تاريخ الترجمات وتفاوتها

بقلم / الدكتور وليد بن بليهش العمري

 

ترجمات القرآن الإنكليزية يمكن أن تصل عند الرصد والتدقيق إلى 120 ترجمة، صدرت أولاها عام 1649م أي قبل 369 عام، وآخراها عام 2018م، وهذا يثير تساؤلات عدة عن السبب وراء توافر هذا الكم الكبير من الترجمات لكتاب واحد إلى لغة واحدة! وأيها يمكن الوثوق به؟

والسؤال الثاني: يقودنا بالضرورة إلى الإجابة على السؤال الأول،فثمة ترجمات لمستشرقين، وقاديانيين، واعتذاريين، وعقلانيين، وعصرانيين، وذلك يعود لمحورية القرآن في الإسلام، فهو حامل رسالته، ولرغبة كل من هؤلاء في الاستحواذ على رسالته ونسبتها لنفسه.

وهذا يقودنا للوقوف على أبرز ملامح هذا التاريخ المديد، وباختصار فإن هذا التاريخ يعدّ تجسيداً وتمثيلاً حقيقياً لتاريخ الإسلام نفسه، وعلاقته مع الغرب، بكامل منعطفاته واضطراباته، ويمكن تصنيفه في خمسة محطات كبرى، أجملها في الصورة أدناه للفائدة:

ومن هنا يتضح أن الترجمات المتوافرة ليست على قدر واحد من الأمانة فمنها ما هو للمستشرقين، وأصحاب الفرق، ومنها ما قصد به عرض آراء شاذة؛ فأيها نختار ونقدمه للآخر على أنه يمثلنا ويمثل ديننا؟ وفيما يلي أعرض أشهر (6) ترجمات منتشرة، وسأبيّن الرأي فيها:

لم يسلم عبدالله يوسف علي من التأثر بمولده -في عائلة شيعية-، وتأثر كثيراً بالثقافة الإنكليزية، إلا أنه أصدر ترجمة ذات طراز لغوي رفيع، وقد نقحت ترجمته من دار الإفتاء السعودية، ويمكن إهداء هذه النسخة المنقحة، ولكن اعلم أنه لا يزال فيها شوائب.

محمد مرمديوك بكثول بريطاني أسلم، وأصدر ترجمته وهي سليمة، بلغت شهرة واسعة، وأعيد طباعتها على نطاق واسع، إلا أنه بسبب لغتها القديمة تم تحديثها وتنقيحها عدة مرات، وأفضل هذه النسخ المحدثة هي لعرفات العشي، كما في الصورة أدناه.

ترجمة الهلالي وخان، وهي أكثر الترجمات المتوافرة سلامة من الجانب العقدي، وهي من أكثر الترجمات انتشاراً، ولأنها في الأساس ترجمة تفسيرية ويؤخذ عليها كثرة الاستطرادات والأقواس، ويرى البعض اليوم أنها ترجمة متشددة لا تتناسب مع روح العصر.

الترجمة المعروفة بصحيح أنترناشونال، وهي لأمريكية أسلمت تُكنى بأم محمد، والترجمة في الأصل مراجعة لترجمة الهلالي وخان، وتركز على الجانب العقدي، صيغت بلغة عصرية سلسة، وهي من أفضل الترجمات التي يمكن الرجوع لها، وإهداؤها.

ترجمة محمد عبدالحليم من أحدث الترجمات الصادرة، لقيت شهرة وانشاراً واسعين، إلا أنه يجدر التحذير منها؛ فهي ترجمة اعتذارية apologetic بامتياز، فهو يرى أن الإسلام المذكور في القرآن الكريم ليس دين محمد صلى الله عليه وسلم بل هو الدين الذي جاءت به كل الشرائع السماوية.

إحدى الترجمات الصادرة مؤخراً، والتي يجدر التعامل معها بحذر –بقدر أقل من ترجمة عبدالحليم- هي ترجمة أحمد زكي حماد، فحتى هذه أصابتها شائبة الاعتذارية، وموقفها متذبذب حول كون الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الحق الخاتم.

من أحدث الترجمات الجيدة ترجمة مصطفى خطاب، وهي ترجمة موضوعية سليمة كتبت بلغة عصرية، ولا تغفل عن واقع اليوم، وكان المترجم من أول من أسهم في إعداد ترجمة التراويح التي تبث على قناة القرآن الكريم السعودية:
https://www.youtube.com/watch?v=A4gkN1

وأحذر بشدة من الترجمة المعنونة بـ The Study Quran؛ تدعو لوحدة الأديان، وتدعي أن الإسلام الوارد في القرآن هو الدين البدائي بصيغته الأصلية، ولا فرق فيه بين البشر قاطبة فكلهم مسلمون، وقد حرم العلماء اقتناؤها وتداولها؛ لما فيها من تجديف وافتراء على القرآن الكريم.