يوسف عليه السلام في القرآن الكريم (2)

 

ما شهدنا إلا بما علمنا

(كيف برر أبناء يعقوب غياب أخيهم؟)

 

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ۝ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ۝ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [يوسف: 80 – 82].

ميثاق من الرب وميثاق من الأب:

"قوله: (ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله) يقول: ألم تعلموا، أيها القوم؛ أنَّ أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهودَ الله ومواثيقه: لنأتينه به جميعاً، إلا أن يحاط بكم (ومن قبل ما فرطتم في يوسف) ومن قبل فعلتكم هذه، تفريطكم في يوسف.

يقول: أو لم تعلموا من قبل هذا تفريطكم في يوسف؟" ([1])

"وقوله: (فلن أبرح الأرض) التي أنا بها، وهي مصر فأفارقها (حتى يأذن لي أبي) بالخروج منها." ([2])

"وقوله: (أو يحكم الله لي): أو يقضي لي ربي بالخروج منها وترك أخي بنيامين، وإلا فإني غير خارج (وهو خير الحاكمين)، يقول: والله خير من حكم، وأعدل من فصل بين الناس." ([3])

معذرة الأبناء إلى أبيهم عن عدم حفظ أخيهم:

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل روبيل لإخوته، حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه: ارجعوا، إخوتي، إلى أبيكم يعقوب فقولوا له يا أبانا إن ابنك بنيامين سرق)." ([4])

معنى قولهم: (ما شهدنا إلا بما علمنا):

اختُلف في المراد بذلك على قولين:

  • قيل: معناه: وما قلنا إنه سرق إلا بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك؛ لأن صواع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره.
  • قيل: معنى ذلك: وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا. ([5])

"وقوله: (وما كنا للغيب حافظين) يقول: وما كنا نرى أن ابنك يسرق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا (ونحفظ أخانا) مما لنا إلى حفظه منه السبيل." ([6])

إشهاد أهل القرية والقافلة على صدقهم:

لم يصدق أبناء يعقوب في معذرتهم إلى أبيهم بعد فقد يوسف عليه السلام، إلا أنهم كانوا صادقين بما حصل مع بنيامين.

"يقول: وإن كنتَ مُتَّهمًا لنا، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق: (فاسأل القرية التي كنا فيها)، وهي مصر، يقول: سل من فيها من أهلها (والعير التي أقبلنا فيها)، وهي القافلة التي كنا فيها، التي أقبلنا منها معها، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سَرَقِهِ، فإنك تَخْبُر مصداق ذلك (وإنّا لصادقون) فيما أخبرناك من خبره." ([7])

فما هو جواب الأب المكلوم؟

 

صبر جميل

(عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً)

 

قال تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 83].

يقين الأنبياء بالله تعالى لا تهزه الكروب، ولا تزعزعه مدلهمّات الخطوب، وهذا ما كان عليه يعقوب عليه السلام، فمع تعاظم الفقد، إلا أن أمله بالله تعالى كان فوق كل شيء، فلم يأمل بعودة بنيامين وحسب؛ بل بعودة أولاده جميعاً.

وقد قال عند فقد يوسف: صبر جميل.

وقال عند فقد بنيامين: صبر جميل.

فما هي عاقبة الصبر الجميل؟

"قال أبو جعفر: في الكلام متروك، وهو: فرجع إخوة بنيامين إلى أبيهم، وتخلف روبيل، فأخبروه خبره، فلما أخبروه أنه سرق.

قال: (بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً)، يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمراً هممتم به وأردتموه.

(فصبر جميل)، يقول: فصبري على ما نالني من فقد ولدي، صبرٌ جميل لا جزع فيه ولا شكاية عسى الله أن يأتيني بأولادي جميعاً فيردّهم عليّ.

(إنه هو العليم)، بوحدتي، وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْقِ ما يقولون من كذبه (الحكيم)، في تدبيره خلقه." ([8])

 

إنما أشكو بثي وحزني إلى الله

 

قال تعالى: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ۝ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ۝ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 84 – 86].

فقد جديد جدّد الحزن القديم:

"وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف أي أعرض عن بنيه، وقال متذكراً حزن يوسف القديم الأول يا أسفى على يوسف جدد له حزن الابنين الحزن الدفين." ([9])

شفقة الأبناء على أبيهم المكلوم:

"وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه: تالله تفتؤا تذكر يوسف أي لا تفارق تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أي ضعيف القوة أو تكون من الهالكين.

يقولون إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف.

(قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) أي أجابهم عما قالوا بقوله: إنما أشكو بثي وحزني، أي همي وما أنا فيه إلى الله وحده.

وأعلم من الله ما لا تعلمون: أي أرجو منه كل خير.

وعن ابن عباس: أعلم من الله ما لا تعلمون: يعني رؤيا يوسف أنها صدق، وأن الله لا بد أن يظهرها." ([10])

 

لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون

 

كلما اشتد الظلام حلكةً؛ كان أذاناً بقرب فلق الصبح، وقد زاد أمل يعقوب في عودة أبنائه، فلم ييأس من روح الله تعالى.

قال تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

"يقول تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام: إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين.

والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر.

ونهضهم وبشرهم وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله.

أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون." ([11])

فأطاع الأبناء أمر أبيهم، وذهبوا إلى العزيز يتحسسون أمر أخويهم.

ودخلوا على العزيز ببضاعة مزجاة، وقد كان في دخولهم على العزيز أمل بعد طول فقد ومعاناة وألم.

 

بضاعة مزجاة

 

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ۝ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: 88 – 89].

" وقوله: (فلما دخلوا عليه) تقدير الكلام: فذهبوا فدخلوا مصر، ودخلوا على يوسف قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر.

يعنون من الجدب والقحط وقلة الطعام.

(وجئنا ببضاعة مزجاة) أي: ومعنا ثمن الطعام الذي نمتاره، وهو ثمن قليل، قاله مجاهد والحسن وغير واحد.

وقال ابن عباس: الرديء لا ينفق مثل خلق الغرارة والحبل والشيء، وفي رواية عنه: الدراهم الرديئة التي لا تجوز إلا بنقصان، وكذا قال قتادة والسدي." ([12])

رأفة يوسف بإخوته وأهله:

"يقول تعالى مخبراً عن يوسف عليه السلام، أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب، وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة.

فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته، وبدره البكاء فتعرف إليهم، فيقال: إنه رفع التاج عن جبهته، وكان فيها شامة، وقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون يعني كيف فرقوا بينه وبين أخيه إذ أنتم جاهلون، أي إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه، كما قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقرأ: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النحل: 119] الآية.

والظاهر- والله أعلم- أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك، كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك، والله أعلم؛ ولكن لما ضاق الحال واشتد الأمر، فرج الله تعالى من ذلك الضيق، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5- 6] فعند ذلك قالوا أإنك لأنت يوسف." ([13])

 

أنا يوسف وهذا أخي

 

بعد المواجهة، وبعد أن وجّه يوسف عليه السلام هذا السؤال لإخوته: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: 89].

أدرك الإخوة حينئذ حقيقة أمر العزيز، وأنه أخوهم يوسف، الذي ألقوه في غيابة الجب منذ سنين وهم جاهلون.

قال تعالى: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90].

" قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: (إنك لأنت يوسف)؟

فقال: نعم أنا يوسف.

(وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا) بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا.

(إنه من يتق ويصبر)، يقول: إنه من يتق الله فيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه (ويصبر)، يقول: ويكفّ نفسه، فيحبسها عما حرَّم الله عليه من قول أو عمل عند مصيبةٍ نزلت به من الله (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين)، يقول: فإن الله لا يُبْطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إيَّاه فيما أمره ونهاه." ([14])

وفي قوله هذا عليه السلام إقرار بنعمة الله وفضله، وحمد لله في كل حين، وعلى كل حال.

فما هو موقف الإخوة بعد وقع المفاجأة؟

 

لا تثريب عليكم

(عفوٌ عند المقدرة)

 

قال تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ۝ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۝ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [يوسف: 91 – 93].

الاعتراف بالخطأ:

"قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل.

(وإن كنا لخاطئين)، يقول: وما كنا في فعلنا الذي فعلنا بك، في تفريقنا بينك وبين أبيك وأخيك وغير ذلك من صنيعنا الذي صنعنا بك، إلا خاطئين، يعنون: مخطئين، يقال منه: خَطِئَ فلان يَخْطَأ خَطَأ وخِطْأً، وأخطأ يُخْطِئُ إِخْطاءً." ([15])

لا تثريب عليكم:

أقر الإخوة على أنفسهم بالخطأ، واعترفوا بذنبهم، وبفضل يوسف عليه السلام عليهم، فما كان منه عليه السلام إلا أن عفا وأصلح، فلم يسعَ للانتقام من إخوته، ولم يبادر إلى إذلالهم وهو على ما هو عليه من عزة ورفعة ومنعة، فكان عفوه عند المقدرة فضيلة أخرى أُضيفت إلى خصاله وفضائله من الإحسان والعفة والحفظ والعلم.

فقال لإخوته: "(لا تثريب) يقول: لا تعيير عليكم ولا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحقّ الأخوة؛ ولكن لكم عندي الصفح والعفو." ([16])

دعاء يوسف لإخوته:

لم يكتفِ عليه السلام بذلك؛ بل دعا لإخوته أن يغفر الله لهم.

"وقوله: (يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين)، وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فيما أتوا إليه وركبوا منه من الظلم، يقول: عفا الله لكم عن ذنبكم وظلمكم، فستره عليكم (وهو أرحم الراحمين)، يقول: والله أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه، وأناب إلى طاعته بالتوبة من معصيته." ([17])

"ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لما عرّف نفسه إخوته، سألهم عن أبيهم، فقالوا: ذهب بصره من الحزن! فعند ذلك أعطاهم قميصَه وقال لهم: (اذهبوا بقميصي هذا)." ([18])

"وقوله: (يأت بصيرًا) يقول: يَعُدْ بصيراً (وأتوني بأهلكم أجمعين)، يقول: وجيئوني بجميع أهلكم."([19])

 

ريح يوسف وأمل الرجوع بعد الغياب

 

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ۝ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ﴾ [يوسف: 94 – 95].

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فصلت عير بني يعقوب من عند يوسف متوجهة إلى يعقوب، قال أبوهم يعقوب: (إني لأجد ريح يوسف).

ذُكر أن الريح استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير، فأذن لها، فأتته بها. " ([20])

"وأما قوله: (لولا أن تفندون)، فإنه يعني: لولا أن تعنّفوني، وتعجّزوني، وتلوموني، وتكذبوني." ([21])

واختُلف في معناها على أقوال:

  • لولا تسفهون.
  • لولا تكذبون.
  • لولا أن تُهرّمون.

وذكر الطبري أن هذه الأقوال متقاربةُ المعاني، محتملٌ جميعَها ظاهرُ التنزيل، إذ لم يكن في الآية دليلٌ على أنه معنيٌّ به بعض ذلك دون بعض. ([22])

ضلال قديم (ما المراد به؟):

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون): تالله، أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم لا تنساه، ولا تتسلى عنه." ([23])

 

البشير

 

ما أكثر الغائبين في حياة يعقوب عليه السلام، غاب عنه ابنه يوسف، وغاب ابنه بنيامين، ولحقهم غياب بصره من الحزن فهو كظيم.

ولأن الله لطيف بعباده، جاءت البشرى بهم جميعاً.

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 96].

" قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف، وهو المبشّر برسالة يوسف، وذلك بريدٌ، فيما ذكر، كان يوسف أبردَهُ إليه.

وكان البريد فيما ذكر، والبشير: يهوذا بن يعقوب، أخا يوسف لأبيه." ([24])

عودة الغائبين (يوسف وبنيامين وبصر يعقوب):

" وقوله: (ألقاه على وجهه)، يقول: ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب." ([25])

"وقوله: (فارتد بصيرًا)، يقول: رجع وعاد مبصراً بعينيه، بعد ما قد عمي.

(قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون)، يقول جل وعز وجل: قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذ من ولده: ألم أقل لكم يا بني إني أعلم من الله أنه سيردّ عليَّ يوسف، ويجمع بيني وبينه، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه؛ لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجوداً، فكنت مُوقناً بقضائه." ([26])

 

يا أبانا استغفر لنا

 

أقر أبناء يعقوب عليه السلام بذنوبهم، وطلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم، ويدعو الله أن يغفر لهم ذنوبهم.

قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ۝ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يوسف: 97 – 98].

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال ولد يعقوبَ الذين كانوا فرَّقوا بينه وبين يوسف: يا أبانا سل لنا ربك يعفُ عنَّا، ويستر علينا ذنوبنا التي أذنبناها فيك وفي يوسف، فلا يعاقبنا بها في القيامة.

(إنا كنا خاطئين)، فيما فعلنا به، فقد اعترفنا بذنوبنا.

(قال سوف أستغفر لكم ربي)، يقول جل ثناؤه: قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يعفو عنكم ذنوبكم التي أذنبتموها فيّ وفي يوسف.

ثم اختلف أهل العلم، في الوقت الذي أخَّر الدعاء إليه يعقوبُ لولده بالاستغفار لهم من ذنبهم.

فقال بعضهم: أخَّر ذلك إلى السَّحَر." ([27])

"وقال آخرون: أخَّر ذلك إلى ليلة الجمعة." ([28])

"وقوله: (إنه هو الغفور الرحيم)، يقول: إن ربي هو الساتر على ذنوب التائبين إليه من ذنوبهم الرحيم بهم أن يعذبهم بعد توبتهم منها." ([29])

 

قميص يوسف عليه السلام

(الداء والدليل والبشرى والدواء)

 

اقتضت حكمة الله تعالى أن يودع في شيء واحد فوائد عدة، واستعمالات مختلفة، تتنوع حسب ما يقتضيه المقام وتتطلبه الحاجة.

وكذا الشأن في قميص يوسف عليه السلام، فنجده حاضراً في قصته في مواقف عدة، وله في كل موقف آية مختلفة عن المواقف الأخرى.

نجد قميص يوسف حاضراً في طفولته، بعد أن ألقاه إخوته في الجب، وجاءوا بالقميص إلى الأب.

قال تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18].

ونجده حاضراً في شبابه، بعد كيد امرأة العزيز.

قال تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۝ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: 25 – 28].

وكذلك هو حاضر حين قرب عودته إلى أبيه ولقياه به.

قال تعالى: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ۝ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ۝ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ۝ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 93 – 96].

وكان في القميص ثلاث آيات كما ذكر البقاعي:

الأولى: دلالته على كذب إخوة يوسف عليه السلام.

الثانية: دلالته على صدق يوسف عليه الصلاة والسلام في قده من دبر.

الثالثة: عود البصر إلى أبيه به. ([30])  

 

لقاء بعد طول افتراق

 

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99].

"قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فلما دخل يعقوب وولده وأهلوهم على يوسف (آوى إليه أبويه)، يقول: ضم إليه أبويه فقال لهم: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين).

فإن قال قائل: وكيف قال لهم يوسف: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، بعد ما دخلوها، وقد أخبر الله عز وجل عنهم أنهم لما دخلوها على يوسف وضَمّ إليه أبويه، قال لهم هذا القول؟

قيل: قد اختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم: إن يعقوب إنما دخل على يوسف هو وولده، وآوى يوسف أبويه إليه قبل دخول مصر. قالوا: وذلك أن يوسف تلقَّى أباه تكرمةً له قبل أن يدخل مصر، فآواه إليه، ثم قال له ولمن معه: (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، بها قبل الدخول." ([31])

"وقال آخرون: بل قوله: (إن شاء الله)، استثناءٌ من قول يعقوب لبنيه: (أستغفر لكم ربي).

قال: وهو من المؤخر الذي معناه التقديم.

قالوا: وإنما معنى الكلام: قال: أستغفر لكم ربي إن شاء الله إنه هو الغفور الرحيم.

فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه، وقال ادخلوا مصر، ورفع أبويه." ([32])

المراد بأبوَي يوسف عليه السلام:

"قيل: عُنِي بقوله: (آوى إليه أبويه): أبوه وخالتُه، وقال الذين قالوا هذا القول: كانت أم يوسف قد ماتت قبلُ، وإنما كانت عند يعقوب يومئذ خالتُه أخت أمه، كان نكحها بعد أمِّه." ([33])

" وقال آخرون: بل كان أباه وأمه." ([34])

"قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق؛ لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في (أبوين)، إلا أن يصح ما يقال من أنّ أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحُجة يجب التسليم لها، فيسلّم حينئذ لها." ([35])

الأمن الذي تحقق لأبويه بعد دخول مصر:

"وقوله: (وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، مما كنتم فيه في باديتكم من الجدب والقحط."([36])

 

قد جعلها ربي حقاً

(مآل الرؤيا وتحقيقها)

 

قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100].

"قوله: (ورفع أبويه على العرش)، يعني: على السرير." ([37])

تحققت الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق، فسجد يعقوب وبنيه ليوسف عليه السلام.

"وقوله: (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقًّا)، يقول جل ثناؤه: قال يوسف لأبيه: يا أبت، هذا السجود الذي سجدتَ أنت وأمّي وإخوتي لي (تأويل رؤياي من قبل)، يقول: ما آلت إليه رؤياي التي كنت رأيتها.

وهي رؤياه التي كان رآها قبل صنيع إخوته به ما صنعوا: أنَّ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدون (قد جعلها ربي حقًّا)، يقول: قد حقّقها ربي، لمجيء تأويلها على الصحَّة." ([38])

المسافة الزمنية بين الرؤيا وتأويلها:

وقد اختلف أهل العلم في قدر المدة التي كانت بين رؤيا يوسف وبين تأويلها.

فقال بعضهم: كانت مدّةُ ذلك أربعين سنة.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمانين سنة.

وقال آخرون: كانت مدة ذلك ثمان عشرة سنة. ([39])

إقرار النبي الكريم بإحسان الرحمن:

"قوله: (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو)، يقول جل ثناؤه، مخبراً عن قيل يوسف: وقد أحسن الله بي في إخراجه إياي من السجن الذي كنت فيه محبوساً، وفي مجيئه بكم من البدو، وذلك أن مسكن يعقوب وولده، فيما ذكر، كان ببادية فلسطين." ([40])

" وقوله: (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي)، يعني: من بعد أن أفسد ما بيني وبينهم، وجَهِل بعضنا على بعض.

يقال منه: نزغ الشيطان بين فلان وفلان، يَنزغ نزغاً ونزوغاً.

وقوله: (إن ربي لطيف لما يشاء)، يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن، وجاء بأهلي من البَدْوِ بعد الذي كان بيني وبينهم من بُعد الدار، وبعد ما كنت فيه من العُبُودة والرِّق والإسار." ([41])

 

أدب نبوي في التعامل مع النعم والعطايا الربانية

 

لا يكاد يرد ذكر يوسف عليه السلام في موقف من حياته، إلا ونجده -كما صوّره القرآن الكريم- ذاكراً لله تعالى، شاكراً نعماءه وفضله، مقرّاً بعطاياه وهباته.

يستوي في ذلك حاله في أصعب الظروف، كما كان في قصته مع صاحبي السجن.

وكذلك فيما كان له من علو منزلة ورفعة، وهو عزيز مصر، وبعد تمام النعمة عليه بلقاء أبويه.

قال تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].

" قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوِّقاً إلى لقاء آبائه الصالحين: (رب قد آتيتني من الملك)، يعني: من ملك مصر.

(وعلمتني من تأويل الأحاديث)، يعني من عبارة الرؤيا.

تعديداً لنعم الله عليه، وشكراً له عليها.

(فاطر السماوات والأرض)، يقول: يا فاطر السماوات والأرض، يا خالقها وبارئها.

(أنت وليي في الدنيا والآخرة)، يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك.

(توفني مسلماً) يقول: اقبضني إليك مسلماً.

(وألحقني بالصالحين)، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك.

وقيل: إنه لم يتمن أحدٌ من الأنبياء الموتَ قبل يوسف." ([42])

 

قصة يوسف امتنان ودليل

 

في القصص القرآني العظيم حكَم ربانية جليلة، ومنها: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم.

وهي كذلك دليل صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، كما في قصة يوسف عليه السلام التي تضمنت حقائق كثيرة، وتفاصيل دقيقة، يعجز العقل عن إدراكها، والوصول إليها، إلا بالوحي الصادق.

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا الخبر الذي أخبرتك به من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة (من أنباء الغيب)، يقول: من أخبار الغيب الذي لم تشاهده، ولم تعاينه.

ولكنا نوحيه إليك ونعرّفكه؛ لنثبِّت به فؤادك، ونشجع به قلبك، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله، وتعلم أن من قبلك من رسل الله إذ صبروا على ما نالهم فيه، وأخذوا بالعفو، وأمروا بالعُرف، وأعرضوا عن الجاهلين فازوا بالظفر، وأيِّدوا بالنصر، ومُكِّنوا في البلاد، وغلبوا من قَصَدوا من أعدائهم وأعداء دين الله.

يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فبهم، يا محمد، فتأسَّ، وآثارهم فقُصَّ (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)، يقول: وما كنت حاضراً عند إخوة يوسف، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم، وصحت عزائمهم، على أن يلقوا يوسف في غيابة الجب.

وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل: (وهم يمكرون)" ([43])

 

هدايات وعبر من قصة يوسف عليه السلام

 

في قصة النبي الكريم يوسف عليه السلام هدايات وعبر في كافة مراحل حياته، وجميع المواقف والأحداث التي عرضت له، وصوّرها لنا القرآن الكريم، ومنها:

أولاً: ذكر الله تعالى وحمده والدعوة إلى توحيده أول الأولويات في جميع المواقف والحالات:

قال تعالى: ﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ۝ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ۝ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ۝ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 37 – 40].

وقال تعالى: قال تعالى: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90].

وقال تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].

ثانياً: في طيات المحن منحٌ أعظم منها:

قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].

وقال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ۝ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 55 – 56].

ثالثاً: العفو عند المقدرة من شيم الأنبياء وكرام الأخلاق:

قال تعالى: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ۝ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۝ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [يوسف: 91 – 93].

رابعاً: التوكل المطلق على الله تعالى وتفويض الأمور إليه لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب:

قال تعالى: ﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ۝ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 67 – 68].

خامساً: الوعد الرباني نافذ القضاء وإن طال به اللقاء:

قال تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 208، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 208.

([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 209.

([4]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 209.

([5]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 210.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 210 – 211.

([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 212 - 213.

([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 213 - 214، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([9]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 527، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([10]) تفسير القرآن العظيم، 4/ 528.

([11]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 528، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([12]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 528 - 529، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([13]) تفسير القرآن العظيم، 4/ 530.

([14]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 244، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([15]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 245، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 247.

([17]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 247.

([18]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 248.

([19]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 248.

([20]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 248 - 249، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([21]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 252.

([22]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 252 – 256.

([23]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 256.

([24]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 258، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([25]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 260.

([26]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 260.

([27]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 261، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([28]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 262.

([29]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 263.

([30]) انظر: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: برهان الدين البقاعي، 4/ 17، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة، 1432 هـ - 2011 م.

([31]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 264، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([32]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 266.

([33]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 266.

([34]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 267.

([35]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 267.

([36]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 267.

([37]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 267، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([38]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 271.

([39]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 271 – 275.

([40]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 275.

([41]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/ 277.

([42]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 278، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([43]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 16/ 283، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.