المرشد في ترجمة المحتوى الإسلامي (2)

مرشد تدريبي ومرجع تأطيري

 

الكاتب / د. وليد بن بليهش العمري

 

الجَلْسَة السَّابعَة

طُرُق التّعامل مَعَ حَالَاتِ عَدَم التّطابُق

 

أهداف الجلسة

  • التعرف على حالات عدم التطابق.
  • التعرف على طرق التعامل معها.
  • التعرف على كونيات الترجمة.

 

تختلف اللغات من حيث تعبيرها عن الأمور واستيعابها للكلمات التي تعبر عن واقع أهل اللغة ومحيطهم البيئي وعاداتهم الاجتماعية، وكلما زادت الفروق البيئية والاجتماعية بين أهل اللغات زاد البون بين لغاتهم، والعكس صحيح، أي كلما زاد التقارب بين الشعوب تقاربت اللغات. وكلما زاد التلاقح بين اللغات عن طريق الترجمة، وغيرها من سبل التواصل، قلت الفروق بين اللغات، وقد لا تستوعب لغة مفردات لغة أخرى، ولكن أصحابها يفهمون معناها، إذ لا يعني عدم توافر مفردة ما (سواء أكانت لغوية أم ثقافية) في لغة ما أن أهل هذه اللغة لن يفهموها لو شرحت وبينت لهم.

وتتسبب هذه الفروقات في وجود عدم تطابق بين اللغات، بحيث تتوافر مفردات وأساليب لغوية في لغة ما لا تتوافر في لغة أخرى، وعدم وجود تطابق بين اللغتين من أولى المواضع التي تتطلب من المترجم عناية خاصة، تبدأ بالتعرف عليها، ودراستها وتحليلها، ومن ثم أداؤها بلغة بحث تصبح مفهومة.

ويمكن تقسيم هذه الفروق إلى:

١) فروق بيئية واجتماعية،

٢) فروق لغوية، وسنبين فيما يلي كل واحدة منها، وطريقة التعامل معها.

 

أولاً: الفروق البيئية والاجتماعية

تعرفنا على كثير من هذه من خلال تعاملنا مع الثقافة فيما سبق، وفيما يلي طرح مغاير على نحو ما لها:

  • أسماء الحيوانات والطيور: الضبع، العوافي، الهوام، الجوارح.
  • أسماء النباتات والأشجار: العِشْرق، العُبَيْثران، الخَزَامى.
  • الملامح الجغرافية: الشِّعب، القَلِيب، القَرارة.
  • ملامح الطقس: ريح الصَّبا، الهَجِير، القائلة.
  • المال والمقاسات: الدينار، الدرهم، المُد، الصَّاع.
  • الملبوسات: البُرْدة، القُلُنْسوة، البُرْنُس.
  • البيوت والأثاث: الخيمة، بيت الـمَدَر، الحَجَر، القَصْر، الـصُّحفة، الأريكة، العرش.
  • أسماء الأشخاص والأماكن: ابن الصياد، الأعور الدجال، أويس القَرَني، بُحيرْة طَبرَّية، بحيرة ساوة، ما وراء النهرين، عَمُّوريَّه.
  • العادات والممارسات والطقوس: الشِّغار، النسيء، السَّمَر.
  • المفاهيم والقيم والمجَّردات: الشَّجاعة، الحَمِيّة.
  • الموجودات والمسميات: كل ما هو موجود عند الشعوب من أمور نتجت الطريقة التي تتبعها في الحياة. كمجلس الشيوخ، وجد بسبب نظام سياسي معين تتبعه هذه الشعوب.

ومن المعلوم بداهة أن ليس كل هذه الأمور غير معلومة لدى كل الشعوب فهم يتفاوتون في هذا الصدد، فما يكون مجهولا في بلد يكون معلوما في أخرى، وهكذا

ومما يجدر التنبه له أن اللغات قد تلصق بهذه معان غير المعاني المعجمية، يعرفها

أهل اللغة، كما ذكرنا في شأن القيمة المعنوية لــ: «حُمُر النَّعم»، فمجرد ذكر حمر النعم يفيد هذا المعنى، حتى وإن لم ينص عليه النص صراحة.

والسؤال هنا: كيف يمكن التعامل مع هذا المفردات مع عدم وجودها في اللغة المستقبلة؟

هناك خطوتان:

أولاً: التعرف على المعنى المراد: المعجمي، وما وراءه، فلا يمكن أن يشرع في الترجمة ما لم يتم التعرف على المعنى المراد تماماً في سياقه الخاص كما ورد في النص المراد ترجمته، وقد لا يسعفك المعجم اللغوي العام تماماً في فهم المعنى المراد بجميع أبعاده، فيصار إلى معينات المترجم الأخرى، كالمعاجم المتخصصة، والمتخصصين في مجال النص.

ثانيا: الترجمة بالتعبير عن المراد، ويكون بإحدى الطرق الآتية (ولنأخذ لفظ: «عقال بعير» مثالا، فإذا كان غير موجود في اللغة التي تترجم إليها فيمكن التعامل معه كالآتي):

  • البسط: وهو التعبير عن المراد بأكثر من كلمة، كأن يكون بإضافة صفة كاشفة لها أو بوصفها، أو التعريف بها تعريفا مقتضبا بما يتناسب مع المقام. وقد يُعاب على هذا الحل أن الترجمة قد يزيد طولها على الحد المستساغ، ولذا على المترجم التعامل بحذر مع هذا الحل وأن يوازن بين البسط ومقامه في النص، بحيث لا يخرج عن هذا المقام.
  • إبدال الكلمة بكلمة مشابهة من اللغة المستقبلة: ويكون هذا في حدود ما يلي:

١) أن تكون الكلمة الأصل غير محورية، ولا ينبني على معناها الدقيق فهم النص عامة والتأثير في رسالته،

٢) ألا تكون الكلمة الأصلية مقصودة لذاتها،

٣) مراعاة السياق تماماً، والتأكد من أن الكلمة الجديدة تفي بالمعنى المراد من جميع جوانبه المقصودة في النص،

٤) ألا تكون الكلمة الجديدة ذات خصوصية ثقافية محدودة زمانا ومكانا ومعنى، بحيث يرى القارئ في استخدامها غرابة.

  • استخدم الكلمة الأصل، كما هي أي نقحرتها: وهو حل عليه كثير من التحفظات؛ لأن القراء قد لا يفهمونها، ويلجأ إلى هذا الحل في حال أن الكلمة الأصل محورية في النص، ولا يمكن الاستعاضة عنها بغيرها، كأن تكون الحلول المقترحة ليس فيها غُنْية بنفسها. وإن كان لا بد فيمزج هذا الحل مع غيره من الحلول.
  • استخدم كلمة أكثر عموما من حيث المعنى: كاستخدام اسم الجنس، في مكان اسم النوع، فالإبل اسم جنس، والبَكْرة اسم نوع. وفي حالات يمكن استخدام اسم الجنس دون حدوث فقد يذكر في المعنى، فهنا يعد هذا الحل مقبولا.
  • استخدم كلمة أكثر تحديدا من حيث المعنى: كاستخدام اسم نوع مكان اسم جنس. وهذا يراعى فيه أيضاً التحديد الذي لا يخل بالمراد.
  • الأعلام يمكن أن يضاف إليها أو أن تُسبق بوصف مناسب بحالها بحسب السياق كأن يقال: وادي نَمِرة، وجبل الطور، والراهب بَحِيْرا. وحيثما يكون للأعلام قيمة اعتبارية معروفة في الوسط العلمي للنص، تظهر هذه عن طريق الوصف إذا ما تطلَّب المقام إبرازها.

 

إلماحات في اختيار الحل الأنسب

  • قبل اختيار الحل يدرس النص كله لمعرفة معنى المفردة، ووظيفتها في سياقه الأصل، وعليه يتم اختيار الحل الأنسب بحسب هذا المعنى وبحسب هذا السياق.
  • يمكن المزج بين الحلول كأن تستخدم النقحرة، مع البسط، ومع اسم الجنس، ويمكن المزج بين البسط واسم الجنس، وعندما يكون الحل الواحد لا يفي بالغرض لوحده يُقرن بغيره من الحلول، ويختار أنسبها بحسب السياق.

ألا يكون الحل غير مناسب للسياق التاريخي للنص، بحيث تطبق مفاهيم العصر على نصوص تاريخية، كأن يتم اختيار مُحْدَث من محدثات العصر لم يُعلم إلا منذ وقت قريب، ويُطبق على نص تاريخي.

 

ثانيا: الفروق اللغوية

تتفاوت اللغات على المستوى اللغوي تفاوتاً كبيراً، إذ تعبر كل لغة عن المعان المرادة بطرق متباينة، تتفاوت فيها التراكيب والأساليب والقوالب، وهذا ما يسمى بالبنية السطحية، أما من حيث المعنى -أو ما يسمى بالبنية العميقة- فإن المراد يمكن فهمه بأي لغة، ومن ثم التعبير عنها بها بطرقها التي تعتمدها. ونُجمل أهم ما تتمايز به اللغات من حيث المستوى اللغوي فيما يأتي:

  • التركيب وبناء الجمل: بعض اللغات تقدم الفعل على الفاعل، وبعضها يقدم الفاعل على الفعل، وبعض اللغات يميل إلى التراكيب المعقدة، والجمل المطولة، وبعضها الآخر يميل إلى التراكيب البسيطة والجمل القصيرة المباشرة. وهذا من الأسس الذي يقوم عليها أداء المعنى وتجدر متابعة تراكيب اللغة المستقبلة، مع عدم الإخلال بالمعنى، هذا ما لم يتطلب النص -وهو أمر نادر- متابعة الأصل في معناه.
  • الأسلوب: فلكل لغة أساليبها وتراكيبها المختلفة التي توظفها في حمل المعنى: كالتقديم والتأخير، والحصر، والاستغراق، والالتفات، ولكل منها نكتته البلاغية، وغرضه الاتصالي، فإن كان في اللغة المستقبلة أسلوبا مماثلاً فيوظف، وإن لم يكن هناك أسلوب مقابل فينظر في النكتة البلاغية وأهمية وظيفتها في النص، فإن كانت مقصودة ومهمة فيعوّض معناها بحسب أساليب اللغة المقابلة، وإلا فيكتفى بأسلوب اللغة المقابلة.
  • الصيغ الإنشائية: المواقف الاجتماعية المختلفة تتطلب أن يصاغ فيها الحديث بصيغ مختلفة، فهناك الخطب، والقصص، والألغاز والتقارير الإخبارية، ولكل صيغة قوالبها المحددة التي يعرفها بها أهل المجتمع اللغوي. وقد تتفاوت اللغات في هذه الصيغ فتختلف معالمها بين اللغات، وقد لا يكون ثمة صيغة مقابلة في اللغة المستقبلة، فإن وجدت فتترجم لها رغم الاختلافات البسيطة، وإن لم توجد فالمترجم بين أمرين إما أن يستحدث هذه الصيغة في لغته، وإما أن يغفلها، وهذان القراران الأخيران يجب أن يكونا واعيين ومراعيين للمقام والسياق.
  • المجاز: توظف اللغات الكنايات، والاستعارات، وغيرها من ضروب اللغة المجازية، لتحقيق أغراض بلاغية متعددة، وعادة ما تكون ذات خصوصية ثقافية (كأن تكنى العرب عن الكرم بــ: «كثرة الرماد»، فيقولون: «فلان كثير الرماد»)، وهذه إن وجد لها مقابل تترجم إليه، مع مراعاة وظيفة اللغة المجازية في الأصل والغرض منها، وإن لم يوجد فتترجم مباشرة.
  • الأمثال والتعبيرات الاصطلاحية: وجاء ذكرها عند الحديث عن عناصر الثقافة اللغوية فيما سبق من هذا المرشد، وهذه إن كانت موظفة توظيفا مقصودا في النص، وليس مما جرت به العادة فيبحث عن مقابل لها، وإن وجد استخدم مع التنبه إلى وظيفتها في النص، وما يفهم أهل اللغة من المثل أو التعبير الاصطلاحي الموظف في الترجمة، وما ليس له مقابل يترجم مباشرة.
  • التلازم اللفظي: وهو أن يكون اللفظ ملازما للفظ آخر ومصاحبا له، كأن يقال: «تعاون وثيق»، فصفة «وثيق» عادة ما تصاحب كلمة «تعاون» أكثر من غيرها من الصفات الأخرى المحتملة، وهذا التصاحب يزداد وثوقا كلما درج المجتمع اللغوي على استخدام الكلمتين متلازمتين، فلا يقال: «صدقة مستمرة» بل: «صدقة جارية»، حتى يكون ذكر إحداهما يستحضر الأخرى في ذهن المتلقي تلقائيا، وفي الترجمة تكون مراعاة المتلازمات ضرورية لأداء رسالة الأصل ولقبوله على نحو أكبر من مجتمع المتلقين، وحتى لا يظهر النص المترجم غريبا على المسامع.
  • عموم ما يُخرج اللفظ عن مقتضى الظاهر وعن معناه المعجمي: ظاهر اللفظ هو معناه الأولي الذي عادة ما نجده في المعاجم، ولكن عند دخول الألفاظ معترك الحياة، فإنها تكتسب معاني مضافة إلى تلك المعاني، وقد تخرجها عن مقتضى ظاهرها، كأن يُقال: «سبحان الله» للاستنكار الشديد، وفي هذه الحال يكون الاعتبار للمعنى الجديد لا للمعنى المعجمي، وهذا ما يؤدَّى في الترجمة.

 

كونيات الترجمة

من مقتضيات عدم التطابق بين اللغات أن يُوجِد المترجمون حلولا للتعامل مع المشكلات التي يفرزها النص الأصل بغية الالتفات حولها لأداء رسالة الأصل، وطبيعة الاختلاف هذا وطبيعة الترجمة أوجدت ما يسمى بــ: «كونيات الترجمة»، وهي: الملامح والقوانين العامة التي يمكن ملاحظتها في الترجمات، بغض النظر عن الزوج اللغوي، وهي قواعد تتحكم في السلوك الترجمي عند المترجمين، ويتحقق فيها شرط الترجمة الأساس القائم على الإفهام، فالترجمة غير المفهومة تصل إلى حد المارسة العبثية، ولذا نجد أن المترجمين بحكم هذه الرغبة الطبعية يظهرون أنماطا في التعامل مع العمل الترجمي، تتكرر في كثير من النصوص؛ لتصبح بذلك ظاهرة وأنساقا يمكن أن يُطلق عليه مسمى «كونيات»، وقد أثبتت البحوث التطبيقية الجادة المبنية على المكانز الترجمية أن هناك ملامح عامة تغلب على الترجمات، وتعرفت البحوث في هذا المجال على عدد من كونيات الترجمة من أهمها:

  • التبسيط (وتجنب التكرار الوارد في النص الأصل): وهو من كونيات الترجمة، وتم التعرف على ثلاثة أنواع من التبسيط في الترجمات: تبسيط لفظي، وتبسيط نحوي، وتبسيط أسلوبي. والتبسيط يظهر في حال عدم وجود تطابق في الزوج اللغوي على هذه المستويات، ومحاولة المترجم التعامل معه والالتفاف حوله. والتبسيط اللفظي يشمل ما يلي:
  • استخدام اسم جنس في حال عدم وجود اسم نوع مقابل، أي استخدام لفظ أكثر عموما.
  • مقاربة المفاهيم المذكورة في النص الأصل.
  • استخدام المقابلات المألوفة عند أهل اللغة المستقبلة لتلك التـي قد تكون نادرة في النص الأصل.
  • استخدام البسط والإفراد والشرح. والتبسيط النحوي: يتمثل في إظهار المستتر، وتقديم أجزاء من الجملة وتأخير أخرى بما يتوافق مع القواعد النحوية للغة المستقبلة. والتبسيط الأسلوبي يشمل: تقطيع الجمل الطويلة، وإبدال التراكيب المعقدة بأخرى واضحة ومباشرة، وحذف التكرار، وحذف المعلومات الإضافية الزائدة.
  • الإيضاح: وهو من كونيات الترجمة، ويقوم على زيادة ألفاظ ليست من الأصل من أجل تقريب الترجمة من المتلقي، وتسهيل فهمها عليه، كأن تُظهر أدوات الأدوات التي تربط بين الجمل، وتعزز تسلسل الأفكار في النص، وإضافة التعليقات والشروح، وتكرار بعض المعلومات الواردة سابقا لتأكيد فهمها، والتدخل لتوضيح المبهم في النص الأصل. وقد ينشأ الإيضاح من عملية الترجمة نفسها التي تقوم على فهم الأصل وأدائه في الترجمة، وهي عملية تفسيرية، يظهر أثرها في المنتج النهائي.
  • التطبيع: وهو من كونيات الترجمة، وقائم على جعل الترجمة تتوافق مع المعمول به في اللغة الهدف، مثلا من حيث: علامات الترقيم، وطول الجمل وتركيبها، والتلازم اللفظي، وذلك لكي يتقبل المتلقي الترجمة.

ومن هنا يجدر الحديث عما يمكن أن نسميه بــ: «الترجمة البسطية»، وهي التي تبسط ما جاء في الأصل من أجل إفهامه وإيصال رسالته، وكما رأينا فإن اللغات تختلف ولا تتطابق على مستويات عدة، كما أن الثقافات تختلف، وأيضاً تختلف الطرق التي يتعامل بها أهل اللغة معها، والوظائف التي يوظفونها لها، وكل هذا ليس مدعاة للقول باستحالة الترجمة بل على العكس، كل هذا يؤكد الدور المحوري الذي يؤديه المترجم في التعامل مع كل هذه العقبات، لأداء الرسالة.

فقد يترجم المترجم نصا تظهر عليه ملامح ثقافة الإملاء (وهو: أن يملي الشيوخ على طلابهم)، بما فيها من لغة مزهرة، وتكرار، وتنميق عبارة، وبقايا النصوص المحكية، إلى لغة لا تعرف هذه الثقافة وليس فيها هذه الملامح، فعنـدها تحتـاج إلى الغوص إلى المعاني، والتعامل مع عدم التطابق بالبسط وبالطرق الأخرى التي ذكرنا.

 

الجَلْسَة الثَّامِنَة

تصْحِيحُ المَفَاهِيم: التّرجَمَة في فراغٍ

 

هدف الجلسة

  • مناقشة الملامح العامة للترجمة الإسلامية، والتعرف على أسبابها، وحلولها.

 

الملامح العامة للترجمة الإسلامية

تختلف ملامح المحتوى الإسلامي المترجم، باختلاف المترجمين، وطبيعة النصوص المترجمة، واللغات المترجم إليها، وثقافة الترجمة المنتشرة في البلدان واللغات. ولكن من يتتبع الترجمات المعنية بنقل المحتوى الإسلامي، أو ترجمة المحتوى الإسلامي يمكنه أن يستشف ملامح عامة لهذه الترجمات، ومن أهمها:

  • عدم مراعاة السياق وما له من تأثير فيما يترجم.
  • الحرفية الشديدة، والتعلق بمبنى الأصل.
  • الإكثار من الاعتياد على النقحرة.
  • استخدام الحواشي والتعليقات دون ضوابط مرعية.

ومن يدقق في هذه الملامح يجد أن هناك ترابطا وثيقا فيما بينها، ويمكن أن نعزو سببها العام إلى النظرة القاصرة إلى الترجمة مما أدى إلى انتشار الترجمة في فراغ.

 

الترجمة في فراغ

الترجمة في فراغ هي التي تكون خالية من السياق، ولا يحدد فيها بدقة الغرض من الترجمة، والمستهدفين بها، أي يوجد فيها خلل من الناحية التخطيطية، وغالبا ما يكون دور المترجم - وهو قطب الرحى في عملية الترجمة- لا يعدو كونه الناقل، وليس الوسيط والمستشار. لذا غالبا ما نجد أن المترجم لا يتم اختياره بعناية ابتـداء، فيكفـي في ذهن من ينحو هذا المنحى أن يكون المترجم صاحب لسانين، من غير المدربين والمتمرسين على القيام بهذا العمل، ولا حتى يشترط فيه أن يكون من بني جلدة القوم الذين يترجم إليهم وله معرفة كبيرة بحاجاتهم المعرفية وحساسياتهم، ولذا يُحَّجم دوره في التعامل مع الحروف المكتوبة، ولا يستشار من قبل المبادرين في المشروع، وعليه لا يُمنح الصلاحيات اللازمة للتصرف المفيد. وحتى إن كان المترجم هو من بادر في العمل فإنه يتبع هذه الثقافة المتجذرة، ولذا نجد أن هذه الترجمات في أحسن الأحوال لا تخدم الغرض منها، بل إنها قد تضره.

ووجود ثقافة الترجمة في فراغ تعود إلى أسباب نوضحها فيما يلي:

 

أولاً: عدم التخطيط الجيد للترجمة

وهذا يعود لعدم إدراك دور الترجمة وأثرها الحقيقي، فهي ينظر إليها عموما على أنها مجرد نقل، وعمل ثانوي تابع للكتابة لا يختلف في طبيعته عنها وليس له إملاءاته الخاصة، وهذا تصور يشوبه الكثير من القصور، إذ إن دور الترجمة وتأثيرها تأثير بالغ لا يسع من يقدم عليها أن يكون غافلا عنه بأي حال، وطبيعة الترجمة تختلف عن الكتابة اختلافا كبيرا لاختلاف ظروف استقبالها.

وإذا ما تركنا هذه النظرة القاصرة وراء ظهورنا وأقدمنا على الترجمة بوعي وعقل منفتح، فإن أولى ما هو حري أن يُرعى الاهتمام اللازم هو التخطيط الجيد لمشروع الترجمة والابتعاد عن الارتجال والعفوية في العمل. وفي هذه المرحلة يسأل عن غرض الترجمة، ويكون تصور واضح عن سبب المبادرة إليها. ومن المتعلقات اللصيقة لهذا تحديد شريحة القراء المستهدفة، إذ إن غرض الترجمة هو إحداث تأثير لدى هـذه الشريحة تحديدا. كما يتطلب هذا التخطيط لإدارة مشروع الترجمة منذ أولى خطواته، و حتى نشره و استقبال الآراء حوله.

 

ثانيا: الخلل في إدراك الدور الحقيقي للمترجم

من متعلقات نبذ تصور الترجمة على أنها نقل مجرد، أن المترجم ليس مجرد ناقل، فالترجمة بطبيعتها تتطلب أن يكون المترجم على قدر من حسن التصرف واتخاذ القرارات المناسبة؛ ليتغلب على المعوقات التي تقابله في أداء رسالة النص من الناحيتين اللغوية والثقافية، فمن باب: التطابق بين اللغات يكاد يكون معدوما على مستوياتها المختلفة: الصرفية، والصوتية، والنحوية، والدلالية، والبلاغية، والأسلوبية، ومن حيث الصيغ الإنشائية واستخداماتها الوظيفية الاجتماعية. ومن باب آخر فإن اللغات تنشأ في بيئات مختلفة وترتبط ارتباطا وثيقا بثقافات الشعوب، مما يطبع كثير من ملامح هذه الثقافة على اللغة على مستويات مختلفة، لا تكاد تنفك عنها بأية حال. وكذا فـإن الترجمة تتطلب التعامل مع كثير من الموازنات التي يفرضها سياقها الذي يختلف عن سياق الأصل.

وهذا لا يكفي فيه أن يكون المترجم صاحب لسانين وحسب، هذا هو أقل المطلوب، ولكن هذا دور كبير يحتاج إلى تمرس ودربة وحسن تصرف، كما له دور مهم ومؤثر في أن تؤدي الترجمة الغرض منها لمعرفته اللصيقة بمن يترجم إليهم: خلفياتهم، وحساسياتهم، والمناسب لهم من غير المناسب. ودور المترجم هنا يتخطى دور الناقل إلى الوسيط والمستشار الثقافي. وهذا يطلب أن يستشار في أمر الترجمة قبل الشروع فيها، وأن يبادر هو بالإشارة.

 

ثالثا: عدم مراعاة المقام الاتصالي

تتكون العملية الاتصالية من: مرسل، ورسالة، وأداة إرسال، ومستقبل. وكل عملية اتصالية تحدث في سياق خاص، وفي مقام خاص يتناسب والرسالة. فصاحب الرسالة يود أن يؤدي من خلالها غرضا ما، ويحدث تأثيرا يرنو إليه؛ مراعيا في صياغتها أحوال المستقبلين، ومعتمدا على المخزون المشترك (اللغوي، والثقافي، والمعرفي) بينه وبين المستقبلين، وأيضاً يراعي المقام الذي تلقى فيه الرسالة، أو ما يمكن أن نعبر عنه بمقامها. ويمكن تمثيل هذا صوريا على النحو التالي.

والترجمة عملية اتصالية تقوم في الأساس على الرسالة الأصل، ولا يسعها أن تغفل مكونات المقام الاتصالي من ناحية، ولكن في المقام الأول لا يسعها أن تغفل مقامها الاتصالي الجديد، الذي يؤدي فيه المترجم دور المرسل ويراعي حال المستهدفين الجدد وسياق الاتصال.

واختلاف جميع هذه المعطيات والعناصر يتطلب حسن فهم من المترجم، وإدراكا خاصا لمتطلبات المقام الجديد للاتصال، ومراعاة أبعاده الجديدة، هذا إذا ما أردنا للترجمة أن تؤدي غرضها المنشود، وتتلافي سوء الفهم.

 

رابعا: إطلاق الأحكام العامة

من تبعات الترجمة في فراغ أيضاً إطلاق أحكام عامة في الترجمة وتعميم الحلـول دون مراعاة للحالات الخاصة، ويُرى أن بعض الحلول تنطبق في جميع الأحوال والظروف، دون مراعاة لاختلاف المقام الاتصالي وعناصره ومتطلباته. فكل مقام اتصالي، بما له من مكونات، وبخاصة المستقبلون والسياق، تفرض إملاءات خاصة بها، على المترجم أن يعيها ويراعيها عند أداء الرسالة.

ولا يسع المترجم أن يطبق منهجا عاما في الترجمة عند ترجمته، إلا في أضيق الحدود، ولذا نجد أن النظرة السائدة في دراسات الترجمة اليوم هي العدول عن إطلاق الأحكام العامة بالقول بــ«صواب» ترجمة ما أو ب «خطئها»، إلى كونها «مناسبة» أو «غير مناسبة» - هذا إذا ما افترضنا ابتداء أن الترجمة يقوم بها من هو أهل لها- وهذا يعود إلى وجود معطيات ومتغيرات كثيرة تتحكم في عملية الترجمة، وعلى المترجم أن يكون مدركا لهذه المتغيرات مما يجعل القرار الذي يتخذه أكثر مناسبة للمقام، وفي المقابل فإن النظرة للترجمة في إطار الصواب والخطأ موهمة بتوافر منهج ترجمة ثابت لا يتغـير على اختلاف المقامات الاتصالية.

 

خامسا: عدم مراعاة ما تخرج الألفاظ عن معانيها المعجمية

تغفل الترجمة في فراغ عادة مراعاة ما يخرج الألفاظ عن معانيها المعجمية، وذلك بتحجيمها دور المترجم، والاعتماد على المترجم الناقل، فالألفاظ تكتسب في مجتمعاتها وبين أهلها معان أبعد من المعاني المعجمية، وما هو في المعاجم عادة لا يخرج عن كونه توضيح لما يدل عليه اللفظ، ويغفل ذكر المعاني الإيحائية التي تكتسبها الألفاظ في مجتمعاتها، فالألفاظ في استخدام أهلها تكتسب معاني زائدة، فهى قد تكتسب معاني سلبية، ولا تستخدم إلا في سياقات سلبية، وقد تكتسب في المقابل معان إيجابية ولا توظّف في سياقات إيجابية. وقد تطلق اللفظة والعبارة ويراد بها أبعد مما هو في المعجم.

وهذا بعد لطيف لا يفطن له إلا من عاشر اللغة في بيئتها الطبيعية، وتمرس فيها، وكان على قدر كبير من الإحاطة بها، واعتماد المترجم على المعجم فقط، يؤدي حتما إلى إغفال هذا البعد، وقد ينتج عنه استخدام الألفاظ في أماكن غير مناسبة، تؤدي بدورها إلى الإضرار بغرض الترجمة إلى حد بعيد، وقد تؤتي نتائج غير مرضية.

 

المهمة التدريبية الصفية (٦)

  • عرف الترجمة بناء على ما سبق وما تعلمته في هذه الدورة.
  • ناقش المهمة التقويمية (٤) مع زملائك:

اختر نصا ليترجم إلى لغتك مبينا الآتي: سبب الترشيح (يشمل شرحا عن النص المرشح: موضوعه، ومؤلفه، وأهميته التاريخية -إن وجدت-، وهل هناك ملامح للنص (لغوية وغيرها) يجب التنبه لها، وأوجه المفاضلة بينه وبين الكتابات التي تناولت الموضوع نفسه، ومدى الحاجة إليه بالنسبة لمن تترجمه لهم)، من هم أعضاء فريق العمل، من هم المعنيون بالترجمة، ما هي استراتيجياتك في الترجمة، هل هناك اعتبارات لغوية يجب عليك مراعاتها، ما هي معيناتك في الترجمة (كتب، ومعاجم، وموسوعات، ومصادر ثانوية، وترجمات سابقة، ومعينات إلكترونية، وأهل اختصاص)، والمشكلات المتوقعة في ترجمة النص وطريقة التعامل معها، وأين وكيف ستنشر الترجمة بعد الانتهاء منها، وما هي المراحل والخطوات التي ستتبعها لإتمام العمل؟

 

الجَلْسَة التَاسِعَة

مُمَارَسَاتٌ جَيّدَة وتنبيهَاتٌ مُهمَّة

 

أهداف الجلسة

  • التعرف على الممارسات الجيدة التي يجدر بالمترجم اتباعها لتحسين جودة عمله.
  • الوقوف على بعض الأمور التي يجب التنبيه عليها، وهي سائدة في أوساط المترجمين.

 

أولاً: ممارسات جيدة

هناك عدد من الممارسات الجيدة في مهمة الترجمة، يجدر بالمترجم الحريص أن يأخذ بها، ليخرج عمله متقنا، ويكون أقلَّ مشقة، وأقلَّ كُلْفة، وسنتعرف في هذه الجلسة على عدد منها. ولقد أتينا على ذكر عدد من الممارسات الجيدة في الترجمة كإشباع النص المراد ترجمته دراسة وتحليلا، وأن تمر الترجمة من خلال مراحل العمل المتعـددة، وألا تتم الترجمة في فراغ، وغيرها.

 

١ . الإفادة من معينات المترجم الإلكترونية

أتاح الحاسوب، والتقنيات المتعلقة به، عددا من الخدمات التي لم تكن متوافرة في عصر ما قبل الحاسوب، فإضافة إلى اختصار الوقت والجهد، يتيح الحاسوب عددا من الخدمات والمزايا التي تجعل من العمل أكثر دقة وإتقانا، ولا يسع المترجم الجاد بأي حال أن يعتمد الأساليب التقليدية في العمل بأي حجة كانت، وهناك العديـد من الخدمات الإلكترونية التي يمكن المترجم الإفادة منها أيما إفادة، نذكر منها:

  • معالجات النصوص: هناك عدد من البرامج الحاسوبية مهمتها الأولى الكتابة وإدخال النصوص، وتسمى معالجات النصوص. ومن الخدمات التـي تتيحها هذه المعالجات: التدقيق الإملائي، والتدقيق اللغوي، والبحث في النص عن كلمات معينة مع إمكان إبدالها، وتنظيم النص وإخراجه، ومعالجة الحواشي وقائمة المراجع، وإخراج الفهارس، وتخزين الملفات المترجمة للرجوع إليها في المستقبل، واستخراج المصطلحات منها، وغيرها من الخدمات الأخرى التـي لا يمكن حصرها في هذا المرشد.

وعلى المترجم أن يتعرف على الخدمات التي يتيحها المعالج النصي الذي يعتمد عليه، وألا يتعامل مع معالجات النصوص بالطريقة نفسها التي يتعامل فيها مع الورقة والقلم، للبون الشاسع بينهما في الخدمات والمزايا التي يتيحها معالج النصوص، ولكن عليه التنبه لئلا يتعمد كلّية على البرنامج ليدقق له الأخطاء الإملائية مثلا، بل عليه أن يكون هو متابعا لكل ما يرى البرنامج أنه خطأ ويحكم عليه هو بنفسه.

  • المراجع والمكتبات الرقمية: أي المراجع والكتب المتوافرة بصورة رقمية، وهي عادة ما تكون متوافرة على اسطوانات (CD)، وأيضاً يمكن تحميلها من الإنترنت، وهي تختصر مكتبة كبيرة، على سطح مكتبك، وقد تحمل اسطوانة واحدة ألف كتاب أو يزيد، ومختصر وقت البحث عن المعلومة، فيمكن الوصول إلى معلومة ما أو أثر أو حديث في أكثر من مصدر ومرجع، ومن المفيد جدا أن يحمل المترجم ما يحتاج إليه من الكتب في عمله، ككتب الحديث، والكتب العمد في العلم الذي يترجمه، والمعاجم اللغوية، وهذا يتيح له سهولة الوصول إلى المعلومة، والتعمق أكثر في فهمها. ويجدر التنبيه هنا على أن عددا غير قليل من البرامج المتوافرة في الأسواق هي برامج هدفها الربح التجاري في المقام الأول، وبالإضافة على ضرورة العناية بدقة البرامج واطمئنان المترجم لها، لذا عليه أن يَعُدَّ هذه المراجع الرقمية وسيلة للوصول إلى المعلومة في مظانها، ومن ثم الرجوع إلى الطبعات الورقية للمراجع للتأكد إن لزم الأمر.

ويلحق بهذه البرامج المعدة لخدمة الباحث، كتلك التي تساعد في تخريج الأحاديث واقتباس نصوصها، وتخريج الآيات القرآنية واقتباسها (مصاحف النشر الحاسوي)، وغيرها من الخدمات البحثية.

  • الإنترنت : الشبكة العالمية باب واسع وبحر متلاطم، خدماتها لا تكاد تحصى، وكم المعلومات المتوافر فيها لا يكاد يكون له حد، ومن الخدمات التي تتيحها الشبكة العالمية: الكتب والمراجع العلمية، والموسوعات، والمعاجم المتعددة، ومن الخدمات التي تتيحها الإنترنت أنها مكنز لغوي كبير لعدد غير قليل من اللغات، ويمكن المترجم أن يراجع فيها طريقة مناسبة كلمة ما للاستخدام (معناها الإيحائي، ما يتلازم معها من الألفاظ والضمائر، مناسبة استخدامها في سياقات معينة) بإدخالها مثلاً في محرك بحث لكي تظهر له الكلمة في سياقاتها المتعددة. وكما هو الحال مع المكتبات والمراجع الرقمية فإن مواقع الإنترنت

ليست جميعها على قدم المساواة من حيث الدقة، وإمكان الوثوق فيما تتيحه من معلومات، بل إن الوضع يكون أكثر حدة فيها، لذا على المترجم ألا يأخذ ما جاء فيها على عواهنه، بل عليه أن يكون مدققا فيما يستقيه من معلومات.

وما تتيحه مواقع الإنترنت المتخصصة في الترجمة وفي العلوم الأخرى يجد المترجم كتابات وبحوث، تزيد من إحاطته بالعلوم التي يعمل بها، والمنتديات التي تنبهه على الجديد، ويمكن من خلالها طرح قضايا للنقاش، فمن المفيد أن يضع المترجم هذه المواقع في قائمة المواقع المفضلة لديه، وأن يزورها بين الفينة والأخرى.

كما تتيح الإنترنت ما يُسمى بالمجموعات البريدية ذات التخصص والاهتمام الواحد، ويمكن عن طريقها طرح موضوع للنقاش يرسل إلى عنوان بريدي واحد، ولكن يطلع عليه جميع المسجلين في هذه المجموعة، ويردوا عليه، وهذه الردود أيضاً يستقبلها الجميع على عناوينهم البريدية الخاصة.

  • البريد الإلكتروني: البريد الإلكتروني يختلف عن البريد التقليدي في أمور، فهو بالإضافة إلى إتاحته للتواصل، يختلف عن البريد التقليدي في سهولة الاتصال، وتجاوز الحواجز والحدود الجغرافية، ونقل الملفات بأحجامها وأشكالها المختلفة. ويمكن المترجم عن طريق البريد الإلكتروني أن يتواصل مع المتخصصين والخبراء، لاستشارتهم في أمر ما، ويحصل على الإجابة السريعة التي قد تفصَّل في متن الرسالة نفسها، وقد تحيل إلى موقع شبكي يجد فيه من الإجابة ما لم يكن قد وقف عليه من قبل، ويمكن إرسال الترجمة إلى صاحب العمل، أو المراجع، أو المحرر، في أي مكان من العالم مختصرا بذلك الكثير من الوقت والتكلفة؛ إذ إن تكلفة الإيميل لا تقاس بأي حال بتكلفة البريد التقليدي (الورقي). والملفات المرسلة بالطريقة الإلكترونية يسهل تخزينها وحفظها واسترجعها، تكون عادة مهيأة للنشر بصورة آمنة.

 

٢. بناء مكانز الترجمة

المكانز (corpora) هي أيضاً من الخدمات الإلكترونية التي يتيحها الحاسوب، وتسهم على نحو فاعل في تسهيل عمل المترجم، والارتقاء بجودته. والمكانز هي عدد من النصوص الإلكترونية المجموعة، التي عادة ما يجمع بينها أمر ما، كأن تختص جميعها بموضوع معين، أو أن يكون كاتبها واحدا، ويكون الغرض منها هو دراسة ظاهرة ما، كاستخدام بعض الأساليب (أسلوب التمريض مثلا)، عند هذا الكاتب أو في هذا الحقل المعرفي.

وما يهمنا هو المكانز الترجمية، أي مجموعة النصوص المترجمة، وبخاصة أولاً: طرق إنشاء هذه المكانز، وثانيا: طرق الاستفادة منها.

أولاً: إنشاء المكانز الترجمية: يمكن بجمع النصوص المترجمة بعدة طرق:

  • أن يقوم المترجم بحفظ جميع نصوصه التي ترجمها بطريقة وجعلها متوافرة في الحاسوب (وهذه فائدة أخرى لاستخدام معالجات النصوص في الترجمة).
  • بواسطة الإدخال اليدوي لنصوص مترجمة وهي عملية مكلفة وغير مجدية إلا في نطاق ضيق جدا.
  • أو أن يقوم المترجم بجمع النصوص المترجمة المتوافرة بصيغة إلكترونية عن طريق البحث والتقصي، أو من خلال اسطوانات هذه الترجمـات إن كانت متوافرة فيها، ولكن الطريق الأوسع والأكثر ثراء هي:
  • البحث عن هذه النصوص في الإنترنت، التي هي أكبر مصادر النصوص الإلكترونية، فعل سبيل المثال قد تكون مهمة الترجمة متعلقة بترجمة كتاب عن الأدعية المأثورة، فيمكن في هذه الحال البحث في الإنترنت عن كتب مشابهة ترجمت في هذا الباب من قبل، ومن الجيد أيضاً أن يجمع المترجم في حصيلته كل ما يقع عليه من كتابات إسلامية مترجمة بلغته، في قاعدة بيانات شاملة. ويكون تحصل المكانز من الإنترنت وفقا للخطوات التالية:
  • إيجاد المواقع المناسبة.
  • تنزيل الملفات المناسبة من هذه المواقع.
  • تصنيف هذه الملفات وتخزينها في حافظات.
  • البحث في هذه الملفات المصنفة، عند الحاجة.

وتحتوي محركات البحث عادة على أدلة موضوعية يمكن البحث فيها عن الكتابات الإسلامية بلغتك.

ثانيا: طرق الاستفادة من المكانز: الهدف الأول من بناء هذه المكانز هو الإفادة منها في الترجمة، فكتب مثل القرآن الكريم، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم كثيرا ما يتم الاستشهاد بها في الكتابات الإسلامية، ولذا من الضرورة بمكان أن يجعل المترجم ترجماتها متاحة له بصيغة إلكترونية؛ ليفيد منها في ترجمته هذه النصوص، هذه هي إحدى طرق الإفادة من المكانز الإلكترونية، ولكن التجربة الواقية وطول المِران، ستفتح الآفاق أمام طرق أخرى للإفادة منها وستؤكد أهميتها في العمل.

وفيما يخص تصنيف هذه المكانز فإنها تختلف بحسب طريقة جمعها، فمنها: المتخصص والعام، إذ يفيد المتخصص في خدمة مشروع بعينه، إلا أن العام له صفة الاستمرار في أكثر من مشروع، ومنها: أحادية اللغة، أي تلك التي تكون بلغة واحدة، وهي عادة ما تكون لغة الترجمة، ومنها ما هو موازٍ أي ثنائي اللغة تكون فيه الزوج اللغوي بعضها بإزاء بعض، بحيث تسهل المقارنة بين الأصل والترجمة، والمكانز المتوازية مفيدة جدا في مشروعات الترجمة، والوقوف على كيف تعامل المترجمـين مع إشكالات بعينها.

وهناك أيضاً مكانز تحتوي على عدة ترجمات قام بها مترجمون مختلفون لنص واحد، وهذه مفيدة أيضاً للمقارنة بين هذه الترجمات، وليكون المترجم على بصيرة بما يأخذ من هذه المكانز.

وعلى أي فإن الحذر من الأخذ منها كل ما جاء فيها دون تدقيق مطلوب، وما هذه المكانز إلا خيار متاح أمام المترجم للاستفادة منه وتوظيفه في عمله.

 

٣. إدارة المصطلحات

لكل علم وفن مصطلحاته التي يقوم عليها، ويتعارف أهله بها، ويتمايزون بقدر معرفتهم بها وبحدودها ومعانيها، والنصوص الإسلامية حافلة بالمصطلحات الخاصة بكل علم من العلوم الشرعية، ولا يكاد يخلو كتاب أو رسالة من هذه المصطلحات والمترجم عند التعامل مع هذه النصوص لا مناص له من التعامل مع هذه المصطلحات، وهي قد تتكرر في النص الواحد، وعادة ما تتكرر في النصوص المتعددة، وبخاصة إذا ما تخصص المترجم في ترجمة علم بعينه، ككتب الفقه، أو الحديث مثلا.

وعادة ما تكون هذه المصطلحات هي الكلمات المفتاحية التي يقوم عليها النص، وإن لم تكن كذلك فمن المهم أن يقوم المترجم بجمع هذه المصطلحات أثنـاء قيامه في عمله في مسرد خاص يكون مرجعا له عن الحاجة في ترجماته المستقبلية. ويكون المصطلح موزعا في جدول وفقا للأعمدة التالية:

  • المصطلح باللغة العربية.
  • ترجمته باللغة المستقبلة.
  • تعريف موجز بهذا المصطلح، وفقا لحدوده المتعرف عليها عند أهل الاختصاص؛ لكيلا يقوم واهما في المستقبل بتطبيقه على مصطلح آخر مجاور له في الدلالة.

وتسمى هذه المسارد أيضاً بنوكا للمصطلحات، إلا أن بنوك المـصطلحات لا تنبني على الترجمات الشخصية للمترجم، وعادة ما تكون أكبر من حيث القدر، ويمكن المترجم جمع المصطلحات عن طريق التنقيب في المكانز الترجمية التـي تحدثنا عنها سابقا، أو عن طريق معاجم المصطلحات. إلا أن المترجم ينبغي أن يكون حذرا في التعامل مع ما جمعه من المصطلحات من ترجمة غيره؛ إذ قد لا تكون هذه المصطلحات مناسبة من حيث الانضباط الدلالي، وأيضاً من حيث استراتيجية الترجمة التي يتبناها المترجم، فبعض المترجمين يميل إلى التوطين، وبعضهم الآخر يميل إلى التغريب، ومن المترجمين من يجمع بين المنهجين، فعلى المترجم الحذر والأخذ من هذه بحسب منهجه في العمل.

 

٤ . الإفادة من الترجمات السابقة

لقد أوضحنا أن الترجمة ليست مجرد نقل، بل هي عملية معقدة مبنية على اتخاذ القرار المبني على عدد من المعطيات المتغيرة، وعليه لا نجد أن ترجمتين مختلفتين تتطابقان تماماً لأي نص كان، فلكل مترجم قدراته الخاصة، وطريقته في فهم النص، والتعامل معه في الترجمة، بل إن المترجم الواحد قد تختلف ترجمته للنص نفسه بين فترة وأخرى.

وتعدد الترجمات للنص الواحد من شأنه أن يفتح أمام المترجم البحَّاثة الـواعي آفاقا واسعة للتعامل مع مشكلات الترجمة، وللوقوف على استراتيجيات جديدة تفيده في تطوير أدائه.

هذا من باب، ومن باب آخر فإن وجدت ترجمة جيدة يرتضيها المترجم فلا ضير في أن يأخذها مع ذكر ذلك في المكان المناسب من ترجمته (كمقدمة المترجم، أو في موضع آخر إن سمح المقام).

وإن كان في الترجمات بعض الخطأ من حيث المنهج، أو من جانب آخر، فإن هذا لا يلغي هذا العمل كلية، بل لا بد من وجود شيء في الترجمة -خاصة المتقنة منها من حيث الأداء الترجمى- يفيد منه المترجم، ويجد له مكانا إما بالارتقاء بأدائه عامة أو للمشروع المحدد الذي يقوم عليه.

هذا في شأن وقوف المترجم على ترجمة للعمل الذي يقوم به نفسه، كله أو أجزاء منه أو جانب محدد بسيط من جوانبه، أما فيما يخص الوقوف على كتب ترجمت في الموضوع نفسه، فهذا أعم، ومفيد أيضاً في تحصيل المصطلحات، والوقوف على منهج الترجمة عند غيره من المترجمين، وأخذ بالمناسب منها.

 

٥. القراءة في تخصص المادة وموضوعها

قد لا يسع المترجم أن يكون متخصصا في كل موضوعات المواد التي توكل إليه ليترجمها، ولا يلزمه ذلك، وبما أن النصوص تتبدى مبهماتها وتظهر خفياتها للمتخصصين أكثر منها لغيرهم، وبخاصة ما قصد بها مخاطبة المتخصصين دون غيرهم، أو التي تفترض في القارئ المعرفة بقضايا لم يأت الكلام على نقاشها، على تقدير أنها معلومة، فإنه من المفيد أن يكون المترجم على اطلاع بموضوع مادة الترجمة، وهذه ممارسة جيدة في جميع الأحوال، من شأنها أن تعزز الفهم لدى المترجم، وتساعده في تحليل النص، وتسهل عليه اتخاذ القرار.

وأما قراءة ما كتب في موضوع المادة باللغة المستقبلة، فهو أكثر بعدا وأعمق أثرا، وهذا يشمل المتخصص وغير المتخصص بطبيعة الحال، فإن كان يترجم مادة تتعلق بالفقه، فمما يساعده على إنجاز مهمته والارتقاء بأدائه أن يطلع على الكتابات حول الموضوع في هذا الباب في اللغة المستقبل، ومن شأن هذا أن يزيد حصيلته اللغوية، ويعرفه على المصطلحات المعتمدة المقابلة لمصطلحات هذا الفن في أوساط المتخصصين.

وهنا تنبيه على أهمية أن ينتقي المترجم أحسن ما كُتب عن الموضوع باللغة المستقبلة، وقد يستعين في هذا بالمطلعين من المتخصصين، وأن يحذر ما قد يرد فيها من الأصدقاء غير الأوفياء (وهم ما سننبه عليه في هذه الجلسة).

 

٦ . مراعاة العرف العلمي السائد

لكل بيئة ثقافية عرف علمي سائد بين من ينتمون إليها، ويصدرون طرحهم العلمي فيها، وهذا العرف العلمي هو عبارة عن مجموعة من القواعد المرعية في جميع ما يصدر من كتابات أو في أغلبها، بحيث يصبح عدم الأخذ بها خللا معيبا يقدح في جدية العمل.

ففي بعض الأعراف العلمية يتم تأكيد بعض الأمور مثل: الدقة في نقل المعلومة وتوثيقها، وضع الحواشي التعليقية في آخر الكتاب، إلحاق الكتاب بفهرس للكلمات المفتاحية والموضوعات، وإضافة مسرد بالمصطلحات الواردة في الكتاب، والتدقيق في مسألة المراجعة والتحرير والنشر. وأيضاً هناك أعراف مرعية في صف الكتاب، وتبويبه، وإخراج عناوينه الرئيسة والفرعية، وفي الجوانب الفنية فيه مثل حجم الكتاب ونوع الخط المستخدم وحجمه، وتصميم غلافه، والجانب الفني هذا هو ما يعرف بالثقافة الصُّوَرّية للمتلقي.

فإن كانت هذه الأعراف العلمية سائدة في الثقافة التي تترجم إليها، فيجـدر بالمترجم (ودار النشر التي يصدر عنها الكتاب) مراعاتها، ما سمح له المقام بذلك، وهذا هو الأولى على أي حال.

وهناك أعراف علمية سائدة في الكتابات الإسلامية باللغة العربية، تتبع طريقة الأقدمين في أن يملي الشيخ مروياته على طلابه، وتحمل هذه الطريقة في طياتها كثيرا من الشفوية التي تعلق بالنص المكتوب (residual orality) وتحمل فيه الكتب كثيرا من ملامح الخطب المنبرية، مثل تكرارا العبارات دون تقدم في الأفكار، والتركيز على المحسنات اللغوية، واستخدام الأبنية الطويلة دون تقطيع لها بحسب الأفكار المشتملة عليها، والتساهل أحيانا في استخدام علامات الترقيم.

وهذا الأمر يمكن التعامل معه عن طريق بسط الحديث، والخلوص إلى أفكاره، وبخاصة إذا كانت الثقافة المستقبلة ثقافة كتابية في المقام الأول، تستعمل اللغة باقتصاد وتركز على الأفكار، وعلى الترجمة أن تكون سلسة وتقرأ بسهولة ولا تكون حبيسة مبنى الأصل، وهذا ما يعده علماء الترجمات من كونيات الترجمة؛ أي الممارسات الشائعة بين المترجمين، وهو البسط والتبسيط، وهو من الأمور التي تحددها طبيعة الترجمة، إذ هو شائع بين المترجمين على اختلاف العصور واللغات والنصوص، ويبدو أنه ضروري لنجاح الترجمة في تحقيق غرضها.

ويتبع هذا مراعاة قواعد الصيغ الإنشائية، فالخطبة مثلا تختلف عناصرها ومتطلباتها، عن البحث العلمي، وهنا تلاحظ قواعد الصيغ الإنشائية في الثقافة والعرف المستقبلين، وعلى المترجم محاولة التوفيق بين الصيغ الإنشائية في الأصل والهدف، إن لزم الأمر، وإلا فيغلب إحداها على الأخرى، بحسب المقام.

ولا بأس في أن يحدث المترجم في ثقافته بعض الصيغ الإنشائية أو أجزاء منها، مما يثري بها ثقافته إن كانت غائبة عنها، وهذا هو دور المترجم، ولطالما كانت الترجمة هي الطريق الأرحب لتلاقح الثقافات، واستعارة بعضها لمفردات بعض.

ومن الممارسات الجيدة مراعاة للعرف العلمي الآتي:

تقطيع الـجُملة: وهو أن يقوم المترجم بتقطيع جملة طويلة في النص الأصل إلى جمل أصغر في الترجمة، موافقا بذلك طريقة بناء الجمل في اللغة المستقبلة، فقد تعتمد لغة ما جملا طويلة، بينما نرى فيها لغة أخرى خللا.

إعادة ترتيب النص: وهو أن يقوم المترجم بإعادة ترتيب الحديث بحيث يتوافق مع منطق اللغة المستقبلة، أو أكثر سلاسة، بأن يقدم ما تأخر، وقد تسمح به لغات، بينما يسبب إشكالا في الفهم في اللغة الأخرى، أو يكون غير متوافق مع الاستخدام الأسلم نحويا.

التفقير: قد يحتاج المترجم إلى إعادة توزيع النص المترجم في فقرات لم تكن في الأصل، تظهر ترابط النص وتوزع الأفكار في هذه الفقرات، وهذه ممارسة جيدة تسهل من قراءة النص، وبخاصة عند ترجمة نص إلى ثقافة تركز على التفقير، وتراه من مكملات بناء النص الجيد.

وقد تكون هناك أصول مرعية في التفقير في بعض اللغات، وبخاصة في بعض الصيغ الإنشائية.

إضافة العناوين الفرعية: وتكون بخاصة في النصوص الطويلة، وتلك التي يفيد فيها إضافة العناوين الفرعية، وذلك بحسب العرف الشائع في اللغة المستقبلة وتوقعات القراء.

 

٧. إبراز ترابط النص وتسلسل أفكاره

إذا لم يكن النص محدد المعالم، مترابط الأوصال ومتسلسل الأفكار فهو ليس بنص، إذ إنه في هذه الحال يكون غير مفهوم، ولا هدف له، ولكل منشئ نص غرضٌ محدد يروم الوصول إليه من خلال هذا النص، وعليه فإنه سيوظف جميع الأدوات المتاحة لبيان ترابط النص وتسلسل أفكاره ليصل في النهاية إلى الغرض الذي يريده: ترتيب النص في أبواب وفصول ومباحث، واستخدام العناوين الرئيسية والفرعية، وجمع الأفكار المترابطة في فقرات، واستخدام أدوات الربط بين الكلمات والجمل، والانتقال المنطقي بين الجمل والفقرات.

ولا نتوقع أن يلتزم الكتَّاب جميعهم بهذه الأمور على قدم المساواة، وهذا قد يعزى أيضاً إلى العرف العلمي ومدى التزام الكاتب به، إلا أن ترابط النص وتسلسل أفكاره، لا يمكن إقرار أي نص بدونهما، وقد يتفاوت الكتاب في هذا، وقد لا يستخدم المؤلفون أدوات العطف والربط كثيرا في كتاباتهم، إلا أن النص يبقى مترابطا والأفكار فيه متسلسلة.

ولكل لغة طريقتها في إظهار ترابط نصوصها، ولكن ليس ثمة لغة ليس فيها ترابط، وإلا لأصبح التواصل بين أبنائها مستحيلا؛ لأن المعاني فيها غير محددة وغير مقيدة، بل إن القواعد النحوية والمفردات اللغوية نفسها تساهم في تأدية دورها في ترابط النص، وقد لا تفهم الكلمات فهما كليا إلا من خلال علاقتها بما قبلها وبعدها من كلمات ، وكذا الجمل، والفقرات، والفصول.

وأغلب ما يعتمد عليه المؤلفون في رصف مبانيهم هو استخدام أدوات المعان والربط بخاصة، إلا أن ترابط الكلمات والجمل لا يستوجب وجودها في حالات كثيرة، بل الربط يكون من حيث تسلسل الأفكار وعلاقتها السببية مثلا، فأدوات العطف تدل على الترابط السطحي بينما الترابط العميق يصل الكاتب إليه عن طريق التسلسل المنطقى للأفكار وعلاقة بعضها ببعض، أي إن الترابط قد يكون خفيا بحسب قدرات اللغة، وهنا قد يحتاج المترجم إلى استخدام أدوات ظاهرة لتوضيح الترابط وتسلسل الأفكار في النص. وهذه ممارسة جيدة حتى لا يتوهم القارئ الاضطراب وعدم الوضوح في الأصل من باب وعدم تمكن المترجم من صنعته من باب آخر.

ومن الأمور التي تؤدي دورا مهما في إبراز ترابط النص وعلاقة أجزائه بعضها ببعض، الاستخدام الجيد لعلامات الترقيم، ويكون ذلك وفق النظام المتبع في اللغة المستقبلة، ومن شأن المحافظة عليها والتدقيق في استخدامها الرقي بمستوى النص على نحو ملحوظ، وإعطاء مستقبليه إشارة بأنه معتنى به.

 

٨. اتباع نسق واحد في الترجمة

هناك اختيارات منهجية يقوم عليها عمل الكاتب عموما، والمترجم على نحو خاص، كأن يتبع نظاما معينا في النقحرة ولا يراوح بينه وبين منهج آخر، أو أن يستخدم اللغة في مستوى معين بحسب القراء المستهدفين، أو أن يستخدم الحواشي التعليقية، أو التعليق بين قوسين في المتن، أو أن يكتفى بالإحالة إلى المسرد التعريفـي بالكلمات المفتاحية في النص، فتجده في موضع يحيل إلى المسرد، وفي موضع آخر يعرف الكلمة في موضعها، وكذا فيما يخص توظيفه لعلامات الترقيم.

والتزام المترجم بمنهج محدد أمر يستلزم معرفته بهذا المنهج وإقراره له عند الشروع في الترجمة (أي في مرحلة التحليل، وأول مراحل البناء)، وعدم التزام المترجم بمنهج محدد سينعكس سلبا على عمله واستقبال القراء له.

والتراخي في المنهج عادة ما يكون في الأعمال الكبيرة، وقد يكون في الأعمال الصغيرة، إذا لم يكن المترجم على قدر كافي من الخبرة. وعلى المترجم أن يضع المنهج المتبع لديه نصب عينيه عند الترجمة، ومن الأمور التي تؤكد توحيد النسق أن يقوم المترجم بمراجعة عمله بعد الانتهاء منه، ويعمل على توحيد المنهج، وفي خطوة احترازية أخرى يكون التأكد من وحدة المنهج في مرحلة التحرير، ومن ضمن مهام المحرر.

 

٩ . تصحيح الأخطاء الواردة في الأصل

ليس من المستبعد أن يحتوي الأصل المراد ترجمته على أخطاء متنوعة: إملائية، وطباعية، وعلمية. وأن يكون غير معتنى به من حيث تدقيق النص، وتخريج الآثار، بل وحتى من النواحي الإخراجية، فمن اللازم أن يتنبه المترجم لها، وأن يتأكد من كونها أخطاء، وعند قيامه بالترجمة، عليه ألا ينقلها على علاتها، بل عليه أن يـصححها في ترجمته بعد التثبت.

ويمكنه مراجعة صاحب الكتاب أو الجهة المتبنية للمشروع فيها، وهذا هو الأولى؛ ليتولوا تصحيحها في المستقبل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النصوص المحورية، أي المهمة إما لشخص كاتبها أو لتاريخها، بحاجة إلى أن يتعامل المترجم معها معاملة خاصة عندما يتعلق الأمر بوجود أخطاء علمية في الكتاب، فلا ينبغي أن يتدخل المترجم بتصحيح الخطأ مباشرة، بل يشير إليه في الحاشية إن لزم الأمر، وهذا بعد التثبت من معلوماته أولاً، أما ما دون ذلك من الأخطاء، فيسري عليه ما يسري في سائر النصوص.

 

ثانيا: تنبيهات مهمة

هناك عدد من الممارسات غير الصائبة المتبعة في ترجمة النصوص الإسلامية عموما، يجدر بالمترجم أن يتنبه لها وأن يتعامل معها بحذر؛ بغية أن يخرج بعمل مقبول ومحقق لأغراضه، ومنها:

١. الإكثار من النقحرة

من الممارسات الشائعة بين مترجمي النصوص الإسلامية استخدام النقحرة بكثرة خلال عملهم، ومما يضطرهم لذلك هو خصوصية بعض المصطلحات الإسلامية، التي يرون فيها أنها لا تتطابق مع الكلمات المقابلة السائدة في الثقافة المستقبلة، ولذا يرون أن استخدامها لا ينبغي.

ولكن الخلل في هذا الأمر يقع من بابين:

أولاً: المبالغة الشديدة في الخصوصية المعنوية للكلمات، حتى ما لا يدخل منه ضمن دائرة المصطلح تماماً، والقول بأن بعض الكلمات المقابلة المستخدمة في اللغة الأخرى لا تتطابق تماماً مع المراد من الكلمة العربية، رغم أنها هي الكلمة المقابلة الشائعة، وهذا أمر بحاجة إلى إعادة نظر، فطالما أن الكلمة المقابلة تؤدي المعنى المراد، فلا حاجة حقيقية لإبدالها بالنقحرة، فالمبالغة غير المسوغة في النقحرة والإكثار منها من شأنه أن يجعل النص غريبا على القارئ وتبعده عنه خطوات، هذا عكس المراد من الترجمة في الأصل.

وثانيا: تبني موقف فكري يحاول نسف النسيج اللغوي الذي تقوم عليه الثقافة المتلقية، فنجد أن بعض اللغات قد أفرغت بعض كلماتها من محتواها المعنوي السابق، وقامت بملء هذا الهيكل بمحتوى الكلمة الإسلامية ليكون مطابقا لها تماماً، وهي سائرة على هذا من أجيال ككلمة "نماز" بالأردية التي تعني "صلاة"، وهي كلمة كانت قد فرغت من محتواها المعنوي القديم، ولا تطلق الآن إلا ليقصد بها الصلاة كما هي تماماً، ومن اللغات من قامت بإزاحة القاعدة المعنوية لبعض الكلمات وجعلتها تشمل المعنى المراد من الكلمات الإسلامية، وعندما تطلق هذه الكلمات في سـياقاتها الخاصة بالمسلمين فإنها تعني ذلك تماماً، ولا يرى فيها تطبيقاتها الأخرى، وعلى المترجم أن يعي هذا ولا أن يتبنى موقفا فكريا تعميميا ينسف فيه هذه الاعتبارات من أصلها، ويأتي بكلمات منقحرة مكان هذه المعترف والمعمول بها، فهذا من شأنه أن يستثير القراء ويبعدهم أكثر مما يقربهم، وما لم تكن لهذا الفعل مناسبة واضحة ومصلحة راجحة فالأولى العدول عنه.

وفيما يخص اللغات التي يتحدث بها المسلمون وغير المسلمين كاللغات الأوربية عموما، فينظر إلى طبيعة الكتاب المترجم والغرض منه، فإن كان موضوعه حول تبصرة المسلمين بأمور دينهم كأن يكون في مناسك الحج مثلا، فالأولى أن تتم نقحرة المصطلحات الخاصة بهذا المنسك، أو الجمع بين النقحرة والترجمة، بحسب حال المتلقين، وبحكم أنهم عندهم معرفة سابقة بهذه الشعيرة ومصطلحاتها الخاصة بها، ورغبتهم الحقَّة في معرفة أدق تفاصيلها، ومن ذلك لغتها ومصطلحاتها الخاصة. وإن كان الكتاب ذا غرض دعوي أي إنه مخصص لغير المسلمين ممن ليس لهم علم سابق بجوانب الإسلام المتعددة، فإن النقحرة قد لا تكون الخيار الأمثل على إطلاقها، وقد يُمزج بينها وبين الترجمة دون إكثار، ومن شأن النص المترجم أن يملأ الفراغ المعنوي الحاصل في عقول هؤلاء عن هذا الجانب أو ذاك، فمثلا لو كانوا يستخدمون لكلمة "الحج" كلمة في لغتهم تختلف في جوانب عن معناها في الإسلام، فيمكن أن تستخدم الكلمة هذه مقرونة عند أول ورودها بالكلمة منقحرة، ومن شأن هذه المادة التعريفية، أن تبين لهم الفرق بين المعنيين.

إذا كان المصطلح ذا خصوصية دينية يمثل مفهوما أو طقسا محددا في ديـن معـين، ولم يتوسع استعماله فلا نرى استعارته من اللغة المستقبلة، كمفهوم «الكارما» عند البوذيين والهنادكة الذي يعني: أن نوعية حياة الإنسان في هذه الحياة والحيوات المستقبلة، تحددها أعماله في هذه الحياة وفي الحيوات السابقة، منطلقين في ذلك من معتقـد تناسخ الأرواح وأن روح الإنسان تنزل المنزلة في حياته الأخرى أي بعد نسخها بحسب أعماله في حياته السابقة، فإن كان خيرا وجد خيرا، وإن كان شرا وجد شرا. ومثل هذا المصطلح له ارتباطاته وجذوره الفكرية ولا نرى فائدة في استعارته عند الترجمة للغة هؤلاء. ولكن قد يتوسع في بعض المصطلحات فتفقد خصوصيتها، فهذه تدرس بحسب توسع قاعدتها المعنوية.

وعلى أي حال لا نرى المبالغة في النقحرة، ولا نرى تعميم الحلول دون النظر في الحالات الخاصة، وفقا لمعطياتها.

وما يجدر التنبيه له فيما يخص النقحرة هو ضرورة أن يتبع المترجم نظاما موحدا في العمل كاملا، وألا يتراخى في تطبيق هذا النظام بصرامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن على المترجم أن يلتزم بنظام النقحرة المعمول به في الدوائر العلمية المعتبرة في اللغات المستقبلة، وألا يأتي بنظام جديد من عنده، ليس له أصل، وغير مقر به عند المعنيين، وما لم يكن في النظام المعمول به خلل فلا يعدل عنه إلى غيره، وعلى المترجم أيضاً ألا يستصعب الحصول على الرموز الخاصة بالنقحرة حتى وإن لم تكن متوافرة في حاسوبه، بل عليه أن يجتهد في إيجادها؛ لأنها من الأدوات الأساسية في عمله، كالمطرقة والمسمار للنجار.

٢. تخصيص العام

يقوم جمهرة من المترجمين بتخصيص الألفاظ العامة سواء وعوا ذلك أم لم يعوا، والمقصود هنا هو فرض هذا التخصيص على الترجمة في متنها دون الحاشية الإيضاحية أو دون وضع المقصود بين قوسين توضيحيين؛ ليبدو من خلال الترجمة وكأن منشئ النص الأصل هو الذي قد خصص وأن المترجم نقل كلامه، وهو لم يخصص بل أطلق اللفظ على عمومه. ومما لا شك فيه أن هناك مواضع مشكلة جاء اللفظ فيها عاما والمقصود فيها هو التخصيص رغم إطلاق الألفاظ على عمومها، ولكن هذا لا يسوغ للمترجم أن يقوم بفرض هذا التخصيص على الأصل وإلغاء اللفظ الذي يُفهم منه العموم، وفي هذا تحجيم للمعنى الذي قد لا تكون حكمته تجلت للمترجم، وتقولُّ على الأصل، فإن كان المعنى خلافيا أو أن هناك حاجة حقيقية للتخصيص فلا يبدل اللفظ العام بمفهومه الخاص في الترجمة بل يوضح ذلك للقارئ من خلال التسييق (الإيضاحات بين قوسين، والحواشي التعليقية)، هذا إذا كان السياق يحتمل مثل هذا العمل، ومناقشة الموضوع توجب الإيضاح.

هذا فيما يتعلق بأن يكون هناك وجه وحجة قوية للتخصيص، أما إذا كان التخصيص ليس له وجه قوي وحجة ظاهرة، أو أنه يأتي من باب الزيادة في الفائدة، فالأولى بل الألزم ألا يخصص المترجم؛ لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى التقول على الأصل، وتحجير المعنى، والتعميم له حكمه فلا يصح و لا ينبغي أن يقدم المترجم الحد من نطاق هذه الحِكم، وتقليص مجالها، بما يتفق مع فهمه الخاص.

ويجدر أن يعي المترجم أن التخصيص يأتي عفو الخاطر في الغالب؛ لأن المترجم يعتمد على المواد الشارحة وقد تؤثر فيه وفي فهمه للنص وبالتالي هو يترجم ما فهم، ومن باب آخر لوجود مواضع مشكلة في الفهم فعلاً تضطره إلى التخصيص، وعلى كلِّ فحري بالمترجم أن يكون واعيا وألا ينزلق في هذا المنزلق الخفي.

 

٣. الأصدقاء غير الأوفياء

الترجمة عملية مضنية وشاقة، ولذا نجد أن المترجمين عادة ما يبحثون عن الحلـول المنمطة، الجاهزة، وهناك عدد من هذه الحلول التي تواطأ عليها المترجمون وتوارثوها، أصبحت من العدة التي يتسلحون بها في أداء عملهم، وكأنهم أصدقاؤه الأوفياء الذي يعتمد عليهم في وقت الشدة، وعلى أي حال فإن طبيعة الترجمة تحتم اللجوء إلى هذه الحلول الجاهزة، وهي منتشرة، وبعضها جيد وألفه قراء اللغة الهدف، وقد يعدون تبديله عيبا، وقد اكتسبت هذه صفة الترادف بين اللغات مع كثرة الترجمة، مما يجعل المترجمين ينقلونها تلقائيا وبدون تفكير كبير فيها.

وهذه الحلول الترجمية لا تقف عند حلول الكلمات، ووجود كلمة يرى أنها هي المقابل الطبيعي للكلمة الأصل، بل يتخطاها إلى الأساليب والتراكيب كالجمل الشرطية، والاستثناء، وغيرها.

ومن المهم هنا التنبيه على أن جميع أصدقاء المترجم هؤلاء ليسوا أوفياء، فكثرة تواطؤ المترجمين على ترجمة بطريقة معينة لا يجعلها هي الأسلم والأصح، ولهذا يكون هذا الصديق غير وفي، لأنه ليس هو الحل الأمثل ومعناه غير سليم، ولا يتطابق ما هو في الأصل، وليس كل ما عرف واشتهر سليم ويؤخذ به، بل على المترجم التدقيق فيما يؤثر، وأن ينظر إلى المعنى بعمق، وإن كان المتعارف عليه مقبول ومتوقع، فـإن إبداله بغيره مما هو أسلم وجرأة المترجم في طرح حلول بديلة هي جرأة في الحق، وكم من مترجم ابتكر حلولا أصبحت هي العرف المتفق عليه، وأصبحت أصدقاء لمن جاء بعده من المترجمين، وطالما أن المترجم يبني حلوله البديلة على علم وتمعن، وأن لا يخالف بين الحلول قديمها وحديثها، فإن حلوله ستكون مقنعة لغيره.

 

المهمة التدريبية الصفية (٧)

ادرس النص الآتي وترجم مطبقاً عليه ما تعلمته في هذه الجلسة من ممارسات جيدة، ومتنبها للممارسات الخاطئة التي تم التنبيه عليها:

 

الأسانيد الحديثية([1])

السند لغة: ما ارتفع من الأرض وما قابلك من الجبل وعلا من الـسفح، والجمع إسناد، وكل شيء أسندته إلى شيء فهو مسند، ويقال أسند في الجبل إذا صعده، ويقال فلان سند أي معتمد.

والسند في الاصطلاح: هو طريق المتن، أي سلسلة الرجال أو النساء الذين جاء تبليغ الحديث عن طريقهم.

وسمي هذا الطريق سندا، إما لأن المسند يعتمد عليه في نسبة المتن إلى مصدره، أو الاعتماد الحفاظ على المسند في معرفة صحة الحديث وضعفه مثال ذلك: البخاري: عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب السَّختياني عن أي قِلابة، عن أنس.

والإسناد: هو رفع الحديث إلى قائله، أي بيان طريق المتن برواية الحديث مسندا، وقد يطلق الإسناد على السند من باب إطلاق المصدر على المفعـول، كما أطلق الخلق على المخلوق، والمحدثون يستعملون السند والإسناد بمعنى واحد، وقلا يقولون: هذا الحديث روى بإسناد جمع أسانيد صحيحة.

وكانت الأسانيد الحديثية علمية إلى القرن الخامس الهجري، لذلك نجد العلماء يتباهون بالإسناد العالي، ويتفاخرون به، فيقولون فوافقناه بعلو وقع لنا من هذا الإسناد عاليا.

قال الذهبي في حديث أي هريرة: «ما في الجنة من شجرة إلا وساقها من ذهب» أخرجه الترمذي عن عبدالله وهو أبو سعيد الأشج، فوافقناه بعلو.

ثم صارت بعد ذلك تبريكية، وإنما كانت لانعدام هذه الكتب بالنـسبة للرواة المتأخرين وقد استعاض الناس عن الأسانيد الخاصة بتصحيح النسخ على حفظ الشيوخ، ثم بعد ذلك صارت لجان الطبع والتحقيق تعتمد المقابلة بين النسخ الموجودة.

 

 

الجَلْسَة العَـاشِرَة

مشرُوعَاتُ التّرجَمَةِ خُطوَةَ خُطوَة

 

أهداف الجلسة

  • التعرف على خطوات مشروعات الترجمة إجمالا.
  • التعرف على خطوات مشروعات الترجمة تفصيلا.

 

خطوات مشروعات الترجمة إجمالا

  • اختر النص، وخطط له.
  • اقرأ النص كاملا.
  • ادرس معناه، وحلله.
  • اشرع في الترجمة.
  • راجع الترجمة.
  • أعطها لمن يراجعها.
  • اختبرها.
  • انشرها.

 

خطوات مشروعات الترجمة تفصيلاً

أولاً: قبل الشروع في العمل: في هذه الخطوة يتم ترشيح نص للترجمة، وتحديد المستهدفين بالترجمة، وفريق العمل، والمعينات اللازمة لإنجاز المهمة، وأخذ الموافقة على ترجمة النص:

  • ترشيح النص: إذا وقع اختيار المترجم على نص ما، فعليه أن يجيب عن الآتي: لماذا تم اختيار هذا النص دون غيره؟ ما أوجه المفاضلة بينه وغيره من النصوص المشابهة؟ وما المعطيات التي دعتني لانتخاب هذا النص؟ فأول ما يحدد النص المنتخب هو موضوعه، وعلى المترجم أن يكون مدركا للحاجة المعرفية التي دعته لاختيار الموضوع، وللأثر الذي يريد إحداثه من خلال الترجمة، ثم عليه أن يبحث في النصوص التي تعاملت مع الموضوع ويختار منها الأنسب بحسب الحاجة المعرفية لقرائه المستهدفين وتصوره عنهم. هل أترجم لهم كتابا عمدة في بابه، أو كتابا مختصرا عنه، أو رسالة مختصرة؟
  • تحديد المستهدفين: وهم المعنيون بالترجمة، فتكوين تصور واضح عنهم سيكون له بالغ الأثر في اختيارات المترجم، وتصرفه عند الترجمة، وصياغة استراتيجياته. وهنا عليه أن يكون تصورا واضحا عن: دينهم، وانتماءاتهم الطائفية، والعرقية، وخلفياتهم الثقافية، وحساسياتهم، ومستواهم التعليمي. وعليه أيضاً أن يحدد الحرف الذي يفضل استخدامه في الترجمة أخذا في الاعتبار حاجات المستهدفين، وليس ميول المترجم الشخصية، وكذا إن كانوا ثنائيي اللغة فأي لغة يفضلون، وأيضاً الحساسيات المختلفة تجاه الحرف واللغة، وبخاصة أخذ السياسات اللغوية للدولة في الحسبان، ومراعاة اختلاف اللهجات وبخاصة من حيث قواعد الإملاء.
  • فريق العمل: وهم الأشخاص الذين سيكون لهم دور في إنجاز العمل: المترجم، المراجع، المحرر، المستشار، فنّيو الطباعة والنشر. وهنا يُسأل عن مدى أهليتهم للإسهام في العمل.
  • معينات المترجم: وهي الأوعية المرجعية التي يحتاج إليها عند تحليل الترجمة وبنائها، ومنها: المعاجم (المتخصصة، والمعاجم أحادية اللغة وثنائيتها)، والشروح، والموسوعات، والمتخصصون، والإنترنت (البريد الإلكتروني- مجموعات النقاش - الموسوعات الإلكترونية). ويُسأل هنا عما يحتاج إليه منها، ومدى توافره.
  • وعلاوة على هذا يتعين على المترجم في هذه المرحلة النظر في أخذ الإذن من صاحب الحق في النص الأصل بترجمته.

 

فائدة!

بعض التصورات وهي من شأنها أن تساعد على تفهم أهمية اختيار الموضوع المرشح للترجمة، مثل:

  • أهمية البدء بالتوحيد؛ لأنه البذرة الأولى للوصول إلى الإسلام، وهو أوضح الطرق وأقصرها في ظل الحيرة التي يعيش فيها غير المسلمين في الأديان الأخرى من تعدد الآلهة، وكثرة المغالطات والتناقضات، الأمر الذي يجعل الشخص يفكر في هذا الكون العظيم، وخلقه المحكم، وكيف أنه لا بد أن يكون هناك خالق هذا العالم الواسع.
  • فكرة المساواة عند المسلمين، فليس هنالك فرق بين الناس؛ إذ كلهم سواسية أمام الله، دون تفرقة عرقية أو اجتماعية، ولذلك فقد نجحت هذه الطريقة الدعوية مع من يسمون بالأمريكيين الأفارقة الذين يعيشون ضغطا كبيرا في المعاملة الدونية التي يجدونها في مجتمعهم، وعندما يفهمون أن الإسلام يكرس فكرة المساواة وأنه لا فرق بين عري وأعجمي إلا بالتقوى يميلون إليه، قال صلي الله عليه وسلم: «كلكم لآدم، وآدم من تراب»،
  • كثير من النساء الكبيرات في السن في الغرب يتأثرن بالترغيب في النعيم المقيم في الآخرة لمن أصلح واتقى.

كما أن نموذج العلاقات الأسرية في الإسلام، والحض على بر الوالدين، يجعل الناس يقبلون على الإسلام كردة فعل لما يمجدونه من التفكك الأسري والاجتماعي.

 

ثانيا: تحليل النص: وفي هذه الخطوة يتم التعرف على النص المراد ترجمته، وهذا يتطلب فهم معناه فها تاما من جميع أبعاده، وهذا يحتم قراءة النص أكثر من مرة، وهنا يحدث الانتقال من مبنى النص الأصل إلى معناه، للتعرف على سياق النص إن كان هذا له تأثير في استيعاب النص. وفي هذه الخطوة يجدر بالمترجم أخذ الآتي في الحسبان:

  • فهم النص فهما تاما عن طريق التعرف على معناه الإجمالي، ومعاني مفرداته المُشكلة، وذلك بالاستعانة بمعينات المترجم.
  • الوقوف على الكلمات المفتاحية في النص - وهي التي يعتمد النص في موضوعه العام عليها، وتتكرر فيه- وتقرير الكيفية التي تتم بها ترجمتها: هل أترجمها وفق ما درج عليه بعض المترجمين؟ هل هو وافي بالمعنى، أو أن هناك جوانب نقص فيه؟ هل سيكون خياري الجديد مقبولا؟ ويفضل مناقشة خيار ترجمة الكلمات المفتاحية مع المعنيين.
  • دراسة الخلفيات التي يتطلب النص العلم بها.
  • التعرف على أوجه العلاقة بين المبنى والمعنى، ومدى تأثر المعنى بمبناه. الوقوف على ما يمكن أن يشكل خلال الترجمة: غريب الألفاظ، الصور البلاغية (المجاز)، التراكيب النحوية، العناصر الثقافية، ما يُفهم ضمناً، حالات عدم التطابق بين اللغتين عموما، وما يخرج الألفاظ عن معناها المعجمي.
  • التعرف على المتطلبات الخاصة لترجمة النص فيما يخص سياقه المستقبل.
  • التعرف على مواطن الخسارة المحتملة في الترجمة ودراسة طريقة تعويضها.
  • صياغة الاستراتيجيات الخاصة بالتعامل مع ما يشكل عند ترجمة النص.

ثالثا: إعداد المسودة: وهي الخطوة الأولى من خطوات البناء الفعل للترجمة، وتتطور الترجمة بحسب الوحدات المعنوية، فكل وحدة معنوية (لعل الجملة تكون من أصغر الوحدات التي تعبر عن فكرة مستقلة)، ويجدر بالمترجم مراجعة المسودة بعد الانتهاء منها أكثر من مرة للتأكد من الآتي:

  • عدم وجود سقط في الترجمة.
  • خلو الترجمة من معلومات خاطئة لا تتطابق مع محتوى الأصل.
  • مدى سلاسة الترجمة، وسلامة لغتها.
  • مدى الالتزام بالمنهج والاطراد فيه: كون الترجمة مراعية للقراء المستهدفين بها.
  • التنبه للمواضع المشكلة في الفهم.
  • التنبه للمواضع التي قد يساء فيها الفهم. وربما يكون فيها إضرار بغرض الترجمة.

رابعا: المراجعة: وهي الخطوة التي يتم فيها دفع الترجمة لمراجع ليطابق بينها وبين الأصل للتعرف على أوجه الموافقة والمخالفة بينها، وهنا يجب التنبه إلى: ١) أن يكون المراجع ثنائي اللغة أي يتقن اللغتين المترجم منها وإليها، و٢) أن يوضح المترجم للمراجع منهجه في الترجمة. وهذه الخطوة تتطلب أن يكون المراجع على قدر من الكفاءة، وأن يؤدي مهمته وفقا للمعايير الآتية:

  • هل الترجمة صحيحة، أي إنها تؤدي رسالة النص الأصل؟ وهل فهم المترجم النص الأصل كما يجب؟ وهل تُظهر الترجمة هذا الفهم؟
  • هل الترجمة كاملة، أي ليس فيها سقط غير مُسَوغ؟
  • هل تتتابع الأفكار في الترجمة تتابعا منطقيا، أي ليس ثمة تعارض بينها، أو إبهام؟
  • هل فيها أخطاء من حيث الحقائق والأرقام؟
  • هل النص سلس، أي هل تترابط جمله وفقراته على نحو واضح، وهل تترابط مكونات الجملة نفسها؟ وهل ثمة جمل غير سليمة من الناحية التركيبية، ومشكلة في فهمها؟
  • هل الترجمة موافقة للقراء المستهدفين؟
  • هل تتوافق الترجمة مع مقتضيات اللغة المترجم إليها؟
  • هل راعى المترجم قواعد النحو، وعلامات الترقيم؟
  • هل طريقة تنسيق النص سليمة أو أن فيها خللا واضطرابا؟ وهل تم استخدام التبويب، وحجم الخط وطريقته (مسوَدّ، ممال، تحته خط)، وحجم الحواشي، بما يخدم فهم النص؟

- وعلى المراجع في هذه المرحلة أن يجعل قراءه المستهدفين نصب عينيه.

خامسا: مراجعة المسودة: وهي الخطوة التي يأخذ فيها المترجم بالمناسب من ملاحظات المراجع، وعليه التنبه لدراسة الملاحظات دراسة موضوعية، ويتقبل المناسب منها بصدر رحب. وقد يقترح المراجع تعديلات لا تتفق ومنهج الترجمة.

سادسا: التحرير: وفي هذه الخطوة يتعامل المحرر مع الترجمة مستقلة عن أصلها، وهذه المهمة تتطلب أن يكون المحرر على قدر عال من الكفاءة من حيث الخبرة ودقة الملاحظة، ويتركز عمله على إخراج النص ليكون مناسبا تماماً لقرائه المستهدفين، من النواحي التنسيقية، والمعنوية، ومن حيث خلو النص من التعارض. ويقدم المحرر المشورة من حيث:

  • طرق تحفيز القراء على قراءة النص.
  • موافقة النص لخلفياتهم المعرفية، ومستوياتهم التعليمية، ومراعاة أعرافهم.
  • جعل النص أكثر سلاسة، وأسهل عند القراءة.
  • تبويب النص وتقسيمه، وإضافة العناوين الرئيسة والفرعية.
  • زيادة تناسق النص من حيث: توحيد المصطلحات، وتنسيق الصف بحيث يخدم الغرض.

سابعا: إعداد النسخة النهائية: ويؤخذ في هذه الخطوة بإشارة المحرر، ويلاحظ هنا أن المحرر قد لا يكون من أهل الاختصاص في الفن، ويقترح مقترحات تتعلق بالمحتوى المعنوي، وهذه تدرس بعناية قبل الأخذ بها.

ثامنا: اختبار الترجمة: وهي خطوة مهمة جدا للتعرف على مدى وفاء الترجمة بالغرض منها، وعلى ما يمكن تداركه لجعلها ألصق بهدفها. وهناك طرق متنوعة لاختبار الترجمة، لعل أكثرها فائدة تكون عن طريق عرض الترجمة على عينة تمثل شريحة القراء المستهدفين، وبعد أن ينتهوا من القراءة تكون هناك حلقة نقاش تُرصد فيه آراؤهم، ويؤخذ بالمناسب منها في الترجمة. وعلى المترجم أو فريق الترجمة أن يختار الأشخاص المشتركين في حلقة النقاش بعناية وبخاصة من حيث رغبتهم في التعاون والإفادة.

تاسعا: النشر: وهي الخطوة التي يتم فيها الاتفاق مع الناشر المناسب، وعالم النشر عالم واسع يتطلب الكثير من الاتفاقات والمفاوضات في الحقوق، ولكن على المترجم أن يحرص على الناشر المعروف بإتقانه للعمل (من حيث الإخراج، ومراجعة البروفات الطباعية، والحرص على أن تخرج مطبوعاته على أحسن وجه)، وله القدرة على إيصال الترجمة للمستهدفين، وللمترجم أيضاً أن يدرس نشر الترجمة عن طريق الإنترنت في هيئة كتاب إلكتروني، لما لهذه الوسيلة من انتشار واسع، ويمكن الاستفادة من الإنترنت في هذا الصدد.

عاشرا: استكشاف آراء القراء: وهذه الخطوة تأتي بعد النشر، ولكن يخطط لها قبل النشر بإثبات جميع عناوين الاتصال والتواصل التي من شأنها أن تؤدي إلى استقبال آراء القراء على نحو بارز في الترجمة، مع رسالة للقراء للإفادة بآرائهم، وعند ورودها تدرس ويستفاد من المناسب منها في الطبعات اللاحقة من الترجمة.

 

المهمة التقويمية (٤)

اختر نصا ليترجم إلى لغتك مبينا الآتي: سبب الترشيح (يشمل شرحا عن النص المرشح: موضوعه، ومؤلفه، وأهميته التاريخية -إن وجدت-، وهل هناك ملامح للنص (لغوية وغيرها) يجب التنبه لها، وأوجه المفاضلة بينه وبين الكتابات التـي تناولت الموضوع نفسه، ومدى الحاجة إليه بالنسبة لمن تترجمه لهم)، من هم أعضاء فريق العمل، من هم المعنيون بالترجمة، ما استراتيجياتك في الترجمة، هل هناك اعتبارات لغوية يجب عليك مراعاتها، ما هي معيناتك في الترجمة (كتب، ومعاجم، و موسوعات، ومصادر ثانوية، وترجمات سابقة، ومعينات إلكترونية، وأهل اختصاص)، والمشكلات المتوقعة في ترجمة النص وكيفية التعامل معها، وأين وكيف ستنشر الترجمة بعد الانتهاء منها، وما المراحل والخطوات التي ستتبعها لإتمام العمل؟

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] «تقييد المهمل وتمييز المشكل (شيوخ البخاري المهملون)»، لأبي علي الحسن بن محمد الغساني الجياني، تحقيق: محمد أبو الفضل، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، ١٤١٨ ه، ص ٢٠٢ – ٢٠٣ .