البحث

  • #تلاوة_نادرة من سورة النساء ــ خارجي .

    الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله .
    #تلاوة_نادرة من سورة النساء ــ خارجي . الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله .
    0 0
  • أواخر سورة البقرة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    أواخر سورة البقرة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    3 0
  • #تلاوة_نادرة سورة القدر بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    #تلاوة_نادرة سورة القدر بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    2 0
  • مصحف تلاوات المنشاوي
    تطبيق خفيف وصغير الحجم للاستماع إلى تلاوة الشيخ "محمد صديق المنشاوي" - من المصحف المُرتِّل دون الحاجة للاتصال بالإنترنت
    تطبيق خفيف وصغير الحجم للاستماع إلى تلاوة الشيخ "محمد صديق المنشاوي" - من المصحف المُرتِّل دون الحاجة للاتصال بالإنترنت
    0
  • ريحانة القراء فضيلة الشيخ محمد صديق #المنشاوي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته .

    قارئ قرآن مصري يعد أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة . سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم. وكان قارئاً في الإذاعة المصرية. توفي مبكراً إثر مرض عن 49 عاماً.

    مولده ونشأته :.
    ———————
    ولد الشيخ محمد بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي. تأثر بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، بإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية). رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن في عام 1927 ثم عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم.

    تلاوة القرآن :.
    ——————-

    للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي". ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء.

    سجل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا. تلى القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس. زار عددا من الدول الاسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية.

    ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. حصل الشيخ "محمد" على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان. وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينات من القرن العشرين مع القراء أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها».

    عائلته :.
    ————
    تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية وهي تؤدي مناسك الحج قبل وفاته بعام.

    شائعة محاولة قتله بالسم :.
    —————————————-
    مرة أخرى نشرت بعض المواقع شائعة ثانيه عن محاولة لإغتيال الشيخ محمد صديق المنشاوي بوضع السم له في الطعام. ولكن وكما هي العادة فهي تخلوا من أية تفاصيل أو أسماء أو شهود أو تسجيلات صوتيه أو مرئية تثبت الحدث الذي تدور حوله الشائعة، وعلى الإنسان أن يفكر في معني الشائعة ومن المستفيد من نشر هذا المعني المكذوب بأسلوب الشائعات المبهمه وغير الموثقه.

    مرضه ووفاته :.
    ———————
    وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.
    ريحانة القراء فضيلة الشيخ محمد صديق #المنشاوي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته . قارئ قرآن مصري يعد أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة . سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم. وكان قارئاً في الإذاعة المصرية. توفي مبكراً إثر مرض عن 49 عاماً. مولده ونشأته :. ——————— ولد الشيخ محمد بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي. تأثر بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، بإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية). رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن في عام 1927 ثم عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم. تلاوة القرآن :. ——————- للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي". ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء. سجل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا. تلى القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس. زار عددا من الدول الاسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية. ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. حصل الشيخ "محمد" على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان. وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينات من القرن العشرين مع القراء أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها». عائلته :. ———— تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية وهي تؤدي مناسك الحج قبل وفاته بعام. شائعة محاولة قتله بالسم :. —————————————- مرة أخرى نشرت بعض المواقع شائعة ثانيه عن محاولة لإغتيال الشيخ محمد صديق المنشاوي بوضع السم له في الطعام. ولكن وكما هي العادة فهي تخلوا من أية تفاصيل أو أسماء أو شهود أو تسجيلات صوتيه أو مرئية تثبت الحدث الذي تدور حوله الشائعة، وعلى الإنسان أن يفكر في معني الشائعة ومن المستفيد من نشر هذا المعني المكذوب بأسلوب الشائعات المبهمه وغير الموثقه. مرضه ووفاته :. ——————— وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.
    1
    0
  • محمد صديق المنشاوي (1)

    هو الشيخ محمَّد بن صديق بن سيد بن ثابت المنشاوي. ولد في مدينة المنشاة التابعة لمديرية جرجا آنذاك في صعيد مصر في 20/ 1/ 1920 م العشرين من شهر يناير عام عشرين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1338 هـ ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

    [حياته العلمية]
    علمه أبوه القراءة، ثم بدأ بتحفيظه القرآن الكريم، ثم التحق بحلقة أحد شيوخ المدينة، فظل يحفظ القرآن الكريم حتى انتهى من حفظه وعمره أحد عشر عاماً، ثم انتقل المترجم مع والده إلى القاهرة، وهناك بدأ يتلقى أحكام القرآن الكريم وعلومه.
    وعين قارئاً بمسجد الزمالك بالقاهرة، ثم ضمه إلى مقرئي الإذاعة المصرية، فعرف العالم الإِسلامي صوته الخاشع، فطلبت أندونيسيا استضافته عام 1955 م خمسة وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد
    ومنحته وساماً رفيعاً، وفي العام التالي استضافته سوريا ومنحته وساماً أيضاً، ثم تسابقت البلدان الإِسلامية على استضافته لقراءة القرآن خلال شهر رمضان، فسافر إلى الأردن والجزائر والعراق والكويت وليبيا والسودان، كما سافر إلى السعودية عدة مرات لقراءة القرآن الكريم في الحج.
    بلغت تسجلات المترجم في الإذاعات الإِسلامية أكثر من 150 مائة وخمسين تسجيلاً.
    كما سجل القرآن الكريم كاملاً مرتلاً لإذاعة القرآن الكريم.

    [شيوخه]
    1 - والده الشيخ صديق بن سيد المنشاوي.
    2 - الشيخ محمَّد أبو العلا.
    3 - الشيخ محمَّد سعودي إبراهيم.

    [وفاته]
    توفي المترجم يوم مولده عام 1969 م تسعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1389 هـ تسعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد بلغ من العمر 49 تسعة وأربعين عاماً فقط.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 298 - 299)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر "مجلة الأسرة" الصادرة في شهر جمادي الأولى عام 1416هـ ص 46 - 48، وقد أفادني بها فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، جزاه الله خيراً ونفع به المسلمين.
    محمد صديق المنشاوي (1) هو الشيخ محمَّد بن صديق بن سيد بن ثابت المنشاوي. ولد في مدينة المنشاة التابعة لمديرية جرجا آنذاك في صعيد مصر في 20/ 1/ 1920 م العشرين من شهر يناير عام عشرين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1338 هـ ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة. [حياته العلمية] علمه أبوه القراءة، ثم بدأ بتحفيظه القرآن الكريم، ثم التحق بحلقة أحد شيوخ المدينة، فظل يحفظ القرآن الكريم حتى انتهى من حفظه وعمره أحد عشر عاماً، ثم انتقل المترجم مع والده إلى القاهرة، وهناك بدأ يتلقى أحكام القرآن الكريم وعلومه. وعين قارئاً بمسجد الزمالك بالقاهرة، ثم ضمه إلى مقرئي الإذاعة المصرية، فعرف العالم الإِسلامي صوته الخاشع، فطلبت أندونيسيا استضافته عام 1955 م خمسة وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد ومنحته وساماً رفيعاً، وفي العام التالي استضافته سوريا ومنحته وساماً أيضاً، ثم تسابقت البلدان الإِسلامية على استضافته لقراءة القرآن خلال شهر رمضان، فسافر إلى الأردن والجزائر والعراق والكويت وليبيا والسودان، كما سافر إلى السعودية عدة مرات لقراءة القرآن الكريم في الحج. بلغت تسجلات المترجم في الإذاعات الإِسلامية أكثر من 150 مائة وخمسين تسجيلاً. كما سجل القرآن الكريم كاملاً مرتلاً لإذاعة القرآن الكريم. [شيوخه] 1 - والده الشيخ صديق بن سيد المنشاوي. 2 - الشيخ محمَّد أبو العلا. 3 - الشيخ محمَّد سعودي إبراهيم. [وفاته] توفي المترجم يوم مولده عام 1969 م تسعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1389 هـ تسعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد بلغ من العمر 49 تسعة وأربعين عاماً فقط. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 298 - 299)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر "مجلة الأسرة" الصادرة في شهر جمادي الأولى عام 1416هـ ص 46 - 48، وقد أفادني بها فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، جزاه الله خيراً ونفع به المسلمين.
    1
    0
  • إقراء القرآن بمصر (وفيه ترجمة الشيخ عامر عثمان)

    الكاتب: د. محمود الطناحي رحمه الله
    من مجلة «الهلال»، مارس 1993 م.

    في عدد يوليو 1992 م من «الهلال» كتبت كلمة عن «الشيخ مصطفى إسماعيل وقراء مصر»، جعلتها تحية وصلة لكتاب أستاذنا الكبير الناقد الشاعر كمال النجمي، عن الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله.
    والحديث عن قراءة القرآن وإقرائه بمصر، لا بد فيه من التفرقة بين «القارئ» و «المقرئ»، ومعروف أن لمصر في الفريقين تاريخاً عريضاً وأياماً زاهية.
    فالقارئ: هو الذي يقرأ لنفسه وقد يسمعه غيره. والمقرئ: هو الذي يُقرئ غيره، تعليماً وتوجيهاً، وتقول اللغة: «رجل قارئ، من قوم قراء وقَرَأه - بوزن فَعَلَة - وقارئين، وأقرأ غيره يُقرئه إقراءً، ومنه قيل: فلان المقرئ». وبهذه التفرقة بين الفعل اللازم والفعل المتعدي يحسن أن نقول عن الذي يقرأ بصوت حسن في المناسبات وفي الإذاعة، كالشيخ مصطفى إسماعيل ومن إليه، قارئ، ونقول عن الذي يحفَّظ الصغار في الكتاتيب وجماعات تحفيظ القرآن: مقرئ.
    على أنه قد يجتمع الفريقان في جمع التكسير، فيقال: «القُرَّاء» لمن يقرأ ولمن يُقرئ، وعلى هذا سمَّى الحافظ الذهبي كتابه: «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار»، وابن الجزري كتابه: «غاية النهاية في اختصار طبقات القراء».
    على أن «للمقرئ» في تاريخنا التراثي معنى أوسع وأشمل من مجرد تحفيظ القرآن للصغار ومن فوقهم. فالمقرئ: هو ذلك العالم الذي يعرف القراءات القرآنية: رواية ودراية، بحيث يكون قادراً على جَمْع الطرق والروايات، ومعرفة وجوه الخلاف بين القراء، والاحتجاج للقراءات وتوجيهها من لغة العرب، ويكون أيضاً متقناً لطرق الأداء - وهو ما يُعرف الآن بعلم التجويد - ووقوف القرآن: الكافي منها والتام والحسن، ثم يتلقى الناس عنه ذلك كله مشافهة وسماعاً.
    وقد نبغ في كل زمان ومكان من قاموا بهذا الأمر على خير وجه، فضلاً من الله وحياطة لكتابه وحفظاً له، ولم يكن لمصر على سواها من الدول العربية والإسلامية فضل وزيادة، فهو رزق الله المقسَّم على خلقه شرقاً وغرباً، ليتم وعده {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} [الحجر: 9]، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17]، لكن الأمر كاد يخلص لمصر في القرنين الأخيرين، فتربع قراؤها على عرش الإقراء والقراءة: رواية ودراية وجمال صوت، وصارت الرحلة إليهم من الشرق ومن الغرب، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة ذكرتها في مقالتي عن «الشيخ مصطفى إسماعيل».
    ويذكر التاريخ أسماء عظيمة لمعت في سماء مصر في القرنين الأخيرين، وخدمت كتاب الله إقراءً وتأليفاً. ومنهم الشيخ محمد أحمد المتولي المتوفى سنة 1313 هـ = 1895 م، والشيخ محمد مكي نصر المتوفى بعد سنة 1308 هـ، وهو صاحب أعظم كتاب في طرق الأداء وصفات الحروف ومخارجها «نهاية القول المفيد في علم التجويد»، والشيخ علي محمد الضبَّاع المتوفى سنة 1380 هـ = 1961 م.
    ومن المعاصرين: الشيخ المقرئ العالم عبد الفتاح عبد الغني القاضي المتوفى سنة 1403 هـ = 1982 م، والشيخ إبراهيم علي شحاتة المقيم الآن بسمَنُّود، والشيخ أحمد عبد العزيز أحمد محمد الزيات، الأستاذ بكلية القرآن بالمدينة النبوية الآن، ويقال: إن الشيخ الزيات هو أعلى القراء الآن إسناداً (وعلو الإسناد معناه قلة
    الوسائط بين القارئ الآن، وبين القارئ الأول، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم بما نزل به جبريل عليه السلام، عن رب العزة والجلال).

    الشيخ عامر عثمان:
    ويقف سيدي وشيخي الشيخ عامر السيد عثمان بين هؤلاء الكوكبة من القراء المعاصرين في مكان ضخم بارز، فهو أكثرهم إقراء للناس، واتصالًا بهم، وتأثيراً فيهم.
    وقد عرفته منذ عشرين عاماً قبل وفاته حين بدأ العمل في تحقيق كتاب «لطائف الإشارات في علم القراءات» لشهاب الدين القسطلَّاني، شارح البخاري، المتوفى سنة 923 هـ، بالاشتراك مع الدكتور عبد الصبور شاهين.
    وكان الشيخ يتردد على دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات - وكنت يومئذ أعمل به - فشدَّني إليه، ورغَّبني فيه، ودعاني إلى حلقته العامرة الممتدة على أيام الأسبوع كله، فوقفت منه على علم غزير جم، وتمثلت فيه وبه هذه الأوصاف الضافية التي تأتي في كتب التراجم والطبقات، ويظنها من لا علم عنده بتاريخ الأمة، وأحوال الرجال، من المبالغات والتهاويل التي يغص بها تاريخنا ... زعموا!
    نعم رأيت في هذا الشيخ الجليل كثيراً مما كنت أقرأه في طبقات القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء: من سعة الرواية، وكثرة الحفظ، وجمع الطرق، ودقة الضبط، وتحرير الرواية، وحسن الإتقان.
    ولد شيخنا الشيخ عامر، رحمه الله، بقرية «ملامس» مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، في 16 مايو سنة 1900 م. وحفظ القرآن الكريم بمكتب الشيخ عطية سلامة، وأئمة ولم يتجاوز التاسعة من عمره، ثم أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وتلقى القرآن بقراءة الإمام نافع المدني، من فم عالم القراءات الشيخ السعودي. وقد أُوتي الشيخ عامر في صباه حظاً من حسن الصوت أهَّله لأن يكون قارئاً مرموقاً بمحافظة الشرقية، يقرأ في الليالي والمناسبات، وهو طريق جالب
    للرزق الواسع والشهرة المستفيضة، ولكنه عزف عن ذلك وولى وجهه شطر القاهرة، حيث الأزهر الشريف، وأئمة القراءة والإقراء.
    وفي القاهرة أخذ في القراءة والتلقي والمشافهة والعرض والسماع، فتلقى القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبية والدرة، على الشيخ محمد غنيم، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على العلامة المقرئ أحمد الدري التهامي، وسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف.
    ثم تلقى القراءات العشر الكبرى على الشيخ علي عبد الرحمن سبيع، من أول القرآن إلى قوله تعالى في سورة هود (وقال اركبوا فيها)، ثم إن الشيخ عليّاً أرسل خلف الشيخ عامر يقول له: سوف نبدأ بعد ثلاثة أيام، فقال له الشيخ عامر: كيف سنبدأ بعد ثلاثة أيام يا سيدي ونحن قد وصلنا إلى قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها)؟ فقال له الشيخ علي: «بعدين ح تعرف»، ثم توفي الشيخ بعد ثلاثة أيام من هذا الكلام. وكان شيخنا الشيخ عامر إذا ذكر هذه القصة اغرورقت عيناه بالدموع، ويقول: «فكان معنى كلام الشيخ علي أن أيام الآخرة بالنسبة له ستبدأ بعد ثلاثة أيام»، وتوفي الشيخ علي سبيعة سنة 1927 م.
    ثم إن الشيخ عامر شرع في ختمة جديدة على تلميذ الشيخ علي سبيع، وهو الشيخ همام قطب، فقرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الكبرى، من طريق الطيَّبة بالتحرير والإتقان، وقرأ الشيخ همام على الشيخ علي سبيع المذكور، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على الشيخ محمد المتولي، وهو على الشيخ أحمد الدري التهامي، وسنده معروف.

    حلقة للإقراء بالأزهر:
    وهكذا عرف شيخنا الطريق ولزمه. وبعد أن رسخت قدمه في هذا العلم، رواية ودراية، اتخذ لنفسه حلقة بالجامع الأزهر سنة 1935 م للإقراء والتدريس، وكان في أثناء ذلك مكباً على مخطوطات القراءات بالمكتبة الأزهرية ودار الكتب
    المصرية، يقرأ وينسخ، فظهر نبوغه ولفت إليه الأنظار، فاتصل به الشيخ علي محمد الضبَّاع، شيخ المقارئ المصرية يومئذ، واستعان في تحقيقات القراءات العشر الكبرى.
    وكان رحمه الله حجة في رسم المصحف الشريف، وقد شارك في تصحيح ومراجعة كثير من المصاحف التي طبعت بمطابع الحلبي والشمرلي، والمطبعة الملكية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق رحمهما الله.
    وحين أنشئ معهد القراءات تابعاً لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، سنة 1943 م كان الشيخ على رأس مشايخه وأساتذته، فتخرَّجت على يديه هذه الأجيال الكريمة من خدمة كتاب الله والعارفين بعلومه وقراءاته بمصر وخارج مصر.
    ولما أنشأت مصر - غير مسبوقة - إذاعة القرآن الكريم سنة 1963 م، وقدمت من خلالها (المصحف المرتل) أشرف الشيخ على التسجيلات الأولى من هذا المشروع العظيم، وكانت بأصوات المشايخ: محمود خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنا رحمهم الله أجمعين.
    وعلى ذكر الإذاعة فقد كان شيخنا عضواً بارزاً في لجنة اختيار القراء، وكان سيفاً بتاراً، حازماً صارماً في غربلة الأصوات وإجادتها، ولم يكن يقبل الميوعة أو تجاوز الأصول في القراءة والأداء، وطالما اشتكى منه القراء، ورموه بالتعسف والتشدد، وضغطوا عليه بوسائل شتى، ولكنه لم يلن ولم يضعف، وكذلك كان يفعل في لجنة اختيار القراء الذين ترسلهم وزارة الأوقاف المصرية إلى البلدان العربية والإسلامية في شهر رمضان. وقد حُورِب كثيراً في لجنة اختيار القراء بالإذاعة المصرية، وطُلب إقصاؤه أكثر من مرة، وكان الذي يقف وراءه مدافعاً ومنافحاً: الشَّاعر الفحل محمود حسن إسماعيل، إذ كان مستشاراً ثقافيّاً بالإذاعة المصرية، رحمهما الله تعالى.

    مؤلفات الشيخ:
    شُغل الشيخ رحمه الله بالإقراء أيامه كلها، فلم يجد وقتاً متسعاً للتصنيف، ولكن الله سبحانه يسَّر له أن يترك بعض الآثار العلمية في فن القراءات، حتى تكون باعثاً لمن يطالعها أن يدعو له بالمغفرة والرضوان. فمما يحضرني الآن هذه التصانيف الآتية، ولست أدَّعي فيها الحصر:
    1 - فتح القدير شرح تنقيح التحرير (في تحرير أوجه القراءات العشر من طريق الطيَّبة).
    2 - شرح على منظومة العلامة الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنُّودي، أبقاه الله، في تحرير طرق ابن كثير وشعبة. فرغ منه يوم الجمعة 25 من صفر سنة 1382 هـ.
    3 - تنقيح فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، بالاشتراك مع الشيخ إبراهيم علي شحاته والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات. وهو نظم منقح من منظومة فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، للعلامة شيخ القراء في وقته الشيخ محمد بن أحمد المتولي، المذكور قبل.
    4 - كيف يُتلى القرآن، وهي رسالة موجزة محررة في تجويد القرآن: سمَّاها: إملاء ما منَّ به الرحمن على عبده عامر بن السيد عثمان في أحكام تلاوة القرآن. وقد أملاها على أحد تلاميذه الذين يحضرون مقارئه، وهو الطيب الجراح الدكتور حسنى حجازي، رحمه الله. وقد صدرت الطبعة الثانية من هذه الرسالة سنة 1390 هـ = 1970 م.
    5 - تحقيق الجزء الأول من كتاب «لطائف الإشارات» الذي ذكرته من قبل. صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام 1392، ولعل المجلس ينشط في طبع بقيته.
    6 - أعان الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في تحقيق كتاب «السبعة» لابن مجاهد، الذي نشرته دار المعارف بمصر أول مرة سنة 1392 هـ = 1972 م. وذلك بمراجعة كتابة آياته الكريمة على هجاء المصاحف المصرية المضبوطة، على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، والمطابقة لما رواه علماء الرسم عن هجاء المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية.
    7 - وكانت آخر أعمال الشيخ مشاركته في لجنة طبع مصحف الملك فهد بن عبد العزيز، الذي صدر بالمدينة النبوية عام 1405 هـ.
    فهذا ما يحضرني الآن مما تركه الشيخ من علم مسطور مكتوب. أما أبقى أثر للشيخ وأخلده وأرجحه في موازينه إن شاء الله تعالى، فهو تلك المقارئ التي جلس فيها جلوساً عاماً للناس، وقد شغلت هذه المقارئ أيامه كلها، وأشهر هذه المقارئ مقرأة الإمام الشافعي يوم الجمعة، وقد أسندت إليه مشيختها عام 1947 م وكان عدد الذين يحضرونها من القراء الرسميين أو المعتمدين من وزارة الأوقاف المصرية محدوداً جداً بجانب مختلف طوائف الناس التي كانت تحضر تلك المقرأة وغيرها من المقارئ، فكنت ترى الطبيب والمهندس والضابط والمحامي والموظف والتاجر والحرفي، والفتى الصغير، والشاب اليافع، والشيخ الفاني، مختلف الأعمار والمهن، يتحلقون حول الشيخ؛ يقرأون ويصحح، عيونهم مشدودة إلى شفتيه، وهو يروَّضهم على النطق الصحيح، يصبر على الضعيف حتى يقوى، ويرفُق بالمتعثر حتى يستقيم، لا يسأم ولا يمل، ولا زلت أذكره - رحمه الله - وهو يروَّض بعض إخواننا على ترقيق اللام من قوله تعالى: {رب إنهن أضللن} [إبراهيم: 36]، وكان عسراً على هذا الأخ أن يرقق اللام بعد الضاد، فكان شيخنا يقرأ أمامه (أضللن) على مقطعين هكذا: (أضْ) (لَلْن) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. وكذلك لا زلت أذكره وهو يروَّضنا على الخروج من التفخيم إلى الترقيق وبالعكس، في قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، فأنت هنا تفخم الراء وإن كان قبلها كسر؛ لأنه كسر عارض للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ترقق التاء وتعود إلى تفخيم الضاد، وهكذا كنت تقضي العجب وأنت تنظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه: من الهمس والجهر والغنة والإظهار والإخفاء والإقلاب والفك والإدغام، وغير ذلك من دقائق الصوتيات، مما لا تستطيع معامل الأصوات أن تنقله بدقة إلى الطالب لأن هذا العلم - علم الأداء - قائم على التلقي والمشافهة.
    ولو كان لي من الأمر شيء لأتيت بشيخ من علماء القراءات في كل قسم من أقسام اللغة العربية بجامعتنا ليعمل على تدريب الطلبة على الأداء الصحيح والنطق السليم، بجانب معامل الأصوات الحديثة. وهؤلاء المشايخ (الغلابة) لن يأخذوا من الأجر أكثر مما تستهلكه هذه المعاملة من طاقة وكهرباء، بل إني أذهب إلى أبعد من هذا في التمني: وهو أن يعين شيخ من هؤلاء القراء مشرفاً خارجيّاً مع المشرف الأكاديمي لكل رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) تتصل بعلم القراءات من قريب أو بعيد.
    ومن تفتن شيخنا في مجال الأداء الصوتي: أنه كان يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر (16)} [القمر: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {كذبت ثمود بالنذر (23)} [القمر: 23]، فالراء في الآية الأولى يستحسن أن يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها (ونُذُري) بإثبات ياء الإضافة، وقرأ بها ورش بن سعيد المصري، عن نافع المدني. ومن القراء المعاصرين الذين سمعتهم يراعون ذلك الترقيق اللطيف المشايخ: محمود خليل الحصري، ومحمود حسين منصور، ومحمد صديق المنشاوي.
    أما الراء في الآية الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخالص؛ لأنها جمع نذير.
    وأما «النبَّر» في مصطلح علم اللغة الحديث - وهو النظام المقطعي في قراءة الكلمة، فقد كان الشيخ رحمه الله آية فيه، وقد سألته عنه يوماً، فقال لي: «إن القراء لم يذكروا هذا المصطلح، ولكنه بهذه الصفة يمكن أن يُسمَّى «التخليص» أي تخليص مقطع من مقطع». وها أنا ذا أضع هذا المصطلح أمام علماء اللغة الحدثين ليروا فيه رأيهم، ولعلهم يحلونه «النبر». وقد سمعت لهذا «التلخيص» من الشيخ أمثلة كثيرة جداً، أذكر منها قوله تعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} [القصص: 24]، وقوله تعالى: {فقست قلوبهم} [الحديد: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {وساء لهم يوم القيامة حملًا (101)} [طه: 101]، فأنت لو ضغطت على الفاء في الآية الأولى صارت من الفسق لا من السقي، وإن لم تضغط على الفاء في الآية الثانية صارت من الفقس لا من القسوة. أما في الآية الثالثة فلا بد أن تخلص (ساء) من (لهم) حتى يكون من السوء لا من المساءلة، لو خطفتها خطفة واحدة. هكذا كان يعلمنا الشيخ، إلى أمثلة كثيرة لا أحصيها عدداً. لكني أذكر أن أحدهم قرأ مرة أمام الشيخ: {فلهم أجر غير ممنون (6)} [التين: 6]، وخطف (فلهم) خطفة واحدة ضاغطاً على الفاء، بحيث صارت الكلمة كأنها فعل ماض مسند إلى ضمير الجماعة، مثل: ضربهم، فقال له الشيخ: (مفلهمش) يريد رحمه الله أن يقول إنه ليس فعلًا واقعاً عليهم، وأن هذه البنية من مقطعين (ف) (لهم).
    وكان الشيخ صاحب دعابة، فكان إذا قرأ أحدهم على غير الجادة يقول له مستفهماً مستنكراً: إنت جوّدت القرآن في ألمانيا؟ وقرأ بعضهم أمامه برواية خلف عن حمزة، ولم يكن متقناً للرواية، فقال له: «قُوم يا شيخ، دانا كنت باحْسِبَك خَلَف الحبايب»، وقرأ آخر أمامه وتحنن في صوته تحنناً ظاهراً في تكسر، فقال له الشيخ: «مافيش فايدة» يريد أنه يقلد صت «فايدة كامل»، فقد كان في صوته تلك السمات التي عرفت بها هذه المغنية قبل أن تشتغل بالسياسة.
    وكان للشيخ حسن دقيق جداً في تقييم الأصوات والحكم عليها، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الشيخ رحمه الله، درس علم الموسيقى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية أل إنشائه.
    وكما كانت معرفة الشيخ بمخارج الحروف وصفاتها عظيمة، كانت عنايته بالوقوف: تامها وحسنها وكافيها، عالية جداً، وكان يأخذ على بعض كبار القراء تهاونهم في تعهد الوقوف ومراعاتها، وكان يصارحهم بذلك فيغضبون.
    وكان شيخنا رحمه الله يتشدد في الوقوف على رؤوس الآي: لأنها سنة، ولو تعلقت الآية بما بعدها. فإذا كانت الآية التالية مقول قول في الآية الأولى، وكان البدء بمقول القول هذا مما يوهم أن يكون إقراراً من القارئ وليس من المحكي عنه، وقف على رأس الآية الأولى اتباعاً للسنة، ثم يستأنف الآية الثانية تالياً الفعل السابق في الآية الأولى. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الصافات: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون (151) ولد الله وإنهم لكاذبون (152)} [الصافات: 151، 152]، يتلوها هكذا: ألا إنهم من إفكهم ليقولون. ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون. وما أكثر ما علَّمنا هذا الإمام الكبير!
    ومع حرص الشيخ على كمال الأداء وحسن التجويد، فقد كان يعيب على بعض القراء المبالغة في ذلك، ويراه لوناً من التنطع والشقشقة. وللفائدة هنا فإني أذكر بأن مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي المتوفى سنة 478 هـ، قد أخذ على قراء زمانه مبالغتهم في التجويد والتقعر في إخراج الحروف، وذلك في رسالة له لطيفة مطبوعة، سمَّاها «بيان زعل العلم»، وهي رسالة نافعة، عرض فيها الذهبي لأخطاء أهل العلم.

    نور القرآن:
    وقد أضاء شيخنا القاهرة كلها بنور القرآن، فلم تكن مقرأة الإمام الشافعي هي المكان الوحيد الذي يجلس فيه للإقراء، فقد كان يبدأ يومه عقب صلاة الفجر بالإقراء بمسجد السيدة زينب، حيث يسكن الشيخ قريباً من المسجد الزينبي، وهناك مقارئ أخرى يحضرها الشيخ منها مقرأة بمسجد النقشبندي بجوار مستشفى أحمد ماهر بالقرب من باب الخلق، وكان موعدها يوم السبت، ومقرأة الجمعية التعاونية للبترول بشارع قصر العيني، يومي الاثنين والثلاثاء، ومقرأة يوم الأربعاء بمسجد بمنزل الحناوي بجاردن سيتي.
    وقد تفرع من هذه المقارئ مقارئ أخرى، منها مقرأة الدكتور صادق بمنطقة الحلمية، بالقرب من القلعة. وهذا الدكتور صادق طبيب أطفال، وقد تلقى عن الشيخ القراءات السبع. وفي صوت هذا القارئ الطبيب صفاء وخشوع يأخذان بمجامع القلوب.
    ومقرأة بمسجد يوسف الصديق بميدان الحجاز بمصر الجديدة، يقوم عليها القارئ الطبيب الدكتور عوض الأستاذ بكلية طب الأزهر، ومقرأة بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين، يقوم عليها الحاج حسين، وهو صاحب معرض ملابس، وقد لازم الشيخ كثيراً بزاوية النقشبندي. وتلامذة الشيخ كثيرون، أذكر منهم الأديب الأستاذ عبد العزيز العناني، وهو مؤرخ للموسيقى العربية، لا تجد له في بابه نظيراً، ألبسه الله ثوب الصحة والعافية.
    ومن الوزراء الذين قرأوا على الشيخ ولازموه ونوروا به مجالسهم: السادة عبد المحسن أبو النور، وتوفيق عبد الفتاح، وعبد الرحمن الشاذلي، وإبراهيم سالم. ويأتي على رأس هؤلاء جميعاً الرجل التقي النقي - ولا نزكي على الله أحداً - الدكتور إبراهيم بدران. وكان من أبر الناس بشيخنا، وقد حمله وأعد له مكاناً رحباً بالمستشفى الذي يملكه بالمهندسين، وأقام عليه من يخدمه ويتولى أمره، وخصص له سيارة تحمله إلى حيث يشاء، وذلك بعد وفاة زوجته، رحمهما الله جميعاً.
    وقد أفاد من علم الشيخ نساء كثيرات، منهن السيدة سميحة أيوب، وإذا تأملت أداءها في النصوص المسرحية الفصيحة رأيت أمارات ذلك. ومنهن السيدة مفيدة عبد الرحمن، المحامية الشهيرة. ولهذه السيدة الفاضلة بالقرآن وخدمته نسب وثيق، فأبوها هو: عبد الرحمن محمد، صاحب المطبعة الكائنة بحي الصنادقية بالأزهر الشريف. وقد تخصصت هذه المطبعة في طبع المصحف الشريف منذ زمن بعيد.

    تلاميذ الشيخ في كل مكان:
    على أن لشيخنا الشيخ عامر أثراً آخر مباركاً، غير التصنيف والإقراء: هو هذا العون الظاهر الذي قدَّمه لهذا النفر من الجامعيين الذين اتخذوا من علم القراءات ميداناً لدراساتهم الصوتية والتاريخية، يحضرني منهم الأساتذة: عبد الفتاح إسماعيل شلبي، وأحمد علم الدين الجندي، وعبد الصبور شاهين، إلى كثير من المعيدين والمبتدئين الذين كانوا يختلفون إليه لتجلية غامض، أو كشف مبهم من هذا العلم الذي هو علم العربية بحق.
    وعلى الجملة فتلاميذ الشيخ والمنتفعون بعلمه لا يحصون، داخل مصر وخارجها، وكنت أرى كثيراً من أبناء الدول العربية والإسلامية، بل من المستشرقين، يأتون إليه، ويجلسون في حلقته، ويا ليتني أحصيتهم عدداً، وقيدت أسماءهم وأسماء بلدانهم وأعمارهم، إحياء لسنن قديمة في تراثنا التاريخي، من ذكر الواردين على البلاد، والمرتحلين إلى الشيوخ.
    وفي سنواته الأخيرة اختار شيخنا المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام - مستقراً ومقاماً، حيث دعي إلى هناك لمراجعة مصحف الملك فهد، وللتدريس بكلية القرآن بالجامعة الإسلامية.
    وفي مساء يوم الخميس، وقبيل فجر يوم الجمعة الخامس من شوال سنة 1408 هـ الموافق للعشرين من مايو سنة 1988 م، اختار الله إلى جواره عبده وخادم كتابه: عامر السيد عثمان، وصلي عليه بالمسجد النبوي الشريف عقب صلاة الجمعة، ودُفن بالبقيع، مرحوماً مرضياً عنه إن شاء الله.
    اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، واجعل كل ما قدَّمه من خدمة كتابك في موازينه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً. وهيئ لهذه الأمة من يخلف هؤلاء الرجال العظام، ويقوم مقامهم، حياطة لدينك، وحفظاً لكتابك. إنك على ما تشاء قدير.
    إقراء القرآن بمصر (وفيه ترجمة الشيخ عامر عثمان) الكاتب: د. محمود الطناحي رحمه الله من مجلة «الهلال»، مارس 1993 م. في عدد يوليو 1992 م من «الهلال» كتبت كلمة عن «الشيخ مصطفى إسماعيل وقراء مصر»، جعلتها تحية وصلة لكتاب أستاذنا الكبير الناقد الشاعر كمال النجمي، عن الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله. والحديث عن قراءة القرآن وإقرائه بمصر، لا بد فيه من التفرقة بين «القارئ» و «المقرئ»، ومعروف أن لمصر في الفريقين تاريخاً عريضاً وأياماً زاهية. فالقارئ: هو الذي يقرأ لنفسه وقد يسمعه غيره. والمقرئ: هو الذي يُقرئ غيره، تعليماً وتوجيهاً، وتقول اللغة: «رجل قارئ، من قوم قراء وقَرَأه - بوزن فَعَلَة - وقارئين، وأقرأ غيره يُقرئه إقراءً، ومنه قيل: فلان المقرئ». وبهذه التفرقة بين الفعل اللازم والفعل المتعدي يحسن أن نقول عن الذي يقرأ بصوت حسن في المناسبات وفي الإذاعة، كالشيخ مصطفى إسماعيل ومن إليه، قارئ، ونقول عن الذي يحفَّظ الصغار في الكتاتيب وجماعات تحفيظ القرآن: مقرئ. على أنه قد يجتمع الفريقان في جمع التكسير، فيقال: «القُرَّاء» لمن يقرأ ولمن يُقرئ، وعلى هذا سمَّى الحافظ الذهبي كتابه: «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار»، وابن الجزري كتابه: «غاية النهاية في اختصار طبقات القراء». على أن «للمقرئ» في تاريخنا التراثي معنى أوسع وأشمل من مجرد تحفيظ القرآن للصغار ومن فوقهم. فالمقرئ: هو ذلك العالم الذي يعرف القراءات القرآنية: رواية ودراية، بحيث يكون قادراً على جَمْع الطرق والروايات، ومعرفة وجوه الخلاف بين القراء، والاحتجاج للقراءات وتوجيهها من لغة العرب، ويكون أيضاً متقناً لطرق الأداء - وهو ما يُعرف الآن بعلم التجويد - ووقوف القرآن: الكافي منها والتام والحسن، ثم يتلقى الناس عنه ذلك كله مشافهة وسماعاً. وقد نبغ في كل زمان ومكان من قاموا بهذا الأمر على خير وجه، فضلاً من الله وحياطة لكتابه وحفظاً له، ولم يكن لمصر على سواها من الدول العربية والإسلامية فضل وزيادة، فهو رزق الله المقسَّم على خلقه شرقاً وغرباً، ليتم وعده {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} [الحجر: 9]، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17]، لكن الأمر كاد يخلص لمصر في القرنين الأخيرين، فتربع قراؤها على عرش الإقراء والقراءة: رواية ودراية وجمال صوت، وصارت الرحلة إليهم من الشرق ومن الغرب، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة ذكرتها في مقالتي عن «الشيخ مصطفى إسماعيل». ويذكر التاريخ أسماء عظيمة لمعت في سماء مصر في القرنين الأخيرين، وخدمت كتاب الله إقراءً وتأليفاً. ومنهم الشيخ محمد أحمد المتولي المتوفى سنة 1313 هـ = 1895 م، والشيخ محمد مكي نصر المتوفى بعد سنة 1308 هـ، وهو صاحب أعظم كتاب في طرق الأداء وصفات الحروف ومخارجها «نهاية القول المفيد في علم التجويد»، والشيخ علي محمد الضبَّاع المتوفى سنة 1380 هـ = 1961 م. ومن المعاصرين: الشيخ المقرئ العالم عبد الفتاح عبد الغني القاضي المتوفى سنة 1403 هـ = 1982 م، والشيخ إبراهيم علي شحاتة المقيم الآن بسمَنُّود، والشيخ أحمد عبد العزيز أحمد محمد الزيات، الأستاذ بكلية القرآن بالمدينة النبوية الآن، ويقال: إن الشيخ الزيات هو أعلى القراء الآن إسناداً (وعلو الإسناد معناه قلة الوسائط بين القارئ الآن، وبين القارئ الأول، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم بما نزل به جبريل عليه السلام، عن رب العزة والجلال). الشيخ عامر عثمان: ويقف سيدي وشيخي الشيخ عامر السيد عثمان بين هؤلاء الكوكبة من القراء المعاصرين في مكان ضخم بارز، فهو أكثرهم إقراء للناس، واتصالًا بهم، وتأثيراً فيهم. وقد عرفته منذ عشرين عاماً قبل وفاته حين بدأ العمل في تحقيق كتاب «لطائف الإشارات في علم القراءات» لشهاب الدين القسطلَّاني، شارح البخاري، المتوفى سنة 923 هـ، بالاشتراك مع الدكتور عبد الصبور شاهين. وكان الشيخ يتردد على دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات - وكنت يومئذ أعمل به - فشدَّني إليه، ورغَّبني فيه، ودعاني إلى حلقته العامرة الممتدة على أيام الأسبوع كله، فوقفت منه على علم غزير جم، وتمثلت فيه وبه هذه الأوصاف الضافية التي تأتي في كتب التراجم والطبقات، ويظنها من لا علم عنده بتاريخ الأمة، وأحوال الرجال، من المبالغات والتهاويل التي يغص بها تاريخنا ... زعموا! نعم رأيت في هذا الشيخ الجليل كثيراً مما كنت أقرأه في طبقات القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء: من سعة الرواية، وكثرة الحفظ، وجمع الطرق، ودقة الضبط، وتحرير الرواية، وحسن الإتقان. ولد شيخنا الشيخ عامر، رحمه الله، بقرية «ملامس» مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، في 16 مايو سنة 1900 م. وحفظ القرآن الكريم بمكتب الشيخ عطية سلامة، وأئمة ولم يتجاوز التاسعة من عمره، ثم أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وتلقى القرآن بقراءة الإمام نافع المدني، من فم عالم القراءات الشيخ السعودي. وقد أُوتي الشيخ عامر في صباه حظاً من حسن الصوت أهَّله لأن يكون قارئاً مرموقاً بمحافظة الشرقية، يقرأ في الليالي والمناسبات، وهو طريق جالب للرزق الواسع والشهرة المستفيضة، ولكنه عزف عن ذلك وولى وجهه شطر القاهرة، حيث الأزهر الشريف، وأئمة القراءة والإقراء. وفي القاهرة أخذ في القراءة والتلقي والمشافهة والعرض والسماع، فتلقى القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبية والدرة، على الشيخ محمد غنيم، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على العلامة المقرئ أحمد الدري التهامي، وسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف. ثم تلقى القراءات العشر الكبرى على الشيخ علي عبد الرحمن سبيع، من أول القرآن إلى قوله تعالى في سورة هود (وقال اركبوا فيها)، ثم إن الشيخ عليّاً أرسل خلف الشيخ عامر يقول له: سوف نبدأ بعد ثلاثة أيام، فقال له الشيخ عامر: كيف سنبدأ بعد ثلاثة أيام يا سيدي ونحن قد وصلنا إلى قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها)؟ فقال له الشيخ علي: «بعدين ح تعرف»، ثم توفي الشيخ بعد ثلاثة أيام من هذا الكلام. وكان شيخنا الشيخ عامر إذا ذكر هذه القصة اغرورقت عيناه بالدموع، ويقول: «فكان معنى كلام الشيخ علي أن أيام الآخرة بالنسبة له ستبدأ بعد ثلاثة أيام»، وتوفي الشيخ علي سبيعة سنة 1927 م. ثم إن الشيخ عامر شرع في ختمة جديدة على تلميذ الشيخ علي سبيع، وهو الشيخ همام قطب، فقرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الكبرى، من طريق الطيَّبة بالتحرير والإتقان، وقرأ الشيخ همام على الشيخ علي سبيع المذكور، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على الشيخ محمد المتولي، وهو على الشيخ أحمد الدري التهامي، وسنده معروف. حلقة للإقراء بالأزهر: وهكذا عرف شيخنا الطريق ولزمه. وبعد أن رسخت قدمه في هذا العلم، رواية ودراية، اتخذ لنفسه حلقة بالجامع الأزهر سنة 1935 م للإقراء والتدريس، وكان في أثناء ذلك مكباً على مخطوطات القراءات بالمكتبة الأزهرية ودار الكتب المصرية، يقرأ وينسخ، فظهر نبوغه ولفت إليه الأنظار، فاتصل به الشيخ علي محمد الضبَّاع، شيخ المقارئ المصرية يومئذ، واستعان في تحقيقات القراءات العشر الكبرى. وكان رحمه الله حجة في رسم المصحف الشريف، وقد شارك في تصحيح ومراجعة كثير من المصاحف التي طبعت بمطابع الحلبي والشمرلي، والمطبعة الملكية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق رحمهما الله. وحين أنشئ معهد القراءات تابعاً لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، سنة 1943 م كان الشيخ على رأس مشايخه وأساتذته، فتخرَّجت على يديه هذه الأجيال الكريمة من خدمة كتاب الله والعارفين بعلومه وقراءاته بمصر وخارج مصر. ولما أنشأت مصر - غير مسبوقة - إذاعة القرآن الكريم سنة 1963 م، وقدمت من خلالها (المصحف المرتل) أشرف الشيخ على التسجيلات الأولى من هذا المشروع العظيم، وكانت بأصوات المشايخ: محمود خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنا رحمهم الله أجمعين. وعلى ذكر الإذاعة فقد كان شيخنا عضواً بارزاً في لجنة اختيار القراء، وكان سيفاً بتاراً، حازماً صارماً في غربلة الأصوات وإجادتها، ولم يكن يقبل الميوعة أو تجاوز الأصول في القراءة والأداء، وطالما اشتكى منه القراء، ورموه بالتعسف والتشدد، وضغطوا عليه بوسائل شتى، ولكنه لم يلن ولم يضعف، وكذلك كان يفعل في لجنة اختيار القراء الذين ترسلهم وزارة الأوقاف المصرية إلى البلدان العربية والإسلامية في شهر رمضان. وقد حُورِب كثيراً في لجنة اختيار القراء بالإذاعة المصرية، وطُلب إقصاؤه أكثر من مرة، وكان الذي يقف وراءه مدافعاً ومنافحاً: الشَّاعر الفحل محمود حسن إسماعيل، إذ كان مستشاراً ثقافيّاً بالإذاعة المصرية، رحمهما الله تعالى. مؤلفات الشيخ: شُغل الشيخ رحمه الله بالإقراء أيامه كلها، فلم يجد وقتاً متسعاً للتصنيف، ولكن الله سبحانه يسَّر له أن يترك بعض الآثار العلمية في فن القراءات، حتى تكون باعثاً لمن يطالعها أن يدعو له بالمغفرة والرضوان. فمما يحضرني الآن هذه التصانيف الآتية، ولست أدَّعي فيها الحصر: 1 - فتح القدير شرح تنقيح التحرير (في تحرير أوجه القراءات العشر من طريق الطيَّبة). 2 - شرح على منظومة العلامة الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنُّودي، أبقاه الله، في تحرير طرق ابن كثير وشعبة. فرغ منه يوم الجمعة 25 من صفر سنة 1382 هـ. 3 - تنقيح فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، بالاشتراك مع الشيخ إبراهيم علي شحاته والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات. وهو نظم منقح من منظومة فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، للعلامة شيخ القراء في وقته الشيخ محمد بن أحمد المتولي، المذكور قبل. 4 - كيف يُتلى القرآن، وهي رسالة موجزة محررة في تجويد القرآن: سمَّاها: إملاء ما منَّ به الرحمن على عبده عامر بن السيد عثمان في أحكام تلاوة القرآن. وقد أملاها على أحد تلاميذه الذين يحضرون مقارئه، وهو الطيب الجراح الدكتور حسنى حجازي، رحمه الله. وقد صدرت الطبعة الثانية من هذه الرسالة سنة 1390 هـ = 1970 م. 5 - تحقيق الجزء الأول من كتاب «لطائف الإشارات» الذي ذكرته من قبل. صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام 1392، ولعل المجلس ينشط في طبع بقيته. 6 - أعان الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في تحقيق كتاب «السبعة» لابن مجاهد، الذي نشرته دار المعارف بمصر أول مرة سنة 1392 هـ = 1972 م. وذلك بمراجعة كتابة آياته الكريمة على هجاء المصاحف المصرية المضبوطة، على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، والمطابقة لما رواه علماء الرسم عن هجاء المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية. 7 - وكانت آخر أعمال الشيخ مشاركته في لجنة طبع مصحف الملك فهد بن عبد العزيز، الذي صدر بالمدينة النبوية عام 1405 هـ. فهذا ما يحضرني الآن مما تركه الشيخ من علم مسطور مكتوب. أما أبقى أثر للشيخ وأخلده وأرجحه في موازينه إن شاء الله تعالى، فهو تلك المقارئ التي جلس فيها جلوساً عاماً للناس، وقد شغلت هذه المقارئ أيامه كلها، وأشهر هذه المقارئ مقرأة الإمام الشافعي يوم الجمعة، وقد أسندت إليه مشيختها عام 1947 م وكان عدد الذين يحضرونها من القراء الرسميين أو المعتمدين من وزارة الأوقاف المصرية محدوداً جداً بجانب مختلف طوائف الناس التي كانت تحضر تلك المقرأة وغيرها من المقارئ، فكنت ترى الطبيب والمهندس والضابط والمحامي والموظف والتاجر والحرفي، والفتى الصغير، والشاب اليافع، والشيخ الفاني، مختلف الأعمار والمهن، يتحلقون حول الشيخ؛ يقرأون ويصحح، عيونهم مشدودة إلى شفتيه، وهو يروَّضهم على النطق الصحيح، يصبر على الضعيف حتى يقوى، ويرفُق بالمتعثر حتى يستقيم، لا يسأم ولا يمل، ولا زلت أذكره - رحمه الله - وهو يروَّض بعض إخواننا على ترقيق اللام من قوله تعالى: {رب إنهن أضللن} [إبراهيم: 36]، وكان عسراً على هذا الأخ أن يرقق اللام بعد الضاد، فكان شيخنا يقرأ أمامه (أضللن) على مقطعين هكذا: (أضْ) (لَلْن) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. وكذلك لا زلت أذكره وهو يروَّضنا على الخروج من التفخيم إلى الترقيق وبالعكس، في قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، فأنت هنا تفخم الراء وإن كان قبلها كسر؛ لأنه كسر عارض للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ترقق التاء وتعود إلى تفخيم الضاد، وهكذا كنت تقضي العجب وأنت تنظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه: من الهمس والجهر والغنة والإظهار والإخفاء والإقلاب والفك والإدغام، وغير ذلك من دقائق الصوتيات، مما لا تستطيع معامل الأصوات أن تنقله بدقة إلى الطالب لأن هذا العلم - علم الأداء - قائم على التلقي والمشافهة. ولو كان لي من الأمر شيء لأتيت بشيخ من علماء القراءات في كل قسم من أقسام اللغة العربية بجامعتنا ليعمل على تدريب الطلبة على الأداء الصحيح والنطق السليم، بجانب معامل الأصوات الحديثة. وهؤلاء المشايخ (الغلابة) لن يأخذوا من الأجر أكثر مما تستهلكه هذه المعاملة من طاقة وكهرباء، بل إني أذهب إلى أبعد من هذا في التمني: وهو أن يعين شيخ من هؤلاء القراء مشرفاً خارجيّاً مع المشرف الأكاديمي لكل رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) تتصل بعلم القراءات من قريب أو بعيد. ومن تفتن شيخنا في مجال الأداء الصوتي: أنه كان يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر (16)} [القمر: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {كذبت ثمود بالنذر (23)} [القمر: 23]، فالراء في الآية الأولى يستحسن أن يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها (ونُذُري) بإثبات ياء الإضافة، وقرأ بها ورش بن سعيد المصري، عن نافع المدني. ومن القراء المعاصرين الذين سمعتهم يراعون ذلك الترقيق اللطيف المشايخ: محمود خليل الحصري، ومحمود حسين منصور، ومحمد صديق المنشاوي. أما الراء في الآية الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخالص؛ لأنها جمع نذير. وأما «النبَّر» في مصطلح علم اللغة الحديث - وهو النظام المقطعي في قراءة الكلمة، فقد كان الشيخ رحمه الله آية فيه، وقد سألته عنه يوماً، فقال لي: «إن القراء لم يذكروا هذا المصطلح، ولكنه بهذه الصفة يمكن أن يُسمَّى «التخليص» أي تخليص مقطع من مقطع». وها أنا ذا أضع هذا المصطلح أمام علماء اللغة الحدثين ليروا فيه رأيهم، ولعلهم يحلونه «النبر». وقد سمعت لهذا «التلخيص» من الشيخ أمثلة كثيرة جداً، أذكر منها قوله تعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} [القصص: 24]، وقوله تعالى: {فقست قلوبهم} [الحديد: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {وساء لهم يوم القيامة حملًا (101)} [طه: 101]، فأنت لو ضغطت على الفاء في الآية الأولى صارت من الفسق لا من السقي، وإن لم تضغط على الفاء في الآية الثانية صارت من الفقس لا من القسوة. أما في الآية الثالثة فلا بد أن تخلص (ساء) من (لهم) حتى يكون من السوء لا من المساءلة، لو خطفتها خطفة واحدة. هكذا كان يعلمنا الشيخ، إلى أمثلة كثيرة لا أحصيها عدداً. لكني أذكر أن أحدهم قرأ مرة أمام الشيخ: {فلهم أجر غير ممنون (6)} [التين: 6]، وخطف (فلهم) خطفة واحدة ضاغطاً على الفاء، بحيث صارت الكلمة كأنها فعل ماض مسند إلى ضمير الجماعة، مثل: ضربهم، فقال له الشيخ: (مفلهمش) يريد رحمه الله أن يقول إنه ليس فعلًا واقعاً عليهم، وأن هذه البنية من مقطعين (ف) (لهم). وكان الشيخ صاحب دعابة، فكان إذا قرأ أحدهم على غير الجادة يقول له مستفهماً مستنكراً: إنت جوّدت القرآن في ألمانيا؟ وقرأ بعضهم أمامه برواية خلف عن حمزة، ولم يكن متقناً للرواية، فقال له: «قُوم يا شيخ، دانا كنت باحْسِبَك خَلَف الحبايب»، وقرأ آخر أمامه وتحنن في صوته تحنناً ظاهراً في تكسر، فقال له الشيخ: «مافيش فايدة» يريد أنه يقلد صت «فايدة كامل»، فقد كان في صوته تلك السمات التي عرفت بها هذه المغنية قبل أن تشتغل بالسياسة. وكان للشيخ حسن دقيق جداً في تقييم الأصوات والحكم عليها، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الشيخ رحمه الله، درس علم الموسيقى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية أل إنشائه. وكما كانت معرفة الشيخ بمخارج الحروف وصفاتها عظيمة، كانت عنايته بالوقوف: تامها وحسنها وكافيها، عالية جداً، وكان يأخذ على بعض كبار القراء تهاونهم في تعهد الوقوف ومراعاتها، وكان يصارحهم بذلك فيغضبون. وكان شيخنا رحمه الله يتشدد في الوقوف على رؤوس الآي: لأنها سنة، ولو تعلقت الآية بما بعدها. فإذا كانت الآية التالية مقول قول في الآية الأولى، وكان البدء بمقول القول هذا مما يوهم أن يكون إقراراً من القارئ وليس من المحكي عنه، وقف على رأس الآية الأولى اتباعاً للسنة، ثم يستأنف الآية الثانية تالياً الفعل السابق في الآية الأولى. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الصافات: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون (151) ولد الله وإنهم لكاذبون (152)} [الصافات: 151، 152]، يتلوها هكذا: ألا إنهم من إفكهم ليقولون. ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون. وما أكثر ما علَّمنا هذا الإمام الكبير! ومع حرص الشيخ على كمال الأداء وحسن التجويد، فقد كان يعيب على بعض القراء المبالغة في ذلك، ويراه لوناً من التنطع والشقشقة. وللفائدة هنا فإني أذكر بأن مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي المتوفى سنة 478 هـ، قد أخذ على قراء زمانه مبالغتهم في التجويد والتقعر في إخراج الحروف، وذلك في رسالة له لطيفة مطبوعة، سمَّاها «بيان زعل العلم»، وهي رسالة نافعة، عرض فيها الذهبي لأخطاء أهل العلم. نور القرآن: وقد أضاء شيخنا القاهرة كلها بنور القرآن، فلم تكن مقرأة الإمام الشافعي هي المكان الوحيد الذي يجلس فيه للإقراء، فقد كان يبدأ يومه عقب صلاة الفجر بالإقراء بمسجد السيدة زينب، حيث يسكن الشيخ قريباً من المسجد الزينبي، وهناك مقارئ أخرى يحضرها الشيخ منها مقرأة بمسجد النقشبندي بجوار مستشفى أحمد ماهر بالقرب من باب الخلق، وكان موعدها يوم السبت، ومقرأة الجمعية التعاونية للبترول بشارع قصر العيني، يومي الاثنين والثلاثاء، ومقرأة يوم الأربعاء بمسجد بمنزل الحناوي بجاردن سيتي. وقد تفرع من هذه المقارئ مقارئ أخرى، منها مقرأة الدكتور صادق بمنطقة الحلمية، بالقرب من القلعة. وهذا الدكتور صادق طبيب أطفال، وقد تلقى عن الشيخ القراءات السبع. وفي صوت هذا القارئ الطبيب صفاء وخشوع يأخذان بمجامع القلوب. ومقرأة بمسجد يوسف الصديق بميدان الحجاز بمصر الجديدة، يقوم عليها القارئ الطبيب الدكتور عوض الأستاذ بكلية طب الأزهر، ومقرأة بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين، يقوم عليها الحاج حسين، وهو صاحب معرض ملابس، وقد لازم الشيخ كثيراً بزاوية النقشبندي. وتلامذة الشيخ كثيرون، أذكر منهم الأديب الأستاذ عبد العزيز العناني، وهو مؤرخ للموسيقى العربية، لا تجد له في بابه نظيراً، ألبسه الله ثوب الصحة والعافية. ومن الوزراء الذين قرأوا على الشيخ ولازموه ونوروا به مجالسهم: السادة عبد المحسن أبو النور، وتوفيق عبد الفتاح، وعبد الرحمن الشاذلي، وإبراهيم سالم. ويأتي على رأس هؤلاء جميعاً الرجل التقي النقي - ولا نزكي على الله أحداً - الدكتور إبراهيم بدران. وكان من أبر الناس بشيخنا، وقد حمله وأعد له مكاناً رحباً بالمستشفى الذي يملكه بالمهندسين، وأقام عليه من يخدمه ويتولى أمره، وخصص له سيارة تحمله إلى حيث يشاء، وذلك بعد وفاة زوجته، رحمهما الله جميعاً. وقد أفاد من علم الشيخ نساء كثيرات، منهن السيدة سميحة أيوب، وإذا تأملت أداءها في النصوص المسرحية الفصيحة رأيت أمارات ذلك. ومنهن السيدة مفيدة عبد الرحمن، المحامية الشهيرة. ولهذه السيدة الفاضلة بالقرآن وخدمته نسب وثيق، فأبوها هو: عبد الرحمن محمد، صاحب المطبعة الكائنة بحي الصنادقية بالأزهر الشريف. وقد تخصصت هذه المطبعة في طبع المصحف الشريف منذ زمن بعيد. تلاميذ الشيخ في كل مكان: على أن لشيخنا الشيخ عامر أثراً آخر مباركاً، غير التصنيف والإقراء: هو هذا العون الظاهر الذي قدَّمه لهذا النفر من الجامعيين الذين اتخذوا من علم القراءات ميداناً لدراساتهم الصوتية والتاريخية، يحضرني منهم الأساتذة: عبد الفتاح إسماعيل شلبي، وأحمد علم الدين الجندي، وعبد الصبور شاهين، إلى كثير من المعيدين والمبتدئين الذين كانوا يختلفون إليه لتجلية غامض، أو كشف مبهم من هذا العلم الذي هو علم العربية بحق. وعلى الجملة فتلاميذ الشيخ والمنتفعون بعلمه لا يحصون، داخل مصر وخارجها، وكنت أرى كثيراً من أبناء الدول العربية والإسلامية، بل من المستشرقين، يأتون إليه، ويجلسون في حلقته، ويا ليتني أحصيتهم عدداً، وقيدت أسماءهم وأسماء بلدانهم وأعمارهم، إحياء لسنن قديمة في تراثنا التاريخي، من ذكر الواردين على البلاد، والمرتحلين إلى الشيوخ. وفي سنواته الأخيرة اختار شيخنا المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام - مستقراً ومقاماً، حيث دعي إلى هناك لمراجعة مصحف الملك فهد، وللتدريس بكلية القرآن بالجامعة الإسلامية. وفي مساء يوم الخميس، وقبيل فجر يوم الجمعة الخامس من شوال سنة 1408 هـ الموافق للعشرين من مايو سنة 1988 م، اختار الله إلى جواره عبده وخادم كتابه: عامر السيد عثمان، وصلي عليه بالمسجد النبوي الشريف عقب صلاة الجمعة، ودُفن بالبقيع، مرحوماً مرضياً عنه إن شاء الله. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، واجعل كل ما قدَّمه من خدمة كتابك في موازينه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً. وهيئ لهذه الأمة من يخلف هؤلاء الرجال العظام، ويقوم مقامهم، حياطة لدينك، وحفظاً لكتابك. إنك على ما تشاء قدير.
    1
    0
  • تلاوة خاشعة للشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله -، ما تيسر من سورتي القصص والعنكبوت
    تلاوة خاشعة للشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله -، ما تيسر من سورتي القصص والعنكبوت
    3
    9 0
  • #نفائس
    قصة الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم (رحلةٌ من القاهرة إلى المدينة النبوية)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن جهود العلماء في العناية بكتاب الله تعالى، لا تزال متواصلةً: حفظاً، وتفسيراً، وإقراءً، ودفاعاً..
    ومن أعظم ما سجله التاريخ في عناية العلماء بالقرآن الكريم ما ابتدأه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أشار عليه الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم.

    ويذكر العلماء أن جمع القرآن الكريم مر بثلاث مراحل:
    1- الجمع الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : وهو بمعنى حفظه في الصدور، وهو المذكور في قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه).
    2- الجمع الثاني في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وهو بمعنى جمعه من متفرق في مصحف واحد، وكان سبب هذا الجمع كثرة القتلى من حفاظ القرآن الكريم، وصاحب الفكرة هو الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    3- الجمع الثالث في عهد عثمان رضي الله عنه : وهو بمعنى توحيد المصاحف المختلفة ونشره وتوزيعه على الأمصار .
    4- ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي: الجمع الصوتي للقرآن الكريم:
    وهو من الجهود المباركة في هذا العصر، وكثيرٌ من الناس يظن أن تاريخ هذا المشروع قريبٌ، والحقيقة أن ذلك التاريخ يعود إلى خمسين سنة ماضيةً، حين كانت بداية المشروع هناك في القاهرة، في الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم، حيث تقدم بهذه بفكرة هذا المشروع الأستاذ لبيب السعيد (ولد سنة: 1914م ــ وتوفي سنة: 1988م) وقد ألف كتاباً في هذا المشروع أسماه ( الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم ) طبع في دار الكتاب العربي بالقاهرة سنة 1387هـ، وجدته في إحدى مكتبات عمان الأردن في إحدى الزيارات.


    أولاً: قصة المصحف المرتل في القاهرة :

    وأحب أعرج في هذا المقال على تاريخ ذلك الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم، حفظاً لحق صاحب الفكرة، وشكراً لتلك الجهود التي بذلها في سبيل تحقيق هذا المشروع القيم، علماً بأنه ليس من أبناء الأزهر، وإنما أستاذ ومجتهد وفقه الله تعالى لخدمة كتابه، ويسر له ما كان عسيراً على غيره..

    = من هو لبيب السعيد :

    من العجيب أنك لا تكاد تجد ترجمة للأستاذ لبيب السعيد، وكل ما يمكن أن يذكر ما يأتي(1):
    • ولد في المنصورة بمصر في 8 / 12 / 1914م.
    • كان يعمل في وزارة المالية المصرية.
    • رأس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم.
    • عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى منتصف الثمانينات.
    • له عدد من الكتب منها: 
    أ‌- الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم .
    ب‌- المقارئ والقراء.
    ت‌- الأذان والمؤذنون.
    ث‌- رسم المصحف.
    ج‌- التغني بالقرآن.
    • له سلسلة ( معارف قرآنية ) سُجلت في إذاعة الرياض في السبعينيات.
    • توفي رحمه الله في 22/1/1988م.



    = بواعث هذا المشروع :

    يقول الأستاذ لبيب السعيد : "وأعود إلى ما قبل إعلاني عن مشروع المصحف المرتل ببضع سنين لا أستطيع تحديدها بدقة. منذ يومئذ وأنا أحس أن جمع القرآن جمعاً صوتياً بكل قراءاته المتواترة والمشهورة أمرٌ يجب أن ينهض به أهل هذا الزمان .
    وكنت أتابع، في المقارئ الكبيرة بالقاهرة، الممتازين من علماء القراءات، وكان يؤلمني أنه كان إذا مات منهم أستاذٌ حاذقٌ خَلَفَه أحياناً مَنْ لا يعدله أستاذيةً وحذقاً، وضاعت على المسلمين ـ إلى الأبد ـ مواهب الميّت لأنها لم تُسجَّلْ.
    ما كان أعظم شعوري بالخسارة الفادحة المستمرة على مدى الزمن في القراء الذين يموتونّ! ذلك أن إنتاجهم ـ بطبيعته ـ غير إنتاج غيرهم من أصحاب العلوم والفنون، فهؤلاء يستطيع الواحد منهم ـ بفضل الكتابة ـ أن يواصل ـ بعد موته ـ الحياة في إنتاجه، أما أصحاب التراث الصوتي، وفي مقدمتهم القُرَّاء، فكان تراثهم يفنى بفنائهم، لأن العلم لم يكن اهتدى بعدُ إلى طرائق تسجيل هذا التراث. وحتى بعد الاهتداء، تأخر تسجيل المصحف أمداً غير قصير"(2). 

    هكذا كانت خلجات صدر لبيب السعيد، وحديث نفسه، الحسرةُ على عدم حفظ تلك الأصوات الشجية، وتلك المزامير القرآنية، وفوات السابق على اللاحق، هكذا اختمرت الفكرة في ذهن الأستاذ لبيب حتى جاءت سنة 1959م.

    = بداية المشروع :

    تقدم الأستاذ لبيب السعيد في أواخر فبراير أو أوائل مارس 1959م إلى مجلس إدارة الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم ـ وكان رئيس مجلس إدارتها ـ باقتراح ابتدأه بما يأتي:
     

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اقتراح مقدم إلى مجلس إدارة الجمعية من رئيسها لبيب السعيد
    بشأن تسجيل القرآن الكريم صوتياً بكل رواياته المتواترة والمشهورة وغير الشاذة


    ثم ذكر تفاصيل المشروع..

    وجاء فيه قوله : 
    (وفيما يختص بالتسجيل نفسه، أقترح أن يشمل تلاوة الكتاب العزيز كله بقراءة حفص، ثم بمختلف القراءات المتواترة والمشهورة وغير الشاذة، على أن لا تُرَدَّدَ الآية الواحدة بأكثر من قراءة واحدة في التلاوة الواحدة، كما يشمل التسجيل دروساً عملية في أحكام التجويد بطريقة سهلة ميسرة تمكن الجمهور العادي من الانتفاع بها.
    أما فيما يختص بمن يتولون القراءة والتدريس العملي، فيجب أن يكونوا من أعلم علماء القرآن، مع مناسبة أصواتهم للتسجيل، وأن تختارهم لجان لها خبرتها القرآنية العظمى، ويشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى)(3). 

    = من الصعوبات : 

    لقي الأستاذ لبيب في سبيل تحقيق مشروعه عدداً من العقبات، أنَّ لها أنات، منها ما سطره قلمه حيث قال: 
    (وعجزتُ عن تدبير "استوديو" للتسجيل فيه بالمجان، فرغبتُ إلى نائب وزير الدولة لشؤون رياسة الجمهورية، وإلى المدير العام للإذاعة أن يأذنا لي بالتسجيل في استوديوهات الإذاعة، وسعيت في ذلك سعياً، حتى اسْتُجيب لطلبي، بشرطٍ أصرَّتْ عليه الإذاعة، وهو أن يكون لها الحق المطلق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها، ولعل سروري بهذا الشرط وأنا أقدم به إقراراً كتابياً كان أكبر من سرور الإذاعة)(4). 

    ويقول في ذكر عوائق المشروع :

    ( ولستُ أنسى يوماً من أيام رجب سنة 1379هـ (يناير 1960م) سعيت فيه، بناء على نصيحة أحد المخلصين للمشروع، إلى ثري كبير هو وزير في إحدى الدول العربية، وكان يقيم في مصر في حي الدقي، فتلقَّى هذا الثريُّ حديثي عن المشروع بعدم الاكتراث، وخرجتُ يومها من لدنه خجلان آسفاً نادماً)(5). 

    = نقطة تحول في تاريخ المشروع :
    يقول الأستاذ لبيب : (وحفزني الإخفاق في تمويل المشروع إلى التفكير في وضعه تحت الرعاية المالية للدولة نفسها. وفي يوم الأربعاء24 من فبراير 1960م، قابلت وزير الأوقاف ورجوته مساعدة المشروع مالياً، فاستجاب فوراً وفي حماسة، وكانت استجابته مبعث طمأنينة واستبشار وأمل، وأصبح العمل شغل الوزير نفسه ومحل اهتمامه، فأفاد كثيراً) (6). 

    = بداية التسجيل:

    أ ـ المصحف الأول: 
    ابتدأ التسجيل الأول برواية حفص بصوت القارئ الحصري ـ رحمه الله ـ أحد القراء المشهورين في مصر، ولم يكن التسجيل سهلاً : ( لم يكن التسجيل شيئاً هيناً، فمع امتياز القارئ، وكونه قد أصبح آنئذ شيخ المقارئ، كانت اللجنة تستوقفه كثيراً ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب)(7). 
    وكانت اللجنة مكونة من :
    أ ـ الشيخ عبد الفتاح القاضي ( وقد استعفى من اللجنة في وقت مبكر لأسباب منها بعد عمله عن القاهرة).
    ب ـ الشيخ عامر عثمان ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    ج ـ الشيخ عبد العظيم الخياط ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    د ـ الشيخ محمد سليمان صالح ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    هـ ـ الشيخ محمود حافظ برانق ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    وابتدأ الطبع في مايو سنة 1960م،وانتهت الطبعة الأولى في 23/ يوليو/ 1961م. حيث بدئ بتوزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام.

    ب ـ المصحف الثاني: 
    في سنة 1962م، تم تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري، واختير لهذه الرواية ثلاثة من القراء لهدف ذكره الأستاذ لبيب بقوله : ( وقد أشرتُ بأن لا يستأثر قارئ واحد بتسجيل المصحف كاملاً، دفعاً لملل السامعين، واستفادة بأكبر عددٍ من أصحاب المواهب، وتحقيقاً لتكافؤ الفرص) (8). 
    وهم المشايخ:
    أ ـ الشيخ فؤاد العروسي.
    ب ـ الشيخ محمد صديق المنشاوي.
    ج ـ الشيخ يوسف كامل البهتيمي.
    ولكن في أثناء التسجيل جاء المنع من شيخ الأزهر الشيخ محمود شتوت خوفاً من اختلاف المسلمين حول أي القراءات أولى.
    ولكن الأستاذ لبيب بادر بمقابلة الشيخ رحمه الله وأقنعه بالفكرة وأثرها .
    وتم الانتهاء من تسجيل هذه الراوية في سبتمبر سنة 1963م.

    = الفرح بنجاح المشروع :

    كانت فرحة الأستاذ لبيب غامرة بإنجاز هذا المشروع، يقول : 
    ( وقد ازددتُ إدراكاً لفضل الله عليَّ، وعلى الناس، إذ قدَّرَ لهذا المشروع النجاح، حين كنت خارج مصر، في بلاد بعيدة، أستمع إلى المصحف المرتل، من الإذاعة، أو أستمع إليه، في دور السفارات، والقنصليات العربية... لقد كان ينسلخ عني وقتئذ ـ شأني شأن كل مستمع مسلم عربي ـ الشعور بغربة اللسان أو غربة المكان، وقد حكى لي غير واحد ممن سمعوا المصحف المرتل في ديار الغربة أنهم لم يكونوا يملكون حبس دموعهم تأثراً وفرحاً) (9).

    = أمانيُّ باقية :

    كانت أماني الأستاذ لبيب بتنفيذ المشروع على الوجه المخطط له بتسجيل جميع روايات القرآن الكريم، يقول: 
    ( فليت أن المشروع يتم عاجلاً ، وفق التخطيطات المرسومة له! وليت أن الله صاحبَ الفضل والمنة ينفع بهذا المشروع كما نحب، وخيراً مما نحب! وليت أنه ـ سبحانه ـ يجعل هذا المشروع ـ دائماً ـ عملاً خالصاً تماماً لوجهه الكريم! ) (10).

    ثانياً: قصة الجمع الصوتي في المدينة النبوية :
    ذكر الدكتور عبد العزيز القارئ قصة هذا الجمع في المدينة النبوية بأسلوبه المتميز في لقاء شبكة التفسير وأنا أنقل جملاً من كلامه وفقه الله (11):

    = بداية الفكرة :

    يقول الدكتور عبد العزيز القارئ: (أهم أمنية علمية قرآنية كنت حريصاً على تحقيقها هي " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " وهذا الهدف الخطير الكبير فكرت فيه أيام تقلدي لعمادة كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية ؛ لأنني نظرت فإذا حولي بالكلية أعلام كبار من علماء القراآت: الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله ، ثم جاء بعده إلى المدينة الشيخ عامر بن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية رحمه الله ، ثم جاء الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات رحمه الله، وعُين بمجمع المصحف ، وكان يدرس بكلية القرآن ..

    وأهل العلم يعرفون إمامة هؤلاء الثلاثة في مجال القراآت ، وكان بالكلية أيضاً الشيخ عبد الفتاح المرصفِي رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمود سيبويه البدوي رحمه الله ، والشيخ محمود جادو رحمه الله ، والشيخ عبد الرافع رضوان حفظه الله وبارك في عمره، وغيرهم ؛ وكان كل هؤلاء علماءَ في القراآت بمرتبة الحجية ، أي كل واحد منهم حجة في هذا الفن؛ وهم يُعدُّون من أهل الطبقة الأولى في هذا العصر ، وبقي من أهل هذه الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي بارك الله في عمره وأمدَّه بالصحة والعافية ، فإنه من طبقة الشيخ عامر والشيخ الزيات ، وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت الكبار من أهل هذه الطبقة ..

    فلما رأيت اجتماع أولئك الأئمة في القراآت في مكان واحدٍ هو المدينة النبوية؛ وأكثرهم عندي في كلية القرآن أدركت أنها فرصة لا تفوَّت لتحقيق هذا الهدف الكبير وهو "الجمع الصوتي للقراآت المتواترة" ؛ وهو لو تحقق فإنه يُعدُّ بحق الجمع الرابع للقرآن ؛ فإن القرآن جُمِعَ قبلَ ذلك ثلاث مرات ...
    لكنْ لم يُفكِّر أحدٌ أنه يمكن تسجيل القرآن صوتياً ؛ لأن هذا ارتبط بالتقدم "التكنولوجي" في العصر الحديث حيث تطورت أجهزة الصوتيات بشكل لم يَسْبِقْ له نظيرٌ وأصبح ممكناً تسجيل القراآت كلها صوتياً ؛ وفي تسجيلِ القراآت تسجيلٌ للغات العرب ولهجاتها ، فهو موضوع كبير من جميع جوانبه ).

    = عوامل نجاح المشروع:

    يقول الدكتور عبد العزيز وفقه الله : ( لكنَّ مثلَ هذا المشروع الجليل الخطير يتطلب ثلاثة أمور بدونها لا يصبح ذا قيمة علمية تُذكر :
    1- توافر الإشراف العلمي الراقي : بوجود مراجع بمرتبة الحجية في القراآت كما مثلت سابقاً ، يشرفون على التسجيل ويراقبونه ؛ لأن القراآت أكثرها أمور صوتية دقيقة قد تخفى حتى على بعض الخواصِّ.
    2- توافر الأداء القرآني الراقي : بوجود قرَّاء ذوي أداء مُتْقَنٍ ، وأصوات حسنة، وتنغيم جيد ، وهذا كان متوافراً في طلاب كلية القرآن ، وكان أحسن هؤلاء الذين اخترناهم للمشروع طالبٌ باكستانيٌّ ، تميّزَ بفصاحة الحروف وإتقان التجويد ، وجودة التنغيم ، وحسن الصوت، لكن رئاسة الجامعة وقتها حرصت على ترحيله بمجرد تخرجه ففقد المشروع واحداً من أهم عناصره !!
    3- الإرادة الإدارية : فإن مثل هذا المشروع يحتاج إلى إشراف إداري ، وتمويل كاف، وجهة علمية قادرة تتبنى تنفيذه ، وكانت هذه الجهة موجودة وهي كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ...).

    = بداية المشروع : 

    يقول وفقه الله : (وأمدَّتنا وزارة الإعلام وقتها بإنشاء "استوديو" للتسجيل في نفس الكلية ، وكان لهذا التبرع السخي أثر كبير دفع المشروع إلى الأمام ؛ وبدأنا نُسجل ونذيع ما نسجله في إذاعة القرآن الكريم باسم " دروس من القرآن الكريم " ؛ حتى يستمع أهل العلم وأهل الاختصاص إلى ما نسجله ويشاركوننا الرأي والمشورة ؛ ونجحت هذه الخطة نجاحاً باهراً ..
    أخبرني أحد أهم كبار العلماء وأعيانهم وقتذاك فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس القضاة بالمدينة النبوية ـ رحمه الله ـ أنه لا تفوته حلقة من حلقات هذا البرنامج ؛ وأنه يستمع إليه دائماً ، وأبدى إعجابه به وبمشايخ القراآت الذين يُديرون الشرح فيه، وخاصة الشيخ محمود سيبويه وقال : حقاً إنه لسيبويه عصره .
    ولما طلبت من فضيلته أن يزودنا بملحوظاته وتوجيهاته فاجأني بملحوظة دقيقة هامة عن أحد من كان يقوم بالأداء والتلاوة بين يدي المقرئ قال : فلانٌ ممن يقرأ استبعدوه لأن نغمته أعجمية هندية والقرآن عربي. واستبعدناه فعلاً). .

    = ثم ما ذا حدث للمشروع :

    يقول الدكتور وفقه الله : ( وبعد انتهاء مدة عمادتي لكلية القرآن الكريم استمرَّ التسجيل فترة من الوقت حتى بلغوا آخر سورة المائدة أو بعدها ثم توقف المشروع) ..

    = آهات الشيخ عبد العزيز القارئ على المشروع :
    يقول وفقه الله : (والآن يَعْلُو غبارُ النسيان ذلك "الاستوديو" الذي أنشأته وزارة الإعلام بالكلية ، ويبدو أنه فاتت فرصةٌ ثمينة لتحقيق " الجمع الرابع للقرآن الكريم " الذي هو " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " ؛ لأن معظم أولئك الأئمة الأعلام من علماء القراآت رحلوا إلى الآخرة) ..

    = ثم سئل وفقه الله : هل يمكن الآن تنفيذ هذا المشروع ؟
    فقال: (نعم يمكن ، فإنه كما ذكرتُ سابقاً بقي من أئمة القراآت من أهل الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي أمدّه الله بالصحة والعافية ..
    وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت من أهل هذه الطبقة يُعدُّون في مرتبة الإمامة والحجية، أعرف منهم شيخ مقارئ دمشق الشيخ كريم راجح حفظه الله وبارك في عمره.
    وهناك كثيرون من القراء الشباب من أهل الطبقة الثانية والثالثة ، لكنَّ هذا المشروع لخطورته وجلالة شأنه وعِظَمِ صلته بالقرآن الكريم لا يكفي أن يباشره مثلُ هؤلاء الأفاضل ؛ لا بد من الأئمة الكبار) .

    5- ثم بقيت بعد ذلك المرحلة الخامسة من الجمع : وهو الجمع المرئي للقرآن الكريم(12)، وذلك بتسجيل القرآن الكريم بالصوت والصورة والتدقيق على طريقة الأداء لأن عدداً من الأحكام لا يمكن ملاحظتها إلا بالرؤية والبصر، وهاهم علماء القراءات متوافرون ولله الحمد والمنة ، فليت إحدى المؤسسات الحكومية ترعى هذا المشروع، وأولى تلك المؤسسات هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهو أهل لذلك...
     
    والله تعالى أعلم ...

    د. فهد بن مبارك الوهبي
    الاثنين 14 / 11 / 1430هـ


    ـــــــ حواشي ـــــــــ
    (1) أغلب ما ذكرته في هذه الترجمة مأخوذ من ترجمة مختصرة لابنه أحمد كما في الرابط :
    http://www.mazameer.com/vb/t31785-2.html
    (2) الجمع الصوتي الأول : (101).
    (3) السابق : (105).
    (4) السابق : (109).
    (5) السابق : (110).
    (6) السابق نفس الصفحة .
    (7) السابق : (111).
    (8) السابق : (114).
    (9) السابق : (499).
    (10) السابق : (500).
    (11) انظر لقاء شبكة التفسير مع فضيلته على الرابط : 
    http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=10331
    (12) أشار إلى هذا الجمع واقترحه الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقاء تلفزيوني ضمنا في برنامج الوسطية في القناة السعودية الأولى.


    المصدر:
    http://www.alwahbi.net/article/1010
    #نفائس قصة الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم (رحلةٌ من القاهرة إلى المدينة النبوية) الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن جهود العلماء في العناية بكتاب الله تعالى، لا تزال متواصلةً: حفظاً، وتفسيراً، وإقراءً، ودفاعاً.. ومن أعظم ما سجله التاريخ في عناية العلماء بالقرآن الكريم ما ابتدأه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أشار عليه الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم. ويذكر العلماء أن جمع القرآن الكريم مر بثلاث مراحل: 1- الجمع الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : وهو بمعنى حفظه في الصدور، وهو المذكور في قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه). 2- الجمع الثاني في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وهو بمعنى جمعه من متفرق في مصحف واحد، وكان سبب هذا الجمع كثرة القتلى من حفاظ القرآن الكريم، وصاحب الفكرة هو الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 3- الجمع الثالث في عهد عثمان رضي الله عنه : وهو بمعنى توحيد المصاحف المختلفة ونشره وتوزيعه على الأمصار . 4- ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي: الجمع الصوتي للقرآن الكريم: وهو من الجهود المباركة في هذا العصر، وكثيرٌ من الناس يظن أن تاريخ هذا المشروع قريبٌ، والحقيقة أن ذلك التاريخ يعود إلى خمسين سنة ماضيةً، حين كانت بداية المشروع هناك في القاهرة، في الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم، حيث تقدم بهذه بفكرة هذا المشروع الأستاذ لبيب السعيد (ولد سنة: 1914م ــ وتوفي سنة: 1988م) وقد ألف كتاباً في هذا المشروع أسماه ( الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم ) طبع في دار الكتاب العربي بالقاهرة سنة 1387هـ، وجدته في إحدى مكتبات عمان الأردن في إحدى الزيارات. أولاً: قصة المصحف المرتل في القاهرة : وأحب أعرج في هذا المقال على تاريخ ذلك الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم، حفظاً لحق صاحب الفكرة، وشكراً لتلك الجهود التي بذلها في سبيل تحقيق هذا المشروع القيم، علماً بأنه ليس من أبناء الأزهر، وإنما أستاذ ومجتهد وفقه الله تعالى لخدمة كتابه، ويسر له ما كان عسيراً على غيره.. = من هو لبيب السعيد : من العجيب أنك لا تكاد تجد ترجمة للأستاذ لبيب السعيد، وكل ما يمكن أن يذكر ما يأتي(1): • ولد في المنصورة بمصر في 8 / 12 / 1914م. • كان يعمل في وزارة المالية المصرية. • رأس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم. • عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى منتصف الثمانينات. • له عدد من الكتب منها:  أ‌- الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم . ب‌- المقارئ والقراء. ت‌- الأذان والمؤذنون. ث‌- رسم المصحف. ج‌- التغني بالقرآن. • له سلسلة ( معارف قرآنية ) سُجلت في إذاعة الرياض في السبعينيات. • توفي رحمه الله في 22/1/1988م. = بواعث هذا المشروع : يقول الأستاذ لبيب السعيد : "وأعود إلى ما قبل إعلاني عن مشروع المصحف المرتل ببضع سنين لا أستطيع تحديدها بدقة. منذ يومئذ وأنا أحس أن جمع القرآن جمعاً صوتياً بكل قراءاته المتواترة والمشهورة أمرٌ يجب أن ينهض به أهل هذا الزمان . وكنت أتابع، في المقارئ الكبيرة بالقاهرة، الممتازين من علماء القراءات، وكان يؤلمني أنه كان إذا مات منهم أستاذٌ حاذقٌ خَلَفَه أحياناً مَنْ لا يعدله أستاذيةً وحذقاً، وضاعت على المسلمين ـ إلى الأبد ـ مواهب الميّت لأنها لم تُسجَّلْ. ما كان أعظم شعوري بالخسارة الفادحة المستمرة على مدى الزمن في القراء الذين يموتونّ! ذلك أن إنتاجهم ـ بطبيعته ـ غير إنتاج غيرهم من أصحاب العلوم والفنون، فهؤلاء يستطيع الواحد منهم ـ بفضل الكتابة ـ أن يواصل ـ بعد موته ـ الحياة في إنتاجه، أما أصحاب التراث الصوتي، وفي مقدمتهم القُرَّاء، فكان تراثهم يفنى بفنائهم، لأن العلم لم يكن اهتدى بعدُ إلى طرائق تسجيل هذا التراث. وحتى بعد الاهتداء، تأخر تسجيل المصحف أمداً غير قصير"(2).  هكذا كانت خلجات صدر لبيب السعيد، وحديث نفسه، الحسرةُ على عدم حفظ تلك الأصوات الشجية، وتلك المزامير القرآنية، وفوات السابق على اللاحق، هكذا اختمرت الفكرة في ذهن الأستاذ لبيب حتى جاءت سنة 1959م. = بداية المشروع : تقدم الأستاذ لبيب السعيد في أواخر فبراير أو أوائل مارس 1959م إلى مجلس إدارة الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم ـ وكان رئيس مجلس إدارتها ـ باقتراح ابتدأه بما يأتي:   بسم الله الرحمن الرحيم اقتراح مقدم إلى مجلس إدارة الجمعية من رئيسها لبيب السعيد بشأن تسجيل القرآن الكريم صوتياً بكل رواياته المتواترة والمشهورة وغير الشاذة ثم ذكر تفاصيل المشروع.. وجاء فيه قوله :  (وفيما يختص بالتسجيل نفسه، أقترح أن يشمل تلاوة الكتاب العزيز كله بقراءة حفص، ثم بمختلف القراءات المتواترة والمشهورة وغير الشاذة، على أن لا تُرَدَّدَ الآية الواحدة بأكثر من قراءة واحدة في التلاوة الواحدة، كما يشمل التسجيل دروساً عملية في أحكام التجويد بطريقة سهلة ميسرة تمكن الجمهور العادي من الانتفاع بها. أما فيما يختص بمن يتولون القراءة والتدريس العملي، فيجب أن يكونوا من أعلم علماء القرآن، مع مناسبة أصواتهم للتسجيل، وأن تختارهم لجان لها خبرتها القرآنية العظمى، ويشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى)(3).  = من الصعوبات :  لقي الأستاذ لبيب في سبيل تحقيق مشروعه عدداً من العقبات، أنَّ لها أنات، منها ما سطره قلمه حيث قال:  (وعجزتُ عن تدبير "استوديو" للتسجيل فيه بالمجان، فرغبتُ إلى نائب وزير الدولة لشؤون رياسة الجمهورية، وإلى المدير العام للإذاعة أن يأذنا لي بالتسجيل في استوديوهات الإذاعة، وسعيت في ذلك سعياً، حتى اسْتُجيب لطلبي، بشرطٍ أصرَّتْ عليه الإذاعة، وهو أن يكون لها الحق المطلق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها، ولعل سروري بهذا الشرط وأنا أقدم به إقراراً كتابياً كان أكبر من سرور الإذاعة)(4).  ويقول في ذكر عوائق المشروع : ( ولستُ أنسى يوماً من أيام رجب سنة 1379هـ (يناير 1960م) سعيت فيه، بناء على نصيحة أحد المخلصين للمشروع، إلى ثري كبير هو وزير في إحدى الدول العربية، وكان يقيم في مصر في حي الدقي، فتلقَّى هذا الثريُّ حديثي عن المشروع بعدم الاكتراث، وخرجتُ يومها من لدنه خجلان آسفاً نادماً)(5).  = نقطة تحول في تاريخ المشروع : يقول الأستاذ لبيب : (وحفزني الإخفاق في تمويل المشروع إلى التفكير في وضعه تحت الرعاية المالية للدولة نفسها. وفي يوم الأربعاء24 من فبراير 1960م، قابلت وزير الأوقاف ورجوته مساعدة المشروع مالياً، فاستجاب فوراً وفي حماسة، وكانت استجابته مبعث طمأنينة واستبشار وأمل، وأصبح العمل شغل الوزير نفسه ومحل اهتمامه، فأفاد كثيراً) (6).  = بداية التسجيل: أ ـ المصحف الأول:  ابتدأ التسجيل الأول برواية حفص بصوت القارئ الحصري ـ رحمه الله ـ أحد القراء المشهورين في مصر، ولم يكن التسجيل سهلاً : ( لم يكن التسجيل شيئاً هيناً، فمع امتياز القارئ، وكونه قد أصبح آنئذ شيخ المقارئ، كانت اللجنة تستوقفه كثيراً ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب)(7).  وكانت اللجنة مكونة من : أ ـ الشيخ عبد الفتاح القاضي ( وقد استعفى من اللجنة في وقت مبكر لأسباب منها بعد عمله عن القاهرة). ب ـ الشيخ عامر عثمان ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). ج ـ الشيخ عبد العظيم الخياط ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). د ـ الشيخ محمد سليمان صالح ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). هـ ـ الشيخ محمود حافظ برانق ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). وابتدأ الطبع في مايو سنة 1960م،وانتهت الطبعة الأولى في 23/ يوليو/ 1961م. حيث بدئ بتوزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام. ب ـ المصحف الثاني:  في سنة 1962م، تم تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري، واختير لهذه الرواية ثلاثة من القراء لهدف ذكره الأستاذ لبيب بقوله : ( وقد أشرتُ بأن لا يستأثر قارئ واحد بتسجيل المصحف كاملاً، دفعاً لملل السامعين، واستفادة بأكبر عددٍ من أصحاب المواهب، وتحقيقاً لتكافؤ الفرص) (8).  وهم المشايخ: أ ـ الشيخ فؤاد العروسي. ب ـ الشيخ محمد صديق المنشاوي. ج ـ الشيخ يوسف كامل البهتيمي. ولكن في أثناء التسجيل جاء المنع من شيخ الأزهر الشيخ محمود شتوت خوفاً من اختلاف المسلمين حول أي القراءات أولى. ولكن الأستاذ لبيب بادر بمقابلة الشيخ رحمه الله وأقنعه بالفكرة وأثرها . وتم الانتهاء من تسجيل هذه الراوية في سبتمبر سنة 1963م. = الفرح بنجاح المشروع : كانت فرحة الأستاذ لبيب غامرة بإنجاز هذا المشروع، يقول :  ( وقد ازددتُ إدراكاً لفضل الله عليَّ، وعلى الناس، إذ قدَّرَ لهذا المشروع النجاح، حين كنت خارج مصر، في بلاد بعيدة، أستمع إلى المصحف المرتل، من الإذاعة، أو أستمع إليه، في دور السفارات، والقنصليات العربية... لقد كان ينسلخ عني وقتئذ ـ شأني شأن كل مستمع مسلم عربي ـ الشعور بغربة اللسان أو غربة المكان، وقد حكى لي غير واحد ممن سمعوا المصحف المرتل في ديار الغربة أنهم لم يكونوا يملكون حبس دموعهم تأثراً وفرحاً) (9). = أمانيُّ باقية : كانت أماني الأستاذ لبيب بتنفيذ المشروع على الوجه المخطط له بتسجيل جميع روايات القرآن الكريم، يقول:  ( فليت أن المشروع يتم عاجلاً ، وفق التخطيطات المرسومة له! وليت أن الله صاحبَ الفضل والمنة ينفع بهذا المشروع كما نحب، وخيراً مما نحب! وليت أنه ـ سبحانه ـ يجعل هذا المشروع ـ دائماً ـ عملاً خالصاً تماماً لوجهه الكريم! ) (10). ثانياً: قصة الجمع الصوتي في المدينة النبوية : ذكر الدكتور عبد العزيز القارئ قصة هذا الجمع في المدينة النبوية بأسلوبه المتميز في لقاء شبكة التفسير وأنا أنقل جملاً من كلامه وفقه الله (11): = بداية الفكرة : يقول الدكتور عبد العزيز القارئ: (أهم أمنية علمية قرآنية كنت حريصاً على تحقيقها هي " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " وهذا الهدف الخطير الكبير فكرت فيه أيام تقلدي لعمادة كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية ؛ لأنني نظرت فإذا حولي بالكلية أعلام كبار من علماء القراآت: الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله ، ثم جاء بعده إلى المدينة الشيخ عامر بن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية رحمه الله ، ثم جاء الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات رحمه الله، وعُين بمجمع المصحف ، وكان يدرس بكلية القرآن .. وأهل العلم يعرفون إمامة هؤلاء الثلاثة في مجال القراآت ، وكان بالكلية أيضاً الشيخ عبد الفتاح المرصفِي رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمود سيبويه البدوي رحمه الله ، والشيخ محمود جادو رحمه الله ، والشيخ عبد الرافع رضوان حفظه الله وبارك في عمره، وغيرهم ؛ وكان كل هؤلاء علماءَ في القراآت بمرتبة الحجية ، أي كل واحد منهم حجة في هذا الفن؛ وهم يُعدُّون من أهل الطبقة الأولى في هذا العصر ، وبقي من أهل هذه الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي بارك الله في عمره وأمدَّه بالصحة والعافية ، فإنه من طبقة الشيخ عامر والشيخ الزيات ، وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت الكبار من أهل هذه الطبقة .. فلما رأيت اجتماع أولئك الأئمة في القراآت في مكان واحدٍ هو المدينة النبوية؛ وأكثرهم عندي في كلية القرآن أدركت أنها فرصة لا تفوَّت لتحقيق هذا الهدف الكبير وهو "الجمع الصوتي للقراآت المتواترة" ؛ وهو لو تحقق فإنه يُعدُّ بحق الجمع الرابع للقرآن ؛ فإن القرآن جُمِعَ قبلَ ذلك ثلاث مرات ... لكنْ لم يُفكِّر أحدٌ أنه يمكن تسجيل القرآن صوتياً ؛ لأن هذا ارتبط بالتقدم "التكنولوجي" في العصر الحديث حيث تطورت أجهزة الصوتيات بشكل لم يَسْبِقْ له نظيرٌ وأصبح ممكناً تسجيل القراآت كلها صوتياً ؛ وفي تسجيلِ القراآت تسجيلٌ للغات العرب ولهجاتها ، فهو موضوع كبير من جميع جوانبه ). = عوامل نجاح المشروع: يقول الدكتور عبد العزيز وفقه الله : ( لكنَّ مثلَ هذا المشروع الجليل الخطير يتطلب ثلاثة أمور بدونها لا يصبح ذا قيمة علمية تُذكر : 1- توافر الإشراف العلمي الراقي : بوجود مراجع بمرتبة الحجية في القراآت كما مثلت سابقاً ، يشرفون على التسجيل ويراقبونه ؛ لأن القراآت أكثرها أمور صوتية دقيقة قد تخفى حتى على بعض الخواصِّ. 2- توافر الأداء القرآني الراقي : بوجود قرَّاء ذوي أداء مُتْقَنٍ ، وأصوات حسنة، وتنغيم جيد ، وهذا كان متوافراً في طلاب كلية القرآن ، وكان أحسن هؤلاء الذين اخترناهم للمشروع طالبٌ باكستانيٌّ ، تميّزَ بفصاحة الحروف وإتقان التجويد ، وجودة التنغيم ، وحسن الصوت، لكن رئاسة الجامعة وقتها حرصت على ترحيله بمجرد تخرجه ففقد المشروع واحداً من أهم عناصره !! 3- الإرادة الإدارية : فإن مثل هذا المشروع يحتاج إلى إشراف إداري ، وتمويل كاف، وجهة علمية قادرة تتبنى تنفيذه ، وكانت هذه الجهة موجودة وهي كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ...). = بداية المشروع :  يقول وفقه الله : (وأمدَّتنا وزارة الإعلام وقتها بإنشاء "استوديو" للتسجيل في نفس الكلية ، وكان لهذا التبرع السخي أثر كبير دفع المشروع إلى الأمام ؛ وبدأنا نُسجل ونذيع ما نسجله في إذاعة القرآن الكريم باسم " دروس من القرآن الكريم " ؛ حتى يستمع أهل العلم وأهل الاختصاص إلى ما نسجله ويشاركوننا الرأي والمشورة ؛ ونجحت هذه الخطة نجاحاً باهراً .. أخبرني أحد أهم كبار العلماء وأعيانهم وقتذاك فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس القضاة بالمدينة النبوية ـ رحمه الله ـ أنه لا تفوته حلقة من حلقات هذا البرنامج ؛ وأنه يستمع إليه دائماً ، وأبدى إعجابه به وبمشايخ القراآت الذين يُديرون الشرح فيه، وخاصة الشيخ محمود سيبويه وقال : حقاً إنه لسيبويه عصره . ولما طلبت من فضيلته أن يزودنا بملحوظاته وتوجيهاته فاجأني بملحوظة دقيقة هامة عن أحد من كان يقوم بالأداء والتلاوة بين يدي المقرئ قال : فلانٌ ممن يقرأ استبعدوه لأن نغمته أعجمية هندية والقرآن عربي. واستبعدناه فعلاً). . = ثم ما ذا حدث للمشروع : يقول الدكتور وفقه الله : ( وبعد انتهاء مدة عمادتي لكلية القرآن الكريم استمرَّ التسجيل فترة من الوقت حتى بلغوا آخر سورة المائدة أو بعدها ثم توقف المشروع) .. = آهات الشيخ عبد العزيز القارئ على المشروع : يقول وفقه الله : (والآن يَعْلُو غبارُ النسيان ذلك "الاستوديو" الذي أنشأته وزارة الإعلام بالكلية ، ويبدو أنه فاتت فرصةٌ ثمينة لتحقيق " الجمع الرابع للقرآن الكريم " الذي هو " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " ؛ لأن معظم أولئك الأئمة الأعلام من علماء القراآت رحلوا إلى الآخرة) .. = ثم سئل وفقه الله : هل يمكن الآن تنفيذ هذا المشروع ؟ فقال: (نعم يمكن ، فإنه كما ذكرتُ سابقاً بقي من أئمة القراآت من أهل الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي أمدّه الله بالصحة والعافية .. وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت من أهل هذه الطبقة يُعدُّون في مرتبة الإمامة والحجية، أعرف منهم شيخ مقارئ دمشق الشيخ كريم راجح حفظه الله وبارك في عمره. وهناك كثيرون من القراء الشباب من أهل الطبقة الثانية والثالثة ، لكنَّ هذا المشروع لخطورته وجلالة شأنه وعِظَمِ صلته بالقرآن الكريم لا يكفي أن يباشره مثلُ هؤلاء الأفاضل ؛ لا بد من الأئمة الكبار) . 5- ثم بقيت بعد ذلك المرحلة الخامسة من الجمع : وهو الجمع المرئي للقرآن الكريم(12)، وذلك بتسجيل القرآن الكريم بالصوت والصورة والتدقيق على طريقة الأداء لأن عدداً من الأحكام لا يمكن ملاحظتها إلا بالرؤية والبصر، وهاهم علماء القراءات متوافرون ولله الحمد والمنة ، فليت إحدى المؤسسات الحكومية ترعى هذا المشروع، وأولى تلك المؤسسات هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهو أهل لذلك...   والله تعالى أعلم ... د. فهد بن مبارك الوهبي الاثنين 14 / 11 / 1430هـ ـــــــ حواشي ـــــــــ (1) أغلب ما ذكرته في هذه الترجمة مأخوذ من ترجمة مختصرة لابنه أحمد كما في الرابط : http://www.mazameer.com/vb/t31785-2.html (2) الجمع الصوتي الأول : (101). (3) السابق : (105). (4) السابق : (109). (5) السابق : (110). (6) السابق نفس الصفحة . (7) السابق : (111). (8) السابق : (114). (9) السابق : (499). (10) السابق : (500). (11) انظر لقاء شبكة التفسير مع فضيلته على الرابط :  http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=10331 (12) أشار إلى هذا الجمع واقترحه الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقاء تلفزيوني ضمنا في برنامج الوسطية في القناة السعودية الأولى. المصدر: http://www.alwahbi.net/article/1010
    1
    0
    1
  • سورة هود بجودة عالية MP3، مرتلة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي
    سورة هود بجودة عالية MP3، مرتلة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي
    4
    16 1
شاهد المزيد

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

لا توجد نتائج لإظهارها

  • #تلاوة_نادرة من سورة النساء ــ خارجي .

    الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله .
    #تلاوة_نادرة من سورة النساء ــ خارجي . الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله .
    0 0
  • أواخر سورة البقرة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    أواخر سورة البقرة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    3 0
  • #تلاوة_نادرة سورة القدر بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    #تلاوة_نادرة سورة القدر بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله
    2 0
  • مصحف تلاوات المنشاوي
    تطبيق خفيف وصغير الحجم للاستماع إلى تلاوة الشيخ "محمد صديق المنشاوي" - من المصحف المُرتِّل دون الحاجة للاتصال بالإنترنت
    تطبيق خفيف وصغير الحجم للاستماع إلى تلاوة الشيخ "محمد صديق المنشاوي" - من المصحف المُرتِّل دون الحاجة للاتصال بالإنترنت
    0
  • ريحانة القراء فضيلة الشيخ محمد صديق #المنشاوي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته .

    قارئ قرآن مصري يعد أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة . سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم. وكان قارئاً في الإذاعة المصرية. توفي مبكراً إثر مرض عن 49 عاماً.

    مولده ونشأته :.
    ———————
    ولد الشيخ محمد بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي. تأثر بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، بإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية). رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن في عام 1927 ثم عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم.

    تلاوة القرآن :.
    ——————-

    للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي". ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء.

    سجل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا. تلى القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس. زار عددا من الدول الاسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية.

    ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. حصل الشيخ "محمد" على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان. وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينات من القرن العشرين مع القراء أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها».

    عائلته :.
    ————
    تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية وهي تؤدي مناسك الحج قبل وفاته بعام.

    شائعة محاولة قتله بالسم :.
    —————————————-
    مرة أخرى نشرت بعض المواقع شائعة ثانيه عن محاولة لإغتيال الشيخ محمد صديق المنشاوي بوضع السم له في الطعام. ولكن وكما هي العادة فهي تخلوا من أية تفاصيل أو أسماء أو شهود أو تسجيلات صوتيه أو مرئية تثبت الحدث الذي تدور حوله الشائعة، وعلى الإنسان أن يفكر في معني الشائعة ومن المستفيد من نشر هذا المعني المكذوب بأسلوب الشائعات المبهمه وغير الموثقه.

    مرضه ووفاته :.
    ———————
    وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.
    ريحانة القراء فضيلة الشيخ محمد صديق #المنشاوي نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته . قارئ قرآن مصري يعد أحد أعلام هذا المجال البارزين والمشهورين على مستوى العالم الإسلامي، وأحد روّاد التلاوة المتميزين بتلاوته المرتلة والمجوّدة . سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم. وكان قارئاً في الإذاعة المصرية. توفي مبكراً إثر مرض عن 49 عاماً. مولده ونشأته :. ——————— ولد الشيخ محمد بمدينة المنشاة التابعة لمحافظة سوهاج في جمهورية مصر العربية، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره؛ حيث نشأ في أسرة قرآنية عريقة توارثت تلاوة القرآن، فأبوه الشيخ صديق المنشاوي وجده تايب المنشاوي وجد والده كلهم قرّاء للقرآن وفي أسرته الكثير ممن يحفظون القرآن ويجيدون تلاوته منهم شقيقه محمود صديق المنشاوي. تأثر بوالده الذي تعلم منه فن قراءة القرآن الكريم، فأصبحت هذه العائلة رائدة لمدرسة جميلة منفردة بذاتها في تلاوة القرآن، بإمكاننا أن نطلق عليها (المدرسة المنشاوية). رحل إلى القاهرة مع عمه القارئ الشيخ أحمد السيد فحفظ هناك ربع القرآن في عام 1927 ثم عاد إلى بلدته المنشاة وأتم حفظ ودراسة القرآن على مشايخ مثل محمد النمكي ومحمد أبو العلا ورشوان أبو مسلم الذي كان لا يتقاضى أجراً على التعليم. تلاوة القرآن :. ——————- للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ"الصوت الباكي". ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952 بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه مترددًا في الأنحاء. سجل القرآن الكريم كاملاً في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي. وله أيضا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا. تلى القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي كالمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة والمسجد الأقصى في القدس. زار عددا من الدول الاسلامية كالعراق واندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والمملكة العربية السعودية. ذاع صيته ولقي قبولاً حسنًا لعذوبة صوته وجماله وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لـمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية. حصل الشيخ "محمد" على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان. وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينات من القرن العشرين مع القراء أمثال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء وما زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء لما كان عندهم من رونق في صوتهم جعلهم يحرزون المراتب الأولى بين القراء، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «إنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله -سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها». عائلته :. ———— تزوج مرتين أنجب من زوجته الأولى أربعة أولاد وبنتين، ومن الثانية خمسة أولاد وأربع بنات، وقد توفيت زوجته الثانية وهي تؤدي مناسك الحج قبل وفاته بعام. شائعة محاولة قتله بالسم :. —————————————- مرة أخرى نشرت بعض المواقع شائعة ثانيه عن محاولة لإغتيال الشيخ محمد صديق المنشاوي بوضع السم له في الطعام. ولكن وكما هي العادة فهي تخلوا من أية تفاصيل أو أسماء أو شهود أو تسجيلات صوتيه أو مرئية تثبت الحدث الذي تدور حوله الشائعة، وعلى الإنسان أن يفكر في معني الشائعة ومن المستفيد من نشر هذا المعني المكذوب بأسلوب الشائعات المبهمه وغير الموثقه. مرضه ووفاته :. ——————— وفي عام 1966 أصيب بمرض دوالي المريء ورغم مرضه ظل يقرأ القرآن حتى رحل عن الدنيا في يوم الجمعة 5 ربيع الثاني 1389 هـ الموافق 20 يونيو 1969 م.
    1
    0
  • محمد صديق المنشاوي (1)

    هو الشيخ محمَّد بن صديق بن سيد بن ثابت المنشاوي. ولد في مدينة المنشاة التابعة لمديرية جرجا آنذاك في صعيد مصر في 20/ 1/ 1920 م العشرين من شهر يناير عام عشرين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1338 هـ ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

    [حياته العلمية]
    علمه أبوه القراءة، ثم بدأ بتحفيظه القرآن الكريم، ثم التحق بحلقة أحد شيوخ المدينة، فظل يحفظ القرآن الكريم حتى انتهى من حفظه وعمره أحد عشر عاماً، ثم انتقل المترجم مع والده إلى القاهرة، وهناك بدأ يتلقى أحكام القرآن الكريم وعلومه.
    وعين قارئاً بمسجد الزمالك بالقاهرة، ثم ضمه إلى مقرئي الإذاعة المصرية، فعرف العالم الإِسلامي صوته الخاشع، فطلبت أندونيسيا استضافته عام 1955 م خمسة وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد
    ومنحته وساماً رفيعاً، وفي العام التالي استضافته سوريا ومنحته وساماً أيضاً، ثم تسابقت البلدان الإِسلامية على استضافته لقراءة القرآن خلال شهر رمضان، فسافر إلى الأردن والجزائر والعراق والكويت وليبيا والسودان، كما سافر إلى السعودية عدة مرات لقراءة القرآن الكريم في الحج.
    بلغت تسجلات المترجم في الإذاعات الإِسلامية أكثر من 150 مائة وخمسين تسجيلاً.
    كما سجل القرآن الكريم كاملاً مرتلاً لإذاعة القرآن الكريم.

    [شيوخه]
    1 - والده الشيخ صديق بن سيد المنشاوي.
    2 - الشيخ محمَّد أبو العلا.
    3 - الشيخ محمَّد سعودي إبراهيم.

    [وفاته]
    توفي المترجم يوم مولده عام 1969 م تسعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1389 هـ تسعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد بلغ من العمر 49 تسعة وأربعين عاماً فقط.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 298 - 299)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر "مجلة الأسرة" الصادرة في شهر جمادي الأولى عام 1416هـ ص 46 - 48، وقد أفادني بها فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، جزاه الله خيراً ونفع به المسلمين.
    محمد صديق المنشاوي (1) هو الشيخ محمَّد بن صديق بن سيد بن ثابت المنشاوي. ولد في مدينة المنشاة التابعة لمديرية جرجا آنذاك في صعيد مصر في 20/ 1/ 1920 م العشرين من شهر يناير عام عشرين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1338 هـ ثمانية وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة. [حياته العلمية] علمه أبوه القراءة، ثم بدأ بتحفيظه القرآن الكريم، ثم التحق بحلقة أحد شيوخ المدينة، فظل يحفظ القرآن الكريم حتى انتهى من حفظه وعمره أحد عشر عاماً، ثم انتقل المترجم مع والده إلى القاهرة، وهناك بدأ يتلقى أحكام القرآن الكريم وعلومه. وعين قارئاً بمسجد الزمالك بالقاهرة، ثم ضمه إلى مقرئي الإذاعة المصرية، فعرف العالم الإِسلامي صوته الخاشع، فطلبت أندونيسيا استضافته عام 1955 م خمسة وخمسين وتسعمائة وألف من الميلاد ومنحته وساماً رفيعاً، وفي العام التالي استضافته سوريا ومنحته وساماً أيضاً، ثم تسابقت البلدان الإِسلامية على استضافته لقراءة القرآن خلال شهر رمضان، فسافر إلى الأردن والجزائر والعراق والكويت وليبيا والسودان، كما سافر إلى السعودية عدة مرات لقراءة القرآن الكريم في الحج. بلغت تسجلات المترجم في الإذاعات الإِسلامية أكثر من 150 مائة وخمسين تسجيلاً. كما سجل القرآن الكريم كاملاً مرتلاً لإذاعة القرآن الكريم. [شيوخه] 1 - والده الشيخ صديق بن سيد المنشاوي. 2 - الشيخ محمَّد أبو العلا. 3 - الشيخ محمَّد سعودي إبراهيم. [وفاته] توفي المترجم يوم مولده عام 1969 م تسعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد، الموافق عام 1389 هـ تسعة وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة، وقد بلغ من العمر 49 تسعة وأربعين عاماً فقط. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إمتاع الفضلاء بتراجم القراء فيما بعد القرن الثامن الهجري (2/ 298 - 299)، تأليف: د. إلياس البرماوي، قال المؤلف: انظر "مجلة الأسرة" الصادرة في شهر جمادي الأولى عام 1416هـ ص 46 - 48، وقد أفادني بها فضيلة الشيخ محمَّد تميم الزعبي، جزاه الله خيراً ونفع به المسلمين.
    1
    0
  • إقراء القرآن بمصر (وفيه ترجمة الشيخ عامر عثمان)

    الكاتب: د. محمود الطناحي رحمه الله
    من مجلة «الهلال»، مارس 1993 م.

    في عدد يوليو 1992 م من «الهلال» كتبت كلمة عن «الشيخ مصطفى إسماعيل وقراء مصر»، جعلتها تحية وصلة لكتاب أستاذنا الكبير الناقد الشاعر كمال النجمي، عن الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله.
    والحديث عن قراءة القرآن وإقرائه بمصر، لا بد فيه من التفرقة بين «القارئ» و «المقرئ»، ومعروف أن لمصر في الفريقين تاريخاً عريضاً وأياماً زاهية.
    فالقارئ: هو الذي يقرأ لنفسه وقد يسمعه غيره. والمقرئ: هو الذي يُقرئ غيره، تعليماً وتوجيهاً، وتقول اللغة: «رجل قارئ، من قوم قراء وقَرَأه - بوزن فَعَلَة - وقارئين، وأقرأ غيره يُقرئه إقراءً، ومنه قيل: فلان المقرئ». وبهذه التفرقة بين الفعل اللازم والفعل المتعدي يحسن أن نقول عن الذي يقرأ بصوت حسن في المناسبات وفي الإذاعة، كالشيخ مصطفى إسماعيل ومن إليه، قارئ، ونقول عن الذي يحفَّظ الصغار في الكتاتيب وجماعات تحفيظ القرآن: مقرئ.
    على أنه قد يجتمع الفريقان في جمع التكسير، فيقال: «القُرَّاء» لمن يقرأ ولمن يُقرئ، وعلى هذا سمَّى الحافظ الذهبي كتابه: «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار»، وابن الجزري كتابه: «غاية النهاية في اختصار طبقات القراء».
    على أن «للمقرئ» في تاريخنا التراثي معنى أوسع وأشمل من مجرد تحفيظ القرآن للصغار ومن فوقهم. فالمقرئ: هو ذلك العالم الذي يعرف القراءات القرآنية: رواية ودراية، بحيث يكون قادراً على جَمْع الطرق والروايات، ومعرفة وجوه الخلاف بين القراء، والاحتجاج للقراءات وتوجيهها من لغة العرب، ويكون أيضاً متقناً لطرق الأداء - وهو ما يُعرف الآن بعلم التجويد - ووقوف القرآن: الكافي منها والتام والحسن، ثم يتلقى الناس عنه ذلك كله مشافهة وسماعاً.
    وقد نبغ في كل زمان ومكان من قاموا بهذا الأمر على خير وجه، فضلاً من الله وحياطة لكتابه وحفظاً له، ولم يكن لمصر على سواها من الدول العربية والإسلامية فضل وزيادة، فهو رزق الله المقسَّم على خلقه شرقاً وغرباً، ليتم وعده {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} [الحجر: 9]، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17]، لكن الأمر كاد يخلص لمصر في القرنين الأخيرين، فتربع قراؤها على عرش الإقراء والقراءة: رواية ودراية وجمال صوت، وصارت الرحلة إليهم من الشرق ومن الغرب، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة ذكرتها في مقالتي عن «الشيخ مصطفى إسماعيل».
    ويذكر التاريخ أسماء عظيمة لمعت في سماء مصر في القرنين الأخيرين، وخدمت كتاب الله إقراءً وتأليفاً. ومنهم الشيخ محمد أحمد المتولي المتوفى سنة 1313 هـ = 1895 م، والشيخ محمد مكي نصر المتوفى بعد سنة 1308 هـ، وهو صاحب أعظم كتاب في طرق الأداء وصفات الحروف ومخارجها «نهاية القول المفيد في علم التجويد»، والشيخ علي محمد الضبَّاع المتوفى سنة 1380 هـ = 1961 م.
    ومن المعاصرين: الشيخ المقرئ العالم عبد الفتاح عبد الغني القاضي المتوفى سنة 1403 هـ = 1982 م، والشيخ إبراهيم علي شحاتة المقيم الآن بسمَنُّود، والشيخ أحمد عبد العزيز أحمد محمد الزيات، الأستاذ بكلية القرآن بالمدينة النبوية الآن، ويقال: إن الشيخ الزيات هو أعلى القراء الآن إسناداً (وعلو الإسناد معناه قلة
    الوسائط بين القارئ الآن، وبين القارئ الأول، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم بما نزل به جبريل عليه السلام، عن رب العزة والجلال).

    الشيخ عامر عثمان:
    ويقف سيدي وشيخي الشيخ عامر السيد عثمان بين هؤلاء الكوكبة من القراء المعاصرين في مكان ضخم بارز، فهو أكثرهم إقراء للناس، واتصالًا بهم، وتأثيراً فيهم.
    وقد عرفته منذ عشرين عاماً قبل وفاته حين بدأ العمل في تحقيق كتاب «لطائف الإشارات في علم القراءات» لشهاب الدين القسطلَّاني، شارح البخاري، المتوفى سنة 923 هـ، بالاشتراك مع الدكتور عبد الصبور شاهين.
    وكان الشيخ يتردد على دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات - وكنت يومئذ أعمل به - فشدَّني إليه، ورغَّبني فيه، ودعاني إلى حلقته العامرة الممتدة على أيام الأسبوع كله، فوقفت منه على علم غزير جم، وتمثلت فيه وبه هذه الأوصاف الضافية التي تأتي في كتب التراجم والطبقات، ويظنها من لا علم عنده بتاريخ الأمة، وأحوال الرجال، من المبالغات والتهاويل التي يغص بها تاريخنا ... زعموا!
    نعم رأيت في هذا الشيخ الجليل كثيراً مما كنت أقرأه في طبقات القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء: من سعة الرواية، وكثرة الحفظ، وجمع الطرق، ودقة الضبط، وتحرير الرواية، وحسن الإتقان.
    ولد شيخنا الشيخ عامر، رحمه الله، بقرية «ملامس» مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، في 16 مايو سنة 1900 م. وحفظ القرآن الكريم بمكتب الشيخ عطية سلامة، وأئمة ولم يتجاوز التاسعة من عمره، ثم أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وتلقى القرآن بقراءة الإمام نافع المدني، من فم عالم القراءات الشيخ السعودي. وقد أُوتي الشيخ عامر في صباه حظاً من حسن الصوت أهَّله لأن يكون قارئاً مرموقاً بمحافظة الشرقية، يقرأ في الليالي والمناسبات، وهو طريق جالب
    للرزق الواسع والشهرة المستفيضة، ولكنه عزف عن ذلك وولى وجهه شطر القاهرة، حيث الأزهر الشريف، وأئمة القراءة والإقراء.
    وفي القاهرة أخذ في القراءة والتلقي والمشافهة والعرض والسماع، فتلقى القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبية والدرة، على الشيخ محمد غنيم، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على العلامة المقرئ أحمد الدري التهامي، وسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف.
    ثم تلقى القراءات العشر الكبرى على الشيخ علي عبد الرحمن سبيع، من أول القرآن إلى قوله تعالى في سورة هود (وقال اركبوا فيها)، ثم إن الشيخ عليّاً أرسل خلف الشيخ عامر يقول له: سوف نبدأ بعد ثلاثة أيام، فقال له الشيخ عامر: كيف سنبدأ بعد ثلاثة أيام يا سيدي ونحن قد وصلنا إلى قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها)؟ فقال له الشيخ علي: «بعدين ح تعرف»، ثم توفي الشيخ بعد ثلاثة أيام من هذا الكلام. وكان شيخنا الشيخ عامر إذا ذكر هذه القصة اغرورقت عيناه بالدموع، ويقول: «فكان معنى كلام الشيخ علي أن أيام الآخرة بالنسبة له ستبدأ بعد ثلاثة أيام»، وتوفي الشيخ علي سبيعة سنة 1927 م.
    ثم إن الشيخ عامر شرع في ختمة جديدة على تلميذ الشيخ علي سبيع، وهو الشيخ همام قطب، فقرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الكبرى، من طريق الطيَّبة بالتحرير والإتقان، وقرأ الشيخ همام على الشيخ علي سبيع المذكور، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على الشيخ محمد المتولي، وهو على الشيخ أحمد الدري التهامي، وسنده معروف.

    حلقة للإقراء بالأزهر:
    وهكذا عرف شيخنا الطريق ولزمه. وبعد أن رسخت قدمه في هذا العلم، رواية ودراية، اتخذ لنفسه حلقة بالجامع الأزهر سنة 1935 م للإقراء والتدريس، وكان في أثناء ذلك مكباً على مخطوطات القراءات بالمكتبة الأزهرية ودار الكتب
    المصرية، يقرأ وينسخ، فظهر نبوغه ولفت إليه الأنظار، فاتصل به الشيخ علي محمد الضبَّاع، شيخ المقارئ المصرية يومئذ، واستعان في تحقيقات القراءات العشر الكبرى.
    وكان رحمه الله حجة في رسم المصحف الشريف، وقد شارك في تصحيح ومراجعة كثير من المصاحف التي طبعت بمطابع الحلبي والشمرلي، والمطبعة الملكية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق رحمهما الله.
    وحين أنشئ معهد القراءات تابعاً لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، سنة 1943 م كان الشيخ على رأس مشايخه وأساتذته، فتخرَّجت على يديه هذه الأجيال الكريمة من خدمة كتاب الله والعارفين بعلومه وقراءاته بمصر وخارج مصر.
    ولما أنشأت مصر - غير مسبوقة - إذاعة القرآن الكريم سنة 1963 م، وقدمت من خلالها (المصحف المرتل) أشرف الشيخ على التسجيلات الأولى من هذا المشروع العظيم، وكانت بأصوات المشايخ: محمود خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنا رحمهم الله أجمعين.
    وعلى ذكر الإذاعة فقد كان شيخنا عضواً بارزاً في لجنة اختيار القراء، وكان سيفاً بتاراً، حازماً صارماً في غربلة الأصوات وإجادتها، ولم يكن يقبل الميوعة أو تجاوز الأصول في القراءة والأداء، وطالما اشتكى منه القراء، ورموه بالتعسف والتشدد، وضغطوا عليه بوسائل شتى، ولكنه لم يلن ولم يضعف، وكذلك كان يفعل في لجنة اختيار القراء الذين ترسلهم وزارة الأوقاف المصرية إلى البلدان العربية والإسلامية في شهر رمضان. وقد حُورِب كثيراً في لجنة اختيار القراء بالإذاعة المصرية، وطُلب إقصاؤه أكثر من مرة، وكان الذي يقف وراءه مدافعاً ومنافحاً: الشَّاعر الفحل محمود حسن إسماعيل، إذ كان مستشاراً ثقافيّاً بالإذاعة المصرية، رحمهما الله تعالى.

    مؤلفات الشيخ:
    شُغل الشيخ رحمه الله بالإقراء أيامه كلها، فلم يجد وقتاً متسعاً للتصنيف، ولكن الله سبحانه يسَّر له أن يترك بعض الآثار العلمية في فن القراءات، حتى تكون باعثاً لمن يطالعها أن يدعو له بالمغفرة والرضوان. فمما يحضرني الآن هذه التصانيف الآتية، ولست أدَّعي فيها الحصر:
    1 - فتح القدير شرح تنقيح التحرير (في تحرير أوجه القراءات العشر من طريق الطيَّبة).
    2 - شرح على منظومة العلامة الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنُّودي، أبقاه الله، في تحرير طرق ابن كثير وشعبة. فرغ منه يوم الجمعة 25 من صفر سنة 1382 هـ.
    3 - تنقيح فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، بالاشتراك مع الشيخ إبراهيم علي شحاته والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات. وهو نظم منقح من منظومة فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، للعلامة شيخ القراء في وقته الشيخ محمد بن أحمد المتولي، المذكور قبل.
    4 - كيف يُتلى القرآن، وهي رسالة موجزة محررة في تجويد القرآن: سمَّاها: إملاء ما منَّ به الرحمن على عبده عامر بن السيد عثمان في أحكام تلاوة القرآن. وقد أملاها على أحد تلاميذه الذين يحضرون مقارئه، وهو الطيب الجراح الدكتور حسنى حجازي، رحمه الله. وقد صدرت الطبعة الثانية من هذه الرسالة سنة 1390 هـ = 1970 م.
    5 - تحقيق الجزء الأول من كتاب «لطائف الإشارات» الذي ذكرته من قبل. صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام 1392، ولعل المجلس ينشط في طبع بقيته.
    6 - أعان الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في تحقيق كتاب «السبعة» لابن مجاهد، الذي نشرته دار المعارف بمصر أول مرة سنة 1392 هـ = 1972 م. وذلك بمراجعة كتابة آياته الكريمة على هجاء المصاحف المصرية المضبوطة، على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، والمطابقة لما رواه علماء الرسم عن هجاء المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية.
    7 - وكانت آخر أعمال الشيخ مشاركته في لجنة طبع مصحف الملك فهد بن عبد العزيز، الذي صدر بالمدينة النبوية عام 1405 هـ.
    فهذا ما يحضرني الآن مما تركه الشيخ من علم مسطور مكتوب. أما أبقى أثر للشيخ وأخلده وأرجحه في موازينه إن شاء الله تعالى، فهو تلك المقارئ التي جلس فيها جلوساً عاماً للناس، وقد شغلت هذه المقارئ أيامه كلها، وأشهر هذه المقارئ مقرأة الإمام الشافعي يوم الجمعة، وقد أسندت إليه مشيختها عام 1947 م وكان عدد الذين يحضرونها من القراء الرسميين أو المعتمدين من وزارة الأوقاف المصرية محدوداً جداً بجانب مختلف طوائف الناس التي كانت تحضر تلك المقرأة وغيرها من المقارئ، فكنت ترى الطبيب والمهندس والضابط والمحامي والموظف والتاجر والحرفي، والفتى الصغير، والشاب اليافع، والشيخ الفاني، مختلف الأعمار والمهن، يتحلقون حول الشيخ؛ يقرأون ويصحح، عيونهم مشدودة إلى شفتيه، وهو يروَّضهم على النطق الصحيح، يصبر على الضعيف حتى يقوى، ويرفُق بالمتعثر حتى يستقيم، لا يسأم ولا يمل، ولا زلت أذكره - رحمه الله - وهو يروَّض بعض إخواننا على ترقيق اللام من قوله تعالى: {رب إنهن أضللن} [إبراهيم: 36]، وكان عسراً على هذا الأخ أن يرقق اللام بعد الضاد، فكان شيخنا يقرأ أمامه (أضللن) على مقطعين هكذا: (أضْ) (لَلْن) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. وكذلك لا زلت أذكره وهو يروَّضنا على الخروج من التفخيم إلى الترقيق وبالعكس، في قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، فأنت هنا تفخم الراء وإن كان قبلها كسر؛ لأنه كسر عارض للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ترقق التاء وتعود إلى تفخيم الضاد، وهكذا كنت تقضي العجب وأنت تنظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه: من الهمس والجهر والغنة والإظهار والإخفاء والإقلاب والفك والإدغام، وغير ذلك من دقائق الصوتيات، مما لا تستطيع معامل الأصوات أن تنقله بدقة إلى الطالب لأن هذا العلم - علم الأداء - قائم على التلقي والمشافهة.
    ولو كان لي من الأمر شيء لأتيت بشيخ من علماء القراءات في كل قسم من أقسام اللغة العربية بجامعتنا ليعمل على تدريب الطلبة على الأداء الصحيح والنطق السليم، بجانب معامل الأصوات الحديثة. وهؤلاء المشايخ (الغلابة) لن يأخذوا من الأجر أكثر مما تستهلكه هذه المعاملة من طاقة وكهرباء، بل إني أذهب إلى أبعد من هذا في التمني: وهو أن يعين شيخ من هؤلاء القراء مشرفاً خارجيّاً مع المشرف الأكاديمي لكل رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) تتصل بعلم القراءات من قريب أو بعيد.
    ومن تفتن شيخنا في مجال الأداء الصوتي: أنه كان يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر (16)} [القمر: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {كذبت ثمود بالنذر (23)} [القمر: 23]، فالراء في الآية الأولى يستحسن أن يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها (ونُذُري) بإثبات ياء الإضافة، وقرأ بها ورش بن سعيد المصري، عن نافع المدني. ومن القراء المعاصرين الذين سمعتهم يراعون ذلك الترقيق اللطيف المشايخ: محمود خليل الحصري، ومحمود حسين منصور، ومحمد صديق المنشاوي.
    أما الراء في الآية الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخالص؛ لأنها جمع نذير.
    وأما «النبَّر» في مصطلح علم اللغة الحديث - وهو النظام المقطعي في قراءة الكلمة، فقد كان الشيخ رحمه الله آية فيه، وقد سألته عنه يوماً، فقال لي: «إن القراء لم يذكروا هذا المصطلح، ولكنه بهذه الصفة يمكن أن يُسمَّى «التخليص» أي تخليص مقطع من مقطع». وها أنا ذا أضع هذا المصطلح أمام علماء اللغة الحدثين ليروا فيه رأيهم، ولعلهم يحلونه «النبر». وقد سمعت لهذا «التلخيص» من الشيخ أمثلة كثيرة جداً، أذكر منها قوله تعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} [القصص: 24]، وقوله تعالى: {فقست قلوبهم} [الحديد: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {وساء لهم يوم القيامة حملًا (101)} [طه: 101]، فأنت لو ضغطت على الفاء في الآية الأولى صارت من الفسق لا من السقي، وإن لم تضغط على الفاء في الآية الثانية صارت من الفقس لا من القسوة. أما في الآية الثالثة فلا بد أن تخلص (ساء) من (لهم) حتى يكون من السوء لا من المساءلة، لو خطفتها خطفة واحدة. هكذا كان يعلمنا الشيخ، إلى أمثلة كثيرة لا أحصيها عدداً. لكني أذكر أن أحدهم قرأ مرة أمام الشيخ: {فلهم أجر غير ممنون (6)} [التين: 6]، وخطف (فلهم) خطفة واحدة ضاغطاً على الفاء، بحيث صارت الكلمة كأنها فعل ماض مسند إلى ضمير الجماعة، مثل: ضربهم، فقال له الشيخ: (مفلهمش) يريد رحمه الله أن يقول إنه ليس فعلًا واقعاً عليهم، وأن هذه البنية من مقطعين (ف) (لهم).
    وكان الشيخ صاحب دعابة، فكان إذا قرأ أحدهم على غير الجادة يقول له مستفهماً مستنكراً: إنت جوّدت القرآن في ألمانيا؟ وقرأ بعضهم أمامه برواية خلف عن حمزة، ولم يكن متقناً للرواية، فقال له: «قُوم يا شيخ، دانا كنت باحْسِبَك خَلَف الحبايب»، وقرأ آخر أمامه وتحنن في صوته تحنناً ظاهراً في تكسر، فقال له الشيخ: «مافيش فايدة» يريد أنه يقلد صت «فايدة كامل»، فقد كان في صوته تلك السمات التي عرفت بها هذه المغنية قبل أن تشتغل بالسياسة.
    وكان للشيخ حسن دقيق جداً في تقييم الأصوات والحكم عليها، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الشيخ رحمه الله، درس علم الموسيقى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية أل إنشائه.
    وكما كانت معرفة الشيخ بمخارج الحروف وصفاتها عظيمة، كانت عنايته بالوقوف: تامها وحسنها وكافيها، عالية جداً، وكان يأخذ على بعض كبار القراء تهاونهم في تعهد الوقوف ومراعاتها، وكان يصارحهم بذلك فيغضبون.
    وكان شيخنا رحمه الله يتشدد في الوقوف على رؤوس الآي: لأنها سنة، ولو تعلقت الآية بما بعدها. فإذا كانت الآية التالية مقول قول في الآية الأولى، وكان البدء بمقول القول هذا مما يوهم أن يكون إقراراً من القارئ وليس من المحكي عنه، وقف على رأس الآية الأولى اتباعاً للسنة، ثم يستأنف الآية الثانية تالياً الفعل السابق في الآية الأولى. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الصافات: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون (151) ولد الله وإنهم لكاذبون (152)} [الصافات: 151، 152]، يتلوها هكذا: ألا إنهم من إفكهم ليقولون. ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون. وما أكثر ما علَّمنا هذا الإمام الكبير!
    ومع حرص الشيخ على كمال الأداء وحسن التجويد، فقد كان يعيب على بعض القراء المبالغة في ذلك، ويراه لوناً من التنطع والشقشقة. وللفائدة هنا فإني أذكر بأن مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي المتوفى سنة 478 هـ، قد أخذ على قراء زمانه مبالغتهم في التجويد والتقعر في إخراج الحروف، وذلك في رسالة له لطيفة مطبوعة، سمَّاها «بيان زعل العلم»، وهي رسالة نافعة، عرض فيها الذهبي لأخطاء أهل العلم.

    نور القرآن:
    وقد أضاء شيخنا القاهرة كلها بنور القرآن، فلم تكن مقرأة الإمام الشافعي هي المكان الوحيد الذي يجلس فيه للإقراء، فقد كان يبدأ يومه عقب صلاة الفجر بالإقراء بمسجد السيدة زينب، حيث يسكن الشيخ قريباً من المسجد الزينبي، وهناك مقارئ أخرى يحضرها الشيخ منها مقرأة بمسجد النقشبندي بجوار مستشفى أحمد ماهر بالقرب من باب الخلق، وكان موعدها يوم السبت، ومقرأة الجمعية التعاونية للبترول بشارع قصر العيني، يومي الاثنين والثلاثاء، ومقرأة يوم الأربعاء بمسجد بمنزل الحناوي بجاردن سيتي.
    وقد تفرع من هذه المقارئ مقارئ أخرى، منها مقرأة الدكتور صادق بمنطقة الحلمية، بالقرب من القلعة. وهذا الدكتور صادق طبيب أطفال، وقد تلقى عن الشيخ القراءات السبع. وفي صوت هذا القارئ الطبيب صفاء وخشوع يأخذان بمجامع القلوب.
    ومقرأة بمسجد يوسف الصديق بميدان الحجاز بمصر الجديدة، يقوم عليها القارئ الطبيب الدكتور عوض الأستاذ بكلية طب الأزهر، ومقرأة بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين، يقوم عليها الحاج حسين، وهو صاحب معرض ملابس، وقد لازم الشيخ كثيراً بزاوية النقشبندي. وتلامذة الشيخ كثيرون، أذكر منهم الأديب الأستاذ عبد العزيز العناني، وهو مؤرخ للموسيقى العربية، لا تجد له في بابه نظيراً، ألبسه الله ثوب الصحة والعافية.
    ومن الوزراء الذين قرأوا على الشيخ ولازموه ونوروا به مجالسهم: السادة عبد المحسن أبو النور، وتوفيق عبد الفتاح، وعبد الرحمن الشاذلي، وإبراهيم سالم. ويأتي على رأس هؤلاء جميعاً الرجل التقي النقي - ولا نزكي على الله أحداً - الدكتور إبراهيم بدران. وكان من أبر الناس بشيخنا، وقد حمله وأعد له مكاناً رحباً بالمستشفى الذي يملكه بالمهندسين، وأقام عليه من يخدمه ويتولى أمره، وخصص له سيارة تحمله إلى حيث يشاء، وذلك بعد وفاة زوجته، رحمهما الله جميعاً.
    وقد أفاد من علم الشيخ نساء كثيرات، منهن السيدة سميحة أيوب، وإذا تأملت أداءها في النصوص المسرحية الفصيحة رأيت أمارات ذلك. ومنهن السيدة مفيدة عبد الرحمن، المحامية الشهيرة. ولهذه السيدة الفاضلة بالقرآن وخدمته نسب وثيق، فأبوها هو: عبد الرحمن محمد، صاحب المطبعة الكائنة بحي الصنادقية بالأزهر الشريف. وقد تخصصت هذه المطبعة في طبع المصحف الشريف منذ زمن بعيد.

    تلاميذ الشيخ في كل مكان:
    على أن لشيخنا الشيخ عامر أثراً آخر مباركاً، غير التصنيف والإقراء: هو هذا العون الظاهر الذي قدَّمه لهذا النفر من الجامعيين الذين اتخذوا من علم القراءات ميداناً لدراساتهم الصوتية والتاريخية، يحضرني منهم الأساتذة: عبد الفتاح إسماعيل شلبي، وأحمد علم الدين الجندي، وعبد الصبور شاهين، إلى كثير من المعيدين والمبتدئين الذين كانوا يختلفون إليه لتجلية غامض، أو كشف مبهم من هذا العلم الذي هو علم العربية بحق.
    وعلى الجملة فتلاميذ الشيخ والمنتفعون بعلمه لا يحصون، داخل مصر وخارجها، وكنت أرى كثيراً من أبناء الدول العربية والإسلامية، بل من المستشرقين، يأتون إليه، ويجلسون في حلقته، ويا ليتني أحصيتهم عدداً، وقيدت أسماءهم وأسماء بلدانهم وأعمارهم، إحياء لسنن قديمة في تراثنا التاريخي، من ذكر الواردين على البلاد، والمرتحلين إلى الشيوخ.
    وفي سنواته الأخيرة اختار شيخنا المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام - مستقراً ومقاماً، حيث دعي إلى هناك لمراجعة مصحف الملك فهد، وللتدريس بكلية القرآن بالجامعة الإسلامية.
    وفي مساء يوم الخميس، وقبيل فجر يوم الجمعة الخامس من شوال سنة 1408 هـ الموافق للعشرين من مايو سنة 1988 م، اختار الله إلى جواره عبده وخادم كتابه: عامر السيد عثمان، وصلي عليه بالمسجد النبوي الشريف عقب صلاة الجمعة، ودُفن بالبقيع، مرحوماً مرضياً عنه إن شاء الله.
    اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، واجعل كل ما قدَّمه من خدمة كتابك في موازينه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً. وهيئ لهذه الأمة من يخلف هؤلاء الرجال العظام، ويقوم مقامهم، حياطة لدينك، وحفظاً لكتابك. إنك على ما تشاء قدير.
    إقراء القرآن بمصر (وفيه ترجمة الشيخ عامر عثمان) الكاتب: د. محمود الطناحي رحمه الله من مجلة «الهلال»، مارس 1993 م. في عدد يوليو 1992 م من «الهلال» كتبت كلمة عن «الشيخ مصطفى إسماعيل وقراء مصر»، جعلتها تحية وصلة لكتاب أستاذنا الكبير الناقد الشاعر كمال النجمي، عن الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله. والحديث عن قراءة القرآن وإقرائه بمصر، لا بد فيه من التفرقة بين «القارئ» و «المقرئ»، ومعروف أن لمصر في الفريقين تاريخاً عريضاً وأياماً زاهية. فالقارئ: هو الذي يقرأ لنفسه وقد يسمعه غيره. والمقرئ: هو الذي يُقرئ غيره، تعليماً وتوجيهاً، وتقول اللغة: «رجل قارئ، من قوم قراء وقَرَأه - بوزن فَعَلَة - وقارئين، وأقرأ غيره يُقرئه إقراءً، ومنه قيل: فلان المقرئ». وبهذه التفرقة بين الفعل اللازم والفعل المتعدي يحسن أن نقول عن الذي يقرأ بصوت حسن في المناسبات وفي الإذاعة، كالشيخ مصطفى إسماعيل ومن إليه، قارئ، ونقول عن الذي يحفَّظ الصغار في الكتاتيب وجماعات تحفيظ القرآن: مقرئ. على أنه قد يجتمع الفريقان في جمع التكسير، فيقال: «القُرَّاء» لمن يقرأ ولمن يُقرئ، وعلى هذا سمَّى الحافظ الذهبي كتابه: «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار»، وابن الجزري كتابه: «غاية النهاية في اختصار طبقات القراء». على أن «للمقرئ» في تاريخنا التراثي معنى أوسع وأشمل من مجرد تحفيظ القرآن للصغار ومن فوقهم. فالمقرئ: هو ذلك العالم الذي يعرف القراءات القرآنية: رواية ودراية، بحيث يكون قادراً على جَمْع الطرق والروايات، ومعرفة وجوه الخلاف بين القراء، والاحتجاج للقراءات وتوجيهها من لغة العرب، ويكون أيضاً متقناً لطرق الأداء - وهو ما يُعرف الآن بعلم التجويد - ووقوف القرآن: الكافي منها والتام والحسن، ثم يتلقى الناس عنه ذلك كله مشافهة وسماعاً. وقد نبغ في كل زمان ومكان من قاموا بهذا الأمر على خير وجه، فضلاً من الله وحياطة لكتابه وحفظاً له، ولم يكن لمصر على سواها من الدول العربية والإسلامية فضل وزيادة، فهو رزق الله المقسَّم على خلقه شرقاً وغرباً، ليتم وعده {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)} [الحجر: 9]، {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17]، لكن الأمر كاد يخلص لمصر في القرنين الأخيرين، فتربع قراؤها على عرش الإقراء والقراءة: رواية ودراية وجمال صوت، وصارت الرحلة إليهم من الشرق ومن الغرب، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة ذكرتها في مقالتي عن «الشيخ مصطفى إسماعيل». ويذكر التاريخ أسماء عظيمة لمعت في سماء مصر في القرنين الأخيرين، وخدمت كتاب الله إقراءً وتأليفاً. ومنهم الشيخ محمد أحمد المتولي المتوفى سنة 1313 هـ = 1895 م، والشيخ محمد مكي نصر المتوفى بعد سنة 1308 هـ، وهو صاحب أعظم كتاب في طرق الأداء وصفات الحروف ومخارجها «نهاية القول المفيد في علم التجويد»، والشيخ علي محمد الضبَّاع المتوفى سنة 1380 هـ = 1961 م. ومن المعاصرين: الشيخ المقرئ العالم عبد الفتاح عبد الغني القاضي المتوفى سنة 1403 هـ = 1982 م، والشيخ إبراهيم علي شحاتة المقيم الآن بسمَنُّود، والشيخ أحمد عبد العزيز أحمد محمد الزيات، الأستاذ بكلية القرآن بالمدينة النبوية الآن، ويقال: إن الشيخ الزيات هو أعلى القراء الآن إسناداً (وعلو الإسناد معناه قلة الوسائط بين القارئ الآن، وبين القارئ الأول، وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم بما نزل به جبريل عليه السلام، عن رب العزة والجلال). الشيخ عامر عثمان: ويقف سيدي وشيخي الشيخ عامر السيد عثمان بين هؤلاء الكوكبة من القراء المعاصرين في مكان ضخم بارز، فهو أكثرهم إقراء للناس، واتصالًا بهم، وتأثيراً فيهم. وقد عرفته منذ عشرين عاماً قبل وفاته حين بدأ العمل في تحقيق كتاب «لطائف الإشارات في علم القراءات» لشهاب الدين القسطلَّاني، شارح البخاري، المتوفى سنة 923 هـ، بالاشتراك مع الدكتور عبد الصبور شاهين. وكان الشيخ يتردد على دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات - وكنت يومئذ أعمل به - فشدَّني إليه، ورغَّبني فيه، ودعاني إلى حلقته العامرة الممتدة على أيام الأسبوع كله، فوقفت منه على علم غزير جم، وتمثلت فيه وبه هذه الأوصاف الضافية التي تأتي في كتب التراجم والطبقات، ويظنها من لا علم عنده بتاريخ الأمة، وأحوال الرجال، من المبالغات والتهاويل التي يغص بها تاريخنا ... زعموا! نعم رأيت في هذا الشيخ الجليل كثيراً مما كنت أقرأه في طبقات القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء: من سعة الرواية، وكثرة الحفظ، وجمع الطرق، ودقة الضبط، وتحرير الرواية، وحسن الإتقان. ولد شيخنا الشيخ عامر، رحمه الله، بقرية «ملامس» مركز منيا القمح، محافظة الشرقية، في 16 مايو سنة 1900 م. وحفظ القرآن الكريم بمكتب الشيخ عطية سلامة، وأئمة ولم يتجاوز التاسعة من عمره، ثم أرسله والده إلى المسجد الأحمدي بطنطا، وتلقى القرآن بقراءة الإمام نافع المدني، من فم عالم القراءات الشيخ السعودي. وقد أُوتي الشيخ عامر في صباه حظاً من حسن الصوت أهَّله لأن يكون قارئاً مرموقاً بمحافظة الشرقية، يقرأ في الليالي والمناسبات، وهو طريق جالب للرزق الواسع والشهرة المستفيضة، ولكنه عزف عن ذلك وولى وجهه شطر القاهرة، حيث الأزهر الشريف، وأئمة القراءة والإقراء. وفي القاهرة أخذ في القراءة والتلقي والمشافهة والعرض والسماع، فتلقى القراءات العشر الصغرى من طريق الشاطبية والدرة، على الشيخ محمد غنيم، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على العلامة المقرئ أحمد الدري التهامي، وسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، معروف. ثم تلقى القراءات العشر الكبرى على الشيخ علي عبد الرحمن سبيع، من أول القرآن إلى قوله تعالى في سورة هود (وقال اركبوا فيها)، ثم إن الشيخ عليّاً أرسل خلف الشيخ عامر يقول له: سوف نبدأ بعد ثلاثة أيام، فقال له الشيخ عامر: كيف سنبدأ بعد ثلاثة أيام يا سيدي ونحن قد وصلنا إلى قوله تعالى: (وقال اركبوا فيها)؟ فقال له الشيخ علي: «بعدين ح تعرف»، ثم توفي الشيخ بعد ثلاثة أيام من هذا الكلام. وكان شيخنا الشيخ عامر إذا ذكر هذه القصة اغرورقت عيناه بالدموع، ويقول: «فكان معنى كلام الشيخ علي أن أيام الآخرة بالنسبة له ستبدأ بعد ثلاثة أيام»، وتوفي الشيخ علي سبيعة سنة 1927 م. ثم إن الشيخ عامر شرع في ختمة جديدة على تلميذ الشيخ علي سبيع، وهو الشيخ همام قطب، فقرأ عليه ختمة كاملة بالقراءات العشر الكبرى، من طريق الطيَّبة بالتحرير والإتقان، وقرأ الشيخ همام على الشيخ علي سبيع المذكور، وهو على الشيخ حسن الجريسي الكبير، وهو على الشيخ محمد المتولي، وهو على الشيخ أحمد الدري التهامي، وسنده معروف. حلقة للإقراء بالأزهر: وهكذا عرف شيخنا الطريق ولزمه. وبعد أن رسخت قدمه في هذا العلم، رواية ودراية، اتخذ لنفسه حلقة بالجامع الأزهر سنة 1935 م للإقراء والتدريس، وكان في أثناء ذلك مكباً على مخطوطات القراءات بالمكتبة الأزهرية ودار الكتب المصرية، يقرأ وينسخ، فظهر نبوغه ولفت إليه الأنظار، فاتصل به الشيخ علي محمد الضبَّاع، شيخ المقارئ المصرية يومئذ، واستعان في تحقيقات القراءات العشر الكبرى. وكان رحمه الله حجة في رسم المصحف الشريف، وقد شارك في تصحيح ومراجعة كثير من المصاحف التي طبعت بمطابع الحلبي والشمرلي، والمطبعة الملكية في عهد الملك فؤاد والملك فاروق رحمهما الله. وحين أنشئ معهد القراءات تابعاً لكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، سنة 1943 م كان الشيخ على رأس مشايخه وأساتذته، فتخرَّجت على يديه هذه الأجيال الكريمة من خدمة كتاب الله والعارفين بعلومه وقراءاته بمصر وخارج مصر. ولما أنشأت مصر - غير مسبوقة - إذاعة القرآن الكريم سنة 1963 م، وقدمت من خلالها (المصحف المرتل) أشرف الشيخ على التسجيلات الأولى من هذا المشروع العظيم، وكانت بأصوات المشايخ: محمود خليل الحصري، ومصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنا رحمهم الله أجمعين. وعلى ذكر الإذاعة فقد كان شيخنا عضواً بارزاً في لجنة اختيار القراء، وكان سيفاً بتاراً، حازماً صارماً في غربلة الأصوات وإجادتها، ولم يكن يقبل الميوعة أو تجاوز الأصول في القراءة والأداء، وطالما اشتكى منه القراء، ورموه بالتعسف والتشدد، وضغطوا عليه بوسائل شتى، ولكنه لم يلن ولم يضعف، وكذلك كان يفعل في لجنة اختيار القراء الذين ترسلهم وزارة الأوقاف المصرية إلى البلدان العربية والإسلامية في شهر رمضان. وقد حُورِب كثيراً في لجنة اختيار القراء بالإذاعة المصرية، وطُلب إقصاؤه أكثر من مرة، وكان الذي يقف وراءه مدافعاً ومنافحاً: الشَّاعر الفحل محمود حسن إسماعيل، إذ كان مستشاراً ثقافيّاً بالإذاعة المصرية، رحمهما الله تعالى. مؤلفات الشيخ: شُغل الشيخ رحمه الله بالإقراء أيامه كلها، فلم يجد وقتاً متسعاً للتصنيف، ولكن الله سبحانه يسَّر له أن يترك بعض الآثار العلمية في فن القراءات، حتى تكون باعثاً لمن يطالعها أن يدعو له بالمغفرة والرضوان. فمما يحضرني الآن هذه التصانيف الآتية، ولست أدَّعي فيها الحصر: 1 - فتح القدير شرح تنقيح التحرير (في تحرير أوجه القراءات العشر من طريق الطيَّبة). 2 - شرح على منظومة العلامة الشيخ إبراهيم علي شحاتة السمنُّودي، أبقاه الله، في تحرير طرق ابن كثير وشعبة. فرغ منه يوم الجمعة 25 من صفر سنة 1382 هـ. 3 - تنقيح فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، بالاشتراك مع الشيخ إبراهيم علي شحاته والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات. وهو نظم منقح من منظومة فتح الكريم في تحرير أوجه القرآن العظيم، للعلامة شيخ القراء في وقته الشيخ محمد بن أحمد المتولي، المذكور قبل. 4 - كيف يُتلى القرآن، وهي رسالة موجزة محررة في تجويد القرآن: سمَّاها: إملاء ما منَّ به الرحمن على عبده عامر بن السيد عثمان في أحكام تلاوة القرآن. وقد أملاها على أحد تلاميذه الذين يحضرون مقارئه، وهو الطيب الجراح الدكتور حسنى حجازي، رحمه الله. وقد صدرت الطبعة الثانية من هذه الرسالة سنة 1390 هـ = 1970 م. 5 - تحقيق الجزء الأول من كتاب «لطائف الإشارات» الذي ذكرته من قبل. صدر عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة عام 1392، ولعل المجلس ينشط في طبع بقيته. 6 - أعان الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في تحقيق كتاب «السبعة» لابن مجاهد، الذي نشرته دار المعارف بمصر أول مرة سنة 1392 هـ = 1972 م. وذلك بمراجعة كتابة آياته الكريمة على هجاء المصاحف المصرية المضبوطة، على ما يوافق رواية حفص عن عاصم، والمطابقة لما رواه علماء الرسم عن هجاء المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار الإسلامية. 7 - وكانت آخر أعمال الشيخ مشاركته في لجنة طبع مصحف الملك فهد بن عبد العزيز، الذي صدر بالمدينة النبوية عام 1405 هـ. فهذا ما يحضرني الآن مما تركه الشيخ من علم مسطور مكتوب. أما أبقى أثر للشيخ وأخلده وأرجحه في موازينه إن شاء الله تعالى، فهو تلك المقارئ التي جلس فيها جلوساً عاماً للناس، وقد شغلت هذه المقارئ أيامه كلها، وأشهر هذه المقارئ مقرأة الإمام الشافعي يوم الجمعة، وقد أسندت إليه مشيختها عام 1947 م وكان عدد الذين يحضرونها من القراء الرسميين أو المعتمدين من وزارة الأوقاف المصرية محدوداً جداً بجانب مختلف طوائف الناس التي كانت تحضر تلك المقرأة وغيرها من المقارئ، فكنت ترى الطبيب والمهندس والضابط والمحامي والموظف والتاجر والحرفي، والفتى الصغير، والشاب اليافع، والشيخ الفاني، مختلف الأعمار والمهن، يتحلقون حول الشيخ؛ يقرأون ويصحح، عيونهم مشدودة إلى شفتيه، وهو يروَّضهم على النطق الصحيح، يصبر على الضعيف حتى يقوى، ويرفُق بالمتعثر حتى يستقيم، لا يسأم ولا يمل، ولا زلت أذكره - رحمه الله - وهو يروَّض بعض إخواننا على ترقيق اللام من قوله تعالى: {رب إنهن أضللن} [إبراهيم: 36]، وكان عسراً على هذا الأخ أن يرقق اللام بعد الضاد، فكان شيخنا يقرأ أمامه (أضللن) على مقطعين هكذا: (أضْ) (لَلْن) ويكرر المقطعين منفردين ثم يقرأهما معاً حتى يخلص له الترقيق المراد. وكذلك لا زلت أذكره وهو يروَّضنا على الخروج من التفخيم إلى الترقيق وبالعكس، في قوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]، فأنت هنا تفخم الراء وإن كان قبلها كسر؛ لأنه كسر عارض للتخلص من التقاء الساكنين، ثم ترقق التاء وتعود إلى تفخيم الضاد، وهكذا كنت تقضي العجب وأنت تنظر إلى حركة فكيه وشفتيه وجريان لسانه في إعطاء كل حرف حقه ومستحقه: من الهمس والجهر والغنة والإظهار والإخفاء والإقلاب والفك والإدغام، وغير ذلك من دقائق الصوتيات، مما لا تستطيع معامل الأصوات أن تنقله بدقة إلى الطالب لأن هذا العلم - علم الأداء - قائم على التلقي والمشافهة. ولو كان لي من الأمر شيء لأتيت بشيخ من علماء القراءات في كل قسم من أقسام اللغة العربية بجامعتنا ليعمل على تدريب الطلبة على الأداء الصحيح والنطق السليم، بجانب معامل الأصوات الحديثة. وهؤلاء المشايخ (الغلابة) لن يأخذوا من الأجر أكثر مما تستهلكه هذه المعاملة من طاقة وكهرباء، بل إني أذهب إلى أبعد من هذا في التمني: وهو أن يعين شيخ من هؤلاء القراء مشرفاً خارجيّاً مع المشرف الأكاديمي لكل رسالة علمية (ماجستير أو دكتوراه) تتصل بعلم القراءات من قريب أو بعيد. ومن تفتن شيخنا في مجال الأداء الصوتي: أنه كان يأخذنا إلى تفرقة دقيقة لطيفة، في الوقف على الراء من قوله تعالى: {فكيف كان عذابي ونذر (16)} [القمر: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {كذبت ثمود بالنذر (23)} [القمر: 23]، فالراء في الآية الأولى يستحسن أن يوقف عليها بترقيق لطيف يشعر بالياء المحذوفة؛ لأن أصلها (ونُذُري) بإثبات ياء الإضافة، وقرأ بها ورش بن سعيد المصري، عن نافع المدني. ومن القراء المعاصرين الذين سمعتهم يراعون ذلك الترقيق اللطيف المشايخ: محمود خليل الحصري، ومحمود حسين منصور، ومحمد صديق المنشاوي. أما الراء في الآية الثانية فيوقف عليها بالتفخيم الخالص؛ لأنها جمع نذير. وأما «النبَّر» في مصطلح علم اللغة الحديث - وهو النظام المقطعي في قراءة الكلمة، فقد كان الشيخ رحمه الله آية فيه، وقد سألته عنه يوماً، فقال لي: «إن القراء لم يذكروا هذا المصطلح، ولكنه بهذه الصفة يمكن أن يُسمَّى «التخليص» أي تخليص مقطع من مقطع». وها أنا ذا أضع هذا المصطلح أمام علماء اللغة الحدثين ليروا فيه رأيهم، ولعلهم يحلونه «النبر». وقد سمعت لهذا «التلخيص» من الشيخ أمثلة كثيرة جداً، أذكر منها قوله تعالى: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} [القصص: 24]، وقوله تعالى: {فقست قلوبهم} [الحديد: 16]، وقوله عزَّ وجلّ: {وساء لهم يوم القيامة حملًا (101)} [طه: 101]، فأنت لو ضغطت على الفاء في الآية الأولى صارت من الفسق لا من السقي، وإن لم تضغط على الفاء في الآية الثانية صارت من الفقس لا من القسوة. أما في الآية الثالثة فلا بد أن تخلص (ساء) من (لهم) حتى يكون من السوء لا من المساءلة، لو خطفتها خطفة واحدة. هكذا كان يعلمنا الشيخ، إلى أمثلة كثيرة لا أحصيها عدداً. لكني أذكر أن أحدهم قرأ مرة أمام الشيخ: {فلهم أجر غير ممنون (6)} [التين: 6]، وخطف (فلهم) خطفة واحدة ضاغطاً على الفاء، بحيث صارت الكلمة كأنها فعل ماض مسند إلى ضمير الجماعة، مثل: ضربهم، فقال له الشيخ: (مفلهمش) يريد رحمه الله أن يقول إنه ليس فعلًا واقعاً عليهم، وأن هذه البنية من مقطعين (ف) (لهم). وكان الشيخ صاحب دعابة، فكان إذا قرأ أحدهم على غير الجادة يقول له مستفهماً مستنكراً: إنت جوّدت القرآن في ألمانيا؟ وقرأ بعضهم أمامه برواية خلف عن حمزة، ولم يكن متقناً للرواية، فقال له: «قُوم يا شيخ، دانا كنت باحْسِبَك خَلَف الحبايب»، وقرأ آخر أمامه وتحنن في صوته تحنناً ظاهراً في تكسر، فقال له الشيخ: «مافيش فايدة» يريد أنه يقلد صت «فايدة كامل»، فقد كان في صوته تلك السمات التي عرفت بها هذه المغنية قبل أن تشتغل بالسياسة. وكان للشيخ حسن دقيق جداً في تقييم الأصوات والحكم عليها، وقد لا يعرف كثير من الناس أن الشيخ رحمه الله، درس علم الموسيقى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية أل إنشائه. وكما كانت معرفة الشيخ بمخارج الحروف وصفاتها عظيمة، كانت عنايته بالوقوف: تامها وحسنها وكافيها، عالية جداً، وكان يأخذ على بعض كبار القراء تهاونهم في تعهد الوقوف ومراعاتها، وكان يصارحهم بذلك فيغضبون. وكان شيخنا رحمه الله يتشدد في الوقوف على رؤوس الآي: لأنها سنة، ولو تعلقت الآية بما بعدها. فإذا كانت الآية التالية مقول قول في الآية الأولى، وكان البدء بمقول القول هذا مما يوهم أن يكون إقراراً من القارئ وليس من المحكي عنه، وقف على رأس الآية الأولى اتباعاً للسنة، ثم يستأنف الآية الثانية تالياً الفعل السابق في الآية الأولى. مثال ذلك قوله تعالى في سورة الصافات: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون (151) ولد الله وإنهم لكاذبون (152)} [الصافات: 151، 152]، يتلوها هكذا: ألا إنهم من إفكهم ليقولون. ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون. وما أكثر ما علَّمنا هذا الإمام الكبير! ومع حرص الشيخ على كمال الأداء وحسن التجويد، فقد كان يعيب على بعض القراء المبالغة في ذلك، ويراه لوناً من التنطع والشقشقة. وللفائدة هنا فإني أذكر بأن مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي المتوفى سنة 478 هـ، قد أخذ على قراء زمانه مبالغتهم في التجويد والتقعر في إخراج الحروف، وذلك في رسالة له لطيفة مطبوعة، سمَّاها «بيان زعل العلم»، وهي رسالة نافعة، عرض فيها الذهبي لأخطاء أهل العلم. نور القرآن: وقد أضاء شيخنا القاهرة كلها بنور القرآن، فلم تكن مقرأة الإمام الشافعي هي المكان الوحيد الذي يجلس فيه للإقراء، فقد كان يبدأ يومه عقب صلاة الفجر بالإقراء بمسجد السيدة زينب، حيث يسكن الشيخ قريباً من المسجد الزينبي، وهناك مقارئ أخرى يحضرها الشيخ منها مقرأة بمسجد النقشبندي بجوار مستشفى أحمد ماهر بالقرب من باب الخلق، وكان موعدها يوم السبت، ومقرأة الجمعية التعاونية للبترول بشارع قصر العيني، يومي الاثنين والثلاثاء، ومقرأة يوم الأربعاء بمسجد بمنزل الحناوي بجاردن سيتي. وقد تفرع من هذه المقارئ مقارئ أخرى، منها مقرأة الدكتور صادق بمنطقة الحلمية، بالقرب من القلعة. وهذا الدكتور صادق طبيب أطفال، وقد تلقى عن الشيخ القراءات السبع. وفي صوت هذا القارئ الطبيب صفاء وخشوع يأخذان بمجامع القلوب. ومقرأة بمسجد يوسف الصديق بميدان الحجاز بمصر الجديدة، يقوم عليها القارئ الطبيب الدكتور عوض الأستاذ بكلية طب الأزهر، ومقرأة بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين، يقوم عليها الحاج حسين، وهو صاحب معرض ملابس، وقد لازم الشيخ كثيراً بزاوية النقشبندي. وتلامذة الشيخ كثيرون، أذكر منهم الأديب الأستاذ عبد العزيز العناني، وهو مؤرخ للموسيقى العربية، لا تجد له في بابه نظيراً، ألبسه الله ثوب الصحة والعافية. ومن الوزراء الذين قرأوا على الشيخ ولازموه ونوروا به مجالسهم: السادة عبد المحسن أبو النور، وتوفيق عبد الفتاح، وعبد الرحمن الشاذلي، وإبراهيم سالم. ويأتي على رأس هؤلاء جميعاً الرجل التقي النقي - ولا نزكي على الله أحداً - الدكتور إبراهيم بدران. وكان من أبر الناس بشيخنا، وقد حمله وأعد له مكاناً رحباً بالمستشفى الذي يملكه بالمهندسين، وأقام عليه من يخدمه ويتولى أمره، وخصص له سيارة تحمله إلى حيث يشاء، وذلك بعد وفاة زوجته، رحمهما الله جميعاً. وقد أفاد من علم الشيخ نساء كثيرات، منهن السيدة سميحة أيوب، وإذا تأملت أداءها في النصوص المسرحية الفصيحة رأيت أمارات ذلك. ومنهن السيدة مفيدة عبد الرحمن، المحامية الشهيرة. ولهذه السيدة الفاضلة بالقرآن وخدمته نسب وثيق، فأبوها هو: عبد الرحمن محمد، صاحب المطبعة الكائنة بحي الصنادقية بالأزهر الشريف. وقد تخصصت هذه المطبعة في طبع المصحف الشريف منذ زمن بعيد. تلاميذ الشيخ في كل مكان: على أن لشيخنا الشيخ عامر أثراً آخر مباركاً، غير التصنيف والإقراء: هو هذا العون الظاهر الذي قدَّمه لهذا النفر من الجامعيين الذين اتخذوا من علم القراءات ميداناً لدراساتهم الصوتية والتاريخية، يحضرني منهم الأساتذة: عبد الفتاح إسماعيل شلبي، وأحمد علم الدين الجندي، وعبد الصبور شاهين، إلى كثير من المعيدين والمبتدئين الذين كانوا يختلفون إليه لتجلية غامض، أو كشف مبهم من هذا العلم الذي هو علم العربية بحق. وعلى الجملة فتلاميذ الشيخ والمنتفعون بعلمه لا يحصون، داخل مصر وخارجها، وكنت أرى كثيراً من أبناء الدول العربية والإسلامية، بل من المستشرقين، يأتون إليه، ويجلسون في حلقته، ويا ليتني أحصيتهم عدداً، وقيدت أسماءهم وأسماء بلدانهم وأعمارهم، إحياء لسنن قديمة في تراثنا التاريخي، من ذكر الواردين على البلاد، والمرتحلين إلى الشيوخ. وفي سنواته الأخيرة اختار شيخنا المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام - مستقراً ومقاماً، حيث دعي إلى هناك لمراجعة مصحف الملك فهد، وللتدريس بكلية القرآن بالجامعة الإسلامية. وفي مساء يوم الخميس، وقبيل فجر يوم الجمعة الخامس من شوال سنة 1408 هـ الموافق للعشرين من مايو سنة 1988 م، اختار الله إلى جواره عبده وخادم كتابه: عامر السيد عثمان، وصلي عليه بالمسجد النبوي الشريف عقب صلاة الجمعة، ودُفن بالبقيع، مرحوماً مرضياً عنه إن شاء الله. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، واجعل كل ما قدَّمه من خدمة كتابك في موازينه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً. وهيئ لهذه الأمة من يخلف هؤلاء الرجال العظام، ويقوم مقامهم، حياطة لدينك، وحفظاً لكتابك. إنك على ما تشاء قدير.
    1
    0
  • تلاوة خاشعة للشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله -، ما تيسر من سورتي القصص والعنكبوت
    تلاوة خاشعة للشيخ محمد صديق المنشاوي - رحمه الله -، ما تيسر من سورتي القصص والعنكبوت
    3
    9 0
  • #نفائس
    قصة الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم (رحلةٌ من القاهرة إلى المدينة النبوية)

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن جهود العلماء في العناية بكتاب الله تعالى، لا تزال متواصلةً: حفظاً، وتفسيراً، وإقراءً، ودفاعاً..
    ومن أعظم ما سجله التاريخ في عناية العلماء بالقرآن الكريم ما ابتدأه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أشار عليه الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم.

    ويذكر العلماء أن جمع القرآن الكريم مر بثلاث مراحل:
    1- الجمع الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : وهو بمعنى حفظه في الصدور، وهو المذكور في قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه).
    2- الجمع الثاني في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وهو بمعنى جمعه من متفرق في مصحف واحد، وكان سبب هذا الجمع كثرة القتلى من حفاظ القرآن الكريم، وصاحب الفكرة هو الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    3- الجمع الثالث في عهد عثمان رضي الله عنه : وهو بمعنى توحيد المصاحف المختلفة ونشره وتوزيعه على الأمصار .
    4- ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي: الجمع الصوتي للقرآن الكريم:
    وهو من الجهود المباركة في هذا العصر، وكثيرٌ من الناس يظن أن تاريخ هذا المشروع قريبٌ، والحقيقة أن ذلك التاريخ يعود إلى خمسين سنة ماضيةً، حين كانت بداية المشروع هناك في القاهرة، في الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم، حيث تقدم بهذه بفكرة هذا المشروع الأستاذ لبيب السعيد (ولد سنة: 1914م ــ وتوفي سنة: 1988م) وقد ألف كتاباً في هذا المشروع أسماه ( الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم ) طبع في دار الكتاب العربي بالقاهرة سنة 1387هـ، وجدته في إحدى مكتبات عمان الأردن في إحدى الزيارات.


    أولاً: قصة المصحف المرتل في القاهرة :

    وأحب أعرج في هذا المقال على تاريخ ذلك الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم، حفظاً لحق صاحب الفكرة، وشكراً لتلك الجهود التي بذلها في سبيل تحقيق هذا المشروع القيم، علماً بأنه ليس من أبناء الأزهر، وإنما أستاذ ومجتهد وفقه الله تعالى لخدمة كتابه، ويسر له ما كان عسيراً على غيره..

    = من هو لبيب السعيد :

    من العجيب أنك لا تكاد تجد ترجمة للأستاذ لبيب السعيد، وكل ما يمكن أن يذكر ما يأتي(1):
    • ولد في المنصورة بمصر في 8 / 12 / 1914م.
    • كان يعمل في وزارة المالية المصرية.
    • رأس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم.
    • عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى منتصف الثمانينات.
    • له عدد من الكتب منها: 
    أ‌- الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم .
    ب‌- المقارئ والقراء.
    ت‌- الأذان والمؤذنون.
    ث‌- رسم المصحف.
    ج‌- التغني بالقرآن.
    • له سلسلة ( معارف قرآنية ) سُجلت في إذاعة الرياض في السبعينيات.
    • توفي رحمه الله في 22/1/1988م.



    = بواعث هذا المشروع :

    يقول الأستاذ لبيب السعيد : "وأعود إلى ما قبل إعلاني عن مشروع المصحف المرتل ببضع سنين لا أستطيع تحديدها بدقة. منذ يومئذ وأنا أحس أن جمع القرآن جمعاً صوتياً بكل قراءاته المتواترة والمشهورة أمرٌ يجب أن ينهض به أهل هذا الزمان .
    وكنت أتابع، في المقارئ الكبيرة بالقاهرة، الممتازين من علماء القراءات، وكان يؤلمني أنه كان إذا مات منهم أستاذٌ حاذقٌ خَلَفَه أحياناً مَنْ لا يعدله أستاذيةً وحذقاً، وضاعت على المسلمين ـ إلى الأبد ـ مواهب الميّت لأنها لم تُسجَّلْ.
    ما كان أعظم شعوري بالخسارة الفادحة المستمرة على مدى الزمن في القراء الذين يموتونّ! ذلك أن إنتاجهم ـ بطبيعته ـ غير إنتاج غيرهم من أصحاب العلوم والفنون، فهؤلاء يستطيع الواحد منهم ـ بفضل الكتابة ـ أن يواصل ـ بعد موته ـ الحياة في إنتاجه، أما أصحاب التراث الصوتي، وفي مقدمتهم القُرَّاء، فكان تراثهم يفنى بفنائهم، لأن العلم لم يكن اهتدى بعدُ إلى طرائق تسجيل هذا التراث. وحتى بعد الاهتداء، تأخر تسجيل المصحف أمداً غير قصير"(2). 

    هكذا كانت خلجات صدر لبيب السعيد، وحديث نفسه، الحسرةُ على عدم حفظ تلك الأصوات الشجية، وتلك المزامير القرآنية، وفوات السابق على اللاحق، هكذا اختمرت الفكرة في ذهن الأستاذ لبيب حتى جاءت سنة 1959م.

    = بداية المشروع :

    تقدم الأستاذ لبيب السعيد في أواخر فبراير أو أوائل مارس 1959م إلى مجلس إدارة الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم ـ وكان رئيس مجلس إدارتها ـ باقتراح ابتدأه بما يأتي:
     

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اقتراح مقدم إلى مجلس إدارة الجمعية من رئيسها لبيب السعيد
    بشأن تسجيل القرآن الكريم صوتياً بكل رواياته المتواترة والمشهورة وغير الشاذة


    ثم ذكر تفاصيل المشروع..

    وجاء فيه قوله : 
    (وفيما يختص بالتسجيل نفسه، أقترح أن يشمل تلاوة الكتاب العزيز كله بقراءة حفص، ثم بمختلف القراءات المتواترة والمشهورة وغير الشاذة، على أن لا تُرَدَّدَ الآية الواحدة بأكثر من قراءة واحدة في التلاوة الواحدة، كما يشمل التسجيل دروساً عملية في أحكام التجويد بطريقة سهلة ميسرة تمكن الجمهور العادي من الانتفاع بها.
    أما فيما يختص بمن يتولون القراءة والتدريس العملي، فيجب أن يكونوا من أعلم علماء القرآن، مع مناسبة أصواتهم للتسجيل، وأن تختارهم لجان لها خبرتها القرآنية العظمى، ويشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى)(3). 

    = من الصعوبات : 

    لقي الأستاذ لبيب في سبيل تحقيق مشروعه عدداً من العقبات، أنَّ لها أنات، منها ما سطره قلمه حيث قال: 
    (وعجزتُ عن تدبير "استوديو" للتسجيل فيه بالمجان، فرغبتُ إلى نائب وزير الدولة لشؤون رياسة الجمهورية، وإلى المدير العام للإذاعة أن يأذنا لي بالتسجيل في استوديوهات الإذاعة، وسعيت في ذلك سعياً، حتى اسْتُجيب لطلبي، بشرطٍ أصرَّتْ عليه الإذاعة، وهو أن يكون لها الحق المطلق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها، ولعل سروري بهذا الشرط وأنا أقدم به إقراراً كتابياً كان أكبر من سرور الإذاعة)(4). 

    ويقول في ذكر عوائق المشروع :

    ( ولستُ أنسى يوماً من أيام رجب سنة 1379هـ (يناير 1960م) سعيت فيه، بناء على نصيحة أحد المخلصين للمشروع، إلى ثري كبير هو وزير في إحدى الدول العربية، وكان يقيم في مصر في حي الدقي، فتلقَّى هذا الثريُّ حديثي عن المشروع بعدم الاكتراث، وخرجتُ يومها من لدنه خجلان آسفاً نادماً)(5). 

    = نقطة تحول في تاريخ المشروع :
    يقول الأستاذ لبيب : (وحفزني الإخفاق في تمويل المشروع إلى التفكير في وضعه تحت الرعاية المالية للدولة نفسها. وفي يوم الأربعاء24 من فبراير 1960م، قابلت وزير الأوقاف ورجوته مساعدة المشروع مالياً، فاستجاب فوراً وفي حماسة، وكانت استجابته مبعث طمأنينة واستبشار وأمل، وأصبح العمل شغل الوزير نفسه ومحل اهتمامه، فأفاد كثيراً) (6). 

    = بداية التسجيل:

    أ ـ المصحف الأول: 
    ابتدأ التسجيل الأول برواية حفص بصوت القارئ الحصري ـ رحمه الله ـ أحد القراء المشهورين في مصر، ولم يكن التسجيل سهلاً : ( لم يكن التسجيل شيئاً هيناً، فمع امتياز القارئ، وكونه قد أصبح آنئذ شيخ المقارئ، كانت اللجنة تستوقفه كثيراً ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب)(7). 
    وكانت اللجنة مكونة من :
    أ ـ الشيخ عبد الفتاح القاضي ( وقد استعفى من اللجنة في وقت مبكر لأسباب منها بعد عمله عن القاهرة).
    ب ـ الشيخ عامر عثمان ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    ج ـ الشيخ عبد العظيم الخياط ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    د ـ الشيخ محمد سليمان صالح ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    هـ ـ الشيخ محمود حافظ برانق ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر).
    وابتدأ الطبع في مايو سنة 1960م،وانتهت الطبعة الأولى في 23/ يوليو/ 1961م. حيث بدئ بتوزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام.

    ب ـ المصحف الثاني: 
    في سنة 1962م، تم تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري، واختير لهذه الرواية ثلاثة من القراء لهدف ذكره الأستاذ لبيب بقوله : ( وقد أشرتُ بأن لا يستأثر قارئ واحد بتسجيل المصحف كاملاً، دفعاً لملل السامعين، واستفادة بأكبر عددٍ من أصحاب المواهب، وتحقيقاً لتكافؤ الفرص) (8). 
    وهم المشايخ:
    أ ـ الشيخ فؤاد العروسي.
    ب ـ الشيخ محمد صديق المنشاوي.
    ج ـ الشيخ يوسف كامل البهتيمي.
    ولكن في أثناء التسجيل جاء المنع من شيخ الأزهر الشيخ محمود شتوت خوفاً من اختلاف المسلمين حول أي القراءات أولى.
    ولكن الأستاذ لبيب بادر بمقابلة الشيخ رحمه الله وأقنعه بالفكرة وأثرها .
    وتم الانتهاء من تسجيل هذه الراوية في سبتمبر سنة 1963م.

    = الفرح بنجاح المشروع :

    كانت فرحة الأستاذ لبيب غامرة بإنجاز هذا المشروع، يقول : 
    ( وقد ازددتُ إدراكاً لفضل الله عليَّ، وعلى الناس، إذ قدَّرَ لهذا المشروع النجاح، حين كنت خارج مصر، في بلاد بعيدة، أستمع إلى المصحف المرتل، من الإذاعة، أو أستمع إليه، في دور السفارات، والقنصليات العربية... لقد كان ينسلخ عني وقتئذ ـ شأني شأن كل مستمع مسلم عربي ـ الشعور بغربة اللسان أو غربة المكان، وقد حكى لي غير واحد ممن سمعوا المصحف المرتل في ديار الغربة أنهم لم يكونوا يملكون حبس دموعهم تأثراً وفرحاً) (9).

    = أمانيُّ باقية :

    كانت أماني الأستاذ لبيب بتنفيذ المشروع على الوجه المخطط له بتسجيل جميع روايات القرآن الكريم، يقول: 
    ( فليت أن المشروع يتم عاجلاً ، وفق التخطيطات المرسومة له! وليت أن الله صاحبَ الفضل والمنة ينفع بهذا المشروع كما نحب، وخيراً مما نحب! وليت أنه ـ سبحانه ـ يجعل هذا المشروع ـ دائماً ـ عملاً خالصاً تماماً لوجهه الكريم! ) (10).

    ثانياً: قصة الجمع الصوتي في المدينة النبوية :
    ذكر الدكتور عبد العزيز القارئ قصة هذا الجمع في المدينة النبوية بأسلوبه المتميز في لقاء شبكة التفسير وأنا أنقل جملاً من كلامه وفقه الله (11):

    = بداية الفكرة :

    يقول الدكتور عبد العزيز القارئ: (أهم أمنية علمية قرآنية كنت حريصاً على تحقيقها هي " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " وهذا الهدف الخطير الكبير فكرت فيه أيام تقلدي لعمادة كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية ؛ لأنني نظرت فإذا حولي بالكلية أعلام كبار من علماء القراآت: الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله ، ثم جاء بعده إلى المدينة الشيخ عامر بن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية رحمه الله ، ثم جاء الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات رحمه الله، وعُين بمجمع المصحف ، وكان يدرس بكلية القرآن ..

    وأهل العلم يعرفون إمامة هؤلاء الثلاثة في مجال القراآت ، وكان بالكلية أيضاً الشيخ عبد الفتاح المرصفِي رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمود سيبويه البدوي رحمه الله ، والشيخ محمود جادو رحمه الله ، والشيخ عبد الرافع رضوان حفظه الله وبارك في عمره، وغيرهم ؛ وكان كل هؤلاء علماءَ في القراآت بمرتبة الحجية ، أي كل واحد منهم حجة في هذا الفن؛ وهم يُعدُّون من أهل الطبقة الأولى في هذا العصر ، وبقي من أهل هذه الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي بارك الله في عمره وأمدَّه بالصحة والعافية ، فإنه من طبقة الشيخ عامر والشيخ الزيات ، وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت الكبار من أهل هذه الطبقة ..

    فلما رأيت اجتماع أولئك الأئمة في القراآت في مكان واحدٍ هو المدينة النبوية؛ وأكثرهم عندي في كلية القرآن أدركت أنها فرصة لا تفوَّت لتحقيق هذا الهدف الكبير وهو "الجمع الصوتي للقراآت المتواترة" ؛ وهو لو تحقق فإنه يُعدُّ بحق الجمع الرابع للقرآن ؛ فإن القرآن جُمِعَ قبلَ ذلك ثلاث مرات ...
    لكنْ لم يُفكِّر أحدٌ أنه يمكن تسجيل القرآن صوتياً ؛ لأن هذا ارتبط بالتقدم "التكنولوجي" في العصر الحديث حيث تطورت أجهزة الصوتيات بشكل لم يَسْبِقْ له نظيرٌ وأصبح ممكناً تسجيل القراآت كلها صوتياً ؛ وفي تسجيلِ القراآت تسجيلٌ للغات العرب ولهجاتها ، فهو موضوع كبير من جميع جوانبه ).

    = عوامل نجاح المشروع:

    يقول الدكتور عبد العزيز وفقه الله : ( لكنَّ مثلَ هذا المشروع الجليل الخطير يتطلب ثلاثة أمور بدونها لا يصبح ذا قيمة علمية تُذكر :
    1- توافر الإشراف العلمي الراقي : بوجود مراجع بمرتبة الحجية في القراآت كما مثلت سابقاً ، يشرفون على التسجيل ويراقبونه ؛ لأن القراآت أكثرها أمور صوتية دقيقة قد تخفى حتى على بعض الخواصِّ.
    2- توافر الأداء القرآني الراقي : بوجود قرَّاء ذوي أداء مُتْقَنٍ ، وأصوات حسنة، وتنغيم جيد ، وهذا كان متوافراً في طلاب كلية القرآن ، وكان أحسن هؤلاء الذين اخترناهم للمشروع طالبٌ باكستانيٌّ ، تميّزَ بفصاحة الحروف وإتقان التجويد ، وجودة التنغيم ، وحسن الصوت، لكن رئاسة الجامعة وقتها حرصت على ترحيله بمجرد تخرجه ففقد المشروع واحداً من أهم عناصره !!
    3- الإرادة الإدارية : فإن مثل هذا المشروع يحتاج إلى إشراف إداري ، وتمويل كاف، وجهة علمية قادرة تتبنى تنفيذه ، وكانت هذه الجهة موجودة وهي كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ...).

    = بداية المشروع : 

    يقول وفقه الله : (وأمدَّتنا وزارة الإعلام وقتها بإنشاء "استوديو" للتسجيل في نفس الكلية ، وكان لهذا التبرع السخي أثر كبير دفع المشروع إلى الأمام ؛ وبدأنا نُسجل ونذيع ما نسجله في إذاعة القرآن الكريم باسم " دروس من القرآن الكريم " ؛ حتى يستمع أهل العلم وأهل الاختصاص إلى ما نسجله ويشاركوننا الرأي والمشورة ؛ ونجحت هذه الخطة نجاحاً باهراً ..
    أخبرني أحد أهم كبار العلماء وأعيانهم وقتذاك فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس القضاة بالمدينة النبوية ـ رحمه الله ـ أنه لا تفوته حلقة من حلقات هذا البرنامج ؛ وأنه يستمع إليه دائماً ، وأبدى إعجابه به وبمشايخ القراآت الذين يُديرون الشرح فيه، وخاصة الشيخ محمود سيبويه وقال : حقاً إنه لسيبويه عصره .
    ولما طلبت من فضيلته أن يزودنا بملحوظاته وتوجيهاته فاجأني بملحوظة دقيقة هامة عن أحد من كان يقوم بالأداء والتلاوة بين يدي المقرئ قال : فلانٌ ممن يقرأ استبعدوه لأن نغمته أعجمية هندية والقرآن عربي. واستبعدناه فعلاً). .

    = ثم ما ذا حدث للمشروع :

    يقول الدكتور وفقه الله : ( وبعد انتهاء مدة عمادتي لكلية القرآن الكريم استمرَّ التسجيل فترة من الوقت حتى بلغوا آخر سورة المائدة أو بعدها ثم توقف المشروع) ..

    = آهات الشيخ عبد العزيز القارئ على المشروع :
    يقول وفقه الله : (والآن يَعْلُو غبارُ النسيان ذلك "الاستوديو" الذي أنشأته وزارة الإعلام بالكلية ، ويبدو أنه فاتت فرصةٌ ثمينة لتحقيق " الجمع الرابع للقرآن الكريم " الذي هو " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " ؛ لأن معظم أولئك الأئمة الأعلام من علماء القراآت رحلوا إلى الآخرة) ..

    = ثم سئل وفقه الله : هل يمكن الآن تنفيذ هذا المشروع ؟
    فقال: (نعم يمكن ، فإنه كما ذكرتُ سابقاً بقي من أئمة القراآت من أهل الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي أمدّه الله بالصحة والعافية ..
    وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت من أهل هذه الطبقة يُعدُّون في مرتبة الإمامة والحجية، أعرف منهم شيخ مقارئ دمشق الشيخ كريم راجح حفظه الله وبارك في عمره.
    وهناك كثيرون من القراء الشباب من أهل الطبقة الثانية والثالثة ، لكنَّ هذا المشروع لخطورته وجلالة شأنه وعِظَمِ صلته بالقرآن الكريم لا يكفي أن يباشره مثلُ هؤلاء الأفاضل ؛ لا بد من الأئمة الكبار) .

    5- ثم بقيت بعد ذلك المرحلة الخامسة من الجمع : وهو الجمع المرئي للقرآن الكريم(12)، وذلك بتسجيل القرآن الكريم بالصوت والصورة والتدقيق على طريقة الأداء لأن عدداً من الأحكام لا يمكن ملاحظتها إلا بالرؤية والبصر، وهاهم علماء القراءات متوافرون ولله الحمد والمنة ، فليت إحدى المؤسسات الحكومية ترعى هذا المشروع، وأولى تلك المؤسسات هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهو أهل لذلك...
     
    والله تعالى أعلم ...

    د. فهد بن مبارك الوهبي
    الاثنين 14 / 11 / 1430هـ


    ـــــــ حواشي ـــــــــ
    (1) أغلب ما ذكرته في هذه الترجمة مأخوذ من ترجمة مختصرة لابنه أحمد كما في الرابط :
    http://www.mazameer.com/vb/t31785-2.html
    (2) الجمع الصوتي الأول : (101).
    (3) السابق : (105).
    (4) السابق : (109).
    (5) السابق : (110).
    (6) السابق نفس الصفحة .
    (7) السابق : (111).
    (8) السابق : (114).
    (9) السابق : (499).
    (10) السابق : (500).
    (11) انظر لقاء شبكة التفسير مع فضيلته على الرابط : 
    http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=10331
    (12) أشار إلى هذا الجمع واقترحه الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقاء تلفزيوني ضمنا في برنامج الوسطية في القناة السعودية الأولى.


    المصدر:
    http://www.alwahbi.net/article/1010
    #نفائس قصة الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم (رحلةٌ من القاهرة إلى المدينة النبوية) الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.. فإن جهود العلماء في العناية بكتاب الله تعالى، لا تزال متواصلةً: حفظاً، وتفسيراً، وإقراءً، ودفاعاً.. ومن أعظم ما سجله التاريخ في عناية العلماء بالقرآن الكريم ما ابتدأه الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين أشار عليه الخليفة الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم. ويذكر العلماء أن جمع القرآن الكريم مر بثلاث مراحل: 1- الجمع الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : وهو بمعنى حفظه في الصدور، وهو المذكور في قوله تعالى: (إن علينا جمعه وقرآنه). 2- الجمع الثاني في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه: وهو بمعنى جمعه من متفرق في مصحف واحد، وكان سبب هذا الجمع كثرة القتلى من حفاظ القرآن الكريم، وصاحب الفكرة هو الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 3- الجمع الثالث في عهد عثمان رضي الله عنه : وهو بمعنى توحيد المصاحف المختلفة ونشره وتوزيعه على الأمصار . 4- ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي: الجمع الصوتي للقرآن الكريم: وهو من الجهود المباركة في هذا العصر، وكثيرٌ من الناس يظن أن تاريخ هذا المشروع قريبٌ، والحقيقة أن ذلك التاريخ يعود إلى خمسين سنة ماضيةً، حين كانت بداية المشروع هناك في القاهرة، في الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم، حيث تقدم بهذه بفكرة هذا المشروع الأستاذ لبيب السعيد (ولد سنة: 1914م ــ وتوفي سنة: 1988م) وقد ألف كتاباً في هذا المشروع أسماه ( الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم ) طبع في دار الكتاب العربي بالقاهرة سنة 1387هـ، وجدته في إحدى مكتبات عمان الأردن في إحدى الزيارات. أولاً: قصة المصحف المرتل في القاهرة : وأحب أعرج في هذا المقال على تاريخ ذلك الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم، حفظاً لحق صاحب الفكرة، وشكراً لتلك الجهود التي بذلها في سبيل تحقيق هذا المشروع القيم، علماً بأنه ليس من أبناء الأزهر، وإنما أستاذ ومجتهد وفقه الله تعالى لخدمة كتابه، ويسر له ما كان عسيراً على غيره.. = من هو لبيب السعيد : من العجيب أنك لا تكاد تجد ترجمة للأستاذ لبيب السعيد، وكل ما يمكن أن يذكر ما يأتي(1): • ولد في المنصورة بمصر في 8 / 12 / 1914م. • كان يعمل في وزارة المالية المصرية. • رأس الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم. • عمل أستاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى منتصف الثمانينات. • له عدد من الكتب منها:  أ‌- الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم . ب‌- المقارئ والقراء. ت‌- الأذان والمؤذنون. ث‌- رسم المصحف. ج‌- التغني بالقرآن. • له سلسلة ( معارف قرآنية ) سُجلت في إذاعة الرياض في السبعينيات. • توفي رحمه الله في 22/1/1988م. = بواعث هذا المشروع : يقول الأستاذ لبيب السعيد : "وأعود إلى ما قبل إعلاني عن مشروع المصحف المرتل ببضع سنين لا أستطيع تحديدها بدقة. منذ يومئذ وأنا أحس أن جمع القرآن جمعاً صوتياً بكل قراءاته المتواترة والمشهورة أمرٌ يجب أن ينهض به أهل هذا الزمان . وكنت أتابع، في المقارئ الكبيرة بالقاهرة، الممتازين من علماء القراءات، وكان يؤلمني أنه كان إذا مات منهم أستاذٌ حاذقٌ خَلَفَه أحياناً مَنْ لا يعدله أستاذيةً وحذقاً، وضاعت على المسلمين ـ إلى الأبد ـ مواهب الميّت لأنها لم تُسجَّلْ. ما كان أعظم شعوري بالخسارة الفادحة المستمرة على مدى الزمن في القراء الذين يموتونّ! ذلك أن إنتاجهم ـ بطبيعته ـ غير إنتاج غيرهم من أصحاب العلوم والفنون، فهؤلاء يستطيع الواحد منهم ـ بفضل الكتابة ـ أن يواصل ـ بعد موته ـ الحياة في إنتاجه، أما أصحاب التراث الصوتي، وفي مقدمتهم القُرَّاء، فكان تراثهم يفنى بفنائهم، لأن العلم لم يكن اهتدى بعدُ إلى طرائق تسجيل هذا التراث. وحتى بعد الاهتداء، تأخر تسجيل المصحف أمداً غير قصير"(2).  هكذا كانت خلجات صدر لبيب السعيد، وحديث نفسه، الحسرةُ على عدم حفظ تلك الأصوات الشجية، وتلك المزامير القرآنية، وفوات السابق على اللاحق، هكذا اختمرت الفكرة في ذهن الأستاذ لبيب حتى جاءت سنة 1959م. = بداية المشروع : تقدم الأستاذ لبيب السعيد في أواخر فبراير أو أوائل مارس 1959م إلى مجلس إدارة الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم ـ وكان رئيس مجلس إدارتها ـ باقتراح ابتدأه بما يأتي:   بسم الله الرحمن الرحيم اقتراح مقدم إلى مجلس إدارة الجمعية من رئيسها لبيب السعيد بشأن تسجيل القرآن الكريم صوتياً بكل رواياته المتواترة والمشهورة وغير الشاذة ثم ذكر تفاصيل المشروع.. وجاء فيه قوله :  (وفيما يختص بالتسجيل نفسه، أقترح أن يشمل تلاوة الكتاب العزيز كله بقراءة حفص، ثم بمختلف القراءات المتواترة والمشهورة وغير الشاذة، على أن لا تُرَدَّدَ الآية الواحدة بأكثر من قراءة واحدة في التلاوة الواحدة، كما يشمل التسجيل دروساً عملية في أحكام التجويد بطريقة سهلة ميسرة تمكن الجمهور العادي من الانتفاع بها. أما فيما يختص بمن يتولون القراءة والتدريس العملي، فيجب أن يكونوا من أعلم علماء القرآن، مع مناسبة أصواتهم للتسجيل، وأن تختارهم لجان لها خبرتها القرآنية العظمى، ويشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى)(3).  = من الصعوبات :  لقي الأستاذ لبيب في سبيل تحقيق مشروعه عدداً من العقبات، أنَّ لها أنات، منها ما سطره قلمه حيث قال:  (وعجزتُ عن تدبير "استوديو" للتسجيل فيه بالمجان، فرغبتُ إلى نائب وزير الدولة لشؤون رياسة الجمهورية، وإلى المدير العام للإذاعة أن يأذنا لي بالتسجيل في استوديوهات الإذاعة، وسعيت في ذلك سعياً، حتى اسْتُجيب لطلبي، بشرطٍ أصرَّتْ عليه الإذاعة، وهو أن يكون لها الحق المطلق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها، ولعل سروري بهذا الشرط وأنا أقدم به إقراراً كتابياً كان أكبر من سرور الإذاعة)(4).  ويقول في ذكر عوائق المشروع : ( ولستُ أنسى يوماً من أيام رجب سنة 1379هـ (يناير 1960م) سعيت فيه، بناء على نصيحة أحد المخلصين للمشروع، إلى ثري كبير هو وزير في إحدى الدول العربية، وكان يقيم في مصر في حي الدقي، فتلقَّى هذا الثريُّ حديثي عن المشروع بعدم الاكتراث، وخرجتُ يومها من لدنه خجلان آسفاً نادماً)(5).  = نقطة تحول في تاريخ المشروع : يقول الأستاذ لبيب : (وحفزني الإخفاق في تمويل المشروع إلى التفكير في وضعه تحت الرعاية المالية للدولة نفسها. وفي يوم الأربعاء24 من فبراير 1960م، قابلت وزير الأوقاف ورجوته مساعدة المشروع مالياً، فاستجاب فوراً وفي حماسة، وكانت استجابته مبعث طمأنينة واستبشار وأمل، وأصبح العمل شغل الوزير نفسه ومحل اهتمامه، فأفاد كثيراً) (6).  = بداية التسجيل: أ ـ المصحف الأول:  ابتدأ التسجيل الأول برواية حفص بصوت القارئ الحصري ـ رحمه الله ـ أحد القراء المشهورين في مصر، ولم يكن التسجيل سهلاً : ( لم يكن التسجيل شيئاً هيناً، فمع امتياز القارئ، وكونه قد أصبح آنئذ شيخ المقارئ، كانت اللجنة تستوقفه كثيراً ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب)(7).  وكانت اللجنة مكونة من : أ ـ الشيخ عبد الفتاح القاضي ( وقد استعفى من اللجنة في وقت مبكر لأسباب منها بعد عمله عن القاهرة). ب ـ الشيخ عامر عثمان ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). ج ـ الشيخ عبد العظيم الخياط ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). د ـ الشيخ محمد سليمان صالح ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). هـ ـ الشيخ محمود حافظ برانق ( وهو في ذلك الوقت من مدرسي معهد القراءات التابع للأزهر). وابتدأ الطبع في مايو سنة 1960م،وانتهت الطبعة الأولى في 23/ يوليو/ 1961م. حيث بدئ بتوزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام. ب ـ المصحف الثاني:  في سنة 1962م، تم تسجيل قراءة أبي عمرو برواية الدوري، واختير لهذه الرواية ثلاثة من القراء لهدف ذكره الأستاذ لبيب بقوله : ( وقد أشرتُ بأن لا يستأثر قارئ واحد بتسجيل المصحف كاملاً، دفعاً لملل السامعين، واستفادة بأكبر عددٍ من أصحاب المواهب، وتحقيقاً لتكافؤ الفرص) (8).  وهم المشايخ: أ ـ الشيخ فؤاد العروسي. ب ـ الشيخ محمد صديق المنشاوي. ج ـ الشيخ يوسف كامل البهتيمي. ولكن في أثناء التسجيل جاء المنع من شيخ الأزهر الشيخ محمود شتوت خوفاً من اختلاف المسلمين حول أي القراءات أولى. ولكن الأستاذ لبيب بادر بمقابلة الشيخ رحمه الله وأقنعه بالفكرة وأثرها . وتم الانتهاء من تسجيل هذه الراوية في سبتمبر سنة 1963م. = الفرح بنجاح المشروع : كانت فرحة الأستاذ لبيب غامرة بإنجاز هذا المشروع، يقول :  ( وقد ازددتُ إدراكاً لفضل الله عليَّ، وعلى الناس، إذ قدَّرَ لهذا المشروع النجاح، حين كنت خارج مصر، في بلاد بعيدة، أستمع إلى المصحف المرتل، من الإذاعة، أو أستمع إليه، في دور السفارات، والقنصليات العربية... لقد كان ينسلخ عني وقتئذ ـ شأني شأن كل مستمع مسلم عربي ـ الشعور بغربة اللسان أو غربة المكان، وقد حكى لي غير واحد ممن سمعوا المصحف المرتل في ديار الغربة أنهم لم يكونوا يملكون حبس دموعهم تأثراً وفرحاً) (9). = أمانيُّ باقية : كانت أماني الأستاذ لبيب بتنفيذ المشروع على الوجه المخطط له بتسجيل جميع روايات القرآن الكريم، يقول:  ( فليت أن المشروع يتم عاجلاً ، وفق التخطيطات المرسومة له! وليت أن الله صاحبَ الفضل والمنة ينفع بهذا المشروع كما نحب، وخيراً مما نحب! وليت أنه ـ سبحانه ـ يجعل هذا المشروع ـ دائماً ـ عملاً خالصاً تماماً لوجهه الكريم! ) (10). ثانياً: قصة الجمع الصوتي في المدينة النبوية : ذكر الدكتور عبد العزيز القارئ قصة هذا الجمع في المدينة النبوية بأسلوبه المتميز في لقاء شبكة التفسير وأنا أنقل جملاً من كلامه وفقه الله (11): = بداية الفكرة : يقول الدكتور عبد العزيز القارئ: (أهم أمنية علمية قرآنية كنت حريصاً على تحقيقها هي " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " وهذا الهدف الخطير الكبير فكرت فيه أيام تقلدي لعمادة كلية القرآن الكريم بالمدينة النبوية ؛ لأنني نظرت فإذا حولي بالكلية أعلام كبار من علماء القراآت: الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله ، ثم جاء بعده إلى المدينة الشيخ عامر بن السيد عثمان شيخ المقارئ المصرية رحمه الله ، ثم جاء الشيخ أحمد عبد العزيز الزيات رحمه الله، وعُين بمجمع المصحف ، وكان يدرس بكلية القرآن .. وأهل العلم يعرفون إمامة هؤلاء الثلاثة في مجال القراآت ، وكان بالكلية أيضاً الشيخ عبد الفتاح المرصفِي رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمود سيبويه البدوي رحمه الله ، والشيخ محمود جادو رحمه الله ، والشيخ عبد الرافع رضوان حفظه الله وبارك في عمره، وغيرهم ؛ وكان كل هؤلاء علماءَ في القراآت بمرتبة الحجية ، أي كل واحد منهم حجة في هذا الفن؛ وهم يُعدُّون من أهل الطبقة الأولى في هذا العصر ، وبقي من أهل هذه الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي بارك الله في عمره وأمدَّه بالصحة والعافية ، فإنه من طبقة الشيخ عامر والشيخ الزيات ، وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت الكبار من أهل هذه الطبقة .. فلما رأيت اجتماع أولئك الأئمة في القراآت في مكان واحدٍ هو المدينة النبوية؛ وأكثرهم عندي في كلية القرآن أدركت أنها فرصة لا تفوَّت لتحقيق هذا الهدف الكبير وهو "الجمع الصوتي للقراآت المتواترة" ؛ وهو لو تحقق فإنه يُعدُّ بحق الجمع الرابع للقرآن ؛ فإن القرآن جُمِعَ قبلَ ذلك ثلاث مرات ... لكنْ لم يُفكِّر أحدٌ أنه يمكن تسجيل القرآن صوتياً ؛ لأن هذا ارتبط بالتقدم "التكنولوجي" في العصر الحديث حيث تطورت أجهزة الصوتيات بشكل لم يَسْبِقْ له نظيرٌ وأصبح ممكناً تسجيل القراآت كلها صوتياً ؛ وفي تسجيلِ القراآت تسجيلٌ للغات العرب ولهجاتها ، فهو موضوع كبير من جميع جوانبه ). = عوامل نجاح المشروع: يقول الدكتور عبد العزيز وفقه الله : ( لكنَّ مثلَ هذا المشروع الجليل الخطير يتطلب ثلاثة أمور بدونها لا يصبح ذا قيمة علمية تُذكر : 1- توافر الإشراف العلمي الراقي : بوجود مراجع بمرتبة الحجية في القراآت كما مثلت سابقاً ، يشرفون على التسجيل ويراقبونه ؛ لأن القراآت أكثرها أمور صوتية دقيقة قد تخفى حتى على بعض الخواصِّ. 2- توافر الأداء القرآني الراقي : بوجود قرَّاء ذوي أداء مُتْقَنٍ ، وأصوات حسنة، وتنغيم جيد ، وهذا كان متوافراً في طلاب كلية القرآن ، وكان أحسن هؤلاء الذين اخترناهم للمشروع طالبٌ باكستانيٌّ ، تميّزَ بفصاحة الحروف وإتقان التجويد ، وجودة التنغيم ، وحسن الصوت، لكن رئاسة الجامعة وقتها حرصت على ترحيله بمجرد تخرجه ففقد المشروع واحداً من أهم عناصره !! 3- الإرادة الإدارية : فإن مثل هذا المشروع يحتاج إلى إشراف إداري ، وتمويل كاف، وجهة علمية قادرة تتبنى تنفيذه ، وكانت هذه الجهة موجودة وهي كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ...). = بداية المشروع :  يقول وفقه الله : (وأمدَّتنا وزارة الإعلام وقتها بإنشاء "استوديو" للتسجيل في نفس الكلية ، وكان لهذا التبرع السخي أثر كبير دفع المشروع إلى الأمام ؛ وبدأنا نُسجل ونذيع ما نسجله في إذاعة القرآن الكريم باسم " دروس من القرآن الكريم " ؛ حتى يستمع أهل العلم وأهل الاختصاص إلى ما نسجله ويشاركوننا الرأي والمشورة ؛ ونجحت هذه الخطة نجاحاً باهراً .. أخبرني أحد أهم كبار العلماء وأعيانهم وقتذاك فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي ورئيس القضاة بالمدينة النبوية ـ رحمه الله ـ أنه لا تفوته حلقة من حلقات هذا البرنامج ؛ وأنه يستمع إليه دائماً ، وأبدى إعجابه به وبمشايخ القراآت الذين يُديرون الشرح فيه، وخاصة الشيخ محمود سيبويه وقال : حقاً إنه لسيبويه عصره . ولما طلبت من فضيلته أن يزودنا بملحوظاته وتوجيهاته فاجأني بملحوظة دقيقة هامة عن أحد من كان يقوم بالأداء والتلاوة بين يدي المقرئ قال : فلانٌ ممن يقرأ استبعدوه لأن نغمته أعجمية هندية والقرآن عربي. واستبعدناه فعلاً). . = ثم ما ذا حدث للمشروع : يقول الدكتور وفقه الله : ( وبعد انتهاء مدة عمادتي لكلية القرآن الكريم استمرَّ التسجيل فترة من الوقت حتى بلغوا آخر سورة المائدة أو بعدها ثم توقف المشروع) .. = آهات الشيخ عبد العزيز القارئ على المشروع : يقول وفقه الله : (والآن يَعْلُو غبارُ النسيان ذلك "الاستوديو" الذي أنشأته وزارة الإعلام بالكلية ، ويبدو أنه فاتت فرصةٌ ثمينة لتحقيق " الجمع الرابع للقرآن الكريم " الذي هو " الجمع الصوتي للقراآت المتواترة " ؛ لأن معظم أولئك الأئمة الأعلام من علماء القراآت رحلوا إلى الآخرة) .. = ثم سئل وفقه الله : هل يمكن الآن تنفيذ هذا المشروع ؟ فقال: (نعم يمكن ، فإنه كما ذكرتُ سابقاً بقي من أئمة القراآت من أهل الطبقة الأولى بمصر الشيخ إبراهيم شحاته السَّمَنُّودِي أمدّه الله بالصحة والعافية .. وفي الشام عددٌ من أئمة القراآت من أهل هذه الطبقة يُعدُّون في مرتبة الإمامة والحجية، أعرف منهم شيخ مقارئ دمشق الشيخ كريم راجح حفظه الله وبارك في عمره. وهناك كثيرون من القراء الشباب من أهل الطبقة الثانية والثالثة ، لكنَّ هذا المشروع لخطورته وجلالة شأنه وعِظَمِ صلته بالقرآن الكريم لا يكفي أن يباشره مثلُ هؤلاء الأفاضل ؛ لا بد من الأئمة الكبار) . 5- ثم بقيت بعد ذلك المرحلة الخامسة من الجمع : وهو الجمع المرئي للقرآن الكريم(12)، وذلك بتسجيل القرآن الكريم بالصوت والصورة والتدقيق على طريقة الأداء لأن عدداً من الأحكام لا يمكن ملاحظتها إلا بالرؤية والبصر، وهاهم علماء القراءات متوافرون ولله الحمد والمنة ، فليت إحدى المؤسسات الحكومية ترعى هذا المشروع، وأولى تلك المؤسسات هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهو أهل لذلك...   والله تعالى أعلم ... د. فهد بن مبارك الوهبي الاثنين 14 / 11 / 1430هـ ـــــــ حواشي ـــــــــ (1) أغلب ما ذكرته في هذه الترجمة مأخوذ من ترجمة مختصرة لابنه أحمد كما في الرابط : http://www.mazameer.com/vb/t31785-2.html (2) الجمع الصوتي الأول : (101). (3) السابق : (105). (4) السابق : (109). (5) السابق : (110). (6) السابق نفس الصفحة . (7) السابق : (111). (8) السابق : (114). (9) السابق : (499). (10) السابق : (500). (11) انظر لقاء شبكة التفسير مع فضيلته على الرابط :  http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=10331 (12) أشار إلى هذا الجمع واقترحه الدكتور عبد الرحمن الشهري في لقاء تلفزيوني ضمنا في برنامج الوسطية في القناة السعودية الأولى. المصدر: http://www.alwahbi.net/article/1010
    1
    0
    1
  • سورة هود بجودة عالية MP3، مرتلة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي
    سورة هود بجودة عالية MP3، مرتلة بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي
    4
    16 1