغِي لِقَارِئِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنِهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وَبِوَرَعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ. قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَبِحزُنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ"[9]. وقال النّووي رحمه الله تعالى: وينبغي - أي لحامل القرآن - أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال، أو رياسة، أو وجاهة، أو ارتفاع على أقرانه، أو ثناء عند الناس، أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك. ولا يشوب المقرئ إقراءه بطمع في رفق يحصل له من بعض من يقرأ عليه سواء كان الرفق مالا أو خدمة وإن قلّ، ولوكان على صورة الهدية التي لولا قراءته عليه لما أهداها إليه قال تعالى ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20]، وقال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ الآية [الإسراء: 18، 19]. وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تعلّم علما يبتغي به وجه الله تعالى لا يتعلّمه إلاّ ليصيب به غرضا من الدّنيا، لم يجد عَرْفَ الجنّة يوم القيامة" [10]، ومثله أحاديث كثيرة. وعلى حامل القرآن أن يتميّز بإخلاصه في عمله لله تعالى، وتلاوته ابتغاء مرضاة الله تعالى، وليحذر كلّ الحذر إذا كان معلّما للقرآن من قصده التكثر بكثرة المشتغلين عليه والمختلفين إليه، وليحذر من كراهته قراءة أصحابه على غيره ممن ينتفع به، وهذه مصيبة يبتلى بها بعض المعلّمين الجاهلين وهي دلالة بيّنة من صاحبها على سوء نيته وفساد طويته"[11]. المبحث الثاني: المبحث الثاني: الطهارة لتلاوته و حكم مس المصحف. إنّ من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها قارئ القرآن أن يكرم كتاب الله ويعظمه، وينزهه، ولا يحلّ له مسّ المصحف على المشهور من غير طهارة وهو قول الجمهور من الفقهاء والعلماء، فيجب له الوضوء، وذلك لحديث أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم مرسلا أنّه قد أتاهم كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه "أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر" [12]. قال الحافظ ابن عبدالبر[13]: وكتاب عمرو بن حزم قد تلقّاه العلماء بالقبول والعمل، وخرّج له الحافظ الزّيلعي[14]شواهد وطرقا يتقوّى ويصحّ بها[15]. بل من الأدب الظاهر أن لا يمس جلدها لا بيده ولا بعود أو غير ذلك. ويحرم عليه توسده والاتكاء عليه كما يكره مد الأرجل إلى جهته - كما يفعلهبعض العامة الآن في المساجد - واستدباره وتخطيه ورميه على الأرض بدون وضعه على شيء عال، فإنّ من إكرام المصحف ألا نساوي بينه وبين الكتب الأخرى، فقد روى أبوداود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ يَهُودٍ، فَدَعَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْقُفِّ، فَأَتَاهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ: إِنَّ رَجُلًا مِنَّا زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ، فَوَضَعُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وِسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "بِالتَّوْرَاةِ"، فَأُتِيَ بِهَا، فَنَزَعَ الْوِسَادَةَ مِنْ تَحْتِهِ، فَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهَا"[16] ثم قال بالتوراة أي أمر أن يؤتى له بها لأنها الله تعالى قال له: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ﴾ [ المائدة: 44]. والشاهد من الحديث هو تعظيم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للتوراة وهي كتاب فيه ما فيه من التحريف، ولكن فيه أيضا ممّا لم يحرف فغلّب - صلى الله عليه وسلم - جانب التّعظيم للأخير، فكيف بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا يصان ويعظم، بل يرميه بعض السّفهاء على الأرض فإذا طالبتهم بالأدب مع القرآن زعموا ألاّ دليل على ذلك من قلّة أدبهم فإلى الله المشتكى. وأن لايوضع بين الكتب أو في أسفلها بل يوضع في أعلاها[17]، ومن آدابه أن لا يُعرَّض بآياته عند أمر من أمور الدنيا، أو يستخفّ به ويجعله عرضة للمزاح قال أبو عبيد القاسمبن سلاّم: "وهذا كالرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بالحاجة فتأتيه من غير طلب فيقول كالمازح ﴿ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40] وهذا من الاستخفاف بالقرآن" [18]. ومن باب أولى فإن الاستهزاء به وإهانته كفر وردّة، وناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله. ومن آدابه أتباع أوامره واجتناب نواهيه قال ابن عباس - رضي الله عنهما - عند قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [البقرة: 121] قال: "يتّبعونه حقّ إتباعه". وروى العكبري عن عامر بن مطر قال: " رأى حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - من النّاس كثرة فقال: "يا عامر بن مطر كيف أنت إذا أخذ النّاس طريقاً وأخذ القرآن طريقاً مع أيّهما تكون؟ قلت أكون مع القرآن أموت معه وأحيا معه، قال: فأنت إذاً أنت فأنت إذاً أنت" [19] - أي: أنت المصيب بينهم. وروى أبو عبيد عن الحسن البصري - رحمه الله - قال: "إنّ أولى النّاس بهذا القرآن من أتبعه وإن لم يكن يقرؤه". ومن آدابه أيضاً أن يترسل القارئ ويتدبّر في قراءته، وعليه بترتيله وتحسين الصّوت به، وأن لا يجهر على جالسيه وأصحابه فيؤذيهم كالّذي يصلّي ويقرأ بجانبه، فعن البياضي - رضى الله عنه - قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النّاس وهم يصلّون وقد علت أصواتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنّ المصلي يناجي ربّه فلينظر بما يناجيه، ولايجهر بعضكم على بعض بالقرآن" [20]. ومن آدابه عدم التمايل والاهتزاز عند قراءته - كما يفعل اليهود في قرأت التوراة - أو وضع اليدين على الأذنين أو إحداهما على إحداها عند القراءة أو التلحين الذي يشبه الغناء فإنها بدعة لم يفعلها أحد من السلف الصالح.[21] ومن آدابه احترام الأوراق التي فيها آيات منه أو لفظ الجلالة أو البسملة فلا تلقى على الأرض ولا في القمامة، كما يفعله من لا خلاق لهم، وكذلك ما ينشر في الجرائد والمجلات ثم ترمى في المزابل والقمامات مما يغضب رب الأرض والسموات، أو تجعل سفرة للطعام، أو أغطية على الجدران والسيارات عند صبغها، فليحذر الذين يستهينون بذلك فإن الله يغار سبحانه على كلامه، فليتق الله من كان مسلما وليراع حرمة القرآن [22]. وهناك آداب أخرى كثيرة ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الإتقان[23] فلنأت بها على سبيل الاختصار: • تسن القراءة في مكان نظيف و أفضله المساجد، ويكره قراءة القرآن في الحمام والطريق، و قال النووي مذهبنا لا تكره فيهما قال: وكرهها الشعبي في الحش و بيت الرحا وهي تدور، قال: و هي مقتضى مذهبنا. • ويسن أن يجلس مستقبلا القبلة متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه. • ويسن أن يستاك تعظيما و تطهيرا. • ويسن التعوذ قبل القراءة. • وعليه أن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة، غير براءة. • ويستحب البكاء عند قراءة القرآن و التباكي لمن لا يقدر عليه، والحزن والخشوع. • ويستحب قراءته بالتفخي مقال الحليمي: و معناه أن يقرأه على قراءة الرجال و لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء، كما أنه يكره قطع القراءة لمكالمة أحد. • لا تجوز القراءة بالعجمية مطلقا، سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أو خارجها. • ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشر سجدة. • ويسن التكبير من الضحى إلى آخر القرآن و هي قراءة المكيين. • ويكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها. • ويسن الاستماع لقراءة القرآن و ترك اللغط و الحديث بحضور القراءة. • ويستحسن صوم يوم الختم، وأن يحضر أهله وأصدقائه، و يدعو لأن الرحمة تتنزل في ذلك الوقت كما جاء عن أنس - رضى الله عنه - ومجاهد رحمه الله. • كما يسن إذا انتهى من ختمه أن يشرع في أخرى عقب الختم. الفصل الثاني: حفظ الله تعالى لكتابه وجمع الأمة لكتاب الله تعالى. وفيه مباحث: المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور. المبحث الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. المبحث الثالث: جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. حفظ الله تعالى لكتابه: لقد أنزل الله الكتب السماوية السابقة على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام ووكّلهم بحفظها، فبلغها الرسل إلى أقوامهم إلا أن الأمم السابقة حرفت كتبها وبدلت ما أمرها الله بحفظه قال تعالى: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة : 44].وقال سبحانه: ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13]. وشرف الله تعالى أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن حفظ لها كتابها الذي جاء به نبيّها عليه الصلاة والسلام منذ اللحظة الأولى قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحفظه لها في صدورها وفي كتبها والحمد لله أولا وآخرا. ويطلق حفظ الكتاب العزيز على جمعه ويراد به أحد ثلاثة معان: 1- جمعه بمعنى حفظه في الصدور. 2- جمعه بمعنى كتابته وتدوينه. 3- جمعه بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا. المبحث الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور: قال تعالى مخاطبا نبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 16-19]، أي جمعه في صدرك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه فقال ابن عباس: فأنا أحرّكهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرّكهما، وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عباس يحرّكهما، فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى: ﴿ لا تحرّك به لسانك لتعجل به * إنّ علينا جمعه وقرآنه ﴾ [القيامة: 16-17] قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه: ﴿ فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ﴾ [القيامة: 18] قال: فاستمع له وأنصت: ﴿ ثم إن علينا بيانه ﴾ [القيامة: 19] ثم إنّ علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه"[24]. ولم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرا يحثّ فيه على حفظ القرآن إلاّ فعله، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يفاضل بين أصحابه بمقدار حفظهم للقرآن، ويقدّم في الصّلاة أكثرهم حفظا، ويعطي الرّاية في الحروب أكثرهم قرءانا، ويقدّم في الدّفن أحفظهم لكتاب الله تعالى، ولربما زوّج الرجل على ما معه من القرآن، فضلا عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن، ثم حفظه التابعون وتوارثته الأمة جيلا بعد جيل، فلم ينقص منه حرف، ولم يتطاول على كتاب الله أحد إلاّ رمته سهام الحفاظ فأردته طريحا، ولقد وصل لنا بالسند العالي إلى ربّ العزة عن طريق جبريل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهيهات أن تجد أمة حفظ كتابها طريا نقيا، شامخا عليا مثل أمتنا ولله الحمد والمنة. ولجمع كتاب الله وحفظه خصائص أهمها: 1- أنّ جمع القرآن الكريم أي حفظه في الصّدور هو أوّل علم نشأ من علوم القرآن. 2- أنّ حفظه دائم لا ينقطع إلى أن تقوم السّاعة. 3- أنّ الحفظ في الصّدور خاصّ بالقرآن فليس هناك أمة تحفظ كتابها في صدورها. 4- أنه يجب على كل مسلم حفظ ما يمكن أن يؤدي به صلاته، بخلاف جمعه كتابة فلا تجب على كل أحد. المبحث الثاني:. جمعه بمعنى كتابته وتدوينه لقد مرّ جمع القرآن الكريم بهذا المعنى على ثلاث مراحل: 1- الجمع الأول: في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -. 2- الجمع الثاني: في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -. 3- الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه -. أمّا الجمع الأول بمعنى كتابته وتدوينه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فمن المعلوم أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - اتّخذ كُتّابا للوحي منهم الخلفاء الأربعة، ومعاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، وثابت بن قيس - رضى الله عنهم -، وكان يأمرهم بكتابة كل مايقول من القرآن حتى تظاهر حفظ القرآن في الصدور مع الكتابة. ولقد كان يومئذ يدون في الصحف، واللخاف (الحجارة الرقيقة )، والعسب، والرقاع، والأكتاف ونحو ذلك. روى الحاكم من حديث عثمان بن عفان - رضى الله عنه - أن رسول الله كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتبه فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا الحديث"[25]. الفصل الثالث: خصائص جمع القرآن بمعنى حفظه وفيه مباحث: المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه. المبحث الرابع: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. المبحث الأول: مزايا الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه: لقد كان الجمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها ووضعها فيمكانها الخاص من سورها؛ وكانت الكتابة متفرقة بين عُسُب[26]، وعظام وحجارة ونحوذلك حسبما تتيسر أدوات الكتابة. ومن مزايا جمعه يومئذ: 1- زيادة التّوثيق للقرآن. 2- أنّه كتب على الأحرف السّبعة. 3- أنّه كان مرتب الآيات أمّا السور ففي ترتيبها خلاف. 4- لم يكن مجموعا في مصحف واحد كما قال زيد بن ثابت - رضى الله عنه -: "قبض النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن القرآن جمع في شيء واحد"[27]. يقول زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "كنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - نؤلّف القرآن من الرّقاع"[28] قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثاني: الجمع الثاني: في عهد الخليفة الرّاشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - وخصائصه. لقد كان انتقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الرّفيق الأعلى أحدث فراغا في النّفوس، فارتدّت قبائل العرب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فما كان من الخليفة الراشد أبي بكر الصّدّيق - رضى الله عنه - إلاّ أن يعيدهم للإسلام، وشارك جمهور الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في تلك المعارك الطاحنة، وقتل فيها عدد كبير من القراء الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم مما جعل بعض الصحابة يخشى أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حفظته فتشاوروا فيما بينهم واتفقوا على جمع القرآن في مصحف واحد[29]، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة[30] فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد اسْتَحَرَّ[31] بقُرَّاءِ القرآن، وإنّي أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.." الحديث[32]. المبحث الثالث: تاريخ جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -: كان هذا الجمع المبارك بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشرة بعد الهجرة. واختير زيد بن ثابت - رضى الله عنه - لهذا الجمع لأسباب عدّة منها: 1- أنه من حفاظ القرآن الكريم المتقنين في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم. 2- أنه شهد العرضة الأخيرة للقرآن الكريم. 3- أنه من كتبة الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو أشهرهم وأكثرهم كتابة للوحي. 4- أنه كان عاقلا ورعا مع كمال خلق واستقامة في دينه وعظم أمانته، وقد قال له الصديق - رضى الله عنه -: إنك رجل شاب، عاقل، لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتَتَبَّع القرآن فاجمعه - وقال هو عن نفسه: فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن" مميزات جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه -: 1- جمعه على أدّق وجوه البحث والتّحري والإتقان. 2- أهمل في هذا الجمع ما نسخت تلاوته من الآيات. 3- أنّ هذا الجمع كان بالأحرف السّبعة التي نزل عليها القرآن الكريم. 4- أنه كان مرتّب الآيات باتفاق، بخلاف السور فقد اختلف العلماء هل تم ترتيبها في هذا العهد أم في عهد عثمان - رضى الله عنه. 5- اتفق العلماء أنّه كتب منه نسخة واحدة حفظها الخليفة الراشد الصديق - رضى الله عنه - عنده لأنّه الإمام. 6- أجمعت الأمة على هذا الجمع المبارك للقرآن وتواتر ما فيه. الفصل الرّابع: وفيه مبحث واحد: أوّل من سمى القرآن بالمصحف. لم يكن (المصحف) يطلق على القرآن قبل جمع أبي بكر - رضى الله عنه - وإنما عرف بذلك بعد أن أتم زيد - رضى الله عنه - كتابته روى السيوطي عن ابن اشته في كتابه (المصاحف) قال " لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر التمسوا له اسما، فقال بعضهم: السفر، وقال بعضهم: المصحف فإن الحبشة يسمونه المصحف، وكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله وسمّاه المصحف"[33]. الفصل الخامس: الجمع الثالث: في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضى الله عنه - وفيه مباحث: المبحث الأول: سبب جمع عثمان - رضى الله عنه - للمصحف الإمام: اتسعت رقعة الخلافة الإسلامية في أقطار الدنيا، وحمل الصحابة والتابعون كلام الله تعالى ينشرونه نورا في الآفاق، وكان كل صحابي يعلّم تلاميذه بالحرف الذي تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما اتجه الجيش الإسلامي إلى "أرمينية" و"أذربيجان"، التقت كتائب الجيش التي جاءت من الشام والعراق، فكاد الشقاق والنزاع يقع بينهم في أحقية قراءة كل جهة منهم أنها هي المحقة، فسارع حذيفة بن اليمان - رضى الله عنه - في إبلاغ أمير المؤمنين عثمان - رضى الله عنه - بما وقع من التناكر والاختلاف، وكان عثمان - رضى الله عنه - لمس هذا الاختلاف من قراء المدينة أنفسهم فقام خطيبا وقال: " أنتم عندي تختلفون فيه فتلحنون فمن نأى عني من الأمصار أشدّ فيه اختلافا وأشدّ لحنا، اجتمعوا يا أصحاب محمّد، واكتبوا للنّاس إماما" [34]. المبحث الثاني: خطوات الجمع في عهد عثمان - رضى الله عنه -: 1- خطبة عثمان - رضى الله عنه - وعزمه على جميع الصحابة بجمع ما عندهم من الصحف والمجيء بها عنده. 2- بعثه إلى حفصة لترسل له الصحف التي جمعت في عهد أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - ثم ردها إليها. 3- تكليفه لزيد بن ثابت من الأنصار، وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام من قريش بنسخ مصاحف منها، وقد ندب اثنا عشر رجلا آخرين لمعاونتهم في هذا الأمر الجليل[35]. 4- إذا كان في الآية أكثر من قراءة تكتب خالية من أيّة علامة تقصر النّطق بها على قراءة واحدة مثال ذلك قوله تعالى: أ‌- ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6] قرئت أيضا (فتثبتوا)[36]. ب‌- ﴿ نُنْشِزُهَا ﴾ [البقرة: 259] قرئت أيضا (ننشرها)[37]. المبحث الثالث: تاريخ كتابة المصحف العثماني، وعدد المصاحف العثمانية. عزم عثمان - رضى الله عنه - في أواخر سنة 24هـ وأوائل سنة 25هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضاً: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستنداً" [38]. ولم تذكر المدة التي استغرقتها اللجنة في كتابة المصحف، وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان"[39]. المبحث الرابع: كيفية انتشار المصاحف المنسوخة في العالم الإسلامي: قال الزّركشي رحمه الله: (قال أبو عمرو الداني في المقنع: أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلّ ناحية واحداً، الكوفة، والبصرة، والشام، وترك واحداً عنده، وقد قيل: أنه جعله سبع نسخ وزاد إلى مكة وإلى اليمن وإلى البحرين، قال: والأول أصح وعليه الأئمة)[40]. ويقول الإمام السيوطي - رحمه الله - اُختُلف في عدة المصاحف التي أَرسلَ بها عثمان إلى الآفاق، المشهور أنها خمسة وأخرج ابن أبي داود من طريق حمزة الزيات قال: أرسلَ عثمان أربعة مصاحف، قال أبو داود: وسمعت أبا حاتم السّجستاني يقول: كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكّة، والشّام، وإلى اليمن، وإلى البحرين، وإلى البصرة، وإلى الكوفة، وحبس بالمدنية واحداً[41]. وكانت كلّها مكتوبة على الورق (الكاغد) إلاّ المصحف الذي خصّ به نفسه فقد قيل: إنه على رق الغزال[42]. والمصاحف المدنية والمكية تسمي بالمصاحف الحجازية عند أهل الرسم، والكوفي والبصري هما المرادان بالمصاحف العراقية عند أهل الرسم أيضاً، والخامس هو المصحف الشامي[43]، وإذا كان هو أصلََُ لكل هذه المصاحف - أي الإمام - فيجب القول بأنه لا اختلاف بينها لأنه الحكم وأنها صورة لنسخة واحدة، ويكون "الإمام" هو المرجع الأول في الدولة، ترجع إليه كل المصاحف وهو الحاكم عليها[44]. ولم يكتف سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بإرسال المصاحف إلى الأمصار، وإنما بعث مع كل مصحف واحداً من الصحابة يقرئ من أرسل إليهم المصحف، وغالباً ما كانت قراءة هذا الصحابي توافق ما كتب به المصحف، فأمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري وهذا يرجح الرواية التي تنص على أن النسخ كانت خمسة لا سبعة[45]. وبهذا يُعرف كيفية انتشار هذه المصاحف لأن الاعتماد في نقل القرآن على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقةٍ وإماماً عن إمام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لذلك اختار عثمان حفاظاً يثق بهم وانفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني - ثانوي- مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه مع من يوافق قراءته في أكثر الأغلب[46] المبحث الخامس: هل المصحف العثماني موجود اليوم؟ قال الشيخ مناع القطان: المصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم. والذي يُرْوَى عن ابن كثير في كتابه "فضائل القرآن" أنه رأى واحدًا منها بجامع دمشق بالشام، في رقّ يظنه من جلود الإبل، ويُرْوَى أن هذا المصحف الشامي نُقِلَ إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة، وقيل أنه احترق في مسجد دمشق سنة(1310) هجرية. والله أعلم. الفصل الخامس: جمع القرآن بمعنى تسجيله تسجيلا صوتيا: وفيه مبحث: المبحث الأول: أول من سجل له القرآن الكريم كاملا. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. المبحث الأول: أوّل من سجّل له القرآن الكريم كاملا. لقد شهد عصرنا طفرة في عالم التقنية الحديثة، وتعددت وسائل النسخ والتسجيل، فسارعت الجهات الغيورة على حفظ كتاب الله تعالى في تسجليه على الأشرطة السمعية والبصرية، ليكون عونا لأهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها على تلاوة كتاب الله عز وجل تلاوة صحيحة، وتبنت جمعية المحافظة على القرآن الكريم في مصر سنة 1378 هجرية، ووضعت لذلك شروطا ومواصفات وقواعد وأحكاما، وبدأ التسجيل لأول مرة سنة 1379 هجرية وانتهت الطبعة ألأولى في المحرم من عام 1381 هجرية بقراءة الشيخ محمود خليل الحصري برواية حفص عن عاصم وأعقب ذلك سنة 1382 هجرية تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري [47]. المبحث الثاني: ضوابط في تسجيل القرآن الكريم. 1- متانة القراءة ورزانة الصوت، وحسن المخارج التي صقلها بالرياضة. 2- الاهتمام بالوقف والابتداء حسبما رسمه علماء الفن. 3- العناية بمساواة مقادير المدود، والغنّات، ومراتب التّفخيم والتّرقيق، وتوفية الحركات. 4- وجود لجنة من المشايخ المتقنين في فنّ القراءات لسماع القارئ. الفصل السادس: طباعة المصحف في العصر الحديث: المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم. المبحث الأول: ظهور الطباعة في العالم الإسلامي. كان اكتشاف الآلات الحديثة في الطباعة نعمة من النعم العظمى التي أدت إلى انتشار كتاب الله في أرجاء الأرض، فقد كانت أول طبعة للمصحف في مدينة البندقية (إيطاليا) عام 1538م ولم يبق من هذه الطبعة سوى نسخة واحدة محفوظة في دير سانت ميشيل بالبندقية. كما أن الطبعة الثانية للمصحف طبعت في هامبورغ بألمانيا عام 1694م، والتي تتوفر منها عدة نسخ من بينها نسخة مودعة لدى مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض. كما تمت طباعة أخرى هي طبعة بتافيا لعام 1698م وطبعة سانت بطرسبرغ عام 1787م وطبعة ليبزغ عام 1834م وطبعة قازان عام 1848م. ثم انتشرت المطابع في العالم الإسلامي، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في طباعة المصحف الشريف وتوزيعه بالملايين على المسلمين في شتى بقاع المعمورة، وأنشئ لذلك الغرض مجمع متكامل. المبحث الثاني: معلومات هامة حول القرآن الكريم: • نزل القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بغار حراء. • نزل القرآن منجما (مفرقا) خلال ثلاث وعشرين سنة. • أوّل ما نزل من القرآن خمس آيات الأولى من سورة اقرأ، وآخر آية ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. • القرآن العزيز أربعة أقسام: الطِّوال، والمئون، والمثاني، والمفصل. • عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، منها (86) مكي، و(28) مدني. • عدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين (على خلاف بين المصاحف في العدّ) • أوّل من نقط المصحف أبو الأسود الدّؤلي، وأوّل من أدخل الشّكل هو عبد الملك بن مروان بأمر منه. الخاتمة عندما نتكلم عن القرآن فإنّما نتكلّم على صفة من صفات ذي الجلال والإكرام، وحينها على الوجود أن يصغي لروائع كلام ربّ العالمين، فتخشع الأرض والجبال، وتلين لعظمته السموات الطباق، ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]. وقال تعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد: 31] يتشرف المسلم حينما يصل نفسه بكتاب الله فتسمو روحه، وتطهر نفسه، ويزكو قلبه، ويعيش عيشة سعيدة ملؤها الإيمان وانشراح الصدر، وتتلألأ بين جوانحه أنوار الوحي فيعيش كبيرا ويموت كبيرا، فيا أيها المسلم لا تبرح ساحة القرآن، ولا تبتعد عن رحابه الطاهرة إن كنت تريد ركب النجاة في الآخرة وذي الحياة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * موقع الألوكة: (https://2u.pw/BpLMM). [1] جامع البيان في تأويل القرآن للإمام ابن جرير الطبري (المتوفى: 310هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. [2] رواه مسلم (الحديث رقم: 7309). [3] البخاري (3) ومسلم (160). [4] رواه البخاري باب انزل القرآن على سبعة أحرف4705، مسلم في صلاة المسافرين 519 [5] رواه الترمذي (2926) وقال "هذا حديث حسن غريب". وكذلك رواه الدارمي في سننه (2: 441 طبعة دمشق). ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9: 58 - 59) عن الترمذي، وقال: "ورجاله ثقات إلا عطية العوفي، ففيه ضعف. [6] رواه البخاري (الحديث رقم: 5027). [7] رواه مسلم ( الحديث رقم: (798). [8] من الكتب في ذلك: فضائل القرآن لابن كثير، وللقاسم بن سلام، وللنسائي، وللجهضمي ن ولابن الضريس وغيرهم ممن كتب قديما وحديثا. [9] فضائل القرآن للقاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ)، ص(112)تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م. [10] رواه أبو داود بإسناد صحيح (3664). [11] التبيان في آداب حملة القرآن للنووي بتصرف يسير. [12] طا(2/10-11)، وعب في مصنفه (1/342)، قط(1/122) وابن أبي داود في المصاحف (2/582) ووصله الدّارمي في سننه (2166)، وك في المستدرك (1/395) وقال: إنّ هذا الحديث من قواعد الإسلام، وحب كما في الموارد (202). [13] الاستذكار (2/472) قال:، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتّصل وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأنّ المصحف لا يمسّه إلاّ طاهر)، وقال: لا خلاف في إرسال هذا الحديث، وقدروي من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السيّر معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها في شهرتها عن الإسناد لأنّه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقِّي النّاس له بالقبول ولا يصحّ عليهم تلقّي ما لا يصحّ. [14] انظر نصب الراية للزيلعي (1/196). [15] وقد صححه الإمام أحمد كما في مسائل البغوي (38). وقال ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف (2\26): قال أحمد بن حنبل: "كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح". وقال بعض الحفاظ من المتأخرين كما في نصب الراية (2\341): "نسخة كتاب عمرو بن حزم تلقاها الأئمة الأربعة بالقبول". وقال الإمام الشافعي في الرسالة (ص422): "ولم يقبلوا (أي الصحابة أيام عمر) كتاب آل عمرو بن حزم -والله أعلم- حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله". وصححه إسحاق ابن راهويَه كما في الأوسط لابن المنذر (2\102). وقال يعقوب بن سفيان الفسوي كما في نصب الراية (2\341): "لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه. كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعون يرجعون إليه ويَدَعُون آراءهم". وقال العقيلي في ضعفاءه (2\127): "هو عندنا ثابت محفوظ". وقال الحاكم في المستدرك بعد روايته للحديث بطوله وتصحيحه (1\553): "هذا حديثٌ كبيرٌ مفسرٌ في هذا الباب، يشهد له أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وإمام العلماء في عصره محمد بن مسلم الزُّهري بالصحة". ونقل تقويته عن أبي حاتم الرازي. وصححه ابن حبان (14\510)، وابن خزيمة كذلك في صحيحه (4\19). [16] سنن أبي داود برقم (4449). [17] رد المحتار على الدر المختار (1/177) لابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى:1252هـ) الناشر: دار الفكر- بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ - 1992م.وانظر كشاف القناع 1 / 136، والآداب الشرعية 2 / 296 - 297. [18] فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (123) (المتوفى: 224 هـ)، تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين. الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، 1415 هـ -1995 م. [19] الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري. [20] رواه مالك في الموطأ بسند صحيح 76). [21] معجم البدع لرائد أبي علفة، ولابن أبي زيد القيرواني رحمه الله رسالة خاصة في تبديع المتحرك في القراءة. [22] فتاوى نور على الدرب للشيخ عبد العزيز بن باز. [23] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، في النوع الخامس والثلاثين من علوم القرآن (1/359)، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م. [24] البخاري (5). [25] رواه الحاكم في المستدرك ( 2/221). [26] العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل إِذا نُحِّيَ عنه خُوصه. (لسان العرب). [27] فتح الباري (9/9). [28] الوجيز في فضائل الكتاب العزيز محمد بن أحمد الأندلسي القرطبيدار الحديث تحقيق علاء الدين علي رضا. [29] وقصة جمعه في عهد أبي بكر مخرجة في صحيح البخاري (6/98-99). [30] مكان بنجد بينه وبين البحرين عشرة أيام -كما يقول ياقوت الحموي- وكانت تسمى قبل ذلك بالعروض، فسميت باليمامة على اسم "اليمامة بنت سهم بن طسم" انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي "5/ 442". قريب من مدينة الرياض بالسعودية. [31] استحر: اشتد. [32] صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، وفي كتاب التوحيد، باب: "وكان عرشه على الماء... " و انظر: فتح الباري "9/ 10-11، 13/ 404". وانظر كتاب المصاحف للسجستاني "1/ 181" تحقيق الدكتور محب الدين عبد السبحان ط قطر. [33] الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/51). [34] المصاحف لابن أبي داود(29). [35] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص (21-22). [36] وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. [37] الأولى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بالزاي، وقرأ الباقون بالراء المهملة. [38] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ.د. فهد الرومي ص19. من اهم المراجع التي أخذت منها. [39] غرائب القرآن للنيسابوري (1/27). [40] البرهان في علوم القرآن بدرالدين محمد بن عبد الله الزركشي ت 794هـ، 1/334(دار المعرفة، بيروت، ط3-1415هـ). [41] الإتقان جلال الدين السيوطي ت 911ه (1/132) (الكتب العلمية - بيروت ط 1415.3هـ). [42] سمير الطالبين على محمد الضباع ص 16. [43] جامع البيان في معرفة رسم القرآن على إسماعيل السيد هنداوي ص21 (دار الفرقان -الرياض، 1410هـ). [44] المعجزة الكبرى محمد أبوزهرة ص30. [45] رسم المصحف وضبطه الدكتور شعبان محمد إسماعيل ص19 (دار الثقافة - قطر، ط 1412.1هـ). [46] مناهل العرفان للزرقاني (1/ 330). [47] جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد الرومي ص7-8).
    0
  • محمود خليل الحصري (1)

    هل الشيخ محمود خليل الحصري، ولد في 1/ 12/ 1335 هـ غرة شهر ذي الحجة عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة بقرية شُبر النملة - مركز طنطا - محافظة الغربية - بجمهورية مصر العربية.

    [حياته العلمية]
    لما بلغ سن التعليم بدأ بالقرآن الكريم، فحفظه وسنه ثمان سنوات ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة عام 1364 هـ أربعة وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    وكان قارئاً بالمسجد الأحمدي، ثم تولي القراءة بالمسجد الحسيني.
    عُينَ مفتشاً للمقاري المصرية، ثم وكيلاً لها, إلى أن تولى مشيخة المقارئ عام 1381هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1381 هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وظلت إذاعة مصر تقتصر على صوته منفرداً حوالي عشر سنوات ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1384هـ أربعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم رواية قالون والدوري عام 1388هـ ثمانية وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وفي العام نفسه سجل المصحف المعلم وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإِسلامي.
    ورتل القرآن الكريم في كثير من المؤتمرات، وزار كثيراً من البلاد العربية والإِسلامية الآسيوية والإفريقية، وأسلم على يديه كثيرون.
    وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن له سُبُلَ العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة.
    وكان حريصاً في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كافة وجوه الخير.

    [شيوخه]
    لم تذكر الصادر التي بين أيدينا شيوخه الذين تلقى عنهم العلم إلا أنه درس في الأزهر سنوات معلومة، ولعل المشايخ والمدرسين والعلماء الذين كانوا يقوموا بالتدريس معروفين عند المتخصصين في هذا الجانب.
    وأما شيخه وأستاذه الذي أخذ على يديه القراءات هو الشيخ الكبير والعالم النحرير، شيخ القراء بالديار المصرية في وقته الشيخ عامر السيد عثمان حيث قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات العشر (2).
    2 - الشيخ علي محمَّد الضباع، شيخ القراء بالديار المصرية (3).

    [مؤلفاته]
    1 - أحكام قراءة القرآن الكريم.
    2 - القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
    3 - معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء.
    4 - الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
    5 - أحسن الأثر في تاريخ القرآء الأربعة عشر.
    6 - مع القرآن الكريم.
    7 - قراءة ورش عن نافع المدني.
    8 - قراءة الدوري عن أبي عمر البصري.
    9 - نور القلوب في قراءة الإِمام يعقوب.
    10 - السبيل الميسَّر في قراءة الإِمام أبي جعفر.
    11 - حسن المسرَّة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
    12 - النهج الجديد في علم التجويد.
    13 - رحلاتي في الإِسلام.
    14 - وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإِسلام.

    [وفاته]
    توفي في مساء يوم الاثنين 16/ 1/ 1401 هـ السادس عشر من شهر الله المحرم عام إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة في جمهورية مصر العربية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 369 - 372)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" ص 8.
    (2) قال المؤلف: انظر كتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" ص 2 ص 757.
    (3) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    محمود خليل الحصري (1) هل الشيخ محمود خليل الحصري، ولد في 1/ 12/ 1335 هـ غرة شهر ذي الحجة عام خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة بقرية شُبر النملة - مركز طنطا - محافظة الغربية - بجمهورية مصر العربية. [حياته العلمية] لما بلغ سن التعليم بدأ بالقرآن الكريم، فحفظه وسنه ثمان سنوات ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وكان ترتيبه الأول بين المتقدمين لامتحان الإذاعة عام 1364 هـ أربعة وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وكان قارئاً بالمسجد الأحمدي، ثم تولي القراءة بالمسجد الحسيني. عُينَ مفتشاً للمقاري المصرية، ثم وكيلاً لها, إلى أن تولى مشيخة المقارئ عام 1381هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم عام 1381 هـ إحدى وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وظلت إذاعة مصر تقتصر على صوته منفرداً حوالي عشر سنوات ثم سجل رواية ورش عن نافع عام 1384هـ أربعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم رواية قالون والدوري عام 1388هـ ثمانية وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وفي العام نفسه سجل المصحف المعلم وانتخب رئيساً لاتحاد قراء العالم الإِسلامي. ورتل القرآن الكريم في كثير من المؤتمرات، وزار كثيراً من البلاد العربية والإِسلامية الآسيوية والإفريقية، وأسلم على يديه كثيرون. وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن له سُبُلَ العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم في جميع المدن والقرى، وقام بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة. وكان حريصاً في أواخر أيامه على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة تحفيظ بمسقط رأسه قرية شبرا النملة، وأوصى في خاتمة حياته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كافة وجوه الخير. [شيوخه] لم تذكر الصادر التي بين أيدينا شيوخه الذين تلقى عنهم العلم إلا أنه درس في الأزهر سنوات معلومة، ولعل المشايخ والمدرسين والعلماء الذين كانوا يقوموا بالتدريس معروفين عند المتخصصين في هذا الجانب. وأما شيخه وأستاذه الذي أخذ على يديه القراءات هو الشيخ الكبير والعالم النحرير، شيخ القراء بالديار المصرية في وقته الشيخ عامر السيد عثمان حيث قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات العشر (2). 2 - الشيخ علي محمَّد الضباع، شيخ القراء بالديار المصرية (3). [مؤلفاته] 1 - أحكام قراءة القرآن الكريم. 2 - القراءات العشر من الشاطبية والدرة. 3 - معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء. 4 - الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير. 5 - أحسن الأثر في تاريخ القرآء الأربعة عشر. 6 - مع القرآن الكريم. 7 - قراءة ورش عن نافع المدني. 8 - قراءة الدوري عن أبي عمر البصري. 9 - نور القلوب في قراءة الإِمام يعقوب. 10 - السبيل الميسَّر في قراءة الإِمام أبي جعفر. 11 - حسن المسرَّة في الجمع بين الشاطبية والدرة. 12 - النهج الجديد في علم التجويد. 13 - رحلاتي في الإِسلام. 14 - وله مقالات عديدة في مجلة لواء الإِسلام. [وفاته] توفي في مساء يوم الاثنين 16/ 1/ 1401 هـ السادس عشر من شهر الله المحرم عام إحدى وأربعمائة وألف من الهجرة في جمهورية مصر العربية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 369 - 372)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "أحكام قراءة القرآن الكريم" ص 8. (2) قال المؤلف: انظر كتاب "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" ص 2 ص 757. (3) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    0
  • علي الضباع (1)

    هو العلامة الشيخ علي بن محمَّد بن حسن بن إبراهيم الملقب بالضباع ولد في مصر ما بين عام 1300هـ وعام 1313هـ (2).

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم ولما يزل صغيراً، وانكب بعد ذلك في تلقي القراءات وعلوم القرآن من رسم وضبط وعد الآى وفنون التجويد ودرس واطلع كثيراً من كتب المتولي حتى أصبح بحراً في العلم لا يزال يفيض وكتب في كل ما له صلة بالقرآن، فأحسن وأجاد وأفاد.
    وعين عضواً لمراجعة المصحف الشريف، وولي مشيخة عموم المقارئ والإقراء بالديار المصرية.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ أحمد بن محمَّد بن منصور السكري، قرأ المترجم عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
    2 - الشيخ حسن بن يحيى الكتبي.
    3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسين الخطيب الشعار.
    تلقى عنهما القراءات السبع والعشر الصغرى والكبرى وعلم الرسم والضبط وعد الآى وغيرها من علوم القرآن.

    [تلاميذه]
    1 - الشيخ أحمد حامد التيجي.
    2 - الشيخ إبراهيم عوض عطوه.
    3 - الشيخ عبد العزيز عيون السود.
    ثلاثتهم تلقوا عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة وعلوم القرآن والقراءات.
    4 - الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات (3)
    قرأ عليه القراءات الشاذة.
    5 - الشيخ محمود خليل الحصري (4)

    [مؤلفاته]
    لقد ألف المترجم أكثر من سبعين مؤلفاً، كثير منها ما يخص بالقرآن والقراءات: وهي:
    1 - إرشاد المريد إلى مقصود القصيد.
    2 - إنشاء الشريد من معاني القصيد.
    3 - البهجة المرضية شرح الدرة المضية.
    4 - الأقوال المعربة عن مقاصد الطيبة.
    5 - قطف الزهو من ناظمة الزهر في علم الفواصل.
    6 - إرشاد الإخوان إلى شرح مورد الظمآن.
    7 - الفوائد المدخرة شرح الفوائد المعتبرة في قراءات الأربعة الذين بعد العشرة.
    8 - هداية المريد إلى رواية أبي سعيد.
    9 - الجوهر المكنون شرح رواية قالون، وهو من نظمه وشرحه.
    10 - المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب.
    11 - صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص.
    12 - تذكرة الإخوان في أحكام رواية حفص بن سليمان.
    13 - الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة في بيان خلف حفص من طريق الطيبة، وهو من نظمه وشرحه.
    14 - القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق عن ورش.
    15 - فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن.
    16 - الإضاءة في بيان أصول القراءة بالنسبة للقراء العشرة.
    17 - الشرح الصغير على تحفة الأطفال.
    18 - أقرب الأقوال على فتح الأقفال.
    19 - بلوغ الأمنية شرح إتحاف البرية في تحرير الشاطبية.
    20 - الدر النظيم شرح فتح الكريم في تحرير الطيبة.
    21 - البدر المنير في قراءة ابن كثير.
    22 - إتحاف المريد بشرح فتح المجيد في قراءة حمزة من طريق القصيد.
    23 - نور العصر في تاريخ رجال النشر.
    24 - الدرر الفاخرة في أسانيد القراءة المتواترة.
    25 - الشرح الكبير لتحفة الأطفال، المسمى "بمنحة ذي الجلال في شرح تحفة الأطفال".
    26 - سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين.
    27 - شرح رسالة قالون.
    قلت وله غيرها من المؤلفات منها: (5)
    28 - إتحاف البررة بالمتون العشرة.
    29 - القول المعتبر في الأوجه التي بين السور.
    30 - تقريب النفع في القراءات السبع.
    31 - النور الساطع في قراءة الإِمام نافع.
    32 - أسرار المطلوب.

    [وفاته]
    توفي - رحمه الله - في مصر في نحو عام 1376 هـ ستة وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 236 - 240)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: أفادنى بأجزاء من هذه الترجمة فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، وانظر كذلك "هداية القارئ إلى تجويد كلام البارى" ج 2 ص 680، وكتاب، تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإِمام حفص بن سليمان" ص44.
    (2)قال المؤلف: يقول الشيخ الضباع: كنت غلاماً لا أزال أحفظ القرآن الكريم، وكان المتولي شيخاً للمقاري آنذاك، وفي أواخر حياته، كانت وصيته لابن أخته أو صهره الشيخ حسن بن يحيى الكتبي حيث قال: اعتني بتحفيظ هذا الغلام القرآن الكريم وعلمه القراءات، وحَول إليه كُتبي بعد مماتي.
    يقول الشيخ الضياع: فكأن الشيخ كان يعلم أن هذا الغلام سيتحمل في مستقبل أيامه تبعات مشيخة المقارئ، ويصير من خادمى القرآن الكريم، والحاملين لعلم قراءاته -مع أن الشيخ كان ضريراً- والأولى بأخذ الكتب صهره الكُتبي لأنه كان من علماء القراءات، حيث قرأ السبع على المتولي، ولكن فراسة الشيخ جعلته يحصرها في هذا الغلام وهو المترجم.
    فتبين لنا أن الضباع من هذه الحادثة كان عمره ما بين السبعة والثالث عشر -حيث إن سن الغلام ما بينهما- والمتولي توفي عام 1313 هـ، فيحتمل أن تكون ولادة المترجم ما ذكرناه, والله أعلم.
    (من إملاء فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، حفظه الله ونفع بن المسلمين) الجمعة ليلة السبت 19/ 6/ 1419 هـ. وانظر الحاشية من كتاب: فتح المعطي وغنية المقري. ص 169.
    (3) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (4) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (5) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    علي الضباع (1) هو العلامة الشيخ علي بن محمَّد بن حسن بن إبراهيم الملقب بالضباع ولد في مصر ما بين عام 1300هـ وعام 1313هـ (2). [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم ولما يزل صغيراً، وانكب بعد ذلك في تلقي القراءات وعلوم القرآن من رسم وضبط وعد الآى وفنون التجويد ودرس واطلع كثيراً من كتب المتولي حتى أصبح بحراً في العلم لا يزال يفيض وكتب في كل ما له صلة بالقرآن، فأحسن وأجاد وأفاد. وعين عضواً لمراجعة المصحف الشريف، وولي مشيخة عموم المقارئ والإقراء بالديار المصرية. [شيوخه] 1 - الشيخ أحمد بن محمَّد بن منصور السكري، قرأ المترجم عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم. 2 - الشيخ حسن بن يحيى الكتبي. 3 - الشيخ عبد الرحمن بن حسين الخطيب الشعار. تلقى عنهما القراءات السبع والعشر الصغرى والكبرى وعلم الرسم والضبط وعد الآى وغيرها من علوم القرآن. [تلاميذه] 1 - الشيخ أحمد حامد التيجي. 2 - الشيخ إبراهيم عوض عطوه. 3 - الشيخ عبد العزيز عيون السود. ثلاثتهم تلقوا عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة وعلوم القرآن والقراءات. 4 - الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات (3) قرأ عليه القراءات الشاذة. 5 - الشيخ محمود خليل الحصري (4) [مؤلفاته] لقد ألف المترجم أكثر من سبعين مؤلفاً، كثير منها ما يخص بالقرآن والقراءات: وهي: 1 - إرشاد المريد إلى مقصود القصيد. 2 - إنشاء الشريد من معاني القصيد. 3 - البهجة المرضية شرح الدرة المضية. 4 - الأقوال المعربة عن مقاصد الطيبة. 5 - قطف الزهو من ناظمة الزهر في علم الفواصل. 6 - إرشاد الإخوان إلى شرح مورد الظمآن. 7 - الفوائد المدخرة شرح الفوائد المعتبرة في قراءات الأربعة الذين بعد العشرة. 8 - هداية المريد إلى رواية أبي سعيد. 9 - الجوهر المكنون شرح رواية قالون، وهو من نظمه وشرحه. 10 - المطلوب في بيان الكلمات المختلف فيها عن أبي يعقوب. 11 - صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص. 12 - تذكرة الإخوان في أحكام رواية حفص بن سليمان. 13 - الفرائد المرتبة على الفوائد المهذبة في بيان خلف حفص من طريق الطيبة، وهو من نظمه وشرحه. 14 - القول الأصدق في بيان ما خالف فيه الأصبهاني الأزرق عن ورش. 15 - فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن. 16 - الإضاءة في بيان أصول القراءة بالنسبة للقراء العشرة. 17 - الشرح الصغير على تحفة الأطفال. 18 - أقرب الأقوال على فتح الأقفال. 19 - بلوغ الأمنية شرح إتحاف البرية في تحرير الشاطبية. 20 - الدر النظيم شرح فتح الكريم في تحرير الطيبة. 21 - البدر المنير في قراءة ابن كثير. 22 - إتحاف المريد بشرح فتح المجيد في قراءة حمزة من طريق القصيد. 23 - نور العصر في تاريخ رجال النشر. 24 - الدرر الفاخرة في أسانيد القراءة المتواترة. 25 - الشرح الكبير لتحفة الأطفال، المسمى "بمنحة ذي الجلال في شرح تحفة الأطفال". 26 - سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المبين. 27 - شرح رسالة قالون. قلت وله غيرها من المؤلفات منها: (5) 28 - إتحاف البررة بالمتون العشرة. 29 - القول المعتبر في الأوجه التي بين السور. 30 - تقريب النفع في القراءات السبع. 31 - النور الساطع في قراءة الإِمام نافع. 32 - أسرار المطلوب. [وفاته] توفي - رحمه الله - في مصر في نحو عام 1376 هـ ستة وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 236 - 240)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: أفادنى بأجزاء من هذه الترجمة فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، وانظر كذلك "هداية القارئ إلى تجويد كلام البارى" ج 2 ص 680، وكتاب، تذكرة الإخوان بأحكام رواية الإِمام حفص بن سليمان" ص44. (2)قال المؤلف: يقول الشيخ الضباع: كنت غلاماً لا أزال أحفظ القرآن الكريم، وكان المتولي شيخاً للمقاري آنذاك، وفي أواخر حياته، كانت وصيته لابن أخته أو صهره الشيخ حسن بن يحيى الكتبي حيث قال: اعتني بتحفيظ هذا الغلام القرآن الكريم وعلمه القراءات، وحَول إليه كُتبي بعد مماتي. يقول الشيخ الضياع: فكأن الشيخ كان يعلم أن هذا الغلام سيتحمل في مستقبل أيامه تبعات مشيخة المقارئ، ويصير من خادمى القرآن الكريم، والحاملين لعلم قراءاته -مع أن الشيخ كان ضريراً- والأولى بأخذ الكتب صهره الكُتبي لأنه كان من علماء القراءات، حيث قرأ السبع على المتولي، ولكن فراسة الشيخ جعلته يحصرها في هذا الغلام وهو المترجم. فتبين لنا أن الضباع من هذه الحادثة كان عمره ما بين السبعة والثالث عشر -حيث إن سن الغلام ما بينهما- والمتولي توفي عام 1313 هـ، فيحتمل أن تكون ولادة المترجم ما ذكرناه, والله أعلم. (من إملاء فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، حفظه الله ونفع بن المسلمين) الجمعة ليلة السبت 19/ 6/ 1419 هـ. وانظر الحاشية من كتاب: فتح المعطي وغنية المقري. ص 169. (3) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (4) قال المؤلف: كما أخبرني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (5) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    0
  • عبد العزيز عيون السود (1)

    هو الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمَّد علي بن الشيخ عبد الغنى عيون السود.
    ولد في حمص عام 1916 م ستة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد (2)

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم، وتلقى القراءات السبع والعشر والأربعة الشواذ وعلم الرسم والضبط وعد الآي علي كبار علماء القراءات في عصره، داخل وخارج بلاده، كما تلقى العلوم الأخرى، مثل الحديث الشريف وعلومه، والعلوم الشرعية والعربية.
    تولى مشيخ دور الإقراء بحمص وأمانة دار الإفتاء بها.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ سليمان الفارسكوري المصري، أخذ عنه القراءات السبع بمضمن الشاطبية.
    2 - الشيخ محمَّد سليم الحلواني، شيخ القراء بدمشق الشام في وقته، قرأ عليه القراءات العشر بمضمن الشاطبية والدرة.
    3 - الشيخ عبد القادر قويدر العربيني، قرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر.
    4 - الشيخ أحمد حامد التيجي شيخ القراء والإقراء بمكة المشرفة، قرأ عليه القراءات الأربع عشرة
    5 - العلامة الشيخ علي بن محمَّد الضباع، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وناظمة الزهر في الفواصل، وعقيلة أتراب القصائد في الرسم والمقدمة الجزرية وغيرها.
    6 - والده الشيخ محمَّد علي عيون السود.
    7 - الشيخ عبد الغفار عيون السود.
    8 - الشيخ عبد القادر الخوجة.
    9 - الشيخ النعيم النعيمي المحدث.

    [تلاميذه]
    1 - الشيخ محمَّد تميم الزعبي، تلقى عنه القراءات العشر من طريق الطيبة.
    2 - الشيخ المحدث النعيم النعيمي، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وغيرها.
    3 - الشيخ عبد الغفار الدروبي، قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.
    4 - الشيخ سعيد العبد الله المحمد، قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للعشر من طريق الدرة.
    قلت: وممن قرأ عليه أيضاً:
    5 - الشيخ أيمن رشدي سويد (3)
    قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة، ثم قرأ ختمة كاملة تدريباً علي القراءات العشر من طريق طيبة النشر بالإفراد، ثم ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الطيبة جمعاً.
    كما تلقى عنه منظومة المقدمة الجزرية والشاطبية والدرة والطيبة وغيرها من رسم وضبط وفقه ... الخ.
    6 - الشيخ محمَّد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز عيون السود (4).
    قرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.
    7 - الشيخ أبو الحسن محيي الدين الكردى (5).
    قرأ عليه القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأصبهاني بطيبة النشر.
    8 - الشيخ محمَّد خالد الأشقر المعروف بالغجري.
    قرأ عليه القرآن ختمة بالقراءات السبع من الشاطبية (6).
    وممن قرأ عليه بعض القراءات السبع هم: (7)
    9 - الشيخ أحمد اليافي.
    10 - الشيخ علي قزُّو.
    11 - خالد التركماني.
    12 - الشيخ محمود مندو.
    13 - الشيخ عبد الرحمن مندو.
    14 - الشيخ نصوح شمس باشا.
    15 - الشيخ محمَّد علي المصري الحلبي.
    16 - الشيخ مروان سوار.
    وهذا الأخير قرأ عليه القراءات العشر من طريق الطيبة.
    وأخبرني الأخ الشيخ خالد لطيف الجهني، الموظف بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وفضيلة الدكتور الشيخ أيمن رشدى سويد بأن:
    17 - الشيخ مبشر ابن المترجم، قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من الشاطبية.

    [مؤلفاته]
    1 - النفس المطمئنة في كيفية إخفاء اسم الساكنة.
    2 - رسالة في أحكام بعد البيوع والمكاييل والأوزان الشرعية.
    قلت: ومن مؤلفاته أيضاً (8).
    4 - منظومة تلخيص صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص.
    5 - منظومة اختصار القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق.

    [وفاته]
    وبعد حياة حافلة مليئة بخدمة كتاب الله تعالى وتقديم العلم للمسلمين توضأ المترجم وبدأ في صلاة التهجد كعادته، وتوفى في أثناء الصلاة وهو ساجد في ليلة السبت 13/ 2/ 1399هـ الثالث عشر من شهر صفر الخير عام تسعة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة عن عمر قارب الثلاثة والستين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة وأورده موارد الأبرار.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 181 - 185)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأحال المؤلف في الترجمة إلى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" جـ2 ص 656.
    (2) قال المؤلف: وأخبرني فضيلة المقرئ الشيخ محمَّد تميم الزعبي أنه ولد عام 1917م سبعة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق ليلة الخميس من شهر جمادى الأولى عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    (3) قال المؤلف: أخبرني بذلك الشيخ أيمن سويد نفسه.
    (4) انظر مقدمة كتاب: التغريد في علم التجويد.
    (5) قال المؤلف: أفادني بذلك الشيخ محمَّد تميم الزعبى والشيخ أسامة حجازى - رحمه الله - وانظر كتاب: فضائل القرآن وحملته وبيان الأحرف السبعة والقراءة بها 78.
    (6) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي.
    (7) أداب القرآن وحملته. ص 76.
    (8) قال المؤلف: أخبرني بذلك فضيلة الشيخ أيمن رشدي سويد كتابةً.
    عبد العزيز عيون السود (1) هو الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمَّد علي بن الشيخ عبد الغنى عيون السود. ولد في حمص عام 1916 م ستة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد (2) [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم، وتلقى القراءات السبع والعشر والأربعة الشواذ وعلم الرسم والضبط وعد الآي علي كبار علماء القراءات في عصره، داخل وخارج بلاده، كما تلقى العلوم الأخرى، مثل الحديث الشريف وعلومه، والعلوم الشرعية والعربية. تولى مشيخ دور الإقراء بحمص وأمانة دار الإفتاء بها. [شيوخه] 1 - الشيخ سليمان الفارسكوري المصري، أخذ عنه القراءات السبع بمضمن الشاطبية. 2 - الشيخ محمَّد سليم الحلواني، شيخ القراء بدمشق الشام في وقته، قرأ عليه القراءات العشر بمضمن الشاطبية والدرة. 3 - الشيخ عبد القادر قويدر العربيني، قرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر. 4 - الشيخ أحمد حامد التيجي شيخ القراء والإقراء بمكة المشرفة، قرأ عليه القراءات الأربع عشرة 5 - العلامة الشيخ علي بن محمَّد الضباع، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وناظمة الزهر في الفواصل، وعقيلة أتراب القصائد في الرسم والمقدمة الجزرية وغيرها. 6 - والده الشيخ محمَّد علي عيون السود. 7 - الشيخ عبد الغفار عيون السود. 8 - الشيخ عبد القادر الخوجة. 9 - الشيخ النعيم النعيمي المحدث. [تلاميذه] 1 - الشيخ محمَّد تميم الزعبي، تلقى عنه القراءات العشر من طريق الطيبة. 2 - الشيخ المحدث النعيم النعيمي، تلقى عنه القراءات الأربع عشرة وغيرها. 3 - الشيخ عبد الغفار الدروبي، قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة. 4 - الشيخ سعيد العبد الله المحمد، قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للعشر من طريق الدرة. قلت: وممن قرأ عليه أيضاً: 5 - الشيخ أيمن رشدي سويد (3) قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من طريق الطيبة، ثم قرأ ختمة كاملة تدريباً علي القراءات العشر من طريق طيبة النشر بالإفراد، ثم ختمة كاملة بالقراءات العشر من طريق الطيبة جمعاً. كما تلقى عنه منظومة المقدمة الجزرية والشاطبية والدرة والطيبة وغيرها من رسم وضبط وفقه ... الخ. 6 - الشيخ محمَّد عبد الرحمن بن الشيخ عبد العزيز عيون السود (4). قرأ عليه القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية. 7 - الشيخ أبو الحسن محيي الدين الكردى (5). قرأ عليه القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأصبهاني بطيبة النشر. 8 - الشيخ محمَّد خالد الأشقر المعروف بالغجري. قرأ عليه القرآن ختمة بالقراءات السبع من الشاطبية (6). وممن قرأ عليه بعض القراءات السبع هم: (7) 9 - الشيخ أحمد اليافي. 10 - الشيخ علي قزُّو. 11 - خالد التركماني. 12 - الشيخ محمود مندو. 13 - الشيخ عبد الرحمن مندو. 14 - الشيخ نصوح شمس باشا. 15 - الشيخ محمَّد علي المصري الحلبي. 16 - الشيخ مروان سوار. وهذا الأخير قرأ عليه القراءات العشر من طريق الطيبة. وأخبرني الأخ الشيخ خالد لطيف الجهني، الموظف بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وفضيلة الدكتور الشيخ أيمن رشدى سويد بأن: 17 - الشيخ مبشر ابن المترجم، قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً برواية حفص عن عاصم من الشاطبية. [مؤلفاته] 1 - النفس المطمئنة في كيفية إخفاء اسم الساكنة. 2 - رسالة في أحكام بعد البيوع والمكاييل والأوزان الشرعية. قلت: ومن مؤلفاته أيضاً (8). 4 - منظومة تلخيص صريح النص في الكلمات المختلف فيها عن حفص. 5 - منظومة اختصار القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق. [وفاته] وبعد حياة حافلة مليئة بخدمة كتاب الله تعالى وتقديم العلم للمسلمين توضأ المترجم وبدأ في صلاة التهجد كعادته، وتوفى في أثناء الصلاة وهو ساجد في ليلة السبت 13/ 2/ 1399هـ الثالث عشر من شهر صفر الخير عام تسعة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة عن عمر قارب الثلاثة والستين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة وأورده موارد الأبرار. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 181 - 185)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأحال المؤلف في الترجمة إلى "هداية القاري إلى تجويد كلام الباري" جـ2 ص 656. (2) قال المؤلف: وأخبرني فضيلة المقرئ الشيخ محمَّد تميم الزعبي أنه ولد عام 1917م سبعة عشر وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق ليلة الخميس من شهر جمادى الأولى عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة. (3) قال المؤلف: أخبرني بذلك الشيخ أيمن سويد نفسه. (4) انظر مقدمة كتاب: التغريد في علم التجويد. (5) قال المؤلف: أفادني بذلك الشيخ محمَّد تميم الزعبى والشيخ أسامة حجازى - رحمه الله - وانظر كتاب: فضائل القرآن وحملته وبيان الأحرف السبعة والقراءة بها 78. (6) قال المؤلف: أفادني بذلك فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي. (7) أداب القرآن وحملته. ص 76. (8) قال المؤلف: أخبرني بذلك فضيلة الشيخ أيمن رشدي سويد كتابةً.
    1
    0
  • عبد الباسط عبد الصمد (1)

    هو الشيخ المشهور عبد الباسط بن محمَّد عبد الصمد.
    ولد في قرية "أرمنت" بمحافظة قنا بصعيد مصر، في عام 1927 م سبعة وعشرين وتسعمائة وألف من الميلاد.

    [حياته العلمية]
    حفظ القرآن الكريم وعمره 10 سنوات، بكُتَّاب القرية، على يد الشيخ الأمير.
    ارتحل إلى "طنطا" والتحق بالمعهد الدينى فيها، وتعلم القراءات والتجويد والترتيل وظل يتعلم الأداء، حتى أصبح من أشهر قراء مصر صوتاً وأداءاً، وأصبح يدعى للقراءة في المناسبات والحفلات، وما إلى ذلك.
    اختير للقراءة في الإذاعة علي الهواء مباشرة في صباح كل يوم.
    وعندما سافر إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، عام 1951م إحدى وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد، طلب منه الأستاذ: إبراهيم الشورى مدير إذاعة جدة أن يسجل القرآن للإذاعة، تقبل الشيخ ذلك، وكان هذا أول تسجيل له بالإذاعة.
    قام بالقراءة في الحرم المكي الشريف، والحرم النبوى الشريف، وفي الحرم الإبراهيمي في الخليل، والمجسد الأقصى الشريف.
    قام بقراءة القرآن في كثير من الدول العربية والإِسلامية والأوربية وأمريكا الشمالية، وهكذا.

    [شيوخه]
    1 - الشيخ سليم حمادة.
    2 - الشيخ سعودي، وهو الذي كان له الدور الكبير في تشجيعه على القراءة، حيث تلقى عنه علوم القراءات وفنون التجويد.
    3 - الشيخ علي محمَّد الضباع.

    [وفاته]
    توفي - رحمه الله - في 30/ 11/ 1988 م الثلاثين من شهر نوفمبر عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف من الميلاد.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 150-151)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: بتصرف من كتاب: "أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث" من ص:112 - 119.
    عبد الباسط عبد الصمد (1) هو الشيخ المشهور عبد الباسط بن محمَّد عبد الصمد. ولد في قرية "أرمنت" بمحافظة قنا بصعيد مصر، في عام 1927 م سبعة وعشرين وتسعمائة وألف من الميلاد. [حياته العلمية] حفظ القرآن الكريم وعمره 10 سنوات، بكُتَّاب القرية، على يد الشيخ الأمير. ارتحل إلى "طنطا" والتحق بالمعهد الدينى فيها، وتعلم القراءات والتجويد والترتيل وظل يتعلم الأداء، حتى أصبح من أشهر قراء مصر صوتاً وأداءاً، وأصبح يدعى للقراءة في المناسبات والحفلات، وما إلى ذلك. اختير للقراءة في الإذاعة علي الهواء مباشرة في صباح كل يوم. وعندما سافر إلى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، عام 1951م إحدى وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد، طلب منه الأستاذ: إبراهيم الشورى مدير إذاعة جدة أن يسجل القرآن للإذاعة، تقبل الشيخ ذلك، وكان هذا أول تسجيل له بالإذاعة. قام بالقراءة في الحرم المكي الشريف، والحرم النبوى الشريف، وفي الحرم الإبراهيمي في الخليل، والمجسد الأقصى الشريف. قام بقراءة القرآن في كثير من الدول العربية والإِسلامية والأوربية وأمريكا الشمالية، وهكذا. [شيوخه] 1 - الشيخ سليم حمادة. 2 - الشيخ سعودي، وهو الذي كان له الدور الكبير في تشجيعه على القراءة، حيث تلقى عنه علوم القراءات وفنون التجويد. 3 - الشيخ علي محمَّد الضباع. [وفاته] توفي - رحمه الله - في 30/ 11/ 1988 م الثلاثين من شهر نوفمبر عام ثمانية وثمانين وتسعمائة وألف من الميلاد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 150-151)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: بتصرف من كتاب: "أشهر من قرأ القرآن في العصر الحديث" من ص:112 - 119.
    1
  • أحمد التيجي (1)

    هو العلامة المقرئ الشهير السيد أحمد بن حامد بن عبد الرزاق بن عَشْري ابن عبد الرزاق الحسيني التيجي المصري الريدي.
    ولد في أبى تيج بجمهورية مصر العربية، في شهر ذى الحجة عام 1285هـ خمسة وثمانين ومائتين وألف من الهجرة.

    [حياته العلمية]
    اعتنى بحفظ القرآن الكريم وتجويده وقراءته، فقرأ منظومة الشاطبية والدرة، وقرأ القراءات العشر بمضمن الشاطبية، والدرة، ثم جد واجتهد وحفظ منظومة طيبة النشر ثم قرأ القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة، وتعلم القراءات الشاذة.
    قام برحلات علمية عديدة فارتحل إلى الحجاز عام 1316هـ ستة عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة، وأقام بالمدينة عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم ارتحل إلى حلب، ومنها ارتحل إلى مكة وعين مدرساً بمدرسة الفلاح في شعبة حفظ القرآن الكريم فانتفع منه خلق كثير.
    وظل مدرساً بها إلى أن توفي رحمه الله.

    [شيوخه]
    1 - السيد أحمد زكوة التيجي.
    2 - والده السيد حامد التيجي، حفظ عليهما القرآن الكريم.
    3 - الشيخ محمَّد سابق، أخذ عنه القراءات السبع من طريق الشاطبية في الإسكندرية ولم يكمل، حيث قرأ عليه القرآن إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. [الأنعام:161]، وأعاقه عن إتمام الختمة، موت الشيخ سابق عام 1312 هـ اثنتى عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة.
    4 - الشيخ عبد العزيز علي كحيل -شيخ القراء- أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأجازه في ذلك شفهياً وكتابةً.
    5 - الشيخ على محمَّد الضباع، شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية في وقته أخذ عنه القراءات العشر من طريق الطيبة عام، 1344 هـ أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم أخذ عنه القراءات الأربعة المتممة للأربعة عشر عام 1345هـ خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة وأجازه في جميع ذلك شفهياً وكتابةً.

    [تلاميذه]
    1 - أبو بكر أحمد بن حسين بن محمَّد الحبشي القاضي بمكة المكرمة. قرأ عليه القرآن الكريم ختمة كاملة بقراءة الإِمام عاصم بروايتي أبى بكر شعبة وحفص، وختمة أخرى بقراءة ابن كثير بروايتي البزي وقنبل.
    2 - الشيخ عبد الفتاح بن عبد الرحيم مُلاَّ محمود الآقُّورغانى (2).
    قرأ عليه القرآن الكريم عرضاً وسماعاً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية.
    3 - الشيخ عبد العزيز محمَّد عيون السود (3) أخذ عنه القراءات الأربع عشر.
    4 - زيني بويان.
    5 - محمد حسين عبيد.
    6 - الشيخ محمَّد عبد الله الكحيلي.
    7 - الشيخ أحمد حجازي أربعتهم (4) تلقوا عنه القراءات السبع من الشاطبية.

    [وفاته](5)
    ظل الشيخ في مكة المكرمه مدرسًا في مدارس الفلاح حتى وافاه الأجل المحتوم بداره في محلة أجياد ليلة الأربعاء ثاني شهر محرم سنة (1368هـ)، وشيعت جنازته ضحوة يوم الأربعاء في جمع عظيم، وصلي عليه بالمسجد الحرام، ودفن بالمعلاة رحمه الله تعالى.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 21-23)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأشار المؤلف إلى مرجع الترجمة كتاب "الدليل المشير" ص 31، وكتاب: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 333.
    (2) قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "قواعد التجويد" ص 24
    (3) قال المؤلف: انظر ملحق الأعلام في كتاب "هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري" ص 664.
    (4) قال المؤلف: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 352.
    (5) إضافة فريق المحتوى في شبكة التواصل القرآنية (آي نت).
    أحمد التيجي (1) هو العلامة المقرئ الشهير السيد أحمد بن حامد بن عبد الرزاق بن عَشْري ابن عبد الرزاق الحسيني التيجي المصري الريدي. ولد في أبى تيج بجمهورية مصر العربية، في شهر ذى الحجة عام 1285هـ خمسة وثمانين ومائتين وألف من الهجرة. [حياته العلمية] اعتنى بحفظ القرآن الكريم وتجويده وقراءته، فقرأ منظومة الشاطبية والدرة، وقرأ القراءات العشر بمضمن الشاطبية، والدرة، ثم جد واجتهد وحفظ منظومة طيبة النشر ثم قرأ القرآن الكريم بالقراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة، وتعلم القراءات الشاذة. قام برحلات علمية عديدة فارتحل إلى الحجاز عام 1316هـ ستة عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة، وأقام بالمدينة عام 1335هـ خمسة وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم ارتحل إلى حلب، ومنها ارتحل إلى مكة وعين مدرساً بمدرسة الفلاح في شعبة حفظ القرآن الكريم فانتفع منه خلق كثير. وظل مدرساً بها إلى أن توفي رحمه الله. [شيوخه] 1 - السيد أحمد زكوة التيجي. 2 - والده السيد حامد التيجي، حفظ عليهما القرآن الكريم. 3 - الشيخ محمَّد سابق، أخذ عنه القراءات السبع من طريق الشاطبية في الإسكندرية ولم يكمل، حيث قرأ عليه القرآن إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. [الأنعام:161]، وأعاقه عن إتمام الختمة، موت الشيخ سابق عام 1312 هـ اثنتى عشر وثلاثمائة وألف من الهجرة. 4 - الشيخ عبد العزيز علي كحيل -شيخ القراء- أخذ عنه القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة وأجازه في ذلك شفهياً وكتابةً. 5 - الشيخ على محمَّد الضباع، شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية في وقته أخذ عنه القراءات العشر من طريق الطيبة عام، 1344 هـ أربعة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة، ثم أخذ عنه القراءات الأربعة المتممة للأربعة عشر عام 1345هـ خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة وأجازه في جميع ذلك شفهياً وكتابةً. [تلاميذه] 1 - أبو بكر أحمد بن حسين بن محمَّد الحبشي القاضي بمكة المكرمة. قرأ عليه القرآن الكريم ختمة كاملة بقراءة الإِمام عاصم بروايتي أبى بكر شعبة وحفص، وختمة أخرى بقراءة ابن كثير بروايتي البزي وقنبل. 2 - الشيخ عبد الفتاح بن عبد الرحيم مُلاَّ محمود الآقُّورغانى (2). قرأ عليه القرآن الكريم عرضاً وسماعاً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية. 3 - الشيخ عبد العزيز محمَّد عيون السود (3) أخذ عنه القراءات الأربع عشر. 4 - زيني بويان. 5 - محمد حسين عبيد. 6 - الشيخ محمَّد عبد الله الكحيلي. 7 - الشيخ أحمد حجازي أربعتهم (4) تلقوا عنه القراءات السبع من الشاطبية. [وفاته](5) ظل الشيخ في مكة المكرمه مدرسًا في مدارس الفلاح حتى وافاه الأجل المحتوم بداره في محلة أجياد ليلة الأربعاء ثاني شهر محرم سنة (1368هـ)، وشيعت جنازته ضحوة يوم الأربعاء في جمع عظيم، وصلي عليه بالمسجد الحرام، ودفن بالمعلاة رحمه الله تعالى. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 21-23)، تأليف: د. إلياس البرماوي، وأشار المؤلف إلى مرجع الترجمة كتاب "الدليل المشير" ص 31، وكتاب: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 333. (2) قال المؤلف: انظر مقدمة كتاب "قواعد التجويد" ص 24 (3) قال المؤلف: انظر ملحق الأعلام في كتاب "هداية القارئ إلى تجويد كلام الباري" ص 664. (4) قال المؤلف: "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي" ص 352. (5) إضافة فريق المحتوى في شبكة التواصل القرآنية (آي نت).
    0