شعيب عليه السلام في القرآن الكريم

 

وإلى مدين أخاهم شعيباً

 

حدّثنا القرآن الكريم عن شعيب عليه السلام وعن قومه أهل مدين، كما حدثنا عن نوح وهود وصالح ولوط وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام.

وقد كانت دعوته كدعوة سائر الأنبياء قبله وبعده، دعوة إلى التوحيد.

قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85].

وقال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: 84].

وقال تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۝ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ۝ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۝ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 176 – 180].

ومثل كل الأنبياء الكرام عليهم السلام، لم يكن ليطلب أجراً مقابل دعوته، فأجره على رب العالمين.

فمن هم قومه؟ وكيف وصفهم لنا القرآن الكريم؟ وما موقفهم من دعوة التوحيد؟

 

أصحاب الأيكة

 يرد ذكر قوم شعيب باسم مدينتهم: (مدين) تارة، وباسم: (أصحاب الأيكة) تارة أخرى.

قال تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۝ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ۝ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۝ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 176 – 180].

"يقول تعالى ذكره: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ).

والأيكة: الشجر الملتفّ، وهي واحدة الأيك، وكل شجر ملتفّ فهو عند العرب أيكة، ومنه قول نابغة بني ذبيان:

تَجْلُو بِقادمَتَيْ حَمَامَةِ أيْكَةٍ               بَرَدًا أُسِفّ لِثاتُهُ بالإثْمِدِ

وأصحاب الأيكة: هم أهل مدين فيما ذُكر." ([1])

"وقوله: (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) يقول تعالى ذكره: قال لهم شعيب: ألا تتقون عقاب الله على معصيتكم ربكم؟

(إِنِّي لَكُمْ مِنَ اللَّهِ رَسُولٌ أَمِينٌ) على وحيه، (فاتقوا) عقاب (الله) على خلافكم أمره (وأطيعون) ترشدوا." ([2])

"يقول: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ) على نصحي لكم من جزاء وثواب، ما جزائي وثوابي على ذلك (إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ)." ([3])

فما هي الصلة بين قوم شعيب وبين المكيال والميزان؟ ولماذا أمرهم نبيّهم الكريم عليه السلام أن يوفوه؟

 

المكيال والميزان

ارتبطت قصة قوم شعيب في القرآن الكريم بالمكيال والميزان، والأمر بالقسط، وجاء ذلك في عدد من الآيات الكريمة.

قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85].

وقال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ۝ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود: 84 - 85].

وقال تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ۝ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۝ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ۝ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: 181 – 184].

"(فأوفوا الكيل والميزان)، يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به، وبالوزن الذي تزنون به.

(ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم، ولا تنقصوهم إياها.

ومن ذلك قولهم: تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وهي بَاخِسَةٌ، بمعنى: ظالمة، ومنه قول الله: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: 20]، يعني به: رديء." ([4])

"قوله: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)، يقول: ولا تعملوا في أرض الله بمعاصيه، وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله، والإشراك به، وبخس الناس في الكيل والوزن.

(بعد إصلاحها)، يقول: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم، وما يكرهه الله لكم.

(ذلكم خير لكم)، يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن، وترك الفساد في الأرض، خيرٌ لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القيامة (إن كنتم مؤمنين)، يقول: إن كنتم مصدقيَّ فيما أقول لكم، وأؤدِّي إليكم عن الله من أمره ونهيه." ([5])

فهل كان عدم الإيفاء بالكيل والميزان هو مظهر الفساد الوحيد لدى أصحاب الأيكة؟

 

الضالّ لا يكتفي بضلاله

 لم يكتفِ قوم شعيب عليه السلام بضلالهم وشططهم وإفسادهم؛ بل كانوا يسعون إلى إضلال غيرهم، وصدّه عن سبيل الله، سالكين في ذلك سبلاً عدة:

  • التخويف والتهديد والوعد بالقتل.
  • تكذيب النبي عليه السلام أمام كل من يسعى إلى طريق الهداية.

قال تعالى: ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 86].

"قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون)، ولا تجلسوا بكل طريق، وهو (الصراط) توعدون المؤمنين بالقتل.

وكانوا، فيما ذكر، يقعدون على طريق من قصد شعيباً وأراده ليؤمن به، فيتوعَّدونه ويخوِّفونه، ويقولون: إنه كذاب." ([6])

"وأما قوله: (وتصدون عن سبيل الله من آمن به)، فإنه يقول: وتردُّون عن طريق الله، وهو الردُّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته.

(من آمن به)، يقول: تردُّون عن طريق الله مَنْ صدق بالله ووحّده.

(وتبغونها عوجًا)، يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته (عوجاً)، عن القصد والحق، إلى الزيغ والضلال." ([7])

 

القسطاس المستقيم

 في حديث القرآن الكريم عن دعوة شعيب عليه السلام قومَه؛ نجده يأمرهم بإيفاء الكيل والميزان، وألّا يبخسوا الناس أشياءهم، ولا يعثوا في الأرض مفسدين.

ونجده ذكر القسطاس المستقيم، وألزمهم بأن يستعملوه في الوزن.

فما هو القسطاس المستقيم؟ وهل هو آلة محسوسة؟ أم وصف لما ينبغي أن يكون عليه الكيل والوزن؟

قال تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ۝ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۝ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الشعراء: 181 – 183].

"يعني بقوله (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ) وزنوا بالميزان (الْمُسْتقِيمِ) الذي لا بخس فيه على من وزنتم له. (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن.

(وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) يقول: ولا تكثروا في الأرض الفساد.

قد بيَّنا ذلك كله بشواهده، واختلاف أهل التأويل فيه فيما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع." ([8])

وقد ورد ذكر القسطاس المستقيم في سورة الإسراء كذلك.

قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [الإسراء: 35].

" وقَضَى أن زِنُوا أيضاً إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم، وهو العدل الذي لا اعوجاج فيه، ولا دَغَل، ولا خديعة.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى القسطاس، فقال بعضهم: هو القّبّان." ([9])

"وقال آخرون: هو العدل بالرومية." ([10])  

"وقال آخرون: هو الميزان صغر أو كبر؛ وفيه لغتان: القِسطاس بكسر القاف، والقُسطاس بضمها، مثل القِرطاس والقُرطاس.

وبالكسر يقرأ عامَّة قرّاء أهل الكوفة، وبالضمّ يقرأ عامه قرّاء أهل المدينة والبصرة.

وقد قرأ به أيضا بعض قرّاء الكوفيين، وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب؛ لأنهما لغتان مشهورتان، وقراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار." ([11])

 

بقية الله خير

 قال تعالى: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ [هود: 86].

بعد الأمر بالوفاء في الكيل والميزان، لعل سؤالاً يتبادر إلى أذهان بعضهم: ماذا سيبقى لقوم شعيب عليه السلام؟ وهل هناك فائدة سيجنونها بعد الوفاء بما أُمروا به؟ وما المراد بـ: (بقية الله خير)؟

"قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (بقية الله خير لكم)، ما أبقاه الله لكم، بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحلّه لكم.

خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان (إن كنتم مؤمنين) يقول: إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده، وحلاله وحرامه.

وهذا قولٌ روي عن ابن عباس بإسنادٍ غير مرتضى عند أهل النقل.

وقد اختلف أهل التأويل في ذلك.

فقال بعضهم معناه: طاعة الله خيرٌ لكم." ([12])

"وقال آخرون: معنى ذلك: حظكم من ربكم خير لكم." ([13])

"وقال آخرون: معناه: رزق الله خير لكم." ([14])

" قال أبو جعفر: وإنما اخترت في تأويل ذلك القولَ الذي اخترته؛ لأن الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بَخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظّ في الوفاء في الدنيا والآخرة، أولى مع أن قوله: (بقية)، إنما هي مصدر من قول القائل: بقيت بقية من كذا، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقية الله التي أبقاها لكم مما لكم بعد وفائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس ببخسهم إياهم في الكيل والوزن.

وقوله: (وما أنا عليكم بحفيظ)، يقول: وما أنا عليكم، أيها الناس، برقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم، هل توفون الناس حقوقهم أم تظلمونهم؟ وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربّي، فقد أبلغتكموها." ([15])

 

إني أراكم بخير

 قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: 84].

من حسن خطاب الداعي أن يذكّر المدعوين بما هم عليه من خير، ويبين لهم ما يمنعهم من الحفاظ عليه، وإصابة ما هو أعظم منه خيراً.

ونجد هذا شأن الأنبياء عليهم السلام، فهم يذكّرون أقوامهم بنعم الله تعالى التي امتن بها عليهم، كما في حديث القرآن الكريم عن قصة عاد وتذكير نبيهم هود عليه السلام لهم بأن جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح، وزادهم الله في الخلق بسطة.

ولم يكن شعيب عليه السلام بدعاً من الرسل، فاستعمل الخطاب ذاته في دعوة قومه بما يتناسب مع المقام والحال، فذكّرهم بأنهم بخير، وخوّفهم من عذاب الله تعالى وعقابه.

فما هو الخير الذي يعنيه شعيب عليه السلام؟

"اختلف أهل التأويل في الخير الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به.

فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وَحذرهم غلاءه." ([16])

"وقال آخرون: عنى بذلك: إنّي أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنيا." ([17])

"قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله: (إني أراكم بخير)، يعني بخير الدنيا، وقد يدخل في خير الدنيا، المال وزينة الحياة الدنيا، ورخص السعر ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها.

وإنما قال ذلك شعيب؛ لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم، كثيرة أموالهم، فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم، فقد وَسَّع الله عليكم رزقكم، (وإني أخاف عليكم)، بمخالفتكم أمر الله، وبَخْسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم (عذاب يوم محيط)، يقول: أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه." ([18])

 

الحليم الرشيد

 لم يجد قوم شعيب عليه السلام بعد ما أمرهم به نبيهم من الوفاء بالكيل والميزان، وترك عبادة ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام والأوثان، إلا أن يعلقوا هذا الأمر بصلاته، ويصفونه بالحليم الرشيد.

قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: 87].

فماذا يعنون بذلك؟ وهل كان وصفهم لشعيب عليه السلام بالحلم والرشد مدحاً وثناءً؟ أم تهكماً واستهزاءً؟

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب: يا شعيب، أصَلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام.

(أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، من كسر الدراهم وقطعها، وبخس الناس في الكيل والوزن.

(إنك لأنت الحليم)، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرّضى، (الرشيد)، يعني: رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان." ([19])

"فإن قال قائل: وكيف قيل: (أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرتَ أنه نهاهم عنه فيها؟

قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهَّمت، وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك.

فقال بعض البصريين: معنى ذلك: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء وليس معناه: تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء؛ لأنه ليس بذا أمرهم.

وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول، قال: وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي، كأنه قال: أصلواتك تأمرك بذا، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله: تأمرك، وأن الثانية منصوبة عطفاً بها على (ما) التي في قوله: (ما يعبد)، وإذا كان ذلك كذلك، كان معنى الكلام: أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء.

وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه: (مَا تَشَاء).

قال أبو جعفر: فمن قرأ ذلك كذلك، فلا مؤونة فيه، وكانت (أن) الثانية حينئذ معطوفة على (أن) الأولى.

وأما قوله لشعيب: (إنك لأنت الحليم الرشيد) فإنهم أعداء الله، قالوا ذلك له استهزاءً به، وإنما سفَّهوه وجهَّلوه بهذا الكلام." ([20])

 

انقسام القوم إلى طائفتين

(مؤمنون وكافرون)

 

قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [الأعراف: 87].

"قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: (وإن كان طائفة منكم)، وإن كانت جماعة منكم وفرقة (آمنوا)، يقول: صدّقوا بالذي أرسلتُ به من إخلاص العبادة لله، وترك معاصيه، وظلم الناس، وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتّبعوني على ذلك.

(وطائفة لم يؤمنوا)، يقول: وجماعة أخرى لم يصدِّقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه.

(فاصبروا حتى يحكم الله بيننا)، يقول: فاحتبسوا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم.

(وهو خير الحاكمين)، يقول: والله خيرُ من يفصل وأعدل من يقضي؛ لأنه لا يقع في حكمه مَيْلٌ إلى أحدٍ، ولا محاباة لأحد." ([21])

فما كان جواب قومه إلا أن قالوا: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ۝ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 88 – 89].

 

ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق

عندما يستحكم الضلال في النفوس، ويُغيّب التقليد الأعمى نور العقول ويطمس البصائر، وينقسم الناس بين مؤمن وكافر، لا يبقى حينئذ إلا حكم أحكم الحاكمين، ليقضي بينهم بالحق، وهو خير الفاصلين.

قال تعالى: ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ۝ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: 88 – 89].

تهديد الملأ المستكبرين بطرد المؤمنين:

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال الملأ الذين استكبروا)، يعني بالملأ الجماعة من الرجال ويعني بالذين استكبروا، الذين تكبروا عن الإيمان بالله، والانتهاء إلى أمره، واتباع رسوله شعيب، لما حذرهم شعيبٌ بأسَ الله، على خلافهم أمرَ ربهم، وكفرهم به.

(لنخرجنك يا شعيب)، ومن تبعك وصدقك وآمن بك، وبما جئت به معك (من قريتنا أو لتعودن في ملتنا)، يقول: لترجعن أنت وهم في ديننا وما نحن عليه قال شعيب مجيباً لهم: (أولو كنا كارهين).

ومعنى الكلام: أن شعيباً قال لقومه: أتخرجوننا من قريتكم، وتصدّوننا عن سبيل الله، ولو كنا كارهين لذلك؟ ثم أدخلت (ألف) الاستفهام على (واو) ولو." ([22])

ثبات المؤمنين على موقفهم:

"قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى العود إلى ملتهم، والدخول فيها، وتوعَّدوه بطرده ومن تبعه من قريتهم إن لم يفعل ذلك هو وهم: (قد افترينا على الله كذباً) ، يقول: قد اختلقنا على الله كذباً، وتخرّصنا عليه من القول باطلاً إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصَّرنا خطأها وصوابَ الهدى الذي نحن عليه، وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها، ونترك الحق الذي نحن عليه، (إلا أن يشاء الله ربنا) إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنّا نعود فيها، فيمضي فينا حينئذ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا (وسع ربنا كل شيء علماً) ، يقول: فإن علم ربنا وسع كل شيء فأحاط به، فلا يخفى عليه شيء كان، ولا شيء هو كائن." ([23])

حسن التوكل على الله وتفويض الأمور إليه:

"قوله: (على الله توكلنا)، يقول: على الله نعتمد في أمورنا وإليه نستند فيما تعِدوننا به من شرِّكم، أيها القوم، فإنه الكافي من توكَّل عليه.

ثم فزع صلوات الله عليه إلى ربه بالدعاء على قومه إذ أيس من فلاحهم، وانقطع رجاؤه من إذعانهم لله بالطاعة، والإقرار له بالرسالة، وخاف على نفسه وعلى من اتبعه من مؤمني قومه من فَسَقتهم العطبَ والهلكة بتعجيل النقمة، فقال: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)، يقول: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحقّ الذي لا جور فيه ولا حَيْف ولا ظلم؛ ولكنه عدل وحق (وأنت خير الفاتحين)، يعني: خير الحاكمين.

ذكر الفرَّاء أنّ أهلَ عُمان يسمون القاضي: الفاتح والفتّاح.

وذكر غيره من أهل العلم بكلام العرب: أنه من لغة مراد." ([24])

 

وما توفيقي إلا بالله

 قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88].

من لطيف الخطاب الدعوي للنبي الكريم شعيب عليه السلام، حسن عبارته في دعوته لقومه، وتبيان صدق غايته، وسعيه إلى الإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وهو إلى جانب ذلك يفوض كل أموره إلى الله عز وجل، حتى صار قوله: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88] شعاراً للمتوكلين الصادقين.

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتم إن كنت على بيان وبرهان من ربي فيما أدعوكم إليه من عبادة الله، والبراءة من عبادة الأوثان والأصنام، وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال (ورزقني منه رزقاً حسناً)، يعني حلالاً طيّباً.

(وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)، يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعلُ خلافه؛ بل لا أفعل إلا ما آمركم به، ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه." ([25])

"(إن أريد إلا الإصلاح)، يقول: ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه، إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم (ما استطعت)، يقول: ما قدرت على إصلاحه؛ لئلا ينالكم من الله عقوبة منكِّلة، بخلافكم أمره، ومعصيتكم رسوله.

(وما توفيقي إلا بالله) يقول: وما إصابتي الحق في محاولتي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بالله، فإنه هو المعين على ذلك، إلا يعنّي عليه لم أصب الحق فيه.

وقوله: (عليه توكلت)، يقول: إلى الله أفوض أمري، فإنه ثقتي، وعليه اعتمادي في أموري.

وقوله: (وإليه أنيب)، وإليه أقبل بالطاعة، وأرجع بالتوبة." ([26])

 

موازنة الخطاب الدعوي بين الترغيب والترهيب

(كيف ربط شعيب عليه السلام بين ما ينتظر قومه وبين عذاب سابقيهم؟)

 

لا ترد قصة نبي مع قومه في القرآن الكريم إلا ونجد فيها دروساً عظيمة في الخطاب الدعوي المتزن الذي يطير بجناحي الترغيب والترهيب.

وعلى هذا الهدي القويم سار شعيب عليه السلام في دعوته قومه، فنجد لطفاً في الخطاب، وترأفاً بحال المخاطبين، مع ما أظهروه من جفوة وغلظة وتكذيب، ونجد بإزاء ذلك تخويفاً لهم من عذاب الله تعالى وعقابه، وربطاً بين مصيرهم المنتظر -إن هم لازموا الباطل- وبين مصير الأمم السابقة، قريبها وبعيدها.

قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ۝ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: 89 – 90].

ترهيب من مصير الأمم السابقة:

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل شعيب لقومه: (وما قوم لا يخبر منكم شقاقي)، يقول: لا يحملنكم عداوتي وبغضي، وفراق الدين الذي أنا عليه، على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله، وعبادة الأوثان، وبخس الناس في المكيال والميزان، وترك الإنابة والتوبة، فيصيبكم (مثلُ ما أصاب قوم نوح)، من الغرق (أو قوم هود)، من العذاب (أو قوم صالح)، من الرّجفة (وما قوم لوط) الذين ائتفكت بهم الأرض (منكم ببعيد)، هلاكهم، أفلا تتعظون به، وتعتبرون؟ يقول: فاعتبروا بهؤلاء، واحذروا أن يصيبكم بشقاقي مثلُ الذي أصابهم." ([27])

ترغيب في رحمة الله تعالى وغفرانه وودّه ورضوانه:

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل شعيب لقومه: (استغفروا ربكم)، أيها القوم من ذنوبكم بينكم وبين ربكم التي أنتم عليها مقيمون، من عبادة الآلهة والأصنام، وبَخْس الناس حقوقهم في المكاييل والموازين (ثم توبوا إليه)، يقول: ثم ارجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه (إن ربي رحيم)، يقول: هو رحيم بمن تاب وأناب إليه أن يعذبه بعد التوبة.

(ودود)، يقول: ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يودُّه ويحبُّه." ([28])

 

رهط شعيب عليه السلام

(من هم؟ ولمَ كانوا حاجزاً يمنع قومه من إيذائه؟)

 

قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [هود: 91 – 92].

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم شعيب لشعيب: (يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول)، أي: ما نعلم حقيقة كثير مما تقول وتخبرنا به (وأنا لنراك فينا ضعيفاً).

ذُكِر أنه كان ضريراً، فلذلك قالوا له: (إنا لنراك فينا ضعيفاً)." ([29])

"وقوله: (ولولا رهطك لرجمناك)، يقول: يقولون: ولولا أنك في عشيرتك وقومك (لرجمناك)، يعنون: لسببناك.

وقال بعضهم: معناه لقتلناك." ([30])

"وقوله: (وما أنت علينا بعزيز)، يعنون: ما أنت ممن يكرَّم علينا، فيعظمُ علينا إذلاله وهوانه؛ بل ذلك علينا هيّن." ([31])

عندما يكون البشر أعز على الضالّ من رب البشر:

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟" ([32])

 

إمعان أصحاب الأيكة في الغيّ وتطاولهم على النبيّ

 قال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ۝ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۝ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 185 – 188].

وكأنما بشرية النبي باتت حاجزاً يمنع القوم من تصديقه، وكأن الأقوام تقاسمت بالله لتكذبن بالنبي البشري، فتواصوا بهذه التهم التي تطاولوا بها على أنبياء الله عليهم السلام، وتوارثوها جيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ۝ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: 52 – 53].

فكان من جملة ما رمى به أصحابُ الأيكة به نبيهم الكريم:

  • أنه مسحور.
  • أنه بشر.
  • أنه كاذب – حاشاه عليه السلام-.

"وقوله: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) يقول: قالوا: إنما أنت يا شعيب معلل تعلل بالطعام والشراب، كما نعلل بهما، ولست ملَكاً.

(وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا) تأكل وتشرب (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ).

يقول: وما نحسبك فيما تخبرنا وتدعونا إليه، إلا ممن يكذب فيما يقول، فإن كنت صادقاً فيما تقول بأنك رسول الله كما تزعم: (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ) يعني قطعاً من السماء، وهي جمع كِسفة، جمع كذلك كما تجمع تمرة: تمراً." ([33])

 

إني معكم رقيب

 لما آيس شعيب عليه السلام من إيمان قومه، كان الفصال بينه وبينهم أن أمهلهم وقوع العذاب بهم، فليرتقبوه مهما أنكروه واستبعدوه، وهو معهم رقيب.

كما قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ [هود: 93].

"قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل شعيب لقومه: (ويا قوم اعملوا على مكانتكم)، يقول: على تمكنكم.

يقال منه: الرجل يعمل على مَكينته، ومَكِنته، أي: على اتئاده، ومَكُن الرجل يمكُنُ مَكْناً ومَكانةً ومَكاناً.

وكان بعض أهل التأويل يقول في معنى قوله: (على مكانتكم)، على منازلكم.

قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذاً: ويا قوم اعملوا على تمكنكم من العمل الذي تعملونه، إنّي عامل على تؤدةٍ من العمل الذي أعمله (سوف تعلمون)، أينا الجاني على نفسه، والمخطئ عليها، والمصيب في فعله المحسنُ إلى نفسه." ([34])

" قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبراً عن قيل نبيّه شعيب لقومه: الذي يأتيه منّا ومنكم، أيها القوم (عذاب يخزيه)، يقول: يذله ويهينه (ومن هو كاذب)، يقول: ويُخزي أيضاً الذي هو كاذب في قيله وخبره منا ومنكم (وارتقبوا)، أي: انتظروا وتفقدوا من الرقبة.

يقال منه: رقبت فلاناً أرْقُبه رِقْبَةً.

وقوله: (إني معكم رقيب)، يقول: إني أيضاً ذو رقبة لذلك العذاب معكم، وناظر إليه بمن هو نازل منا ومنكم؟" ([35])

 

عذاب أصحاب الأيكة

 كذّب أصحاب الأيكة، وجاء عذابهم الذي تحدث عنه القرآن الكريم، وصوّره بعدة صور:

  • عذاب يوم الظلة.
  • الرجفة.
  • الصيحة.

عذاب يوم الظلة:

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ۝ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: 188 - 191].

" يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) يقول: بأعمالهم هو بها محيط، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها جزاءكم، (فكذبوه) يقول: فكذّبه قومه، (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) يعني بالظلة: سحابة ظللتهم، فلما تتاموا تحتها التهبت عليهم ناراً، وأحرقتهم، وبذلك جاءت الآثار." ([36])

الرجفة:

وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ۝ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 91 – 92].

قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [العنكبوت: 37].

" قال أبو جعفر: يقول: فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب، الرجفة، وقد بيّنت معنى الرجفة قبل، وأنها الزلزلة المحركة لعذاب الله." ([37])

الصيحة:

قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ۝كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ [هود: 94 – 95].

" أخذت الذين ظلموا صيحة من السماء أخمدتهم، فأهلكتهم بكفرهم بربهم، وقيل: إن جبريل عليه السلام، صاح بهم صَيحةً أخرجت أرواحهم من أجسامهم (فأصبحوا في ديارهم جاثمين)، على ركبهم، وصرعى بأفنيتهم." ([38])

 

كيف آسى على قوم كافرين؟

هل ادخر شعيب عليه السلام وسعاً في إبلاغ قومه ونصحهم؟ لا.

هل غلّظ عليهم في القول والدعوة؟ لا.

هل اكتفى بالترغيب دون التخويف والترهيب؟ لا.

بل بذل شعيب عليه السلام كل الوسع في نصح قومه، ودعوتهم، وتحذيرهم، وسلك كافة الوسائل، والسبل؛ لهدايتهم ووقايتهم من عذاب الدنيا والآخرة، فلم يكن جوابهم إلا الاستهزاء، والتهديد، والإيذاء، فهل مِن أسى على قوم كافرين؟

قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ۝ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: 93 – 94].

" قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأدبر شعيب عنهم، شاخصاً من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله، وقال لما أيقن بنزول نقمة الله بقومه الذين كذّبوه، حزناً عليهم: (يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي)، وأدّيت إليكم ما بعثني به إليكم، من تحذيركم غضبَه على إقامتكم على الكفر به، وظلم الناس أشياءهم (ونصحت لكم)، بأمري إياكم بطاعة الله، ونهيكم عن معصيته.

(فكيف آسى)، يقول: فكيف أحزن على قوم جَحَدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله، وأتوجَّع لهلاكهم؟" ([39])

 

هدايات وعبر من قصة شعيب عليه السلام

 تحمل كل قصة من قصص الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم مشعلاً يضيء زاوية من زوايا الإنسانية، فإذا جمعناها معاً اكتملت الصورة، وأشرقت بنورها الحياة.

وفي قصة شعيب عليه السلام مع قومه، صورة من صور محاربة الفساد المادي، والذي بدوره يعد تجلياً من تجليات الفساد الفكري، ومن العبر والهدايات المستقاة من هذه القصة القرآنية العظيمة:

أولاً: الفساد والغش في الكيل والتلاعب بالميزان كفيل بانعدام الأمن وتحقق الخسران:

قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ [هود: 84].

وقال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85].

وقال تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ۝ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۝ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ۝ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: 181 – 184].

ثانياً: الموازنة في الخطاب الدعوي بين الترغيب والترهيب:

قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ۝ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ [هود: 89 – 90].

ثالثاً: ما على الرسول إلا البلاغ:

قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ۝ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف: 93 – 94].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 390، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 390 – 391.
([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 391.
([4]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 555، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 12/ 555 – 556.
([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 556، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 12/ 559
([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 391، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([9]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 445.
([10]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 445.
([11]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 445.
([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 447، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 448.
([14]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 448.
([15]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 449.
([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 443، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([17]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 444.
([18]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 445.
([19]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 450، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([20]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 452.
([21]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 560 - 561، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([22]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 561، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([23]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 12/ 562.
([24]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 12/ 563.
([25]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 453، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([26]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 454.
([27]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 455، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([28]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 456.
([29]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 457، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([30]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 458.
([31]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 459.
([32]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 459.
([33]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 392، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([34]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 15/ 462 - 463، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([35]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 463.
([36]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 393، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([37]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 12/ 566.
([38]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 15/ 464.
([39]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 571، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.