داود عليه السلام في القرآن

 

داود وسليمان عليهما السلام

(نبيان ملكان)

 

من أنبياء الله تعالى الذين كرّمهم وأثنى عليهم في كتابه الكريم؛ نبيّان ملكان، ارتبط ذكرهما بالهبات والعطايا، وتسخير المخلوقات لهما، والنبوة والملك والعلم والحكمة، أب نبي وابن نبي، هما:

داود وسليمان عليهما السلام.

قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163].

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ۝وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل: 15 – 16].

وقال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ۝ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ۝وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ۝وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ۝وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ [الأنبياء: 78 – 82].

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۝ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: 10 – 11].

وقال تعالى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ۝ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ۝وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ۝وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ۝وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ۝إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ۝إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ۝ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۝فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ۝يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ۝ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ۝أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ۝كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ۝ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 17 – 30].

 

داود عليه السلام

(ذو الأيد الأواب)

 

أثنى الله تعالى على نبيه داود عليه السلام، ووصفه بأنه ذو الأيد، وأنه أواب.

فما هو الأيد؟ وما المراد بصفة: أواب؟

قال تعالى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ۝ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ۝ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 17 – 19].

"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: اصبر يا محمد على ما يقول مشركو قومك لك مما تكره قيلهم لك، فإنا ممتحنوك بالمكاره امتحاننا سائر رسلنا قبلك، ثم جاعلو العلوّ والرفعة والظفر لك على من كذبك وشاقك سنتنا في الرسل الذين أرسلناهم إلى عبادنا قبلك فمنهم عبدنا أيوب وداود بن إيشا، فاذكره ذا الأيد.

ويعني بقوله: (ذَا الأيْدِ) ذا القوّة والبطش الشديد في ذات الله والصبر على طاعته." ([1])

"وقوله: (إِنَّهُ أَوَّابٌ) يقول: إن داود رَجَّاع لما يكرهه الله إلى ما يرضيه أواب، وهو من قولهم: آب الرجل إلى أهله: إذا رجع." ([2])

 

تسخير الطير والجبال

 

عدد الله بعض نعمه على داود عليه السلام كتسخير الجبال وتسبيحها معه، وكذلك الطير.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: 10].

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 79].

وقال تعالى: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ۝ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص: 17 – 18].

"قوله: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ) يقول تعالى ذكره: إنا سخرنا الجبال يسبحن مع داود بالعشيّ، وذلك من وقت العصر إلى الليل، والإشراق، وذلك بالغداة وقت الضحى.

ذُكر أن داود كان إذا سبح سبحت معه الجبال." ([3])

"وقوله: (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) يقول تعالى ذكره: وسخرنا الطير يسبحن معه محشورة بمعنى: مجموعة له، ذكر أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان إذا سبح أجابته الجبال، واجتمعت إليه الطير، فسبحت معه واجتماعها إليه كان حشرها، وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى الحشر فيما مضى، فكرهنا إعادته." ([4])

"وقوله: (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) يقول: كل ذلك له مطيع رجَّاع إلى طاعته وأمره، ويعني بالكلّ: كلّ الطير." ([5])

"وقال آخرون: معنى ذلك: كل ذلك لله مسبِّح." ([6])

 

الحكمة وفصل الخطاب

 

أنعم الله تعالى على نبيه داود بنعم عظيمة، ومن أجلها أن شدد ملكه، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب.

قال تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: 20].

"قوله: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي به شدّد ملكه، فقال بعضهم: شدّد ذلك بالجنود والرجال، فكان يحرسه كل يوم وليلة أربعة آلاف، أربعة آلاف." ([7])

"وقال آخرون: كان الذي شدد به ملكه، أن أعطي هيبة من الناس له لقضية كان قضاها." ([8])

الحكمة:

اختلف في المراد بالحكمة في هذا الموضع:

  • عنى بها النبوة.
  • علم السنن. ([9])

فصل الخطاب:

اختلف في المراد بفصل الخطاب:

  • علم القضاء والفهم به.
  • فصل الخطاب، بتكليف المدّعي البينة، واليمين على المدعى عليه.
  • هو قول: أما بعد. ([10])

 

صنعة لبوس ولين الحديد

 

لما كانت الشدة والصلابة من صفات الحديد، وكان له مع ذلك منافع جمة ولا سيما حال الحرب، كان في تليينه وتطويعه نعمة ومنة.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۝ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [سبأ: 10 – 11].

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ۝ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: 79 – 80].

"يقول تعالى ذكره: وعلمنا داود صنعة لبوس لكم، واللبوس عند العرب: السلاح كله، درعاً كان أو جوشناً أو سيفاً أو رمحاً، يدلّ على ذلك قول الهُذليّ:

وَمَعِي لَبُوسٌ لِلَّبِيسِ كأنَّهُ رَوقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعاجٍ مُجْفِلِ

وإنما يصف بذلك رمحاً، وأما في هذا الموضع فإن أهل التأويل قالوا: عنى الدروع." ([11])

"وقوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) يقول: فهل أنتم أيها الناس شاكرو الله على نعمته عليكم بما علَّمكم من صنعة اللبوس المحصن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم، يقول: فاشكروني على ذلك." ([12])

"وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ذكر أن الحديد كان في يده كالطين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نار ولا ضرب بحديد." ([13])

السابغات:

"قوله: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) يقول: وعهدنا إليه أن اعمل سابغات: وهي التوامُّ الكوامل من الدروع." ([14])

 

خصمان تسوروا المحراب

 

قال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ۝ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ۝ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ۝ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۝ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: 21 – 25].

"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وهل أتاك يا محمد نبأ الخصم وقيل: إنه عني بالخصم في هذا الموضع ملكان، وخرج في لفظ الواحد؛ لأنه مصدر مثل الزور والسفر، لا يثنى ولا يجمع." ([15])

"وقوله: (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) يقول: دخلوا عليه من غير باب المحراب، والمحراب مقدّم كل مجلس وبيت وأشرفه." ([16])

قال ابن كثير: "قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه؛ ولكن روى ابن أبي حاتم حديثاً لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، ويزيد -وإن كان من الصالحين- لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضاً.

وقوله تعالى: (ففزع منهم) إنما كان ذلك؛ لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم، فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب، أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل: (وعزني في الخطاب) أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب، وقوله تعالى: (وظن داود أنما فتناه) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أي اختبرناه.

وقوله تعالى:(وخرَّ راكعاً) أي ساجداً، وأناب، ويحتمل أنه ركع أولاً ثم سجد بعد ذلك، وقد ذكر أنه استمر ساجداً أربعين صباحاً.

(فغفرنا له ذلك) أي ما كان منه مما يقال فيه: إن حسنات الأبرار سيئات المقربين." ([17])

 

 

داود عليه السلام خليفة في الأرض

 

قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾[ص: 26].

"وقوله: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) يقول تعالى ذكره: وقلنا لداود: يا داود إنا استخلفناك في الأرض من بعد من كان قبلك من رسلنا حكماً ببن أهلها." ([18])

"وقوله: (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) يقول تعالى ذكره: إن الذين يميلون عن سبيل الله، وذلك الحق الذي شرعه لعباده، وأمرهم بالعمل به، فيجورون عنه في الدنيا، لهم في الآخرة يوم الحساب عذاب شديد على ضلالهم عن سبيل الله بما نسوا أمر الله.

يقول: بما تركوا القضاء بالعدل، والعمل بطاعة الله (يوم الحساب) من صلة العذاب الشديد." ([19])

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 166، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 168.

([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 168، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([4]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 169.

([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 169.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 170.

([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 170، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 170.

([9]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 171.

([10]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 172 - 173.

([11]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 480، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 481.

([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 20/ 359.

([14]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 20/ 359.

([15]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 174، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 174.

([17]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 415، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([18]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 189، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([19]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 189.