زكريا ويحيى عليهما السلام في القرآن

 

زكريا عليه السلام ونداؤه الخفي

 

أحد أنبياء الله تعالى الكرام، الذين أثنى عليهم في محكم تنزيله، نبي، وله ابن نبي.

هو زكريا عليه السلام.

قال تعالى: ﴿كهيعص ۝ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ۝إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا ۝قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ۝وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ۝ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ [مريم: 1 – 6].

"قوله: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) يقول حين دعا ربه، وسأله بنداء خفي، يعنى: وهو مستسرّ بدعائه ومسألته إياه ما سأل، كراهة منه للرياء." ([1])

"وقوله: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) يقول: ولم أشق يا رب بدعائك؛ لأنك لم تخيب دعائي قبل إذ كنت أدعوك في حاجتي إليك؛ بل كنت تجيب وتقضي حاجتي قبلك." ([2])

"يقول: وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي: يقول: من بعدى أن يرثوني، وقيل: عنى بقوله (مِنْ وَرَائِي) من قدّامي ومن بين يديّ؛ وقد بيَّنت جواز ذلك فيما مضى قبل." ([3])

"وقوله: (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا) يقول: وكانت زوجتي لا تلد، يقال منه: رجل عاقر، وامرأة عاقر بلفظ واحد، كما قال الشاعر:

لَبِئسَ الفَتى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عاقِراًجبَاناً فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَحْضَرِ

وقوله: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) يقول: فارزقني من عندك ولداً وارثاً ومعيناً.

وقوله: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يقول: يرثني من بعد وفاتي مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة، وذلك أن زكريا كان من ولد يعقوب." ([4])

"وقوله (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) يقول: واجعل يا ربّ الولي الذي تهبه لي مرضياً ترضاه أنت ويرضاه عبادك ديناً وخُلُقاً وخَلْقاً، والرضي: فعيل صرف من مفعول إليه." ([5])

 

بشارة بيحيى عليه السلام

 

قال تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ۝قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ۝ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 7 – 9].

"يقول تعالى ذكره: فاستجاب له ربه، فقال له: يا زكريا إنا نبشرك بهبتنا لك غلاماً اسمه يحيى.

كان قتادة يقول: إنما سماه الله يحيى؛ لإحيائه إياه بالإيمان." ([6])

واختلف في قوله: لم نجعل له من قبل سمياً على أقوال:

  • معناه لم تلد مثله عاقر قط.
  • لم نجعل له من قبله مثلاً.
  • لم يسمّ باسمه أحد قبله.([7])

"قال أبو جعفر: وهذا القول أعني قول من قال: لم يكن ليحيى قبل يحيى أحد سمي باسمه أشبه بتأويل ذلك.

وإنما معنى الكلام: لم نجعل للغلام الذي نهب لك الذي اسمه يحيى من قبله أحداً مسمى باسمه، والسميّ: فعيل صرف من مفعول إليه." ([8])

فما كان موقف زكريا عليه السلام بعد هذه البشرى؟

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ۝ قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 8 – 9].

 

آية طلبها زكريا عليه السلام

 

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ۝ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: 10 – 11].

"قوله: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) يقول تعالى ذكره: قال زكريا: يا ربّ اجعل لي علماً ودليلاً على ما بشَّرَتني به ملائكتك من هذا الغلام عن أمرك ورسالتك؛ ليطمئنّ إلى ذلك قلبي." ([9])

ما هي العلامة؟

"يقول جلّ ثناؤه: علامتك لذلك، ودليلك عليه أن لا تكلم الناس ثلاث ليال وأنت سويّ صحيح، لا علة بك من خرس ولا مرض يمنعك من الكلام." ([10])

"وقال آخرون: السويّ من صفة الأيام، قالوا: ومعنى الكلام: قال: آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال متتابعات."([11])

خروج زكريا عليه السلام من المحراب:

"يقول تعالى ذكره: فخرج زكريا على قومه من مصلاه حين حُبس لسانه عن كلام الناس، آية من الله له على حقيقة وعده إياه ما وعد." ([12])

"وقوله: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ) يقول: أشار إليهم، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك، مما يفهم به عنه ما يريد.

وللعرب في ذلك لغتان: وَحَى، وأوحى فمن قال: وَحَى، قال في يفعل: يَحِي، ومن قال: أوحى، قال: يُوحي، وكذلك أوَمَى وَوَمَى، فمن قال: وَمَى، قال في يفعل: يَمِي، ومن قال: أوَمَى، قال: يُومِي." ([13])

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 142، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 143.

([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 144.

([4]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 145.

([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 147.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 147، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([7]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 148.

([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 149.

([9]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 151، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([10]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 151.

([11]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 152.

([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 153.

([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 153.