آدم عليه السلام في القرآن الكريم

 

إعداد مركز المحتوى القرآني

 

خليفة في الأرض مُكرّم في السماء

 

يحكم الله أن يجعل خليفة في الأرض، ولا معقّب لحكمه، فكرّم هذا الخليفة، وأمر ملائكته بالسجود له؛ تشريفاً، وإجلالاً، وهذا الخليفة هو:

آدم عليه السلام، أول أنبياء الله تعالى، وأبو البشر كلّهم.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30].

"يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم، بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى، قبل إيجادهم". ([1])

من مظاهر تكريم آدم عليه السلام:

تتجلى مظاهر تكريم الله عز وجل لآدم عليه السلام، في صور عدة، يمكن إجمالها فيما يلي:

أولاً: خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه:

قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: 29].

وقال تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: 75].

ثانياً: أمر الملائكة بالسجود له: 

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34].

ثالثاً: علّمه الأسماء كلها:

قال تعالى: ﴿وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 31].

والأسماء كلها قيل هي:

  • أسماء كل شيء:

وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، "قال: علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة، وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها". ([2])

وعن مجاهد، قال: علمه اسم كل شيء.

  • أسماء الملائكة:

وهو مروي عن الربيع.

  • أسماء ذريته أجمعين:

وهو مروي عن ابن زيد. ([3])

رابعاً: خلق منه زوجه وأسكنهما الجنة:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [النساء: 1].

وقال تعالى: ﴿وقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].

خامساً: كرّم ذريته وفضلهم على كثير من خلقه:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

وهذا التكريم كان سبباً لحسد إبليس، وسعيه لإخراج آدم وزوجه من الجنة.

 

لماذا سمي آدم؟

 

يقال: إن تسميته عليه السلام: آدم؛ مرتبطة بخلقته، وتكوينه، وذلك لما يلي:

  • لكونه خُلق من أديم الأرض:

وهذا مروي عن ابن عباس، وابن مسعود، وعدد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. ([4])

  • لسمرة في لونه:

يقال: رجل آدم، نحو أسمر.

  • لكونه من عناصر مختلفة، وقوى متفرقة:

 كما قال تعالى: ﴿مِن نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيه﴾ [الإنسان: 2].

  • لما طيب به من الروح المنفوخ فيه:

 المذكور في قوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [الحجر: 29].

وجعل له العقل والفهم والروية التي فضل بها على غيره، كما قال تعالى: ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].

وذلك من قولهم: الإدام، وهو ما يطيب به الطعام، وفي الحديث: (لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)[أخرجه الترمذي (1087)، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1866)، وأحمد (18137)] أي: يُؤَلَّف، ويُطَيَّب.([5])

 

الخلق من الطين ومراحل التكوين

 

فصّل القرآن الكريم مراحل خلق أبينا آدم عليه السلام، فذكر خلقه من تراب، ومن طين، ومن حمأ مسنون، ومن صلصال كالفخار، وغيرها، فما هو معنى كل مرحلة؟ وما هي أوصافها وخصائصها؟ وما علاقة كل مرحلة بالأخرى؟

المرحلة الأولى: التراب:

قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59].

والتراب من الأرض، قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ﴾ [طه: 55].

المرحلة الثانية: الطين:

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: 61].

ووصِف بطين لازب، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ [الصافات: 11].

"يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق، وإنما وصفه جل ثناؤه باللزوب؛ لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خلق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء، والتراب إذا خلط بماء صار طيناً لازباً، والعرب تبدل أحياناً هذه الباء ميماً، فتقول: طين لازم". ([6])

المرحلة الثالثة: الصلصال:

قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن: 14].

"وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حُرّك ونُقر كالفخار، يعني أنه من يبسه وإن لم يكن مطبوخاً، كالذي قد طُبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طبخ من الطين بالنار."([7])

وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: 28].

والحمأ: جمع حمأة، وهو الطين المتغير إلى السواد.

واختُلف في معنى (مسنون) على أقوال:

  • حمأ مصور تام.
  • الحمأ المصبوب.
  • المتغير، أو المنتن.
  • الرطب. ([8])

"هذه الألفاظ مختلفة، ومعانيها في أحوال مختلفة؛ لأن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر، وهو التراب، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال."([9])

ثم سوى الله هذا الخليفة المكرّم، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وأبى إبليس أن يسجد؛ حسداً، واحتقاراً للتكوين الطيني، محتجاً بأن النار خير منه.

 

بين الطين والنار

أيهما أفضل؟ وما هو المعيار؟

 

لا يكاد موضع في القرآن يرد فيه ذكر السجود لآدم عليه السلام، إلا ويُظهر لنا تبجح إبليس بأفضليته، وخيرية تكوينه، فتارة يصدح بأن النار خير من الطين، وتارة يُحقّر من شأن الخلقة الطينية، والبشرية في ذاتها.

التقييم الذاتي لا يلزم كونه صدقاً:

قال تعالى: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف: 12].

ليس كل فرد مرآة صادقة عن ذاته، وقد صارت جملة إبليس: (أنا خير منه) شعاراً لكل حاسد.

العبرة في التمايز والتفاضل ليست بالصور ولا بالأجساد:

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ [الإسراء: 61].

وقال تعالى: ﴿قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾ [الحجر: 33].

الحسد ممتد الأثر:

لم يكتفِ إبليس بحسد آدم والكيد له لوحده؛ بل أشرك زوجه في ذلك، وامتد حسده ليصوّر قصة الصراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة.

وقال تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: 62].

المعيار الحقيقي بيد الخالق لا المخلوق:

هذه الأفضلية التي توهمها إبليس إنما هي في ميزانه المختل، أما عند رب العالمين فهناك موازين أخرى، لا تخضع لمقاييس المخلوقين ومعاييرهم.

ويكفينا بني آدم تشريفاً، وتكريماً أن خلق الله أبا البشر بيديه، ونفخ فيه من روحه.

 

زوج ومسكن

وامتداد النعم والمنن

 

لم يقتصر تكريم آدم عليه السلام على سجود الملائكة له؛ بل امتد التكريم، وتوالت النعم، فخلق الله له زوجه، وأسكنهما الجنة، وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء.

ومن صور الإنعام والإكرام:

أولاً: زَوجٌ إليها يسكُن:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُما رِجَالاً كَثيراً ونِساءً﴾ [النساء: 1].

قال ابن كثير: "وخلق منها زوجها، وهي حواء عليها السلام، خُلقت من ضلعه الأقصر، من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها، وأنست إليه." ([10])

ثانياً: الجنةُ لهما مأوىً وسَكَن:

تكاملت النعم، وجاء قرار آدم وزوجه، في جنة لا يجوع فيها، ولا يعرى.

قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].

"وقد اختُلف في الجنة التي أسكنها آدم أهي في السماء أم في الأرض؟ فالأكثرون على الأول"([11])، وقال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ۝وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ﴾ [طه: 118- 119].

ولا تضحى:"لا تظهر للشمس، فيؤذيك حرّها."([12])

إلا أن دوام النعيم، والعيش الرغيد، مشروط بعدم قربان شجرة، فما هي الشجرة؟ وما الذي ميّزها عن أشجار الجنة الأخرى؟

 

شجرة الخلد

 

أكرم الله آدم وزوجه بكل شجر الجنة على كثرتها، وتنوع صنوفها، يأكل منها، إلا شجرة واحدة حرّمها عليه، قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35]، وأبى إبليس الحاسد إلا أن يلفت نظره إلى هذه الشجرة، ويزيّنها في عينيه.

قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ﴾ [طه: 120].

وقد سبق التحذير الرباني والتنبيه إلى عداوة إبليس، وسعيه الحثيث إلى إخراج آدم وزوجه من الجنة، قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ [طه: 117].

ما هي هذه الشجرة؟ وكيف سعى إبليس لإغواء آدم فيأكَل منها؟

أولاً: نوع الشجرة:

اختلف المفسرون في تحديد نوع الشجرة على أقوال، منها:

  • البر.
  • العنب.
  • التين.

والصواب في ذلك: كما قال الطبري: "أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكلشجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها كما وصفهما الله جل ثناؤه به، ولا علم عندنا أي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن، ولا في السنة الصحيحة.

فأنى يأتي ذلك؟وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم، إذا عُلم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به".([13])

ثانياً: خطوات إبليس:

  • الوسوسة:

قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ﴾ [طه: 120].

  • التزيين وتصوير الشيء على غير حقيقته:

قال تعالى: ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ﴾ [طه: 120]، وقال تعالى: ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ [الأعراف: 20].

  • الإصرار:

وحتى يثبت صدقه؛ أقسم لهما، قال تعالى: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21].

  • التلبّس برداء النصيحة:

قال تعالى: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: 21].

النتيجة:

قال تعالى: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ [طه: 121].

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما (فبدت لهما سوآتهما) يقول: فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما." ([14])

فما الذي حدث لآدم عليه السلام بعد ذلك؟

 

الفطرة الآدمية تتجلى في هذه القصة:

لا يُظنن قارئ أن آدم عليه السلام هو وحده من يقع في شراك إبليس ومصائده؛ بل هي فطرة إنسانية، اقتضت وجودها الحكمة الإلهية، ومن صورها -التي نشترك فيها مع أبينا آدم عليه السلام-:

  • السعي نحو الخلود طبع وسجية:

فعلى الإنسان أن يقابل هذا الطبع

  • ينشد الإنسان الملك والسلطان:
  • يزهد الإنسان في الخير الوفير وقد تميل نفسه إلى ما فيه شر مستطير:
  • شراك إبليس تتصيد الفضائح وتتلقف العورات:
  • يسعى إبليس إلى إسقاط القيمة الآدمية:

 

النتيجة:

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: فأكل آدم وحواء من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبليس، وخالفا أمر ربهما (فبدت لهما سوآتهما) يقول: فانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما." ([15])

قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].

قال تعالى: ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ﴾ [طه: 121]

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: 115].

قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].

 

كلمات تلقاها آدم

ماذا حدث بعد المعصية؟

 

قال تعالى: ﴿وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ۝ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ﴾ [طه: 121- 122].

قد يعتب بعضهم على آدم عليه السلام أن عصى ربه، وأكل من الشجرة، وقد سبق إلى هذا العتب موسى عليه السلام، فكيف يكون الرد والجواب عن ذلك؟

(قَالَ صلى الله عليه وسلم: حَاجَّ مُوسَى آدَمَ ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ ، قَالَ: قَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي ، أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)[أخرجه البخاري 4738] .

وبعد الأكل من الشجرة أدرك آدم وزوجه كيد الشيطان، وإغواءهما بالعصيان، فقال كلمات ألهمه الله إياهن، فتاب عليه ربه وهداه.

ما هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه؟ 

يستمر التكريم، والإنعام، والامتنان على آدم وبنيه من بعده، فقد ألهمه الله التوبة، وعرّفه كلماتها، قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 37].

وقد ذكر بعض المفسرين أن الكلمات هي الواردة في قوله تعالى: ﴿قالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]. ([16])

"وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه." ([17])

فشتان بين تائب مقرّ بذنبه، وبين عاصٍ مكابر متكبر.

فالإقرار بالذنب، والمبادرة إلى التوبة شأن الأنبياء والصالحين، ولنا فيهم أسوة حسنة.

وعن يونس عليه السلام يقول الله عز وجل: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 87].

 

بعد الخروج من الجنة

 

بعد أن تاب الله عز وجل على أبينا آدم وزوجه، وعرّفه عداوة إبليس، أمرهم جميعاً بالهبوط إلى الأرض، وكانت هذه مجمل الأحداث التالية للخروج من الجنة:

  • هبوط الجميع من الجنة إلى الأرض:

صوّرت لنا كثير من الآيات الكريمة قصة الهبوط من الجنة، وتارة تذكر الأمر بالهبوط لجماعة: (اهبطوا) وتارة لاثنين (اهبطا)، فمن المقصود؟ ومن المخاطب بالأمر بالهبوط؟

قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأعراف: 24].

"قيل: المراد بالخطاب بـ: (اهبطوا): آدم، وحواء، وإبليس، والحية، ومنهم من لم يذكر الحية، والله أعلم، والعمدة في العداوة آدم وإبليس، ولهذا قال تعالى في سورة طه: ﴿قالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ الآية [طه: 123]، وحواء تبع لآدم، والحية إن كان ذكرها صحيحاً فهي تبع لإبليس، وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم.

ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات، والله أعلم بصحتها، ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم، لذكرها الله تعالى في كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم. " ([18])

  • الاستقرار إلى حين:

قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ [الأعراف: 24].

"أي: قرار، وأعمار مضروبة إلى آجل معلومة، قد جرى بها القلم، وأحصاها القدر، وسُطّرت في الكتاب الأول". ([19])

  • إعداد العتاد للمعركة الأزلية بين الحق والباطل:

ستدور رحى المعارك الطاحنة بين ذرية آدم، وبين إبليس وأعوانه إلى قيام الساعة، وكشف القرآن الكريم عن العدة اللازمة لمواجهتها، قال تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ۝وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ۝قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ۝ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه: 123- 127].

 

هدايات وعبر من قصة أبينا آدم عليه السلام

 

  • استذكار العداوة الأزلية بين الحق والباطل:

بين الطين والنار، بين الخير والشر، صراع دائم، منذ فجر الخليقة، إلى قيام الساعة.

وقد أقسم إبليس بربّ العزة على إضلال بني آدم وغوايتهم، ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: 82].

فإن دوام استذكار هذه العداوة من أهم سبل الوقاية من الوقوع في شرَك الشيطان، والتنبّه لمصائده.

  • العزم على الطاعة:

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: 115].

العمل بالطاعات، والصبر عن المحرمات، يتطلب العزم، والجهد، والمصابرة.

  • الحذر من فتنة الشيطان وكيده:

قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].

  • لا يغرَنّك احتفاء أهل الباطل فخصمك يمهد لك طريق الغواية:

يسعى إبليس وأعوانه إلى إسقاط الكرامة الآدمية، ولهم في ذلك مداخل ووسائل،قال تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [الأعراف: 22].

وبعد الخديعة تنكشف الخبايا، وتسقط الأقنعة، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [الحشر: 16].

  • لا تترك الخير الوفير إلى ما فيه شر مستطير:

قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35].

 

إعداد: 
جمانة بنت خالد
مراجعة وتدقيق:
عادل الشميري 
إشراف: 
الشيخ غازي بن بنيدر العمري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 1/ 325.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 1/ 282.

([3]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1/ 282- 284.

([4]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 1/ 281.

([5]) انظر: مفردات ألفاظ القرآن: الراغب الأصفهاني، كتاب الألف، مادة: (أدم)، 70.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 23/ 55.

([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 27/ 154.

([8]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 14/ 36 – 39.

([9]) البرهان في علوم القرآن: بدر الدين الزركشي، 2/ 55.

([10]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 3/ 6، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([11]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 1/ 350، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 386، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 1/ 520 – 521، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([14]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 388.

([15]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 388،

([16]) انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 16، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([17]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 356، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([18]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 17، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([19]) تفسير القرآن العظيم، 4/ 17.