ترجمة معاني القرآن الكريم بين الواقع والمأمول .. مقارنة كمية ونوعية بين ترجمات معاني القرآن الكريم وترجمات الإنجيل
تدوينات حديثة
  • مفاتيح فهم القرآن.. https://www.aaynet.com/blogs/12996/%D9%85%D9%81%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AD-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-Keys-to-understanding-the-Qur-an
    مفاتيح فهم القرآن الكريم Keys to understanding the Qur’an
    Keys to understanding the Qur’an [1]   الكاتب / د. وليد بن بليهش العمري   The Qur’an is, the inimitable, verbatim Word of God, revealed to Prophet Muhammad (ﷺ) as an ever-lasting miracle, ever-present to guide those who seek the Truth and the way to felicity in this life...
    WWW.AAYNET.COM
    0
  • (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 4 الأخير)


    تكملة البحث ...

    حتى الآن لم نتحدث إلا عن الترجمات التي تمت في الجانب الأوربي فقط، ولم نذكر تلك التي تمت في دار الإسلام، وباستثناء ماركو الطليطلي، سعى جميع المترجمين في طلب مساعدة مسلم لتخطي الصعوبات في فهم النص العربي، وفي القرن السابع عشر نلتقي أول المترجمين الذين كانت لهم معرفة مباشرة بالشرق المسلم، حيث تمكنوا من التعرف على الإسلام، ونمثل على هذا بأندريه دو رير (André du Ryer)، الذي عمل قنصلاً في الهلال الخصيب (Levant) قبل العودة لفرنسا ونشر ترجمته عام 1647م، وتبيِّن الترجمة معرفته بقدر ما بالتفاسير القرآنية المشهورة، إذ يمكننا استشفاف ذلك من تعامله مع ترجمة الأحرف المقطعة في بدايات بعض السور (60). والفرانسيسكاني جرمين السيليسيالي (Germain of Silesia)، وهو مُعِدُّ ترجمة مخطوطة لم أتمكن من دراستها، كان مبعوثاً بابوياً سامياً في منطقة آسيا الوسطى (Great Tartary)، وبقي في إصفهان، وقم، ومشهد في قرابة منتصف القرن السابع عشر، ولذا كانت فرصته أكبر في التعمق في دراسة تفسير القرآن على نحو أوسع (61)، وبدون شك فإن التفاسير ذات فائدة مباشرة في عمل الترجمة، فالمعاجم لم تكن متطورة على قدر مغنٍ، إذ إن أولها وهو معجم فرانسيس فان رافيلينقن (Francis van Ravelinghen) المعروف بالمعجم الرافيلينقويسي (Lexicon Raphelenguis) نشر بليدن (Leyden) عام 1613م. وآخر الأعمال التي أود ذكرها هي ترجمة قام بها لودوفيكو مراتشي (Ludovico Marracci) ونشرت ببادوا (Padua) عام 1698م(62)، وتتميز بوجود النص العربي مقابل الترجمة، وهذا وجه شبه مع إخراج ترجمة إيكيديو الفيتربي، كما اشتملت على عدة نقدية (apparatus criticus) قام إنزاكيو كيدي (Inzagio Guidi) بفهرستها (63)، ومراتشي لم يخرج من إيطاليا قط، ولكن لاشك في أنه عرف كيف يستفيد من وجود نصارى في روما كانوا عاشوا في العالم العربي، واستفاد منهم في حل بعض الإشكالات التي واجهته.
    وهذا العرض المختصر لظروف وطرق العمل التي اتبعها مترجمو القرآن الغربيون الأوائل يُمكِّنُنا من استنتاج بعض الملامح البارزة، فطريقة الترجمة التي اتبعت في إسبانيا من قِبَل الفريق الذي جمعه بطرس المبجل معروفة، وهي على قدر ما الطريقة نفسها التي استخدمها يوحنى الشقوبي وإيكيديو الفيتربي، وتلخصت في الاعتماد على مهارات أولئك الذي يعرفون القرآن على نحو أفضل، ومشاركات المسلمين في هذه المشاريع تارة مباشرة كمترجمين، وتارة غير مباشرة كونهم مصادر استشارة مُطَّلِعة، تستحق أن يؤكدَّ عليها. ولهذا صارت اللغات العامية معابر بين اللغات، ومن المثير للاهتمام أن نعلم التاريخ المبكر جداً لتداول ترجمات إسبانية للقرآن قام بها المسلمون، فقد يكون لها دور في الترجمات التي أعدت فيما بعد في إسبانيا النصرانية، وإذا ما أخذنا هذا في الاعتبار فإننا نقف مذهولين أمام حقيقة أن ترجمة ماركو الطليطلي -وهي ترجمة معدة كلمة بكلمة- تلتزم المبدأ الذي سارت عليه ترجمات المسلمين، التي كانت ذات أغراض شخصية ، وفعلاً حاول يوحنى الشقوبي في القرن الخامس عشر الحصول على ترجمة إسبانية صحيحة للقرآن للإفادة منها في مشروعه، ولكنه جوبه بمعارضة من المسلمين فكيف يسلمون نصهم الموحى إلى نصراني .
    وفي المقابل، فإن مترجمي اليوم يعملون منفردين، ولكن الظروف المغايرة لعصرهم تسمح لهم بالسفر لتعلم صنعتهم، وحتى بهذا فمن الخطأ التقليل من أهمية الدوائر الاستشراقية التي نشأت وتطورت في أوروبا في تلك الحقب، فهي تمنحنا الفرصة لمقارنة التجارب المختلفة والإفادة من مهارات محددة، فدورير ومراتشي وجرمين السيليسيالي ربما تمكنوا من الإفادة منها، وسواء أصح هذا الأمر أم لا فإنه من المفيد الخروج بنتيجة مفادها أنه للقيام بهذه المهمة الصعبة وهي ترجمة القرآن فطن المترجمون من وقت مبكر جداً أن المزج بين وجهات النظر المختلفة كان مهماً جداً .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (60) In the 1770 edition, see for example Vol. 2, p. 239 (Surah XXVI) or 274 (Surah XXX).

    (61) M. Devic, ‘Une traduction inédite du Coran’ [ترجمة غير منشورة للقرآن], Journal Asiatique, 1883, pp. 353–5.

    (62) Alcorani textus universus ex correctioribus Arabum exemplaribus . . . descriptus . . . in latinum translatus, . . . auctore Ludovico Marracci [نص القرآن كاملاً مأخوذ من أفضل النسخ العربية، ومنقحر، ومترجم إلى اللاتينية بواسطة لودوفيكو مراتشي], 2 vol., Padua, 1698.

    (63) ‘Le fonti arabe manoscritte dell’opera di Ludovico Marracci sul Corano’ [المصادر العربية للمخطوطات لعمل لودوفيكو مراتشي في القرآن], Rendiconti, 1931, pp. 303–49.

    (64) وهذا ينطبق على الترجمات المحققة للشروط المذكورة في بداية هذا البحث، ومن جهة أخرى فإن مخطوطة باريس(BNF Arabic MS 447; see n. 37) تعطي ترجمة متوازية (interlinear) كاملة بالأسبانية للنص العربي. وينطبق هذا على الترجمات المرصودة في فصل "الأعجميات" في ببليوجرافيا مخطوطات ترجمات القرآن (انظر رقم 1).

    (65) Cabanelas, op. cit., p. 162.

    (66) قد يصح هذا المزج لوجهات النظر المختلفة في الترجمات الأوربية على مرحلة التحليل في الترجمة ولكنه لم يظهر في بنائها، فقد عكست هذه الترجمات كثيراً من العداء للإسلام. (المترجم).

    * مرفق:
    الصفحة الأولى من ترجمة دورير وهي الترجمة الأولى لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية
    وقد عنونها بـ «قرآن محمد» (المترجم).

    (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 4 الأخير) تكملة البحث ... حتى الآن لم نتحدث إلا عن الترجمات التي تمت في الجانب الأوربي فقط، ولم نذكر تلك التي تمت في دار الإسلام، وباستثناء ماركو الطليطلي، سعى جميع المترجمين في طلب مساعدة مسلم لتخطي الصعوبات في فهم النص العربي، وفي القرن السابع عشر نلتقي أول المترجمين الذين كانت لهم معرفة مباشرة بالشرق المسلم، حيث تمكنوا من التعرف على الإسلام، ونمثل على هذا بأندريه دو رير (André du Ryer)، الذي عمل قنصلاً في الهلال الخصيب (Levant) قبل العودة لفرنسا ونشر ترجمته عام 1647م، وتبيِّن الترجمة معرفته بقدر ما بالتفاسير القرآنية المشهورة، إذ يمكننا استشفاف ذلك من تعامله مع ترجمة الأحرف المقطعة في بدايات بعض السور (60). والفرانسيسكاني جرمين السيليسيالي (Germain of Silesia)، وهو مُعِدُّ ترجمة مخطوطة لم أتمكن من دراستها، كان مبعوثاً بابوياً سامياً في منطقة آسيا الوسطى (Great Tartary)، وبقي في إصفهان، وقم، ومشهد في قرابة منتصف القرن السابع عشر، ولذا كانت فرصته أكبر في التعمق في دراسة تفسير القرآن على نحو أوسع (61)، وبدون شك فإن التفاسير ذات فائدة مباشرة في عمل الترجمة، فالمعاجم لم تكن متطورة على قدر مغنٍ، إذ إن أولها وهو معجم فرانسيس فان رافيلينقن (Francis van Ravelinghen) المعروف بالمعجم الرافيلينقويسي (Lexicon Raphelenguis) نشر بليدن (Leyden) عام 1613م. وآخر الأعمال التي أود ذكرها هي ترجمة قام بها لودوفيكو مراتشي (Ludovico Marracci) ونشرت ببادوا (Padua) عام 1698م(62)، وتتميز بوجود النص العربي مقابل الترجمة، وهذا وجه شبه مع إخراج ترجمة إيكيديو الفيتربي، كما اشتملت على عدة نقدية (apparatus criticus) قام إنزاكيو كيدي (Inzagio Guidi) بفهرستها (63)، ومراتشي لم يخرج من إيطاليا قط، ولكن لاشك في أنه عرف كيف يستفيد من وجود نصارى في روما كانوا عاشوا في العالم العربي، واستفاد منهم في حل بعض الإشكالات التي واجهته. وهذا العرض المختصر لظروف وطرق العمل التي اتبعها مترجمو القرآن الغربيون الأوائل يُمكِّنُنا من استنتاج بعض الملامح البارزة، فطريقة الترجمة التي اتبعت في إسبانيا من قِبَل الفريق الذي جمعه بطرس المبجل معروفة، وهي على قدر ما الطريقة نفسها التي استخدمها يوحنى الشقوبي وإيكيديو الفيتربي، وتلخصت في الاعتماد على مهارات أولئك الذي يعرفون القرآن على نحو أفضل، ومشاركات المسلمين في هذه المشاريع تارة مباشرة كمترجمين، وتارة غير مباشرة كونهم مصادر استشارة مُطَّلِعة، تستحق أن يؤكدَّ عليها. ولهذا صارت اللغات العامية معابر بين اللغات، ومن المثير للاهتمام أن نعلم التاريخ المبكر جداً لتداول ترجمات إسبانية للقرآن قام بها المسلمون، فقد يكون لها دور في الترجمات التي أعدت فيما بعد في إسبانيا النصرانية، وإذا ما أخذنا هذا في الاعتبار فإننا نقف مذهولين أمام حقيقة أن ترجمة ماركو الطليطلي -وهي ترجمة معدة كلمة بكلمة- تلتزم المبدأ الذي سارت عليه ترجمات المسلمين، التي كانت ذات أغراض شخصية ، وفعلاً حاول يوحنى الشقوبي في القرن الخامس عشر الحصول على ترجمة إسبانية صحيحة للقرآن للإفادة منها في مشروعه، ولكنه جوبه بمعارضة من المسلمين فكيف يسلمون نصهم الموحى إلى نصراني . وفي المقابل، فإن مترجمي اليوم يعملون منفردين، ولكن الظروف المغايرة لعصرهم تسمح لهم بالسفر لتعلم صنعتهم، وحتى بهذا فمن الخطأ التقليل من أهمية الدوائر الاستشراقية التي نشأت وتطورت في أوروبا في تلك الحقب، فهي تمنحنا الفرصة لمقارنة التجارب المختلفة والإفادة من مهارات محددة، فدورير ومراتشي وجرمين السيليسيالي ربما تمكنوا من الإفادة منها، وسواء أصح هذا الأمر أم لا فإنه من المفيد الخروج بنتيجة مفادها أنه للقيام بهذه المهمة الصعبة وهي ترجمة القرآن فطن المترجمون من وقت مبكر جداً أن المزج بين وجهات النظر المختلفة كان مهماً جداً . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (60) In the 1770 edition, see for example Vol. 2, p. 239 (Surah XXVI) or 274 (Surah XXX). (61) M. Devic, ‘Une traduction inédite du Coran’ [ترجمة غير منشورة للقرآن], Journal Asiatique, 1883, pp. 353–5. (62) Alcorani textus universus ex correctioribus Arabum exemplaribus . . . descriptus . . . in latinum translatus, . . . auctore Ludovico Marracci [نص القرآن كاملاً مأخوذ من أفضل النسخ العربية، ومنقحر، ومترجم إلى اللاتينية بواسطة لودوفيكو مراتشي], 2 vol., Padua, 1698. (63) ‘Le fonti arabe manoscritte dell’opera di Ludovico Marracci sul Corano’ [المصادر العربية للمخطوطات لعمل لودوفيكو مراتشي في القرآن], Rendiconti, 1931, pp. 303–49. (64) وهذا ينطبق على الترجمات المحققة للشروط المذكورة في بداية هذا البحث، ومن جهة أخرى فإن مخطوطة باريس(BNF Arabic MS 447; see n. 37) تعطي ترجمة متوازية (interlinear) كاملة بالأسبانية للنص العربي. وينطبق هذا على الترجمات المرصودة في فصل "الأعجميات" في ببليوجرافيا مخطوطات ترجمات القرآن (انظر رقم 1). (65) Cabanelas, op. cit., p. 162. (66) قد يصح هذا المزج لوجهات النظر المختلفة في الترجمات الأوربية على مرحلة التحليل في الترجمة ولكنه لم يظهر في بنائها، فقد عكست هذه الترجمات كثيراً من العداء للإسلام. (المترجم). * مرفق: الصفحة الأولى من ترجمة دورير وهي الترجمة الأولى لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية وقد عنونها بـ «قرآن محمد» (المترجم).
    4
    0
  • (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 3)


    بواكير الترجمة:

    وطبيعي أن الأماكن التي كانت بؤراً للصدام بين الإسلام والنصرانية هي التي تم فيها التبادل الثقافي، وأدت إسبانيا دوراً مهماً في هذا، ففي بداية الفترة التي نُعنى ببحثها هنا، لما فيها من الميزات الأخرى من حضور مسلمين يمكنهم أن يتحدثوا اللغة الإسبانية، وعدد من رجال الدين النصارى المدفوعين برغبة في التعلم والفهم، وجاءت الترجمة الأولى للقرآن التي قام بها نصارى لفائدة النصارى الآخرين جزءاً من حركة أعم، قد تكون بدأت مبكرة في النصف الثاني من القرن العاشر، ولكن تم دعمها دعماً كبيراً بالاستيلاء على طليطلة عام 1085م، ووصل عدد من المفكرين إليها من أمثال رايموند (Raymond) الذي عمل أسقفاً فيها في الفترة من 1125 إلى 1152م، وخليفته يوحنى (John) (1152-1166م)، واستغل رجال الدين هؤلاء وجود متحدثي اللغة العربية من النصارى المعروفين بالمستعربين (Mozarabs) واليهود، إذ جعلوهم يعملون في الترجمة من اللغة العربية إلى الإسبانية، ومن ثم يقوم رجل دين بالترجمة من الإسبانية إلى اللاتينية. وبدأ بحث واسع عن النصوص العربية، سواء أكانت علمية أم فلسفية، وكان هذا بباعث من فضول حقيقي لمعرفة الآخر، وفي هذه الفترة نفسها، التي كانت تسودها روح الحملات الصليبية، و على نحو أعم بالرغبة في الصدامات العسكرية، وُجِدَ أفراد قادرون على أن ينحوا منحى آخر (34)، مثلت فيه ترجمة القرآن مرحلة لا يستغنى عنها، ولكن يجب أن نفهم بوضوح أنه لم يقل أحد [من هؤلاء] بمساءلة أفضلية النصرانية على الإسلام، فكان الغرض هو إعداد العدة لإقناع الآخر وتحويله على ما هم عليه، وتنصير المسلمين من أجل خلاصهم، وهذا يعني تحقيق الهدف نفسه بوسائل أخرى: الوسيلة الثقافية في مقابل السبل العسكرية.
    وإذا ما أغفلنا محاولة مبكرة لترجمة القرآن ترجمة جزئية تمت إبان عصر ألفونش الأرغوني الأول (Alfonso I of Aragon) (1104-1134م) (35)، فإن أول محاولة كبيرة هي التي بدأها مشرف دير كلني (Abbot of Cluny) الشهير ببطرس المبجّل (Peter the Venerable) (1094-1156م) (36)، ففي عام 1141م خلال رحلة قام بها إلى إسبانيا للاطمئنان على أتباع طريقة البندكتين الرهبانية (Benedictine order) في الأندلس، وخلال هذه الرحلة تكونت لديه قناعة بأهمية فهم المسلمين للتمكن من تنصيرهم، ورأى أنه يجب السماح لرجال الدين بالتعرف على دين المسلمين إذا ما أُريد لهم أن يتسلحوا بنقاش مقنع، وفي سياق الترجمة من اللغة العربية التي ذكرنا آنفاً، كان بطرس المبجل على ثقة من أنه سيجد أناساً مؤهلين لأداء مشروعه بنجاح، ونجح فعلاً في الوصول إلى عالمين وهما: الإنكليزي روبرت الكيتوني (Robert of Ketton)، وهرمان الدالماتي (Hermann the Dalmatian) أو الكارنيثي (Carnithian) الذي جاء إلى إسبانيا بحثاً عن كتاب المجسطي (Almagest) لبطليموس، وبإغرائهما نجح بطرس المبجل في استخدامهما، وتمكن علاوة على هذا من إضافة مسلم إلى الفريق، عُرف بـ "محمد"، وهذه إضافة ناجحة لأن لغة القرآن صعبة وعند المسلمين كتابات متخصصة فيها تشمل شروحاتٍ، وتفاسير، وهذه الكتابات لم تكن في متناول لا روبرت ولا هيرمان، والأبعد من هذا أنه في ذلك العصر لم تكن هناك معاجم كبيرة بل في أفضل الحالات شروحات صغيرة غير كافية، وكان من الأيسر الوصول إلى التفاسير وعن طريقها أمكن فهم ما أشكل من القرآن، ومما لا شك فيه فإن بطرس المبجل استخدم مسلماً لمساعدة المترجمين ليمكن التعامل مع هذه المشكلات.
    والمخطوطة المؤرخة عام 1162م المحفوظة في مكتبة أرسينال (Arsenal Library) هي بلا شك أصل الترجمة التي بدأها بطرس المبجل -كما تؤكد دي ألفرني (37)- والنتيجة تظهر حرص روبرت الكيتوني ومساعديه على التأكيد على ترابط النص ووضوحه، حتى على حساب إدخال مواد ليست في الأصل، وتفسير بعض المواطن المشكلة (38).
    وهذه الترجمة التي تشكل جزءاً من مجموع النصوص الإسلامية التي عرفت بمجموعة طليطلة (Corpus Toletanum)، أدت دوراً كبيراً في فهم أوروبا للإسلام، ليس في العصور الوسطى وحسب، بل وحتى في العصر الحديث (39). وبهيئة مقتبسات –خرجت أحياناً ضمن نصوص جدلية- نقلت هذه الترجمة إلى اللغات العامية (40)، ونشرت على نطاق واسع بعد ظهور الطباعة (41)، والأهم من هذا أنها حظيت بأن تكون الترجمة الكاملة الأولى التي قام بطابعتها ببلياندر –ورأت النور بمدينة بازل عام 1443م- رغم أنه تكبد كثيراً من مصاعب المعارضة من الجانب الفكري (الأيديولوجي) (42)، وأول ترجمة بلغة حديثة وهي التي قام بها أندريه أريفابين (Andrea Arrivanene) كانت في حقيقتها نسخة إيطالية لترجمة روبرت الكيتوني، على الرغم من مزاعم المترجم بأنها غير ذلك (43).
    الهزيمة النصرانية في الأرك (Alarcos) عام 1195م أعادت إشعال جذوة المحاولات النصرانية لمعاودة الهجوم، وكان لأسقف طليطلة ردريغو خيمينيس دي رادا (Rodrigo Jimenez de Rada) دوراً هاماً في هذه المرحلة، وكان هذا الرجل العظيم [؟] ومساعده رئيس الشمامسة موريس (Maurice) من طلب ترجمة ثانية إلى أحد المستعربين النصارى، يدعى ماركو الطليطلي (Marco de Toledo)، الذي انتهى من المهمة عام 1209 أو 1210م (44)، وتختلف ترجمته عن ترجمة روبرت الكيتوني بأمانتها الكبيرة للأصل، وقيل إنها: «تتبعَّت ترتيب الكلمات في اللغة العربية، مما جعلها تبدو غير مترابطة ومشوشة» (45)، وترجمة ماركو الطليطلي التي تُتلقى أمانتها اليوم بشيء من التقدير، لم تنجح كسابقتها في مجموعة طليطلة.
    ومما يؤسف له أن الترجمة التي قام بها يوحنى الشقوبي خلال الربع الثاني من القرن الخامس عشر فقدت (46)، ويوحنى الذي ربما كان يهودياً ثم تنصَّر، حاز على نسخة مكتوبة من القرآن، فوفقاً لفهرس مكتبته فإن النسخة كتبت: «بأحرف عربية قديمة جداً» (47)، وكان مقتنعاً بأن أصل المشكلة بين الإسلام والنصرانية هي قلة معرفة الآخر، مما هو واضح وجلي في كلا الجانبين، ورأى أن زمام المبادرة يجب أن يكون بيد النصارى [الذين رأى أنهم] أصحاب الحقيقة. وبعدما درس ترجمة روبرت الكيتوني دراسة نقدية خرج بنتيجة مفادها أنه يتعين عليه البدء من الصفر، ونعلم من مراسلاته الطريقة التي استفاد بها من المخطوطات، فنرى أنه اعتمد على نسخته الخاصة وعلى نسخة أخرى، ونسخة ثالثة تخص دار الرهبان الشحاذون (Mendicant Friars) بمدينة بازل، التي جلبها من أيتون (48)، ومما لا شك فيه، وهو اللغوي البارع، أنه أراد الحصول على أكبر قدر من المصادر، وأعلمه نيقولا الأكيس بوجود ثلاث نسخ أخرى: الأولى في بفاريا، والثانية في كولونيا، والثالثة في رورموند (Roermund) في لمبورغ (Limbourg) (49)، ومما يثير اهتمامي حول طريقة الشقوبي في الترجمة أنه استفاد من خبرة مختصص في الفقه من شقوبيا، وهو عيسى الجيدلي (Isâ Gidelli)، الذي جاء مع رفيق له مسلم، وقضى مدة أربعة أشهر في سافوي، نسخ فيها القرآن ومعه ترجمة إسبانية. وعلَّني أستطرد قليلاً هنا، بالتأكيد على القدر الذي سهل به عمل المترجم بتوافر الترجمات الإسبانية التي قام بها المورسكيون لأغراضهم الشخصية. وبقي من هذه الترجمات عدد منها: أولها نسخة لمقتطفات، موجودة الآن في المكتبة الوطنية الفرنسية، وقد نسخت في سالونيكا عام 1569م وقام بها شخص يدعى إبراهيم إسكويردو (Ibrâhim Isquierdo) (50)، وثانيها نسخة كاملة تعود لتاريخ 1606م، وهي جزء من مجموعة طليطلة اليوم (51)، والأخيرة تنتمي للأعجميات (aljamiados)، وهي نسخ استخدم فيها الحرف العربي لنقحرة إحدى اللغات المحلية في الأندلس، ويظهر أن أقدم نسخ هذه المجموعة تعود للقرن الخامس عشر (52). وفيما يخص ترجمة يوحنى الشقوبي اللاتينية فقد خرجت باللون الأحمر متوازية مع ترجمة إسبانية، وجاء النص العربي في الصفحة المقابلة، والعلاقة بين هذه النسخ فيما يخص أحذ بعضها عن بعض واضحة على قدر مطمئن، إلا أنه في تلك الأثناء كانت إسبانيا على وشك أن تُسترد بكاملها، واستعمل العلم باللغة العربية أداةً في تنصير المورسكيين (53)، وكان هذا هو الغرض المحدد لعمل بدرو الألكالي (Pedro de Alcalà) الذي نشر عام 1505م معجماً عربياً، وإن كان للهجة عربية بعيدة كل البعد عن لغة القرآن (54).
    والمرحلة القادمة من القصة تأخذنا إلى إيطاليا وفرنسا، ليس ببعيد عن عمل يوحنى الشقوبي من حيث المدة، وفي ظروف مشابهة خرجت ترجمة لاتينية أخرى في إيطاليا برعاية من إيكيديو الفيتربي (Egidio da Viterbo) (عاش حوالي 1465-1532) (55). وتظهر كل صفحة في أربعة أعمدة تحتوي على: النص العربي، ونقحرته بالحرف اللاتيني، وترجمة لاتينية، وتعليقات، وقام بهذا العمل شخص يدعى جيوفاني كابرييللي التيروالي (Giovanni Gabriele de Terolla)، الذي أكمل العمل عام 1518م، والشخصية المعروفة، ليون الإفريقي (Leo Africanus) كانت له علاقة بهذا العمل إذ عمل محرراً مصححاً له، وهو مسلم من عائلة ذات شأن ولد في غرناطة عام 1495م، وأمسك به قرصان صقلِّي عام 1518م، وقدَّمه هدية للبابا ليون العاشر (Leon X)، وعُمِّد وعاش في روما حتى عام 1531م، إذ تمكَّن من العودة إلى تونس (56)، وهو الذي عمل مع إيكيديو الفيتربي الذي كان ملماً بالعربية خلافاً ليوحنى الشقوبي، وربما توافرت لدى رجل الدين البارز هذا المخطوطة القرآنية ذات الرقم 405 الموجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية (57)، وهذه المخطوطة التي كانت بإيطاليا في ذلك الوقت (عام 1459م) ربما شكلت جزءاً من مكتبة إيكيديو الفيتربي، لأن فهرس مكتبته يذكر أربعة مجلدات مكتوبة إما بالعربية أو التركية (العثمانية) (58)، وعلى أي فقد وقعت النسخة بين يدي قارئ غربي مدقِّق أعاد كتابة ما سقط منها من النص العربي (59).
    والترجمات التي ذكرت كان المعني بها طبقة القراء المتعلمة، فجميعها باللغة اللاتينية، وتعكس اهتمامات من أمروا بإعدادها، وانحصر بهذا تأثير هذه الترجمات في دائرة صغيرة. ولكن بظهور الطباعة خرجت ترجمات باللغات العاميَّة، بنيت على ترجمة روبرت الكيتوني وأشاعت على نطاق واسع في أوروبا المعرفة بالإسلام.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (34) بطرس المبجل لم يقدم على عمله لمعرفة الآخر، بل لأهداف تسودها روح العداء، وهذا ما يظهر من عنوان الترجمة التي تبناها وهو: Lex Saracenus، أي قانون السراكيين، ومن مقدمات المترجم الموغلة في نقد الإسلام. المترجم .

    (35) وهذا فصل من Dialogi in quibus impiæJudæorum opiniones . . . confutantur لبطرس الفونسي (Petrus Alphonsi )، وتظهر فيه ترجمات لبعض آيات من القرآن قام بها المؤلف. انظر (Bobzin, op. cit., pp. 44–6).

    (36) See d’Alverny, op. cit.

    (37) Ibid., pp. 108–9.

    (38) Ibid., pp. 85–6..
    ولكن في هذا نظرة متأثرة بالدراسات الاستشراقية حول ترابط النص القرآني. (المترجم).

    (39) وهي مجموعة من الكتابات عن الإسلام وضده، بدأها بطرس المبجل، الذي رأى إبان فترة الحملات الصليبية، أن القتال ضد المسلمين لا يكون بالسيف وحسب، بل وبالقلم أيضاً، فقام بتشكيل لجان لترجمة عدد من الكتب الإسلامية والتعليق عليها. (المترجم).

    (40) وهي vernacular، وهي اللغات الأوربية المنحدرة من اللغة اللاتينية كالإسبانية والبرتغالية والإيطالية والفرنسية، وسميت بالعامية، لأنها لم تزل في تلك العصور لهجات للغة اللاتينية، لغة الدين والعلم، التي كانت أعلى شأناً من هذه اللغات. (المترجم).

    (41) ترجمة عام 1616م الألمانية التي قام بها سولومن شفيقر (S. Schweigger) أخذت من ترجمة الإيطاليى أندريه أريفابين (Arrivabene)، وكانت بدورها أساساً لترجمة هولندية مجهولة المترجم خرجت عام 1641م.

    (42) ولبوبزين (Bobzin, op. cit., pp. 159–239) دراسة تاريخية موثقة بدقة لتاريخ هذه النسخة.

    (43) L’Alcorano di Macometto, nel qual si contiene la dottrina, la vita, i costumi, e le leggi sue. Tradotto novamento dall’arabo in lingua italiana [قرآن محمد، مشتملاً على تعاليمه، وحياته وأخلاقه، وقوانينه: ترجمة جديدة من العربية إلى اللغة الإيطالية], 1547.
    وعلاوة على دعواه في العنوان أن ترجمته كانت من العربية مباشرة، يذكر أريفابين في موضعين في مقدمته وإهدائه أنه قام بالترجمة من اللغة العربية مباشرة: «هذا قرآن محمد الذي، كما ذكرت، ترجمته من لسانه [العربي] مباشرة وحررته للطباعة» (ص iii) (‘Questo è Sig. Illustr. l’Alcorano di Macometto, il quale come ho gia detto, ho fatto dal suo idioma tradurre e dar alla stampa’).

    (44) d’Alverny, op. cit., pp. 113–30.

    (45) Ibid., p. 114.

    (46) Cabanelas, op. cit.

    (47) Ibid., p. 168 and n. 3.

    (48) Ibid., p. 162.

    (49) Ibid., pp. 161–2 and n. 1.

    (50) Paris Manuscript, BNF Arabic MS 447; see Déroche, op. cit., p. 39.

    (51) World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form, I, pp. 163–4, No. 258/3.

    (52) Ibid., p. 5, No. 4/1; see the other examples, pp. 6–22.

    (53) أو moriscos، وهو الاسم الذي كان يطلق على سكان إسبانيا من المسلمين. (المترجم).

    (54) P. de Alcalà, Arte para legeramente saber la lingua araviga. Vocabulista aravigo en letra castellana [طريقة في دراسة اللغة العربية بسهولة، الكلمات العربية مكتوبة بأحرف اللغة الإسبانية], Granada, 1505.

    (55) لمعرفة المزيد عن إيديكو الفتربي، انظر:
    G. Ernst, ‘Egidio da Viterbo’, Dizionario biografico degli Italiani, 42, pp. 341–53, Rome, Istituto della Enciclopedia italiana, 1993.

    (56) See s.v. ‘Léon l’Africain’, Encyclopédie de l’Islam, new edition, Vol. V, pp. 728–9; also in O. Zhiri, L’Afrique au miroir de l’Europe: fortunes de Jean Léon l’Africain à la Renaissance [إفريقيا في مرآة أوربا: حوادث جان ليون الإفريقي إبان عصر النهضة], some details on pp. 27–50, Geneva, Droz, 1991.

    (57) Déroche, op. cit., pp. 450–1.

    (58) C. Astruc and J. Monfrin, ‘Livres latins et hébreux du cardinal Gilles de Viterbe’ [الكتب اللاتينية والعبرية للكاردينال إيديكو الفرتيربي], Bibliothèque d’humanisme et renaissance, 23, p. 553, 1961. In the same inventory, No. 33 is a ‘tabula alphabeti in Alcoranum in lingua spagnola’.

    (59) See, for example, fo. 28, 58v, 72v, etc.

    * مرفق:
    ترجمة أعجمية لفاتحة الكتاب (المترجم).
    (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 3) بواكير الترجمة: وطبيعي أن الأماكن التي كانت بؤراً للصدام بين الإسلام والنصرانية هي التي تم فيها التبادل الثقافي، وأدت إسبانيا دوراً مهماً في هذا، ففي بداية الفترة التي نُعنى ببحثها هنا، لما فيها من الميزات الأخرى من حضور مسلمين يمكنهم أن يتحدثوا اللغة الإسبانية، وعدد من رجال الدين النصارى المدفوعين برغبة في التعلم والفهم، وجاءت الترجمة الأولى للقرآن التي قام بها نصارى لفائدة النصارى الآخرين جزءاً من حركة أعم، قد تكون بدأت مبكرة في النصف الثاني من القرن العاشر، ولكن تم دعمها دعماً كبيراً بالاستيلاء على طليطلة عام 1085م، ووصل عدد من المفكرين إليها من أمثال رايموند (Raymond) الذي عمل أسقفاً فيها في الفترة من 1125 إلى 1152م، وخليفته يوحنى (John) (1152-1166م)، واستغل رجال الدين هؤلاء وجود متحدثي اللغة العربية من النصارى المعروفين بالمستعربين (Mozarabs) واليهود، إذ جعلوهم يعملون في الترجمة من اللغة العربية إلى الإسبانية، ومن ثم يقوم رجل دين بالترجمة من الإسبانية إلى اللاتينية. وبدأ بحث واسع عن النصوص العربية، سواء أكانت علمية أم فلسفية، وكان هذا بباعث من فضول حقيقي لمعرفة الآخر، وفي هذه الفترة نفسها، التي كانت تسودها روح الحملات الصليبية، و على نحو أعم بالرغبة في الصدامات العسكرية، وُجِدَ أفراد قادرون على أن ينحوا منحى آخر (34)، مثلت فيه ترجمة القرآن مرحلة لا يستغنى عنها، ولكن يجب أن نفهم بوضوح أنه لم يقل أحد [من هؤلاء] بمساءلة أفضلية النصرانية على الإسلام، فكان الغرض هو إعداد العدة لإقناع الآخر وتحويله على ما هم عليه، وتنصير المسلمين من أجل خلاصهم، وهذا يعني تحقيق الهدف نفسه بوسائل أخرى: الوسيلة الثقافية في مقابل السبل العسكرية. وإذا ما أغفلنا محاولة مبكرة لترجمة القرآن ترجمة جزئية تمت إبان عصر ألفونش الأرغوني الأول (Alfonso I of Aragon) (1104-1134م) (35)، فإن أول محاولة كبيرة هي التي بدأها مشرف دير كلني (Abbot of Cluny) الشهير ببطرس المبجّل (Peter the Venerable) (1094-1156م) (36)، ففي عام 1141م خلال رحلة قام بها إلى إسبانيا للاطمئنان على أتباع طريقة البندكتين الرهبانية (Benedictine order) في الأندلس، وخلال هذه الرحلة تكونت لديه قناعة بأهمية فهم المسلمين للتمكن من تنصيرهم، ورأى أنه يجب السماح لرجال الدين بالتعرف على دين المسلمين إذا ما أُريد لهم أن يتسلحوا بنقاش مقنع، وفي سياق الترجمة من اللغة العربية التي ذكرنا آنفاً، كان بطرس المبجل على ثقة من أنه سيجد أناساً مؤهلين لأداء مشروعه بنجاح، ونجح فعلاً في الوصول إلى عالمين وهما: الإنكليزي روبرت الكيتوني (Robert of Ketton)، وهرمان الدالماتي (Hermann the Dalmatian) أو الكارنيثي (Carnithian) الذي جاء إلى إسبانيا بحثاً عن كتاب المجسطي (Almagest) لبطليموس، وبإغرائهما نجح بطرس المبجل في استخدامهما، وتمكن علاوة على هذا من إضافة مسلم إلى الفريق، عُرف بـ "محمد"، وهذه إضافة ناجحة لأن لغة القرآن صعبة وعند المسلمين كتابات متخصصة فيها تشمل شروحاتٍ، وتفاسير، وهذه الكتابات لم تكن في متناول لا روبرت ولا هيرمان، والأبعد من هذا أنه في ذلك العصر لم تكن هناك معاجم كبيرة بل في أفضل الحالات شروحات صغيرة غير كافية، وكان من الأيسر الوصول إلى التفاسير وعن طريقها أمكن فهم ما أشكل من القرآن، ومما لا شك فيه فإن بطرس المبجل استخدم مسلماً لمساعدة المترجمين ليمكن التعامل مع هذه المشكلات. والمخطوطة المؤرخة عام 1162م المحفوظة في مكتبة أرسينال (Arsenal Library) هي بلا شك أصل الترجمة التي بدأها بطرس المبجل -كما تؤكد دي ألفرني (37)- والنتيجة تظهر حرص روبرت الكيتوني ومساعديه على التأكيد على ترابط النص ووضوحه، حتى على حساب إدخال مواد ليست في الأصل، وتفسير بعض المواطن المشكلة (38). وهذه الترجمة التي تشكل جزءاً من مجموع النصوص الإسلامية التي عرفت بمجموعة طليطلة (Corpus Toletanum)، أدت دوراً كبيراً في فهم أوروبا للإسلام، ليس في العصور الوسطى وحسب، بل وحتى في العصر الحديث (39). وبهيئة مقتبسات –خرجت أحياناً ضمن نصوص جدلية- نقلت هذه الترجمة إلى اللغات العامية (40)، ونشرت على نطاق واسع بعد ظهور الطباعة (41)، والأهم من هذا أنها حظيت بأن تكون الترجمة الكاملة الأولى التي قام بطابعتها ببلياندر –ورأت النور بمدينة بازل عام 1443م- رغم أنه تكبد كثيراً من مصاعب المعارضة من الجانب الفكري (الأيديولوجي) (42)، وأول ترجمة بلغة حديثة وهي التي قام بها أندريه أريفابين (Andrea Arrivanene) كانت في حقيقتها نسخة إيطالية لترجمة روبرت الكيتوني، على الرغم من مزاعم المترجم بأنها غير ذلك (43). الهزيمة النصرانية في الأرك (Alarcos) عام 1195م أعادت إشعال جذوة المحاولات النصرانية لمعاودة الهجوم، وكان لأسقف طليطلة ردريغو خيمينيس دي رادا (Rodrigo Jimenez de Rada) دوراً هاماً في هذه المرحلة، وكان هذا الرجل العظيم [؟] ومساعده رئيس الشمامسة موريس (Maurice) من طلب ترجمة ثانية إلى أحد المستعربين النصارى، يدعى ماركو الطليطلي (Marco de Toledo)، الذي انتهى من المهمة عام 1209 أو 1210م (44)، وتختلف ترجمته عن ترجمة روبرت الكيتوني بأمانتها الكبيرة للأصل، وقيل إنها: «تتبعَّت ترتيب الكلمات في اللغة العربية، مما جعلها تبدو غير مترابطة ومشوشة» (45)، وترجمة ماركو الطليطلي التي تُتلقى أمانتها اليوم بشيء من التقدير، لم تنجح كسابقتها في مجموعة طليطلة. ومما يؤسف له أن الترجمة التي قام بها يوحنى الشقوبي خلال الربع الثاني من القرن الخامس عشر فقدت (46)، ويوحنى الذي ربما كان يهودياً ثم تنصَّر، حاز على نسخة مكتوبة من القرآن، فوفقاً لفهرس مكتبته فإن النسخة كتبت: «بأحرف عربية قديمة جداً» (47)، وكان مقتنعاً بأن أصل المشكلة بين الإسلام والنصرانية هي قلة معرفة الآخر، مما هو واضح وجلي في كلا الجانبين، ورأى أن زمام المبادرة يجب أن يكون بيد النصارى [الذين رأى أنهم] أصحاب الحقيقة. وبعدما درس ترجمة روبرت الكيتوني دراسة نقدية خرج بنتيجة مفادها أنه يتعين عليه البدء من الصفر، ونعلم من مراسلاته الطريقة التي استفاد بها من المخطوطات، فنرى أنه اعتمد على نسخته الخاصة وعلى نسخة أخرى، ونسخة ثالثة تخص دار الرهبان الشحاذون (Mendicant Friars) بمدينة بازل، التي جلبها من أيتون (48)، ومما لا شك فيه، وهو اللغوي البارع، أنه أراد الحصول على أكبر قدر من المصادر، وأعلمه نيقولا الأكيس بوجود ثلاث نسخ أخرى: الأولى في بفاريا، والثانية في كولونيا، والثالثة في رورموند (Roermund) في لمبورغ (Limbourg) (49)، ومما يثير اهتمامي حول طريقة الشقوبي في الترجمة أنه استفاد من خبرة مختصص في الفقه من شقوبيا، وهو عيسى الجيدلي (Isâ Gidelli)، الذي جاء مع رفيق له مسلم، وقضى مدة أربعة أشهر في سافوي، نسخ فيها القرآن ومعه ترجمة إسبانية. وعلَّني أستطرد قليلاً هنا، بالتأكيد على القدر الذي سهل به عمل المترجم بتوافر الترجمات الإسبانية التي قام بها المورسكيون لأغراضهم الشخصية. وبقي من هذه الترجمات عدد منها: أولها نسخة لمقتطفات، موجودة الآن في المكتبة الوطنية الفرنسية، وقد نسخت في سالونيكا عام 1569م وقام بها شخص يدعى إبراهيم إسكويردو (Ibrâhim Isquierdo) (50)، وثانيها نسخة كاملة تعود لتاريخ 1606م، وهي جزء من مجموعة طليطلة اليوم (51)، والأخيرة تنتمي للأعجميات (aljamiados)، وهي نسخ استخدم فيها الحرف العربي لنقحرة إحدى اللغات المحلية في الأندلس، ويظهر أن أقدم نسخ هذه المجموعة تعود للقرن الخامس عشر (52). وفيما يخص ترجمة يوحنى الشقوبي اللاتينية فقد خرجت باللون الأحمر متوازية مع ترجمة إسبانية، وجاء النص العربي في الصفحة المقابلة، والعلاقة بين هذه النسخ فيما يخص أحذ بعضها عن بعض واضحة على قدر مطمئن، إلا أنه في تلك الأثناء كانت إسبانيا على وشك أن تُسترد بكاملها، واستعمل العلم باللغة العربية أداةً في تنصير المورسكيين (53)، وكان هذا هو الغرض المحدد لعمل بدرو الألكالي (Pedro de Alcalà) الذي نشر عام 1505م معجماً عربياً، وإن كان للهجة عربية بعيدة كل البعد عن لغة القرآن (54). والمرحلة القادمة من القصة تأخذنا إلى إيطاليا وفرنسا، ليس ببعيد عن عمل يوحنى الشقوبي من حيث المدة، وفي ظروف مشابهة خرجت ترجمة لاتينية أخرى في إيطاليا برعاية من إيكيديو الفيتربي (Egidio da Viterbo) (عاش حوالي 1465-1532) (55). وتظهر كل صفحة في أربعة أعمدة تحتوي على: النص العربي، ونقحرته بالحرف اللاتيني، وترجمة لاتينية، وتعليقات، وقام بهذا العمل شخص يدعى جيوفاني كابرييللي التيروالي (Giovanni Gabriele de Terolla)، الذي أكمل العمل عام 1518م، والشخصية المعروفة، ليون الإفريقي (Leo Africanus) كانت له علاقة بهذا العمل إذ عمل محرراً مصححاً له، وهو مسلم من عائلة ذات شأن ولد في غرناطة عام 1495م، وأمسك به قرصان صقلِّي عام 1518م، وقدَّمه هدية للبابا ليون العاشر (Leon X)، وعُمِّد وعاش في روما حتى عام 1531م، إذ تمكَّن من العودة إلى تونس (56)، وهو الذي عمل مع إيكيديو الفيتربي الذي كان ملماً بالعربية خلافاً ليوحنى الشقوبي، وربما توافرت لدى رجل الدين البارز هذا المخطوطة القرآنية ذات الرقم 405 الموجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية (57)، وهذه المخطوطة التي كانت بإيطاليا في ذلك الوقت (عام 1459م) ربما شكلت جزءاً من مكتبة إيكيديو الفيتربي، لأن فهرس مكتبته يذكر أربعة مجلدات مكتوبة إما بالعربية أو التركية (العثمانية) (58)، وعلى أي فقد وقعت النسخة بين يدي قارئ غربي مدقِّق أعاد كتابة ما سقط منها من النص العربي (59). والترجمات التي ذكرت كان المعني بها طبقة القراء المتعلمة، فجميعها باللغة اللاتينية، وتعكس اهتمامات من أمروا بإعدادها، وانحصر بهذا تأثير هذه الترجمات في دائرة صغيرة. ولكن بظهور الطباعة خرجت ترجمات باللغات العاميَّة، بنيت على ترجمة روبرت الكيتوني وأشاعت على نطاق واسع في أوروبا المعرفة بالإسلام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (34) بطرس المبجل لم يقدم على عمله لمعرفة الآخر، بل لأهداف تسودها روح العداء، وهذا ما يظهر من عنوان الترجمة التي تبناها وهو: Lex Saracenus، أي قانون السراكيين، ومن مقدمات المترجم الموغلة في نقد الإسلام. المترجم . (35) وهذا فصل من Dialogi in quibus impiæJudæorum opiniones . . . confutantur لبطرس الفونسي (Petrus Alphonsi )، وتظهر فيه ترجمات لبعض آيات من القرآن قام بها المؤلف. انظر (Bobzin, op. cit., pp. 44–6). (36) See d’Alverny, op. cit. (37) Ibid., pp. 108–9. (38) Ibid., pp. 85–6.. ولكن في هذا نظرة متأثرة بالدراسات الاستشراقية حول ترابط النص القرآني. (المترجم). (39) وهي مجموعة من الكتابات عن الإسلام وضده، بدأها بطرس المبجل، الذي رأى إبان فترة الحملات الصليبية، أن القتال ضد المسلمين لا يكون بالسيف وحسب، بل وبالقلم أيضاً، فقام بتشكيل لجان لترجمة عدد من الكتب الإسلامية والتعليق عليها. (المترجم). (40) وهي vernacular، وهي اللغات الأوربية المنحدرة من اللغة اللاتينية كالإسبانية والبرتغالية والإيطالية والفرنسية، وسميت بالعامية، لأنها لم تزل في تلك العصور لهجات للغة اللاتينية، لغة الدين والعلم، التي كانت أعلى شأناً من هذه اللغات. (المترجم). (41) ترجمة عام 1616م الألمانية التي قام بها سولومن شفيقر (S. Schweigger) أخذت من ترجمة الإيطاليى أندريه أريفابين (Arrivabene)، وكانت بدورها أساساً لترجمة هولندية مجهولة المترجم خرجت عام 1641م. (42) ولبوبزين (Bobzin, op. cit., pp. 159–239) دراسة تاريخية موثقة بدقة لتاريخ هذه النسخة. (43) L’Alcorano di Macometto, nel qual si contiene la dottrina, la vita, i costumi, e le leggi sue. Tradotto novamento dall’arabo in lingua italiana [قرآن محمد، مشتملاً على تعاليمه، وحياته وأخلاقه، وقوانينه: ترجمة جديدة من العربية إلى اللغة الإيطالية], 1547. وعلاوة على دعواه في العنوان أن ترجمته كانت من العربية مباشرة، يذكر أريفابين في موضعين في مقدمته وإهدائه أنه قام بالترجمة من اللغة العربية مباشرة: «هذا قرآن محمد الذي، كما ذكرت، ترجمته من لسانه [العربي] مباشرة وحررته للطباعة» (ص iii) (‘Questo è Sig. Illustr. l’Alcorano di Macometto, il quale come ho gia detto, ho fatto dal suo idioma tradurre e dar alla stampa’). (44) d’Alverny, op. cit., pp. 113–30. (45) Ibid., p. 114. (46) Cabanelas, op. cit. (47) Ibid., p. 168 and n. 3. (48) Ibid., p. 162. (49) Ibid., pp. 161–2 and n. 1. (50) Paris Manuscript, BNF Arabic MS 447; see Déroche, op. cit., p. 39. (51) World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form, I, pp. 163–4, No. 258/3. (52) Ibid., p. 5, No. 4/1; see the other examples, pp. 6–22. (53) أو moriscos، وهو الاسم الذي كان يطلق على سكان إسبانيا من المسلمين. (المترجم). (54) P. de Alcalà, Arte para legeramente saber la lingua araviga. Vocabulista aravigo en letra castellana [طريقة في دراسة اللغة العربية بسهولة، الكلمات العربية مكتوبة بأحرف اللغة الإسبانية], Granada, 1505. (55) لمعرفة المزيد عن إيديكو الفتربي، انظر: G. Ernst, ‘Egidio da Viterbo’, Dizionario biografico degli Italiani, 42, pp. 341–53, Rome, Istituto della Enciclopedia italiana, 1993. (56) See s.v. ‘Léon l’Africain’, Encyclopédie de l’Islam, new edition, Vol. V, pp. 728–9; also in O. Zhiri, L’Afrique au miroir de l’Europe: fortunes de Jean Léon l’Africain à la Renaissance [إفريقيا في مرآة أوربا: حوادث جان ليون الإفريقي إبان عصر النهضة], some details on pp. 27–50, Geneva, Droz, 1991. (57) Déroche, op. cit., pp. 450–1. (58) C. Astruc and J. Monfrin, ‘Livres latins et hébreux du cardinal Gilles de Viterbe’ [الكتب اللاتينية والعبرية للكاردينال إيديكو الفرتيربي], Bibliothèque d’humanisme et renaissance, 23, p. 553, 1961. In the same inventory, No. 33 is a ‘tabula alphabeti in Alcoranum in lingua spagnola’. (59) See, for example, fo. 28, 58v, 72v, etc. * مرفق: ترجمة أعجمية لفاتحة الكتاب (المترجم).
    3
    1
  • (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 2)

    ترجمة البحث
    ربما يصاب من يتتبع تاريخ الكتب بشيء من فرط الحساسية نحو الجوانب المادية في هذا التاريخ، وقد يكون هذا ما حصل لي فعلاً عندما طُلب إلىَّ التحدث عن ترجمات القرآن فتبادرت إلى ذهني أسئلة مثل: ما هي الطريقة التي عمل وفقها المترجمون الأوائل؟ وما هي المخطوطات التي كانت متوافرة لديهم؟ وهذه هي الأسئلة التي أتعامل معها في ثنايا هذا البحث عوضاً عن تقويم هذه الترجمة أو تلك. وأما تاريخ ترجمة النص القرآني فهو معروف فقد مرت عدة أعوام منذ أن بدأ مركز دراسات التاريخ والفن والثقافة الإسلامية بإسطنبول (IRCICA، اختصاراً) برنامجه البحثي الطموح الذي نتج عن نشر ببليوجرافيات لترجمات القرآن، صدر منها أول ما صدر عام 1986م ببليوجرافيا الترجمات المطبوعة (6)، تبعتها عام 2000م ببليوجرافيا ترصد الترجمات المخطوطة في خمس وثمانين لغة (7)، ولكنها لم توثِّق الترجمات المخطوطة في اللغات التركية، والفارسية، والأردية، ومن المقرر أن يصدر كتاب مخصص لكل واحدة منها على حدة (8).
    وهذا يدلل على مدى سعة الموضوع، حتى عندما نغفل ما أُنتج بعد القرن السابع عشر، ولكن علينا أن نفرِّق بوضوح بين الترجمات المخطوطة التي أصدرت ليقرأها المسلمون غير العرب، وتلك التي أصدرها غير المسلمين، فحتى عصر قريب نسبياً لم تبتعد الفئة الأولى عن النص العربي، وكانت الترجمة مرافقة له بشكل ثانوي، إذ لم تكتب بخط أصغر من النص العربي وحسب، بل واتبعت ترتيب الكلمات نفسه تماماً، فجاءت ترجمة كل كلمة عربية أسفل منها، دون اعتبار لترتيب الجملة في اللغة المترجم إليها (9)، وتُرك الأمر للقارئ ليضع هذه الكلمات في ترتيبها الصحيح. وما يهمنا هنا هو الفئة الثانية وهي محدودة، فأنا أتعامل هنا مع الفترة من العصور الوسطى وحتى بدايات العصر الحديث، كما أحد نطاق بحثي في المخطوطات ولكن لتوضيح التداخل الذي حصل في نهاية هذه الفترة أتحدث عن الترجمات المطبوعة الأولى، كما إنني لا أتطرق لا من قريب ولا من بعيد للترجمات الجزئية التي خرجت في الفترة المبحوثة هنا.

    العراقيل أمام انتقال النص القرآني:
    لكي تتم الترجمة يجب أن يكون هناك نصاً أصلاً ينقل منه، ولكن فيما يخص القرآن كان من الصعب على غير المسلمين الوصول إلى نسخ منه، وجاءت الموانع من أكثر من جانب. وكما توضح ماري تريرز دا ألفرني (Marie-Thérèse d'Alverny) في دراستها الرائدة لترجمتين لاتينيتين خرجتا في العصور الوسطى فإن: «أعجب الأقاصيص كانت سائدة في العالم المسيحي حول ما يسمى بالسراكيين (10) البرابرة وبخاصة حول نبيهم، وعمل على نشر هذه الأقاصيص أناس غفلوا عن الحقائق التاريخية» (11). فالتوسع السريع للمسلمين في القرن السابع، والصعوبات التي ووجهت في سبيل استعادة الأندلس، شجعت الغربيين على الاعتقاد أن النص الذي ألهم أعداءهم واستمدوا قوتهم منه اشتمل على طلاسم سحرية قوية، وساد هذا الاعتقاد لفترة غير قصيرة، ففي وقت مبكر من القرن العشرين عثر عالم دراسات عربية إسباني على الملاحظة التالية على مخطوط عربي محفوظ في مكتبة جامعة بلنسية: «عثرت أنا، جامي فيراندو على هذا الكتاب في قرية لاقوار (Laguar)، بعد أن خرج الموريسكيون (12) إلى سلسلة الجبال في البيت الذي عاش فيه ميليني الغواداليستي (Millenni of Gaudalest) الملك الذي اختاروا، وبما أنه كُتب بالحرف العربي لم أستطع أن أجد أحداً يقرأه، وأخشى أن يكون قرآن محمد» (13)، ولكنه في حقيقة الأمر كان كتاباً في قواعد اللغة العربية، وللحد من هذا التخوّف أمر الكاردينال سيسنيروس (Cisneros) بحرق المخطوطات العربية بعد أن استولى الأسبان على غرناطة لتسقط بذلك آخر الإمارات الإسلامية في الأندلس (14)، وعدم الثقة هذه لم تكن بأي حال مقصورة على المناطق التي حفلت بمواجهات بين الإسلام والنصرانية، ففي عام 1542م عندما أراد تيودور بوخمان (Theodor Buchmann) الشهير بتيودور ببلياندر (Bibliander) (15) طباعة ترجمة لاتينية للقرآن (16) في مدينة بازل السويسرية أكد المعارضون على المخاطر التي ينطوي عليها القرآن، فقد ساقوا حججهم أمام مجلس المدينة الذي كان موكل إليه أمر تصريح الطباعة، وأكدوا على التطاول على شخص المسيح والإنجيل في القرآن، وقالوا: «إن هناك ترجمات مخطوطة عدة، وما الحاجة في نشرها على نطاق أوسع بطباعة نص قد يتسبب في فضيحة؟» (17) وحتى في أواخر القرن السابع عشر اضطر لودوفيكو مراتشي (Ludovico Marrachi) في تقديمه لترجمته لمناقشة المنع الذي فرضه البابا ألكسندر السابع على نشر النص القرآني (18).
    ويظهر من هذا أن النصارى هابوا من أن يمسكوا بأيديهم هذا الكتاب الذي رأوه مزعجاً وحافلاً بالأعاجيب والغرائب، ومن جانبهم وجد المسلمون حرجاً في أن يسمحوا بوقوع نسخ من القرآن في أيدي غير المسلمين. فعادة ما نجد على أغلفة نسخ القرآن أو في الصفحات الأولى الآية (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (19)، ولكن بما أن هذا النهي لم يكن كافياً في أن لا تقع نسخة من القرآن في أيدٍ معادية، اتخذت السلطات تدابير أخرى لمنع هذا الانتقال، وكانت بعض هذه التدابير ذات طبيعة عامة، فقد كُتبت وثيقة لتنظيم المعاملات التجارية في إسبانيا المسلمة في القرن الثاني عشر تمنع بيع مخطوطات الأعمال العلمية العربية لليهود والنصارى، خشية أن يدَّعوا أنهم هم من قام بتأليفها (20)، وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر، عام 1285م، عقد الحاكم الماريني أبو يوسف يعقوب اتفاقية سلم مع ملك قشطالة (Castile) سانشو السادس (Sancho VI) ونَصَّت مادة في المعاهدة على أن يصادر الملك النصراني أي كتاب عربي يجده في حوزة أتباعه من اليهود والنصارى (21)، وكان القرآن على رأس القائمة، ثم التفاسير القرآنية، وكتب الفقه، وشملت القائمة حتى كتب قواعد اللغة العربية، والأدب، ووفقاً لما ذكره مؤرخ عربي تم تسليم ثلاث عشرة عربة محمَّلة بالمخطوطات عملاً بهذه المعاهدة، مشتملة على نسخ من القرآن.
    وبحلول منتصف القرن الخامس عشر، حاول أحد المترجمين - الذين سآتي على ذكر عملهم فيما بعد – الحصول على ترجمة إسبانية للقرآن وأخبره وفده أن هذا الطلب ووجه بشيء من العداء من المسلمين (22)، وفي وقت لاحق، أي في القرن السادس عشر علم الرحالة نيكولاس كلينارد (Nicolas Clénard) في فاس صعوبة حصول نصراني على الأعمال العربية (23).
    إذن الحصول على النص الأصل كان صعباً، فالممانعة من كلا الطرفين كانت ظاهرة، فطرف يرفض ولوج المعرفة إليه، وطرف يرفض ولوج الآخر إليها، وفيما يخص العصور الوسطى لا نملك إلا أدلة من تاريخ متأخر عن جهود أولئك الذين حاولوا الحصول على نسخ من النص الأصل، وفي المكتبات الغربية توجد نسخ من القرآن تحمل قرائن حسية على أنها مرت بين أيدٍ غربيَّة في تاريخ مبكر، ولكن خط سيرها التاريخي لا يمكن تتبعه بتفاصيله وإلا أن القرائن الحسية في هذه النسخ تمكننا من تتبع المسالك الرئيسة التي تم تداول هذه النسخ من خلالها رغم العراقيل التي وضعت في طريقها هنا وهناك، فالحرب وما يحيط بها من ممارسات شكَّلت مصدراً لا بأس به لجمَّاعة الأشياء المثيرة للاهتمام، وهم رجال الكنيسة والعلماء، فحملة تشارلز الخامس (Charles V) على تونس عام 1535م كانت فرصة للحصول على عدد من المخطوطات (ويمكننا هنا أن نشير إلى ثلاث منها وهي المخطوطات العربية ذوات الأرقام: 438، و439، و440، في المكتبة الوطنية الفرنسية (Bibliothèque Nationale de France) )، ووقعت هذه المخطوطات بين يدي الكاردينال دي قرانفيل (de Granvelle) قبل أن يستقر بها المقام في باريس (24)، والقتال مع العثمانيين حول فيينا وفي المجر مكَّن كثيراً من الجنود الذي شاركوا في هذه الحملات من الحصول على نسخ من القرآن، ومنها المخطوطة (Laud Or. 246) في المكتبة البوديليَّة (Bodleian Library) بأكسفورد التي حصل عليها عام 1593م مَجَريّ أعطاها لعالم العربية الألماني يعقوب كريستمان (Jacob Cristmann) من مدينة هيدلبرك (25)، وفي هذه المجموعة يمكننا أن نُدخل نسخة مجزَّأة بقيت حتى بداية القرن الماضي بالجامع الأموي في دمشق، تحمل في صفحة من صفحاتها، كلمة لاتينية وحيدة كتبت بخط يعود للعصور الوسطى، وهذا يحدونا للاستنتاج بأن هذه النسخة استرجعها المسلمون بعد أن استولى عليها الصليبيون (26).
    والوقوف على النسخ المبيعة أكثرُ صعوبة، وفيما يخص الفترة التي نبحثها هنا لم أعثر على أي مخطوطة يمكن الجزم بأنها مبيعة، لا في إسبانيا ولا في الشرق.
    وأخيراً، هناك النَّسْخ، وهي وسيلة شائعة للحصول على المصاحف، ونُسَّاخ أوروبا كُثُر، وأحيانا يتم تكليف المسلمين الآبقين بالنسخ، كما يظهر في المخطوطة العربية ذات الرقم 560، وهي مجموعة من المقتبسات من القرآن، متضمنة ملاحظة تخبرنا أن من قام بالنسخ هو فرانسيس البولوني (Francçis de Boulogne)، وهو: «تركي تسبب في جلْبه إتيين هربرت (Etienne Hurbert) المتوفى عام 1614م أستاذ اللغة العربية في الكلية الملكية (Royal College)، من صفوف حرس الملك، عام 1612م» (27)، ولكن أكثر النسخ كتبت بأيدٍ أوربية، فمن مجموعة المكتبة الوطنية الفرنسية وحدها نجد المخطوطات العربية ذوات الأرقام: 468، و493، و507، وجميعها كتب في القرن السابع عشر، فأولى هذه المخطوطات تحتوي على ترجمة موازية (interlinear) إلى اللغة الفرنسية إضافة إلى النص القرآني (28)، وقام يوحنى الشقوبي (Juan de Segovia) -الذي سنتحدث عنه فيما بعد- بنسخ مصحف وجده عام 1437م في مكتبة ألمانية (29). وأما نشر النص العربي من قبل دار الطباعة باكانينو وباكانينو (Paganino dei Paganino) في البندقية في بداية القرن، كان فاشلاً بكل المقاييس (30) إلى درجة أن هذه الطبعة ظُن أنها خرافية (أي أنها لم توجد أصلاً) لوقت طويل، ولم يكن لها إسهام يذكر في نشر النص القرآني.
    وعليه نستنتج أنه رغم العراقيل الموضوعة عمداً في سبيل تداول المخطوطات القرآنية، توافرت نسخ منه قبل القرن السادس عشر، ويدلل على هذا مخطوطتان في المكتبة الوطنية الفرنسية: أولاهما، تحمل الرقم 5935، وتحتوي على جزء من النص القرآني، كتبت في القرن الخامس عشر، وقام صاحبها بتجليدها عن طريق مجلِّد فرنسي كما يبدو من طريقة التجليد (31)؛ والثانية، ذات الرقم 384 (32)، أكثر إثارة للاهتمام، وهي نسخة يبدو أنها نسخت في مصر في القرن الثاني عشر، وعليها تَحْشِيَات كثيرة باللغة اللاتينية التي كانت سائدة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وهذا دليل مباشر على الدراسة المُحقِّقة للنص من قبل رجال الدين. وفي عام 1454م، في رسالة موجهة إلى يوحنى الشقوبي، كان نيقولا الأكيس (Nicholas of Cusa) في موضع يؤهله لأن يَدُلّ الأول على ثلاث مكتبات بها نسخ من القرآن، من غير مكتبة بازل التي كانت متاحة ليوحنى الشقوبي في أيتون بسافوي (33).

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (6) I. Binark, H. Eren and E. Ihsanoğlu (eds.), World Bibliography of Translations of the Meaning of the Holy Qur’an, Printed Translations, 1515-1980, Istanbul, IRCICA, 1986.

    (7) M. N. Sefercioğlu and E. Ihsanoğlu, World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form, I, Istanbul, IRCICA, 2000.

    (8) هذه لغات إسلامية وتكثر فيها مخطوطات الترجمات (راجع مقدمة الببليوجرافيا لمزيد من المعلومات).

    (9) انظر على سبيل المثال العيّنات التي قام بجمعها م. أ. فكرت في فهرس مقتنيات آستانة قدس رضوي بمشهد، وعنوان الفهرس هو:
    A Catalogue of the Manuscripts of the Holy Quran in Translation Preserved in the Library of Âstan-i Quds-i Razavi, Mashhad, 1363/1985. Âstân-i Quds Library publications, No. 10.

    (10) بينما يُطلق الغربيون اليوم على الفاتحين المسلمين القدامى مسمى Arabs)) أو ”العرب“ إلا أن الأمر لم يكن هكذا في العصور الوسطى المبكّرة (من القرن السادس الميلادي وحتى القرن الثاني عشر الميلادي) إذ كان المسلمون يُعرفون بـ(Saracens)، ويتم الربط بينهم وبين الإسماعيليين – الخالين من سارة، أي الذين ليسوا من نسلها - المذكورين في العهد القديم، والذين كان يُطلق عليهم اسم (Saracens) في أوروبا الغربية منذ القرن الرابع الميلادي، أي قبل فترة طويلة من بعثة محمد ، وهذا التصور الذي يعود إلى عصر ما قبل الإسلام للمسلمين في الفكر الأوروبي الغربي له تأثيرات مهمّة على فهْمنا للعلاقات المسيحية الإسلامية المبكّرة.
    لقد قدّم الأدب اللاتيني هذا المفهوم إلى التفكير الغربي المثقف مما أدى إلى تطوّر تشكيلة من الأفكار الغريبة والعدائية عن المسلمين على أنها جديدة، وتم استيعابها ضمن التراث الغربي القديم، حتى أن بعض الأفكار المبكّرة حول المسلمين انتقلت، بشكل غير اعتيادي، من الكتابات اللاتينية المثقفة إلى اللغات الأوربية العامية قبل سَنَوات عديدة من قيام الحملات الصليبية مما أدى إلى تغذية التصور الأوربي العام حول المسلمين الـ (Saracens).
    وفي هذا السياق وجدت فكرتان مبكّرتان بشكل خاص تأييداً كبيراً استمر إلى القرن الخامس عشر الميلادي، بل حتى القرن السابع عشر الميلادي، وهما أن المسلمين الـ (Saracens)يعبدون الآلهة فينوس وأنهم يتعمدون إخفاء هويتهم الحقيقية. وكلمة (Saracens) مأخوذة من الكلمة اليونانية ( (sarakenoiالمأخوذة بدورها من كلمة ”الشرقيين“ العربية. (المترجم)

    (11) M. Th. d’Alverny, ‘Deux traductions latines du Coran au Moyen-Age’ [ترجمتان لا تينيتان للقرآن في العصور الوسطى], in Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age (1947–1948), p. 74.

    (12) الموريسكيون ((Moors هو الاسم الذي مكان يطلق استهزاءاً على المسلمين في إسبانيا، وهو مأخوذ من الكلمة اللاتينية Mauri التي أطلقها الرومان على ولاية موريتانيا الرومانية، وتلقي هذه المسميات الضوء على خلفية الصراع بين المسلمين والنصارى في تلك العصور. (المترجم).

    (13) J. Ribera y Tarrago, ‘Bibliofilos y bibliotecas en la España musulmana’ [جمّاعوا الكتب والمكتبات في إسبانيا المسلمة], in Disertaciones y opusculos, I, p. 228, Madrid, 1928.

    (14) Ribera y Tarrago, op. cit., pp. 181–2.

    (15) بوخمان بالألمانية وببلياندر باليونانية، ومعناهما الورَّاق، أي المشتغل بصناعة الكتب.

    (16) وهي ترجمة روبرت الكيتوني.

    (17) H. Bobzin, Der Koran im Zeitalter der Reformation, Studien zur Frühgeschichte der Arabistik und Islamkunde in Europa [القرآن في عصر الإصلاح: دراسة في التاريخ المبكر للدراسات العربية والإسلامية في أوربا], pp. 189–90, Beirut, in Komm. bei F. Steiner Verlag, Stuttgart, 1995. (Beiruter Texte und Studien, 42.).

    (18) L. Marracci, Refutatio Alcorani [دحض القرآن], p. 3, Padua, Tip. Seminarii, 1698.

    (19) الواقعة: 79 . (المترجم).

    (20) E. Lévi-Provençal, Séville musulmane au début du XIIe siècle. Le traité d’Ibn ‘Abdûn sur la vie urbaine et les corps de métier [إشبيلية المسلمة في بداية القرن الثاني عشر: رسالة ابن عبدون في الحياة المدنية والمهن], p. 128, § 206, Paris, G. P. Maisonneuve, 1947.

    (21) جاء في كتاب ابن أبي زرع: «روض القرطاس»، وهو مترجم إلى الإسبانية:
    Ibn Abî Zar‘, Rawd al-Qirtas, trad. et ann. par A. Huici Miranda, II, p. 681, Valence, J. Nacher, 1964. [Textos medievales, 13.]

    (22) D. Cabanelas, ‘Juan de Segovia y el primer Alcoran trilingüe’ [يوحنى الشقوبي ومصحف مبكِّر ثلاثي اللغة], in Al-Andalus, 14, 1949, p. 162.

    (23) R. Le Tourneau, ‘Notes sur les lettres latines de Nicolas Clénard relatant son séjour dans le royaume de Fès (1540-1541)’ [تعليقات على الرسائل اللاتينية لنيكولاس كلينارد المتعلقة ببقائه في مملكة فاس (1540-1541م)], Hespéris, 19, 1934, pp. 45–63.

    (24) F. Déroche, Catalogue des manuscrits arabes, 2e partie: Manuscrits musulmans I, 2, Les manuscrits du Coran, Du Maghreb à l’Insulinde [فهرس المخطوطات العربية، الجزء الثاني، المخطوطات الإسلامية 1-2، المخطوطات القرآنية، من المغرب وإندونيسيا], pp. 37–8, pl. IX B and XV B, Paris, Bibliothèque Nationale, 1985.

    (25) R. Jones, ‘Piracy, war, and the acquisition of Arabic manuscripts in Renaissance Europe’[القرصنة، والحرب، والحصول على المخطوطات العربية إبان النهضة الأوربية], in Manuscripts of the Middle East 2, p. 100 and n. 45, pl. 3, 1987.

    (26) لم تنشر.

    (27) Déroche, op. cit., p. 102.

    (28) Ibid., pp. 149–50.

    (29) Cabanelas, op. cit., p. 161.

    (30) A. Nuovo, ‘Il Coran arabo ritrovato (Venezia, P. e A. Paganini, tra l’agosto 1537 e l’agosto 1538)’ [إعادة اكتشاف القرآن (البندقية، ب و أ. باكانيني بين شهري أغسطس عام 1537م، وأغسطس 1538م) ], in La Bibliofilia, 89/3, 1987, pp. 237–70; M. Borrmans, ‘Observations à propos de la première édition imprimée du Coran à Venise’ [ملاحظات على طبعة القرآن الأولى في البندقية ], in Quaderni di Studi Arabi, 8, 1990, pp. 3–12.

    (31) Déroche, op. cit., pp. 34–5 and pl. XIV A.

    (32) Ibid., p. 53 and pl. XVII.

    (33) Cabanelas, op. cit., pp. 161–2 and n. 1.
    ويذكر هارتموت بوبزن (Bobzin, op. cit., p. 30): ويبدو أنه كان لنيقولا الأكيس اهتمام كبير بالقرآن وبترجمة يوحنى الشقوبي، وعندما سافر إلى القسطنطينية طلب نسخة من ترجمة روبرت الكيتوني وأعطاها يوحنى، وطلب إلى الرهبان الفرنسيسكان الموجودين في البتراء أن يروه المصحف، وترجمت له بعض آيات منه.
    وللمزيد عن نيقولا الأكيس انظر:
    H. Boockmann, in Deutsche biographische Enzyklopädie, 7, pp. 419–20, 1998.


    * مرفق:
    سورة الفاتحة من المصحف المطبوع بالبندقية عامي 1537-1538م، وتظهر عليها كتاباتٌ بالحرف اللاتيني (المترجم)
    (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 2) ترجمة البحث ربما يصاب من يتتبع تاريخ الكتب بشيء من فرط الحساسية نحو الجوانب المادية في هذا التاريخ، وقد يكون هذا ما حصل لي فعلاً عندما طُلب إلىَّ التحدث عن ترجمات القرآن فتبادرت إلى ذهني أسئلة مثل: ما هي الطريقة التي عمل وفقها المترجمون الأوائل؟ وما هي المخطوطات التي كانت متوافرة لديهم؟ وهذه هي الأسئلة التي أتعامل معها في ثنايا هذا البحث عوضاً عن تقويم هذه الترجمة أو تلك. وأما تاريخ ترجمة النص القرآني فهو معروف فقد مرت عدة أعوام منذ أن بدأ مركز دراسات التاريخ والفن والثقافة الإسلامية بإسطنبول (IRCICA، اختصاراً) برنامجه البحثي الطموح الذي نتج عن نشر ببليوجرافيات لترجمات القرآن، صدر منها أول ما صدر عام 1986م ببليوجرافيا الترجمات المطبوعة (6)، تبعتها عام 2000م ببليوجرافيا ترصد الترجمات المخطوطة في خمس وثمانين لغة (7)، ولكنها لم توثِّق الترجمات المخطوطة في اللغات التركية، والفارسية، والأردية، ومن المقرر أن يصدر كتاب مخصص لكل واحدة منها على حدة (8). وهذا يدلل على مدى سعة الموضوع، حتى عندما نغفل ما أُنتج بعد القرن السابع عشر، ولكن علينا أن نفرِّق بوضوح بين الترجمات المخطوطة التي أصدرت ليقرأها المسلمون غير العرب، وتلك التي أصدرها غير المسلمين، فحتى عصر قريب نسبياً لم تبتعد الفئة الأولى عن النص العربي، وكانت الترجمة مرافقة له بشكل ثانوي، إذ لم تكتب بخط أصغر من النص العربي وحسب، بل واتبعت ترتيب الكلمات نفسه تماماً، فجاءت ترجمة كل كلمة عربية أسفل منها، دون اعتبار لترتيب الجملة في اللغة المترجم إليها (9)، وتُرك الأمر للقارئ ليضع هذه الكلمات في ترتيبها الصحيح. وما يهمنا هنا هو الفئة الثانية وهي محدودة، فأنا أتعامل هنا مع الفترة من العصور الوسطى وحتى بدايات العصر الحديث، كما أحد نطاق بحثي في المخطوطات ولكن لتوضيح التداخل الذي حصل في نهاية هذه الفترة أتحدث عن الترجمات المطبوعة الأولى، كما إنني لا أتطرق لا من قريب ولا من بعيد للترجمات الجزئية التي خرجت في الفترة المبحوثة هنا. العراقيل أمام انتقال النص القرآني: لكي تتم الترجمة يجب أن يكون هناك نصاً أصلاً ينقل منه، ولكن فيما يخص القرآن كان من الصعب على غير المسلمين الوصول إلى نسخ منه، وجاءت الموانع من أكثر من جانب. وكما توضح ماري تريرز دا ألفرني (Marie-Thérèse d'Alverny) في دراستها الرائدة لترجمتين لاتينيتين خرجتا في العصور الوسطى فإن: «أعجب الأقاصيص كانت سائدة في العالم المسيحي حول ما يسمى بالسراكيين (10) البرابرة وبخاصة حول نبيهم، وعمل على نشر هذه الأقاصيص أناس غفلوا عن الحقائق التاريخية» (11). فالتوسع السريع للمسلمين في القرن السابع، والصعوبات التي ووجهت في سبيل استعادة الأندلس، شجعت الغربيين على الاعتقاد أن النص الذي ألهم أعداءهم واستمدوا قوتهم منه اشتمل على طلاسم سحرية قوية، وساد هذا الاعتقاد لفترة غير قصيرة، ففي وقت مبكر من القرن العشرين عثر عالم دراسات عربية إسباني على الملاحظة التالية على مخطوط عربي محفوظ في مكتبة جامعة بلنسية: «عثرت أنا، جامي فيراندو على هذا الكتاب في قرية لاقوار (Laguar)، بعد أن خرج الموريسكيون (12) إلى سلسلة الجبال في البيت الذي عاش فيه ميليني الغواداليستي (Millenni of Gaudalest) الملك الذي اختاروا، وبما أنه كُتب بالحرف العربي لم أستطع أن أجد أحداً يقرأه، وأخشى أن يكون قرآن محمد» (13)، ولكنه في حقيقة الأمر كان كتاباً في قواعد اللغة العربية، وللحد من هذا التخوّف أمر الكاردينال سيسنيروس (Cisneros) بحرق المخطوطات العربية بعد أن استولى الأسبان على غرناطة لتسقط بذلك آخر الإمارات الإسلامية في الأندلس (14)، وعدم الثقة هذه لم تكن بأي حال مقصورة على المناطق التي حفلت بمواجهات بين الإسلام والنصرانية، ففي عام 1542م عندما أراد تيودور بوخمان (Theodor Buchmann) الشهير بتيودور ببلياندر (Bibliander) (15) طباعة ترجمة لاتينية للقرآن (16) في مدينة بازل السويسرية أكد المعارضون على المخاطر التي ينطوي عليها القرآن، فقد ساقوا حججهم أمام مجلس المدينة الذي كان موكل إليه أمر تصريح الطباعة، وأكدوا على التطاول على شخص المسيح والإنجيل في القرآن، وقالوا: «إن هناك ترجمات مخطوطة عدة، وما الحاجة في نشرها على نطاق أوسع بطباعة نص قد يتسبب في فضيحة؟» (17) وحتى في أواخر القرن السابع عشر اضطر لودوفيكو مراتشي (Ludovico Marrachi) في تقديمه لترجمته لمناقشة المنع الذي فرضه البابا ألكسندر السابع على نشر النص القرآني (18). ويظهر من هذا أن النصارى هابوا من أن يمسكوا بأيديهم هذا الكتاب الذي رأوه مزعجاً وحافلاً بالأعاجيب والغرائب، ومن جانبهم وجد المسلمون حرجاً في أن يسمحوا بوقوع نسخ من القرآن في أيدي غير المسلمين. فعادة ما نجد على أغلفة نسخ القرآن أو في الصفحات الأولى الآية (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (19)، ولكن بما أن هذا النهي لم يكن كافياً في أن لا تقع نسخة من القرآن في أيدٍ معادية، اتخذت السلطات تدابير أخرى لمنع هذا الانتقال، وكانت بعض هذه التدابير ذات طبيعة عامة، فقد كُتبت وثيقة لتنظيم المعاملات التجارية في إسبانيا المسلمة في القرن الثاني عشر تمنع بيع مخطوطات الأعمال العلمية العربية لليهود والنصارى، خشية أن يدَّعوا أنهم هم من قام بتأليفها (20)، وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر، عام 1285م، عقد الحاكم الماريني أبو يوسف يعقوب اتفاقية سلم مع ملك قشطالة (Castile) سانشو السادس (Sancho VI) ونَصَّت مادة في المعاهدة على أن يصادر الملك النصراني أي كتاب عربي يجده في حوزة أتباعه من اليهود والنصارى (21)، وكان القرآن على رأس القائمة، ثم التفاسير القرآنية، وكتب الفقه، وشملت القائمة حتى كتب قواعد اللغة العربية، والأدب، ووفقاً لما ذكره مؤرخ عربي تم تسليم ثلاث عشرة عربة محمَّلة بالمخطوطات عملاً بهذه المعاهدة، مشتملة على نسخ من القرآن. وبحلول منتصف القرن الخامس عشر، حاول أحد المترجمين - الذين سآتي على ذكر عملهم فيما بعد – الحصول على ترجمة إسبانية للقرآن وأخبره وفده أن هذا الطلب ووجه بشيء من العداء من المسلمين (22)، وفي وقت لاحق، أي في القرن السادس عشر علم الرحالة نيكولاس كلينارد (Nicolas Clénard) في فاس صعوبة حصول نصراني على الأعمال العربية (23). إذن الحصول على النص الأصل كان صعباً، فالممانعة من كلا الطرفين كانت ظاهرة، فطرف يرفض ولوج المعرفة إليه، وطرف يرفض ولوج الآخر إليها، وفيما يخص العصور الوسطى لا نملك إلا أدلة من تاريخ متأخر عن جهود أولئك الذين حاولوا الحصول على نسخ من النص الأصل، وفي المكتبات الغربية توجد نسخ من القرآن تحمل قرائن حسية على أنها مرت بين أيدٍ غربيَّة في تاريخ مبكر، ولكن خط سيرها التاريخي لا يمكن تتبعه بتفاصيله وإلا أن القرائن الحسية في هذه النسخ تمكننا من تتبع المسالك الرئيسة التي تم تداول هذه النسخ من خلالها رغم العراقيل التي وضعت في طريقها هنا وهناك، فالحرب وما يحيط بها من ممارسات شكَّلت مصدراً لا بأس به لجمَّاعة الأشياء المثيرة للاهتمام، وهم رجال الكنيسة والعلماء، فحملة تشارلز الخامس (Charles V) على تونس عام 1535م كانت فرصة للحصول على عدد من المخطوطات (ويمكننا هنا أن نشير إلى ثلاث منها وهي المخطوطات العربية ذوات الأرقام: 438، و439، و440، في المكتبة الوطنية الفرنسية (Bibliothèque Nationale de France) )، ووقعت هذه المخطوطات بين يدي الكاردينال دي قرانفيل (de Granvelle) قبل أن يستقر بها المقام في باريس (24)، والقتال مع العثمانيين حول فيينا وفي المجر مكَّن كثيراً من الجنود الذي شاركوا في هذه الحملات من الحصول على نسخ من القرآن، ومنها المخطوطة (Laud Or. 246) في المكتبة البوديليَّة (Bodleian Library) بأكسفورد التي حصل عليها عام 1593م مَجَريّ أعطاها لعالم العربية الألماني يعقوب كريستمان (Jacob Cristmann) من مدينة هيدلبرك (25)، وفي هذه المجموعة يمكننا أن نُدخل نسخة مجزَّأة بقيت حتى بداية القرن الماضي بالجامع الأموي في دمشق، تحمل في صفحة من صفحاتها، كلمة لاتينية وحيدة كتبت بخط يعود للعصور الوسطى، وهذا يحدونا للاستنتاج بأن هذه النسخة استرجعها المسلمون بعد أن استولى عليها الصليبيون (26). والوقوف على النسخ المبيعة أكثرُ صعوبة، وفيما يخص الفترة التي نبحثها هنا لم أعثر على أي مخطوطة يمكن الجزم بأنها مبيعة، لا في إسبانيا ولا في الشرق. وأخيراً، هناك النَّسْخ، وهي وسيلة شائعة للحصول على المصاحف، ونُسَّاخ أوروبا كُثُر، وأحيانا يتم تكليف المسلمين الآبقين بالنسخ، كما يظهر في المخطوطة العربية ذات الرقم 560، وهي مجموعة من المقتبسات من القرآن، متضمنة ملاحظة تخبرنا أن من قام بالنسخ هو فرانسيس البولوني (Francçis de Boulogne)، وهو: «تركي تسبب في جلْبه إتيين هربرت (Etienne Hurbert) المتوفى عام 1614م أستاذ اللغة العربية في الكلية الملكية (Royal College)، من صفوف حرس الملك، عام 1612م» (27)، ولكن أكثر النسخ كتبت بأيدٍ أوربية، فمن مجموعة المكتبة الوطنية الفرنسية وحدها نجد المخطوطات العربية ذوات الأرقام: 468، و493، و507، وجميعها كتب في القرن السابع عشر، فأولى هذه المخطوطات تحتوي على ترجمة موازية (interlinear) إلى اللغة الفرنسية إضافة إلى النص القرآني (28)، وقام يوحنى الشقوبي (Juan de Segovia) -الذي سنتحدث عنه فيما بعد- بنسخ مصحف وجده عام 1437م في مكتبة ألمانية (29). وأما نشر النص العربي من قبل دار الطباعة باكانينو وباكانينو (Paganino dei Paganino) في البندقية في بداية القرن، كان فاشلاً بكل المقاييس (30) إلى درجة أن هذه الطبعة ظُن أنها خرافية (أي أنها لم توجد أصلاً) لوقت طويل، ولم يكن لها إسهام يذكر في نشر النص القرآني. وعليه نستنتج أنه رغم العراقيل الموضوعة عمداً في سبيل تداول المخطوطات القرآنية، توافرت نسخ منه قبل القرن السادس عشر، ويدلل على هذا مخطوطتان في المكتبة الوطنية الفرنسية: أولاهما، تحمل الرقم 5935، وتحتوي على جزء من النص القرآني، كتبت في القرن الخامس عشر، وقام صاحبها بتجليدها عن طريق مجلِّد فرنسي كما يبدو من طريقة التجليد (31)؛ والثانية، ذات الرقم 384 (32)، أكثر إثارة للاهتمام، وهي نسخة يبدو أنها نسخت في مصر في القرن الثاني عشر، وعليها تَحْشِيَات كثيرة باللغة اللاتينية التي كانت سائدة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وهذا دليل مباشر على الدراسة المُحقِّقة للنص من قبل رجال الدين. وفي عام 1454م، في رسالة موجهة إلى يوحنى الشقوبي، كان نيقولا الأكيس (Nicholas of Cusa) في موضع يؤهله لأن يَدُلّ الأول على ثلاث مكتبات بها نسخ من القرآن، من غير مكتبة بازل التي كانت متاحة ليوحنى الشقوبي في أيتون بسافوي (33). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (6) I. Binark, H. Eren and E. Ihsanoğlu (eds.), World Bibliography of Translations of the Meaning of the Holy Qur’an, Printed Translations, 1515-1980, Istanbul, IRCICA, 1986. (7) M. N. Sefercioğlu and E. Ihsanoğlu, World Bibliography of Translations of the Holy Qur’an in Manuscript Form, I, Istanbul, IRCICA, 2000. (8) هذه لغات إسلامية وتكثر فيها مخطوطات الترجمات (راجع مقدمة الببليوجرافيا لمزيد من المعلومات). (9) انظر على سبيل المثال العيّنات التي قام بجمعها م. أ. فكرت في فهرس مقتنيات آستانة قدس رضوي بمشهد، وعنوان الفهرس هو: A Catalogue of the Manuscripts of the Holy Quran in Translation Preserved in the Library of Âstan-i Quds-i Razavi, Mashhad, 1363/1985. Âstân-i Quds Library publications, No. 10. (10) بينما يُطلق الغربيون اليوم على الفاتحين المسلمين القدامى مسمى Arabs)) أو ”العرب“ إلا أن الأمر لم يكن هكذا في العصور الوسطى المبكّرة (من القرن السادس الميلادي وحتى القرن الثاني عشر الميلادي) إذ كان المسلمون يُعرفون بـ(Saracens)، ويتم الربط بينهم وبين الإسماعيليين – الخالين من سارة، أي الذين ليسوا من نسلها - المذكورين في العهد القديم، والذين كان يُطلق عليهم اسم (Saracens) في أوروبا الغربية منذ القرن الرابع الميلادي، أي قبل فترة طويلة من بعثة محمد ، وهذا التصور الذي يعود إلى عصر ما قبل الإسلام للمسلمين في الفكر الأوروبي الغربي له تأثيرات مهمّة على فهْمنا للعلاقات المسيحية الإسلامية المبكّرة. لقد قدّم الأدب اللاتيني هذا المفهوم إلى التفكير الغربي المثقف مما أدى إلى تطوّر تشكيلة من الأفكار الغريبة والعدائية عن المسلمين على أنها جديدة، وتم استيعابها ضمن التراث الغربي القديم، حتى أن بعض الأفكار المبكّرة حول المسلمين انتقلت، بشكل غير اعتيادي، من الكتابات اللاتينية المثقفة إلى اللغات الأوربية العامية قبل سَنَوات عديدة من قيام الحملات الصليبية مما أدى إلى تغذية التصور الأوربي العام حول المسلمين الـ (Saracens). وفي هذا السياق وجدت فكرتان مبكّرتان بشكل خاص تأييداً كبيراً استمر إلى القرن الخامس عشر الميلادي، بل حتى القرن السابع عشر الميلادي، وهما أن المسلمين الـ (Saracens)يعبدون الآلهة فينوس وأنهم يتعمدون إخفاء هويتهم الحقيقية. وكلمة (Saracens) مأخوذة من الكلمة اليونانية ( (sarakenoiالمأخوذة بدورها من كلمة ”الشرقيين“ العربية. (المترجم) (11) M. Th. d’Alverny, ‘Deux traductions latines du Coran au Moyen-Age’ [ترجمتان لا تينيتان للقرآن في العصور الوسطى], in Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age (1947–1948), p. 74. (12) الموريسكيون ((Moors هو الاسم الذي مكان يطلق استهزاءاً على المسلمين في إسبانيا، وهو مأخوذ من الكلمة اللاتينية Mauri التي أطلقها الرومان على ولاية موريتانيا الرومانية، وتلقي هذه المسميات الضوء على خلفية الصراع بين المسلمين والنصارى في تلك العصور. (المترجم). (13) J. Ribera y Tarrago, ‘Bibliofilos y bibliotecas en la España musulmana’ [جمّاعوا الكتب والمكتبات في إسبانيا المسلمة], in Disertaciones y opusculos, I, p. 228, Madrid, 1928. (14) Ribera y Tarrago, op. cit., pp. 181–2. (15) بوخمان بالألمانية وببلياندر باليونانية، ومعناهما الورَّاق، أي المشتغل بصناعة الكتب. (16) وهي ترجمة روبرت الكيتوني. (17) H. Bobzin, Der Koran im Zeitalter der Reformation, Studien zur Frühgeschichte der Arabistik und Islamkunde in Europa [القرآن في عصر الإصلاح: دراسة في التاريخ المبكر للدراسات العربية والإسلامية في أوربا], pp. 189–90, Beirut, in Komm. bei F. Steiner Verlag, Stuttgart, 1995. (Beiruter Texte und Studien, 42.). (18) L. Marracci, Refutatio Alcorani [دحض القرآن], p. 3, Padua, Tip. Seminarii, 1698. (19) الواقعة: 79 . (المترجم). (20) E. Lévi-Provençal, Séville musulmane au début du XIIe siècle. Le traité d’Ibn ‘Abdûn sur la vie urbaine et les corps de métier [إشبيلية المسلمة في بداية القرن الثاني عشر: رسالة ابن عبدون في الحياة المدنية والمهن], p. 128, § 206, Paris, G. P. Maisonneuve, 1947. (21) جاء في كتاب ابن أبي زرع: «روض القرطاس»، وهو مترجم إلى الإسبانية: Ibn Abî Zar‘, Rawd al-Qirtas, trad. et ann. par A. Huici Miranda, II, p. 681, Valence, J. Nacher, 1964. [Textos medievales, 13.] (22) D. Cabanelas, ‘Juan de Segovia y el primer Alcoran trilingüe’ [يوحنى الشقوبي ومصحف مبكِّر ثلاثي اللغة], in Al-Andalus, 14, 1949, p. 162. (23) R. Le Tourneau, ‘Notes sur les lettres latines de Nicolas Clénard relatant son séjour dans le royaume de Fès (1540-1541)’ [تعليقات على الرسائل اللاتينية لنيكولاس كلينارد المتعلقة ببقائه في مملكة فاس (1540-1541م)], Hespéris, 19, 1934, pp. 45–63. (24) F. Déroche, Catalogue des manuscrits arabes, 2e partie: Manuscrits musulmans I, 2, Les manuscrits du Coran, Du Maghreb à l’Insulinde [فهرس المخطوطات العربية، الجزء الثاني، المخطوطات الإسلامية 1-2، المخطوطات القرآنية، من المغرب وإندونيسيا], pp. 37–8, pl. IX B and XV B, Paris, Bibliothèque Nationale, 1985. (25) R. Jones, ‘Piracy, war, and the acquisition of Arabic manuscripts in Renaissance Europe’[القرصنة، والحرب، والحصول على المخطوطات العربية إبان النهضة الأوربية], in Manuscripts of the Middle East 2, p. 100 and n. 45, pl. 3, 1987. (26) لم تنشر. (27) Déroche, op. cit., p. 102. (28) Ibid., pp. 149–50. (29) Cabanelas, op. cit., p. 161. (30) A. Nuovo, ‘Il Coran arabo ritrovato (Venezia, P. e A. Paganini, tra l’agosto 1537 e l’agosto 1538)’ [إعادة اكتشاف القرآن (البندقية، ب و أ. باكانيني بين شهري أغسطس عام 1537م، وأغسطس 1538م) ], in La Bibliofilia, 89/3, 1987, pp. 237–70; M. Borrmans, ‘Observations à propos de la première édition imprimée du Coran à Venise’ [ملاحظات على طبعة القرآن الأولى في البندقية ], in Quaderni di Studi Arabi, 8, 1990, pp. 3–12. (31) Déroche, op. cit., pp. 34–5 and pl. XIV A. (32) Ibid., p. 53 and pl. XVII. (33) Cabanelas, op. cit., pp. 161–2 and n. 1. ويذكر هارتموت بوبزن (Bobzin, op. cit., p. 30): ويبدو أنه كان لنيقولا الأكيس اهتمام كبير بالقرآن وبترجمة يوحنى الشقوبي، وعندما سافر إلى القسطنطينية طلب نسخة من ترجمة روبرت الكيتوني وأعطاها يوحنى، وطلب إلى الرهبان الفرنسيسكان الموجودين في البتراء أن يروه المصحف، وترجمت له بعض آيات منه. وللمزيد عن نيقولا الأكيس انظر: H. Boockmann, in Deutsche biographische Enzyklopädie, 7, pp. 419–20, 1998. * مرفق: سورة الفاتحة من المصحف المطبوع بالبندقية عامي 1537-1538م، وتظهر عليها كتاباتٌ بالحرف اللاتيني (المترجم)
    2
    0
  • (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 1)


    القرآن الكريم وترجمته في الغرب (1)
    فرانسوا ديروشي
    ترجمة: الدكتور وليد بن بليهش العمري (2)

    تقديم بين يدي البحث
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه:
    يختص صاحب البحث فرانسوا ديروش (François Déroche) – الأستاذ بجامعة السربون الفرنسية- بتاريخ الكتاب في العالم العربي عموماً، وأما تخصصه الدقيق فهو علم المخطوطات (codicology)، وعلم المخطوطات القديمة على وجه التحديد (palaeography)، وهو مشتغل بهذا الفن منذ زمن إذ أصدر كتاباً يرصد فيه المخطوطات القرآنية في المكتبة الوطنية الفرنسية عامي 1983-1985م (3)، وأصدر تباعاً عدداً من الكتب المتخصصة بعلم المخطوطات، كان من بين آخرها صدوراً كتاب بعنوان «تاريخ المخطوطات العربية» (4) عام 2004م، وله عدة دراسات وبحوث معمّقة في المخطوطات الإسلامية.
    وقد أفاد كثيراً من تخصصه الدقيق هذا في إلقاء الضوء على بواكير مشروع ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا فقام بتتبع هذه المخطوطات في مظانها، ووقف عليها ودرسها دراسة دقيقة فاحصة، وله نظرات في استقراء هذه المخطوطات والتعرف حتى على الجانب المادي في ملامحها، استجلاءً للمعلومات التاريخية التي قد تبوح بها الأقلام التي تركت آثارها على هذه المخطوطات.
    ويركز الباحث هنا على دراسة مخطوطات الترجمات الأوربية لمعاني القرآن الكريم في فترة العصور الوسطى - وهي الفترة في التاريخ الأوربي الممتدة ما بين انهيار الحضارة الرومانية، في القرن الميلادي الخامس، وحتى بداية عصر النهضة الذي يبدأ من القرن الثالث عشر – ويُلحق الباحث الترجمات المطبوعة الأولى بهذه الدراسة لغرض عملي وهو صعوبة فصل الحقبتين الزمنيتين: حقبة ما قبل الطباعة وما بعدها، وما للترجمات المطبوعة الأولى من علاقة وثيقة بالمخطوطات، لتأثر الجو العلمي السائد آنذاك بالإرث المخطوط والممارسات العلمية القائمة عليه.
    إضافة إلى هذا فلم يكتفِ بدراسة هذا المخطوطات والوقوف عليها واستنباط النتائج منها بل إنه بسبب إلمامه الجيد بالتاريخ السياسي والاجتماعي في أوربا زاد على ذلك أنه أدخل البعد الاجتماعي والسياسي والتاريخي في قراءته لهذه المخطوطات، وبالتالي في إلقاء مزيد من الضوء على تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم في الغرب، وبهذا فإن البحث يتميز بكثير من الأصالة، مما يحقق الفائدة المرجوة من ترجمته إلى العربية، إفادةً للباحثين المتخصصين بترجمة معاني القرآن الكريم وبخاصة الجانب التاريخي منه.
    كما يتميز البحث الذي بين أيدينا بحسن التوثيق، ودقة تقصي المعلومة، فالباحث لا يطلق عمومات لا داعم لها من أعمال علمية سابقة، بل حرص على الاستفادة من المصادر الأصيلة التي سبقته في بحث جوانب من تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا.
    ويحدد هذا البحث معالم حلقة أوسع في النقاش حول ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا، ولا عجب فترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا تعد من أوائل الجهود المركزة والجادة لنقل معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى وإن كان الغرض منها كما سيأتي في ثنايا البحث ليس التثقيف بل الممانعة، ومحاولة التعرف على الآخر لإقناعه بأفضلية الغرب المسيحي ومحاولة كسب أتباع جدد لهذا الدين.
    وأود التنبيه هنا على جانب لم يظهر في البحث كما يجب، وهو الجانب العدائي في الترجمات الأوربية الأولى لمعاني القرآن الكريم، وقد يعذر الباحث في هذا، لأنه ركز على الجانب المادي والتاريخي في هذه الترجمات، وكما شرط في أول بحثه لم يعمد إلى قراءتها وتفنيد ما جاء فيها (5).
    وتبرز في البحث الملامح التالية لهذا التاريخ:
     صعوبة الحصول على النص الأصل، وهو القرآن الكريم، وتاريخ ممانعة انتقاله من الآخر وإليه.
     عدم توافر معينات المترجم، وأهمها المعاجم، لذا نجد أن بعض المترجمين لجؤوا إلى الاستفادة من أشخاص يعرفون لغة القرآن الكريم إما من العرب أو المسلمين أو المستعربين، ومن هذا يظهر أن الطرف الآخر لم يكن غائباً عن المعادلة، وإن كان في مرحلة التحليل في عملية الترجمة، وأما مرحلة البناء وتشكيل النص المترجم لم يكن حضورهم ذا تأثير يذكر، ويستعاض عنهم برجال الدين النصارى في كثير من الأحيان.
     المعوقات والعقبات الكثيرة التي كان على المترجم أن يمر بها ويتخطاها من أجل أن يحقق الهدف الذي يصبو إليه.
     أن الأماكن التي كانت بؤراً للصدام بين الإسلام والنصرانية –إسبانيا خاصةً- كانت هي التي تم فيها أول نقل لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية، وهي لغة العلم والدين في أوربا، ولغة الطبقة المتعلمة.
     دور رجال الدين النصارى الكبير في تبني مشروع نقل معاني القرآن الكريم، إذ أشرفوا على إعداد هذه الترجمات، وقاموا على شأنها.
     أن الغرض الأساس من الترجمة كان تدعيم المواقف من باب معرفة العدو، وبيان أوجه الضعف في موقفه، وجوانب تفوق ثقافة المترجم عليه.
     تعد هذه الترجمات بحق أحداثاً ثقافية كبيرة، تركت أثرها الباقي على الصورة التي يحملها الغرب عن الإسلام والمسلمين بقدر ما حتى يومنا هذا وبخاصة ترجمة روبرت الكيتوني.

    وأخيراً أو التأكيد على التالي فيما يخص منهجي في ترجمة البحث:
     حرصت على تتبع أسماء الأعلام الواردة في ثنايا البحث، وكتبتها وفقاً للطريقة التي تشتهر بها في الكتابات العربية، وأتبعها في أول موضع لورودها في البحث باسم العلم بالحرف اللاتيني بين قوسين، ليسهل تتبعه في الأوعية العلمية.
     ترجمت عناوين الكتب المحال إليها في البحث، تعميماً للفائدة، ولمن أراد الاستزادة بالرجوع إليها بنفسه.
     قصرت التعليق على المواضع التي رأيت ضرورة ذلك فيها، إما لتوضيح أمر، أو لوضع آخر في نصابه.
     أورد بعض الصور لصفحات من الترجمات الوارد ذكرها في البحث، تقريباً لما يدور حوله النقاش إلى ذهن القارئ.
    والحمد لله رب العالمين.

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) نُشر هذا البحث ضمن أبحاث ندوة اليونسكو العالمية حول رؤية الحضارات بعضها لبعض، المنعقدة في باريس في الفترة من 13-14 ديسمبر 2001م، والمعلومات التوثيقية للبحث هي كالتالي:
    The Koran and its Western translation, François Déroche in
    Civilizations: How we see others, how others see us
    Proceedings of the International Symposium, Paris, 13 and 14 December 2001
    © UNESCO 2003

    (2) المترجم: د/ وليد بن بليهش العمري، باحث متخصص في دراسات الترجمة الحديثة، وله عناية خاصة بمجال ترجمة معاني القرآن الكريم، حيث صدر له عدد من البحوث في هذا المجال.

    (3) وعنوان الكتاب هو:
    Catalogue of the Qur'anic Manuscripts in the BNF.

    (4) Le Livre Manuscript Arabe

    (5) ولمعرفة هذا الجانب من تاريخ الترجمات الأوربية انظر:
    - Denffer, Ahmad von, “History of the Translation of the Meanings of the Qur'an in Germany up to the Year 2000: A Survey”, Journal of Qur'anic Research and Studies, vol. 2, issue 3, 2007.
    - محمد مهر علي، ”دراسات القرآن الكريم الاستشراقية“ (بحث باللغة الإنكليزية، وعنوانه: “Orientalist Studies of the Qur'an: A Historical Survey”)، صدر ضمن أوراق ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، في الفترة من 16-18/10/1427هـ.

    * مرفق:
    غلاف نسخة مطبوعة من ترجمة روبرت الكيتوني اللاتينية وهي الترجمة الأوربية الأولى لمعاني القرآن الكريم، ويظهر عليها كثيراً من التعليقات (المترجم)
    (القرآن الكريم وترجمته في الغرب - 1) القرآن الكريم وترجمته في الغرب (1) فرانسوا ديروشي ترجمة: الدكتور وليد بن بليهش العمري (2) تقديم بين يدي البحث الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه: يختص صاحب البحث فرانسوا ديروش (François Déroche) – الأستاذ بجامعة السربون الفرنسية- بتاريخ الكتاب في العالم العربي عموماً، وأما تخصصه الدقيق فهو علم المخطوطات (codicology)، وعلم المخطوطات القديمة على وجه التحديد (palaeography)، وهو مشتغل بهذا الفن منذ زمن إذ أصدر كتاباً يرصد فيه المخطوطات القرآنية في المكتبة الوطنية الفرنسية عامي 1983-1985م (3)، وأصدر تباعاً عدداً من الكتب المتخصصة بعلم المخطوطات، كان من بين آخرها صدوراً كتاب بعنوان «تاريخ المخطوطات العربية» (4) عام 2004م، وله عدة دراسات وبحوث معمّقة في المخطوطات الإسلامية. وقد أفاد كثيراً من تخصصه الدقيق هذا في إلقاء الضوء على بواكير مشروع ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا فقام بتتبع هذه المخطوطات في مظانها، ووقف عليها ودرسها دراسة دقيقة فاحصة، وله نظرات في استقراء هذه المخطوطات والتعرف حتى على الجانب المادي في ملامحها، استجلاءً للمعلومات التاريخية التي قد تبوح بها الأقلام التي تركت آثارها على هذه المخطوطات. ويركز الباحث هنا على دراسة مخطوطات الترجمات الأوربية لمعاني القرآن الكريم في فترة العصور الوسطى - وهي الفترة في التاريخ الأوربي الممتدة ما بين انهيار الحضارة الرومانية، في القرن الميلادي الخامس، وحتى بداية عصر النهضة الذي يبدأ من القرن الثالث عشر – ويُلحق الباحث الترجمات المطبوعة الأولى بهذه الدراسة لغرض عملي وهو صعوبة فصل الحقبتين الزمنيتين: حقبة ما قبل الطباعة وما بعدها، وما للترجمات المطبوعة الأولى من علاقة وثيقة بالمخطوطات، لتأثر الجو العلمي السائد آنذاك بالإرث المخطوط والممارسات العلمية القائمة عليه. إضافة إلى هذا فلم يكتفِ بدراسة هذا المخطوطات والوقوف عليها واستنباط النتائج منها بل إنه بسبب إلمامه الجيد بالتاريخ السياسي والاجتماعي في أوربا زاد على ذلك أنه أدخل البعد الاجتماعي والسياسي والتاريخي في قراءته لهذه المخطوطات، وبالتالي في إلقاء مزيد من الضوء على تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم في الغرب، وبهذا فإن البحث يتميز بكثير من الأصالة، مما يحقق الفائدة المرجوة من ترجمته إلى العربية، إفادةً للباحثين المتخصصين بترجمة معاني القرآن الكريم وبخاصة الجانب التاريخي منه. كما يتميز البحث الذي بين أيدينا بحسن التوثيق، ودقة تقصي المعلومة، فالباحث لا يطلق عمومات لا داعم لها من أعمال علمية سابقة، بل حرص على الاستفادة من المصادر الأصيلة التي سبقته في بحث جوانب من تاريخ ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا. ويحدد هذا البحث معالم حلقة أوسع في النقاش حول ترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا، ولا عجب فترجمة معاني القرآن الكريم في أوربا تعد من أوائل الجهود المركزة والجادة لنقل معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى وإن كان الغرض منها كما سيأتي في ثنايا البحث ليس التثقيف بل الممانعة، ومحاولة التعرف على الآخر لإقناعه بأفضلية الغرب المسيحي ومحاولة كسب أتباع جدد لهذا الدين. وأود التنبيه هنا على جانب لم يظهر في البحث كما يجب، وهو الجانب العدائي في الترجمات الأوربية الأولى لمعاني القرآن الكريم، وقد يعذر الباحث في هذا، لأنه ركز على الجانب المادي والتاريخي في هذه الترجمات، وكما شرط في أول بحثه لم يعمد إلى قراءتها وتفنيد ما جاء فيها (5). وتبرز في البحث الملامح التالية لهذا التاريخ:  صعوبة الحصول على النص الأصل، وهو القرآن الكريم، وتاريخ ممانعة انتقاله من الآخر وإليه.  عدم توافر معينات المترجم، وأهمها المعاجم، لذا نجد أن بعض المترجمين لجؤوا إلى الاستفادة من أشخاص يعرفون لغة القرآن الكريم إما من العرب أو المسلمين أو المستعربين، ومن هذا يظهر أن الطرف الآخر لم يكن غائباً عن المعادلة، وإن كان في مرحلة التحليل في عملية الترجمة، وأما مرحلة البناء وتشكيل النص المترجم لم يكن حضورهم ذا تأثير يذكر، ويستعاض عنهم برجال الدين النصارى في كثير من الأحيان.  المعوقات والعقبات الكثيرة التي كان على المترجم أن يمر بها ويتخطاها من أجل أن يحقق الهدف الذي يصبو إليه.  أن الأماكن التي كانت بؤراً للصدام بين الإسلام والنصرانية –إسبانيا خاصةً- كانت هي التي تم فيها أول نقل لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية، وهي لغة العلم والدين في أوربا، ولغة الطبقة المتعلمة.  دور رجال الدين النصارى الكبير في تبني مشروع نقل معاني القرآن الكريم، إذ أشرفوا على إعداد هذه الترجمات، وقاموا على شأنها.  أن الغرض الأساس من الترجمة كان تدعيم المواقف من باب معرفة العدو، وبيان أوجه الضعف في موقفه، وجوانب تفوق ثقافة المترجم عليه.  تعد هذه الترجمات بحق أحداثاً ثقافية كبيرة، تركت أثرها الباقي على الصورة التي يحملها الغرب عن الإسلام والمسلمين بقدر ما حتى يومنا هذا وبخاصة ترجمة روبرت الكيتوني. وأخيراً أو التأكيد على التالي فيما يخص منهجي في ترجمة البحث:  حرصت على تتبع أسماء الأعلام الواردة في ثنايا البحث، وكتبتها وفقاً للطريقة التي تشتهر بها في الكتابات العربية، وأتبعها في أول موضع لورودها في البحث باسم العلم بالحرف اللاتيني بين قوسين، ليسهل تتبعه في الأوعية العلمية.  ترجمت عناوين الكتب المحال إليها في البحث، تعميماً للفائدة، ولمن أراد الاستزادة بالرجوع إليها بنفسه.  قصرت التعليق على المواضع التي رأيت ضرورة ذلك فيها، إما لتوضيح أمر، أو لوضع آخر في نصابه.  أورد بعض الصور لصفحات من الترجمات الوارد ذكرها في البحث، تقريباً لما يدور حوله النقاش إلى ذهن القارئ. والحمد لله رب العالمين. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نُشر هذا البحث ضمن أبحاث ندوة اليونسكو العالمية حول رؤية الحضارات بعضها لبعض، المنعقدة في باريس في الفترة من 13-14 ديسمبر 2001م، والمعلومات التوثيقية للبحث هي كالتالي: The Koran and its Western translation, François Déroche in Civilizations: How we see others, how others see us Proceedings of the International Symposium, Paris, 13 and 14 December 2001 © UNESCO 2003 (2) المترجم: د/ وليد بن بليهش العمري، باحث متخصص في دراسات الترجمة الحديثة، وله عناية خاصة بمجال ترجمة معاني القرآن الكريم، حيث صدر له عدد من البحوث في هذا المجال. (3) وعنوان الكتاب هو: Catalogue of the Qur'anic Manuscripts in the BNF. (4) Le Livre Manuscript Arabe (5) ولمعرفة هذا الجانب من تاريخ الترجمات الأوربية انظر: - Denffer, Ahmad von, “History of the Translation of the Meanings of the Qur'an in Germany up to the Year 2000: A Survey”, Journal of Qur'anic Research and Studies, vol. 2, issue 3, 2007. - محمد مهر علي، ”دراسات القرآن الكريم الاستشراقية“ (بحث باللغة الإنكليزية، وعنوانه: “Orientalist Studies of the Qur'an: A Historical Survey”)، صدر ضمن أوراق ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، في الفترة من 16-18/10/1427هـ. * مرفق: غلاف نسخة مطبوعة من ترجمة روبرت الكيتوني اللاتينية وهي الترجمة الأوربية الأولى لمعاني القرآن الكريم، ويظهر عليها كثيراً من التعليقات (المترجم)
    2
    0
شاهد المزيد