موسى عليه السلام في القرآن (5)

 

بقرة بني إسرائيل

 

عُرف عن بني إسرائيل تعنتهم وكثرة سؤالهم لأنبيائهم عليهم السلام، ومن ذلك ما فعلوا لما قُتل فيهم رجل، فأرادوا معرفة قاتله، فسألوا نبيهم موسى عليه السلام، فأجابهم بأن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة.

لم يقف القوم عند هذه الإجابة؛ بل استمروا يسألون نبيهم، ويكثرون في ذلك؛ تعنتاً وتشديداً على أنفسهم، فهل وجدوا البقرة التي ينشدونها؟

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ۝ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ۝ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ۝ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ۝ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: 67 – 71].

الأمر الأول: أن يذبحوا بقرة.

الأمر الثاني: أن تكون صفة البقرة أنها لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك.

ومعنى ذلك: "إنه يقول إنما بقرة لا مسنة هرمة، ولا صغيرة لم تلد؛ ولكنها بقرة نصف قد ولدت بطناً بعد بطن، بين الهرم والشباب." ([1])

وكان هذا الأمر جواباً عن سؤالهم: ما هي؟

الأمر الثالث: أن تكون البقرة بقرة صفراء فاقعة اللون تسر الناظرين.

وكان هذا الأمر جواباً عن سؤالهم: ما لونها؟

الأمر الرابع: أنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها.

" ويعني بقوله: (لا ذلول)، أي لم يذللها العمل، فمعنى الآية: إنها بقرة لم تذللها إثارة الأرض بأظلافها، ولا سني عليها الماء فيسقى عليها الزرع." ([2])

" ويعني بقوله: (تثير الأرض)، تقلب الأرض للحرث." ([3])

واختلف في المراد بقوله: (مسلّمة):

  • قيل: لا بياض فيها ولا سواد.
  • مسلّمة من العيوب. ([4])

"يعني بقوله: (لا شية فيها)، لا لون فيها يخالف لون جلدها." ([5])

وكان هذا الأمر جواباً عن سؤالهم: ما هي؟ إن البقر تشابه علينا.

وفي نهاية الأمر وجدوها، فذبحوها، وما كادوا يفعلون.

 

استعمال البقرة في الكشف عن القاتل

 

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ۝ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 72 – 73].

"يعني بقوله جل ثناؤه: (وإذ قتلتم نفساً)، واذكروا يا بني إسرائيل إذ قتلتم نفساً.

والنفس التي قتلوها، هي النفس التي ذكرنا قصتها في تأويل قوله: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة).

وقوله: (فادّارأتم فيها)، يعني فاختلفتم وتنازعتم." ([6])

" فكان اختلافهم وتنازعهم وخصامهم بينهم - في أمر القتيل الذي ذكرنا أمره، على ما روينا من علمائنا من أهل التأويل – هو الدرء الذي قال الله جل ثناؤه لذريتهم وبقايا أولادهم: (فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون)." ([7])

" قال أبو جعفر: يعني جل ذكره بقوله: فقلنا لقوم موسى الذين ادارءوا في القتيل - الذي قد تقدم وصفنا أمره -: اضربوا القتيل.

والهاء التي في قوله: (اضربوه) من ذكر القتيل؛ (ببعضها) أي: ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها." ([8])

واختلف في الجزء من البقرة الذي أُمروا بأن يضربوا به القتيل.

والصواب كما قال ابن جرير الطبري: "أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة؛ ليحيا المضروب، ولا دلالة في الآية، ولا في خبر تقوم به حجة، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به، وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف، وغير ذلك من أبعاضها، ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها فأحياه الله.

 

قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟ قيل: ليحيا فينبئ نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه من قاتله." ([9])

دلالة قصة البقرة على البعث:

"قال أبو جعفر: وقوله: (كذلك يحيى الله الموتى)، مخاطبة من الله عباده المؤمنين، واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا، فقال لهم تعالى ذكره: أيها المكذبون بالبعث بعد الممات، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته، فإني كما أحييته في الدنيا، فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم، فأبعثهم يوم البعث.

وإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب، وهم قوم أميون لا كتاب لهم؛ لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم، وفيهم نزلت هذه الآيات، فأخبرهم جل ذكره بذلك، ليتعرفوا علم من قِبَلَهم." ([10])

 

قلوب كالحجارة أو أشد قسوة

 

قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: 74].

بيّن الله تعالى في هذه الآية الكريمة قسوة قلوب بني إسرائيل بعد أن أحيا الله قتيلهم. ([11])

ووصفها بأنها كالحجارة أو أشد قسوة.

ويعني بقوله: (فهي): قلوبكم.

يقول: ثم صلبت قلوبكم -بعد إذ رأيتم الحق فتبينتموه وعرفتموه- عن الخضوع له والإذعان لواجب حق الله عليكم، فقلوبكم كالحجارة صلابة ويبساً وغلظاً وشدة، أو أشد قسوة، يعني: قلوبهم - عن الإذعان لواجب حق الله عليهم، والإقرار له باللازم من حقوقه لهم- أشد صلابة من الحجارة.

فإن سأل سائل فقال: وما وجه قوله: (فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، و (أو) عند أهل العربية، إنما تأتي في الكلام لمعنى الشك، والله تعالى جل ذكره غير جائز في خبره الشك؟

قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي توهمته، من أنه شك من الله جل ذكره فيما أخبر عنه؛ ولكنه خبر منه عن قلوبهم القاسية، أنها - عند عباده الذين هم أصحابها، الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا العظيم من آيات الله - كالحجارة قسوة أو أشد من الحجارة، عندهم وعند من عرف شأنهم." ([12])

 

تحريف بني إسرائيل لكتاب الله تعالى

 

قال تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ۝ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۝ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۝ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ۝ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: 75 – 79].

وقال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: 13].

اختُلف في الكلام الذي حرّفه بنو إسرائيل ووصفته هذه الآيات الكريمة.

وقال الطبري: "وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية، وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة، ما قاله الربيع بن أنس، والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم: من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل، سماع موسى إياه منه، ثم حرف ذلك وبدل، من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه.

وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله عز وجل، استعظاماً من الله لما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذاناً منه تعالى ذكره عبادَه المؤمنين، قطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى، فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم - بالذي تخبرونهم من الأنباء عن الله عز وجل - عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم، أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق، وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم - وأقرب إلى أن يحرفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدلوه، وهم به عالمون، فيجحدوه ويكذبوا - من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف." ([13])

 

قارون

 

من الشخصيات التي خُصت بالحديث في قصة موسى عليه السلام في القرآن الكريم: قارون.

وقد أخبر عنه القرآن بأنه كان من قوم موسى فبغى عليهم.

فما هو سبب بغيه؟ ولماذا خُص بالذكر؟ وما هو مصيره؟

قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ۝ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ۝ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ۝ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۝ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ۝ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ۝ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ۝ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 76 – 83].

كان بغي قارون على قومه بتجاوز حده في الكبر، والتجبر عليهم، وقيل: كان بغيه عليهم زيادة شبر أخذها في طول ثيابه، وقيل: كان بغيه عليهم بكثرة ماله. ([14])

الكنوز ومفاتحها الثقيلة:

"يقول تعالى ذكره: وآتينا قارون من كنوز الأموال ما إن مفاتحه، وهي جمع مفتح، وهو الذي يفتح به الأبواب.

وقال بعضهم: عنى بالمفاتح في هذا الموضع: الخزائن لِتُثْقِل العصبة." ([15])

من هم الفرحون الذين لا يحبهم الله؟

قد يشكل على بعضهم أن الله لا يحب الفرحين كما قال قوم قارون له.

بينما في آية أخرى يقول الله تعالى واصفاً الشهداء: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [آل عمران: 169 – 170].

ويتضح من خلال السياق وتفسير الآية الكريمة أن الفرحين الذين لا يحبهم الله هم الأشرون البطرون.

قال ابن جرير الطبري: " وقوله: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) يقول: إذ قال قومه: لا تبغ ولا تَبْطَر فرحاً، إن الله لا يحبّ من خلقه الأشِرِين البَطِرين." ([16])

تعالي قارون ونسبة الكنوز والخيرات إلى علم عنده:

"يقول تعالى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنما أوتيتُ هذه الكنوز على فضل علم عندي، علمه الله مني، فرضي بذلك عني، وفضلني بهذا المال عليكم؛ لعلمه بفضلي عليكم." ([17])

" وقد قيل: إن معنى قوله: (عِنْدِي) بمعنى: أرى، كأنه قال: إنما أوتيته لفضل علمي، فيما أرى.

وقوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) يقول جل ثناؤه: أو لم يعلم قارون حين زعم أنه أوتي الكنوز لفضل علم عنده علمته أنا منه، فاستحقّ بذلك أن يُؤتى ما أُوتي من الكنوز، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم من هو أشد منه بطشاً، وأكثر جمعا للأموال، ولو كان الله يؤتي الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده، ولرضاه عنه، لم يكن يهلك من أهلك من أرباب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالاً؛ لأن من كان الله عنه راضياً، فمحال أن يهلكه الله، وهو عنه راضٍ، وإنما يهلك من كان عليه ساخطاً." ([18])

فما كان جزاء كفره وأشره وبطره؟

قال تعالى: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: 81].

 

بنو إسرائيل من بعد موسى

 

ما هو حال بني إسرائيل من بعد موسى؟ وهل تغيرت أطباعهم؟ وتبدلت أفعالهم؟

قال تعالى: قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ۝ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 246 – 247].

"قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ألم ترَ)، ألم ترَ يا محمد، بقلبك، فتعلم بخبري إياك، يا محمد إلى الملأ، يعني: إلى وجوه بني إسرائيل وأشرافهم ورؤسائهم، (من بعد موسى)، يقول: من بعد ما قبض موسى فمات، إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله." ([19])

عهد بالقتال ضد العدو:

" قال النبي الذي سألوه أن يبعث لهم ملكاً يقاتلوا في سبيل الله: (هل عسيتم)، هل، تعدون إن كتب، يعني: إن فرض عليكم القتال ألا تقاتلوا، يعني: أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم، من الجهاد في سبيله، فإنكم أهل نكث وغدر وقلة وفاء بما تعدون؟ قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله، يعني: قال الملأ من بني إسرائيل لنبيهم ذلك: وأي شيء يمنعنا أن نقاتل في سبيل الله عدونا وعدو الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، بالقهر والغلبة؟" ([20])

فهل أوفى بنو إسرائيل بالعهد وأنفذوا الوعد؟

﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 246].

وكما هي عادة اليهود، في الحسد وتفضيل ذواتهم على غيرهم، لما بلغهم نبيهم ببعث طالوت ملكاً عليهم، قالوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة: 247].

وكأنما هذا الموقف يذكرنا بموقف إبليس وحسده لآدم؛ إذ قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الأعراف: 12].

 

التابوت وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون

 

قال تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 248].

" قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره عن نبيه الذي أخبر عنه به، دليل على أن الملأ من بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول، لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكاً إذ أخبرهم نبيهم بذلك، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها؛ ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به.

فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: (والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم)، فقالوا له: ما آية ذلك إن كنت من الصادقين؟

(قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت).

وهذه القصة وإن كانت خبراً من الله تعالى ذكره عن الملإ من بني إسرائيل ونبيهم، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكاً يقاتلون معه في سبيله، ونبأً عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله، من الجهاد في سبيل الله، بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه، وفتح الله على القليل من الفئة، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه؛ فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوته، بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي، مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقية نبوته، وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكاً عليهم، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم." ([21])

علامة الملك هي التابوت:

"قوله: (إن آية ملكه): إن علامة ملك طالوت التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي: إن الله بعثه عليكم ملكاً، وإن كان من غير سبط المملكة (أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم)، وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدواً لهم قدموه أمامهم، وزحفوا معه، فلا يقوم لهم معه عدو، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم، حتى ضيعوا أمر الله، وكثر اختلافهم على أنبيائهم، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة، يرده إليهم في كل ذلك، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم، ولن يرد إليهم آخر الأبد." ([22])

 

وصف التوراة في القرآن الكريم

 

يصور القرآن الكريم الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام، بصفات جليلة عظيمة: (إمام، رحمة، هدى، نور، تمام على الذي أحسن وتفصيلاً لكل شيء).

ولما كان من لوازم وجود هذه الصفات في الكتاب، أن يلتزم به أتباعه، إلا أن بني إسرائيل لم يرعوه حق رعايته؛ بل جعلوه – كما صور القرآن فعلهم- قراطيس يبدونها ويخفون كثيراً.

قال تعالى: ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف: 12].

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44].

قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنعام: 91].

"يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لمشركي قومك القائلين لك: (ما أنزل الله على بشر من شيء) قل: (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا)، يعني: جلاءً وضياء من ظلمة الضلالة وهدى للناس، يقول: بيانًا للناس، يبين لهم به الحق من الباطل فيما أشكل عليهم من أمر دينهم (تجعلونه قراطيس تبدونها).

فمن قرأ ذلك: (تَجْعَلُونَهُ)، جعله خطاباً لليهود على ما بيّنت من تأويل من تأوّل ذلك كذلك.

ومن قرأه بالياء: (يَجْعَلُونَهُ)، فتأويله في قراءته: يجعله أهله قراطيس، وجرى الكلام في (يبدونها) بذكر القراطيس، والمراد منه المكتوب في القراطيس، يراد: يبدون كثيراً مما يكتبون في القراطيس فيظهرونه للناس، ويخفون كثيراً مما يثبتونه في القراطيس فيسرُّونه ويكتمونه الناس.

ومما كانوا يكتمونه إياهم، ما فيها من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته." ([23])

 

لم تؤذونني؟

(سؤال موسى عليه السلام لقومه)

 

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: 5].

لم يكن نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً من الرسل، ولم يكن النبي الوحيد الذي أوذي من قِبل قومه.

يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام أنه قال لقومه:

(لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم) أي:

لم توصلون الأذى إلي وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟

وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم.

وأمر له بالصبر ولهذا قال (رحمة الله على موسى: لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) [صحيح البخاري ح 3405، صحيح مسلم ح 1062]

وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم أو يوصلوا إليه أذى كما قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً﴾ [الأحزاب: 69]." ([24])

 

عبر وهدايات من قصة موسى عليه السلام

 

من أكثر القصص القرآني وروداً، قصة موسى عليه السلام، فقد ورد ذكره في طفولته، مع أمه، ومع أخته، ومع فرعون وامرأته، كما ورد ذكره في شبابه لما دخل المدينة خائفاً يترقب، وخرج منها خائفاً يترقب، ولما توجه تلقاء مدين، وما كان من حسن خلقه مع ابنتي شعيب.

قص علينا القرآن الكريم نجاته من القوم الظالمين، وكيف حاجّ فرعون والسحرة بما أيده الله به من معجزات، فقارعهم وحجّهم.

وما كان من انشقاق البحر، وغرق فرعون وقومه وكيف رأى بنو إسرائيل نصرة الحق رأي العين.

وما لبثوا أن نكسوا على رؤوسهم فعبدوا العجل لما عجل موسى للقاء ربه.

قصة كهذه لا ريب في اشتمالها على آيات بينات، وعظات واضحات، وعبر ساطعات، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ومنها:

أولاً: سنة الله قضت أن الأرض لله يرثها عباده الصالحون:

قال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].

ثانياً: التقليد الأعمى يعطل العقول ويسلب الألباب:

قال تعالى: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۝ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 138 – 139].

وقال تعالى: ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ۝ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ۝ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: 85- 87].

ثالثاً: من أدركته عناية الله كانت له حصناً حصيناً وإن كان أهل الشر من حوله مجتمعين:

قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ۝ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38 – 39].

رابعاً: عادة أهل الباطل والطغيان مجابهة الحجة بالقوة والطول لا بالفكر والعقل:

قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ۝ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 36 – 37].

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص: 38].

 

الخضر والعلم اللدني

 

من الأخبار التي قصها القرآن عن موسى عليه السلام؛ لقاؤه برجل عند مجمع البحرين، عنده من العلم ما ليس عند نبي الله وكليمه موسى عليه السلام.

قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ۝ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ۝ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ۝ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ۝ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ۝ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ [الكهف: 60 – 65].

"وقوله: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) يقول: وهبنا له رحمة من عندنا (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) يقول: وعلمناه من عندنا أيضا علماً." ([25])

ويدل أن العلم آتاه اللهُ الخضرَ علم لدني، قوله: (من لدنّا).

 

حد الأعذار

 

يصف القرآن الكريم رحلة موسى والخضر عليهما السلام، ويكشف تفاصيلها، وقد مرت بثلاث محطات رئيسة، هي:

أولاً: خرق السفينة.

ثانياً: قتل الغلام.

ثالثاً: إقامة جدار غلامين يتيمين في قرية أبى أهلها أن يضيفوهما.

قال تعالى: ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ۝ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ۝ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ۝ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ۝ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ۝ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ۝ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ۝ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ۝ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ۝ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ۝ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ۝ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: 66 – 77].

وقد ذكر الخضر لموسى عليه السلام قبل مضيهما في هذه الرحلة أنه لن يستطيع معه صبراً، وتعليل الخضر هذا دليل على أنه كان رجلاً يعلم الغيب، فقد علم أن موسى عليه السلام لن يصبر على ما يرى من الأفعال، كما روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما. ([26])

وقد سأله موسى عليه السلام في الأولى، فذكّره بما قال له، وسأله في الثانية فذكّره مرة أخرى، فقال له موسى عليه السلام: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ [الكهف: 76]، ولما سأل كليم الله عن الثالثة، قال له: هذا فراق بيني وبينك.

ونبأه بتأويل الأحداث التي مرت بهما، وفسرها له، فما هو هذا التأويل؟

 

تأويل ما لم يستطع عليه موسى صبراً

(ما الذي دفع الخضر لفعل ما فعل؟)

 

قال تعالى: ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ۝ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ۝ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۝ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ۝ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف: 78 – 82].

المراد بالتأويل هنا:

"(سَأُنَبِّئُكَ) يقول: سأخبرك، (بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)، يقول: بما يؤول إليه عاقبة أفعالي التي فعلتها، فلم تستطع على تَرك المسألة عنها، وعن النكير علي فيها صبراً، والله أعلم." ([27])

كان تأويل الأحداث كالتالي:

أولاً: تأويل خرق السفينة:

كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً. ([28])

فلما خرقها -دون إتلاف- كان في ذلك إنقاذاً لأهلها، وحفظاً لسفينتهم.

ثانياً: تأويل قتل الغلام:

كان أبواه مؤمنين، وكره أن يرهقهما طغياناً وكفراً.

وقد من الله عليهما بمن هو أقرب لهما رحماً، وقيل: إنها كانت جارية. ([29])

ثالثاً: تأويل إقامة جدار غلامين يتيمين في قرية أبى أهلها أن يضيفوهما:

  • يتم الغلامين.
  • وجود كنز لهما تحت الجدار الذي كاد أن ينقض.
  • صلاح أبيهما.
  • حفظ الله تعالى ورعايته التامة للغلامين اليتيمين، فيبلغا أجلهما، ويستخرجا كنزهما.

رحمة من ربنا تبارك وتعالى، وليس للخضر فيها إلا العمل بمقتضى أوامره سبحانه.

قصة موسى والخضر في السنة النبوية:

(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَ أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا. فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ . فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ اللهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً ، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ ، فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾ [الكهف: 63] ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: 64] فَوَجَدَا خَضِرًا ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ). [صحيح البخاري 74].

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 2/ 197، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 212.

([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 213.

([4]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 214.

([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 215.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 2/ 222، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 228.

([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 229.

([9]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 231.

([10]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 232.

([11]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 2/ 233، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 2/ 234 - 235.

([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 2/ 247 - 248، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([14]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 616، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([15]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 617.

([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 622.

([17]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 626.

([18]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 19/ 626.

([19]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 5/ 291، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([20]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 5/ 300.

([21]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 5/ 315 - 316، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([22]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 5/ 316.

([23]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 11/ 526 - 527، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([24]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 7/ 266، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([25]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 62، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([26]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 71، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([27]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 82، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([28]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 84.

([29]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 86.