ذرية إبراهيم عليه السلام

 

إسماعيل عليه السلام .. صادق الوعد

 

بين البيت الإبراهيمي، وبين الصلاة رابطة وثيقة، تجلى ذلك في دعوة الخليل عليه السلام كما قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ۝ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ۝ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 39 – 41]، وإسكان إبراهيم زوجَه وابنَه بجوار البيت الحرام، وإقامة قواعده، وغير ذلك من الآيات القرآنية الكاشفة عن هذه الصلة.

وفوق ذلك كلّه يصف القرآن الكريم أبناء إبراهيم عليه السلام بصفات كريمة عدة من أبرزها وأجلالها الحرص على الصلاة.

قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ۝ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 54 – 55].

"هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه كان صادق الوعد.

قال ابن جريج: لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها ووفاها حقها." ([1])

وهناك من يفسر صدق وعده عليه السلام بصدق صبره على ما كان من أمر الرؤيا وتحقيقها.

"قال بعضهم: إنما قيل له: صادق الوعد؛ لأنه قال لأبيه: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102] فصدق في ذلك.

فصدق الوعد من الصفات الحميدة كما أن خلفه من الصفات الذميمة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 2- 3].

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) [صحيح البخاري 33، وصحيح مسلم 107] ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضاً لا يعد أحداً شيئاً إلا وفى له به." ([2])

وكذلك وصفه بأنه من الصابرين، والصالحين، قال تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ۝ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنبياء: 85 – 86].

وقد كان يأمر أهله بالصلاة "التي هي طهرة البدن، وقرة العين، وخير العون على جميع المآرب (والزكاة) التي هي طهرة المال، كما أوصى الله بذلك جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتقدم في هذه السورة أنه سبحانه وتعالى أوصى بذلك عيسى عليه السلام.

(وكان عند ربه): لعبادته على حسب ما أقامته ربوبيته (مرضياً) فاقتدِ أنت به فإنه من أجل آبائك، لتجمع بين طهارة القول والبدن والمال، فتنال رتبة الرضا." ([3])

 

إسحاق عليه السلام

 

لم يقتصر الثناء القرآني في شأن الصلاة على إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام؛ بل امتد كذلك إلى إسحاق، ومن بعده ابنه يعقوب عليهما السلام، قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ۝ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 72- 73].

وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ۝ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾ [مريم: 49 – 50].

وقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: 26].

وقال تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ [الصافات: 112 – 113].

فكما أثنى على إسحاق عليه السلام في شأن الصلاة والزكاة، كذلك جعل له -كما جعل لأبيه وابنه- لسان صدق علياً، وبارك عليه.

" وقوله: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة:

قال عطاء ومجاهد: عطية.

وقال ابن عباس وقتادة والحكم بن عيينة: النافلة ولد الولد، يعني أن يعقوب ولد إسحاق، كما قال: ﴿فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: 71].

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: سأل واحداً، فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: 100].

فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة، ﴿وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ [الأنبياء: 72] أي الجميع أهل خير وصلاح، ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ [الأنبياء: 73] أي يقتدى بهم.

﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: 73] أي يدعون إلى الله بإذنه، ولهذا قال: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ [الأنبياء: 73] من باب عطف الخاص على العام، ﴿وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73] أي فاعلين لما يأمرون الناس به." ([4])

 

إسرائيل عليه السلام

(من هو؟ وما هي صلته بآل إبراهيم؟)

 

ورد ذكرُ إسرائيل في كثير من الآيات القرآنية، كما وردت الإشارة إلى ذريته، وجاءت كثير من الآيات تتحدث عن بني إسرائيل.

فمن هو إسرائيل الذي نُسبت بنو إسرائيل إليه؟ وما هي صلته بإبراهيم عليه السلام وآله؟

قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: 58].

"يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء الذين اقتصصتُ عليك أنباءهم في هذه السورة يا محمد، الذين أنعم الله عليهم بتوفيقه، فهداهم لطريق الرشد من الأنبياء من ذريّة آدم، ومن ذرّية من حملنا مع نوح في الفُلك، ومن ذرّية إبراهيم خليل الرحمن، ومن ذرّية إسرائيل، وممن هدينا للإيمان بالله والعمل بطاعته واجتبينا: يقول: وممن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى وهارون وزكريا وعيسى وأمه مريم، ولذلك فرق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم؛ لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوح." ([5])

قال تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 93].

وإسرائيل هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

أما عن الطعام الذي حرمه بنو إسرائيل:

" يعني بذلك جل ثناؤه: أنه لم يكن حرَّم على بني إسرائيل وهم ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن شيئاً من الأطعمة من قبل أن تنزل التوراة؛ بل كان ذلك كله لهم حلالاً إلا ما كان يعقوب حرّمه على نفسه، فإن وَلده حرّموه استنانًا بأبيهم يعقوب، من غير تحريم الله ذلك عليهم في وحي ولا تنزيل، ولا على لسان رسولٍ له إليهم، من قبل نزول التوراة." ([6])

وفي هذه الآية الكريمة دليل آخر يثبت عدم انتماء إبراهيم عليه السلام لليهودية، فإذا كان الحديث عمّا حرمه إسرائيل (يعقوب) على نفسه هو من قبل أن تنزل التوراة، دلّ ذلك على أنه ليس يهودياً، ودلالة ذلك على نفي انتماء جده إبراهيم عليه السلام لليهودية من باب أولى، كونه أسبق منه.

والله سبحانه أعلى وأعلم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 235، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([2]) تفسير القرآن العظيم، 5/ 235 - 236.

([3]) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: برهان الدين البقاعي، 4/ 541، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة، 1432 هـ - 2011 م.

([4]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 343 - 344، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 214، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 6/ 7.