موسى عليه السلام في القرآن (2)
بين الطور وقبس من النار والنور
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [القصص: 29].
وقال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾ [طه: 9 – 10].
" قد تقدم في تفسير الآية قبلها أن موسى عليه السلام قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأبقاهما، وقد يستفاد هذا أيضاً من الآية الكريمة حيث قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ [القصص: 29] أي الأكمل منهما، والله أعلم.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قضى عشر سنين وبعدها عشراً أخر، وهذا القول لم أره لغيره، وقد حكاه عنه ابن أبي حاتم وابن جرير، فالله أعلم.
وقوله: وسار بأهله قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله، فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه، فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة، فنزل منزلاً، فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئاً، فتعجب من ذلك، فبينما هو كذلك آنس من جانب الطور ناراً أي رأى ناراً تضيء على بعد فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا أي حتى أذهب إليها لعلي آتيكم منها بخبر؛ وذلك لأنه قد أضل الطريق أو جذوة من النار أي قطعة منها لعلكم تصطلون أي تستدفئون بها من البرد." ([1])
" قوله: ﴿لعلّكُم تَصْطَلُون﴾ [النمل: 7] دل على وجود البرد، وقوله: (بقبس) دل على وجود الظلام، وقوله: (أو أجد على النار هدى) أي من يهديني الطريق، دل على أنه قد تاه عن الطريق." ([2])
فماذا ينتظر موسى عليه السلام عند الطور؟ وهل سيجد ناراً؟ أم نوراً؟
الوادي المقدس
لم يكن المكان الذي ذهب إليه موسى عليه السلام مكاناً عادياً؛ بل كان كما وصفه الله تبارك وتعالى: (بقعة مباركة)، (الوادي المقدس).
والقبس الذي أمل في نقله لأهله لم يكن قبساً نارياً، والهدى الذي انتظره لم يكن كأي هدى، كان نوراً من هدي الوحي والرسالة، لا لتصطلي به الأجساد؛ بل لتضيء بنوره العقول والأفئدة.
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص: 30].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ [طه: 11 – 16].
"يقول تعالى: فلما أتاها أي النار، واقترب منها (نودي يا موسى) وفي الآية الأخرى: ﴿نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ﴾ [القصص: 30].
وقال هاهنا: إني أنا ربك أي الذي يكلمك ويخاطبك، (فاخلع نعليك) قال علي بن أبي طالب وأبو ذر وأبو أيوب وغير واحد من السلف: كانتا من جلد حمار غير ذكي، وقيل: إنما أمره بخلع نعليه تعظيماً للبقعة، وقال سعيد بن جبير: كما يؤمر الرجل أن يخلع نعليه إذا أراد أن يدخل الكعبة، وقيل: ليطأ الأرض المقدسة بقدميه حافياً غير منتعل، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وقوله: (طوى) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو اسم للوادي، وكذا قال غير واحد، فعلى هذا يكون عطف بيان، وقيل: عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه، وقيل: لأنه قدس مرتين، وطوى له البركة وكررت، والأول أصح كقوله: ﴿إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالوادِ المقَدّسِ طُوَى﴾ [النازعات: 16].
وقوله: (وأنا اخترتك) كقوله: ﴿إنّي اصطَفَيتُكَ عَلى النَّاسِ برسالاتي وبكَلامِي﴾ [الأعراف: 144] أي: على جميع الناس من الموجودين في زمانه." ([3])
فكان الوحي: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ [طه: 14 – 16].
العصا واليد
(من معجزات كليم الله موسى عليه السلام)
يؤيد الله أنبياءه عليهم السلام بالمعجزات والأدلة والبينات الدالة على صدقهم فيما يدعون إليه من توحيد الله عز وجل، وما يلزم هذه الدعوة من اتباع أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وقد كان لكل نبي معجزة تختلف عن غيره من الأنبياء، فتناسب قومه الذين بُعث فيهم، ويجمع بين هذه المعجزات صفة مشتركة: أنها تبهت القوم وتعجزهم، فلا يستطيعون لها رداً ولا هم عليها ينتصرون؛ إلا أن أكثر الأقوام بها كافرون، ومنهم بها مؤمنون، وقليل ما هم.
قال تعالى: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [القصص: 31 – 32].
وقال تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: 17 – 24].
وما تلك بيمينك يا موسى؟
"لعل قائلاً أن يقول: وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالماً بأن الذي في يده عصا؟ قيل له: إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عز ذكره له إذا أراد أن يحولها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه عليها، وقرره بأنها خشبة يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه؛ ليعرفه قدرته على ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفاذ أمره فيما أحب بتحويله إياها حية تسعى، إذا أراد ذلك به ليجعل ذلك لموسى آية مع سائر آياته إلى فرعون وقومه." ([4])
عصا تنقلب إلى حية:
"قال الله لموسى: ألقِ عصاك التي بيمينك يا موسى، يقول الله جل جلاله: فألقاها موسى، فجعلها الله حية تسعى، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة، وعصا يتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فصارت حية بأمر الله." ([5])
"وقوله: (قال خذها ولا تخف) يقول تعالى ذكره قال الله لموسى: خذ الحية، والهاء والألف من ذكر الحية (ولا تخف) يقول: ولا تخف من هذه الحية يقول: (سنعيدها سيرتها الأولى) يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن نصيرها حية، ونردها عصا كما كانت.
يقال لكل من كان على أمر فتركه، وتحول عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولى، وعاد لسيرته الأولى، وعاد إلى سيرته الأولى." ([6])
معجزة اليد:
"يقول تعالى ذكره: واضمم يا موسى يدك، فضعها تحت عضدك، والجناحان هما اليدان." ([7])
" وقوله: (تخرج بيضاء من غير سوء) ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلاً آدم، فأدخل يده في جيبه، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلج، ثم ردها، فخرجت كما كانت على لونه." ([8])
كانت هذه آيات موسى عليه السلام، يواجه بها فرعون الطاغية كما أمره الله عز وجل، فما هو جواب موسى عليه السلام؟ وما الذي يحتاجه لمجابهة طغيان فرعون وقومه؟
ربّ اشرح لي صدري
(الزاد الذي تقوّى به موسى عليه السلام)
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [طه: 25 – 28].
"(قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به، فإنه قد أمره بأمر عظيم وخطب جسيم، بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك وأجبرهم وأشدهم كفراً، وأكثرهم جنوداً، وأعمرهم ملكاً، وأطغاهم وأبلغهم تمرداً.
بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله، ولا يعلم لرعاياه إلهاً غيره، هذا وقد مكث موسى في داره مدة وليداً عندهم في حجر فرعون على فراشه، ثم قتل منهم نفساً فخافهم أن يقتلوه، فهرب منهم هذه المدة بكمالها، ثم بعد هذا بعثه ربه عز وجل إليهم نذيراً يدعوهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له، ولهذا قال: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) أي إن لم تكن أنت عوني ونصيري وعضدي وظهيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك (واحلل عقدة من لساني) يفقهوا قولي وذلك لما كان أصابه، من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، كما سيأتي بيانه، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العي، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال؛ ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقية، قال الله تعالى إخباراً عن فرعون أنه قال: ﴿أمْ أَنا خَيرٌ من هذا الذي هُوَ مَهِينٌ ولا يكادُ يُبين﴾ [الزخرف: 52] أي يفصح بالكلام." ([9])
الأخ
(لسانك إذا خذلك منطق وعضدك إذا لم تقوَ على حِملك يداك)
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: 33 – 35].
وقال تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه: 29 – 35].
"قوله: (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي): وهذا أيضاً سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه، وهو مساعدة أخيه هارون له.
قال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: فنبئ هارون ساعتئذ حين نبىء موسى عليهما السلام." ([10])
"وإنما يعني بقوله: (اشدد به أزري) قو ظهري، وأعني به، يقال منه: قد أزر فلان فلاناً: إذا أعانه وشد ظهره." ([11])
"وقوله: (وأشركه في أمري) يقول: واجعله نبياً مثل ما جعلتني نبياً، وأرسله معي إلى فرعون." ([12])
كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً:
"يقول: كي نعظمك بالتسبيح لك كثيراً (ونذكرك كثيراً) فنحمدك (إنك كنت بنا بصيراً) يقول: إنك كنت ذا بصر بنا لا يخفى عليك من أفعالنا شيء." ([13])
قد أوتيت سؤلك يا موسى
طلب موسى عليه السلام من ربه عز وجل أن يؤيده بأخيه هارون، ويجعله له وزيراً، فيشدّ به أزره، ويشركه في أمره.
وقد أجاب الله عز وجل طلب نبيه الكريم، وآتاه سؤله، وبعث معه أخاه هارون إلى فرعون وقومه.
وتلك كانت منة أخرى.
قال تعالى: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ [طه: 36 – 37].
"يقول تعالى ذكره: قال الله لموسى صلى الله عليه وسلم: قد أعطيت ما سألت يا موسى ربك من شرحه صدرك وتيسيره لك أمرك، وحل عقدة لسانك، وتصيير أخيك هارون وزيراً لك، وشد أزرك به، وإشراكه في الرسالة معك.
(ولقد مننا عليك مرة أخرى) يقول تعالى ذكره: ولقد تطولنا عليك يا موسى قبل هذه المرة مرة أخرى." ([14])
ولما كانت هذه الإجابة لطلب موسى عليه السلام وسؤله منة أخرى، فما هي الأولى؟
وهل كانت منة واحدة؟ أم عدداً من النعم والمنن؟
تذكير المولى بالمنة الأولى
(ولتصنع على عيني)
يذكّر اللهُ تعالى نبيَّه موسى عليه السلام بما امتن عليه قبل هذه المنة الأخرى.
قال تعالى: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: 38 – 39].
"هذه إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل، وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه؛ لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان، فاتخذت له تابوتاً، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل، وتمسكه إلى منزلها بحبل، فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [القصص: 10].
فذهب به البحر إلى دار فرعون.
﴿فالتَقَطَهُ آل فِرعَونَ لِيكونَ لهم عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [القصص: 8] أي قدراً مقدوراً من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذراً من وجود موسى، فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون، ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له، ولهذا قال تعالى: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ [طه: 39] أي عند عدوك جعلته يحبك، قال سلمة بن كهيل (وألقيت عليك محبة مني) قال: حببتك إلى عبادي.
(ولتصنع على عيني) قال أبو عمران الجوني: تربى بعين الله، وقال قتادة: تغذى على عيني.
وقال معمر بن المثنى: ولتصنع على عيني بحيث أرى، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف، وغذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة." ([15])
ثم جئت على قدر يا موسى
(موعد الرسالة)
قال تعالى: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾ [طه: 40].
لم تكن منة الله على موسى منة واحدة فقط؛ بل كانت عدداً من النعم والمنن، ومنها:
- إعادته إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن.
- نجاته من الغم بعد أن قتل نفساً من غير قصد.
" قوله: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله) يقول تعالى ذكره: حين تمشي أختك تتبعك حتى وجدتك، ثم تأتي من يطلب المراضع لك، فتقول: هل أدلكم على من يكفله؟ وحذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله: (إذ تمشي أختك) استغناء بدلالة الكلام عليه." ([16])
" وقوله: (فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن) يقول تعالى ذكره: فرددناك إلى أمك بعد ما صرت في أيدي آل فرعون، كيما تقر عينها بسلامتك ونجاتك من القتل والغرق في اليم، وكيلا تحزن عليك من الخوف من فرعون عليك أن يقتلك." ([17])
"وقوله: (وقتلت نفساً) يعني جل ثناؤه بذلك: قتله القبطي الذي قتله حين استغاثه عليه الإسرائيلي، فوكزه موسى.
وقوله: (فنجيناك من الغم) يقول تعالى ذكره: فنجيناك من غمك بقتلك النفس التي قتلت، إذ أرادوا أن يقتلوك بها فخلصناك منهم، حتى هربت إلى أهل مدين، فلم يصلوا إلى قتلك وقودك.
وكان قتله إياه فيما ذكر خطأ." ([18])
المراد بقوله: (وفتنّاك فتوناً):
اختُلف فيه على أقوال:
- ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختباراً.
- أخلصناك إخلاصاً.
وذكر ابن جرير الطبري أن الفتنة هي: الابتلاء والاختبار. ([19])
"وقوله: (فلبثت سنين في أهل مدين) وهذا الكلام قد حذف منه بعض ما به تمامه اكتفاء بدلالة ما ذكر عما حذف.
ومعنى الكلام: وفتناك فتوناً، فخرجت خائفاً إلى أهل مدين، فلبثت سنين فيهم.
وقوله: (ثم جئت على قدر يا موسى) يقول جل ثناؤه: ثم جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلى فرعون رسولاً ولمقداره." ([20])
واصطنعتك لنفسي
قال تعالى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه: 41 – 42].
بعد أن ذكر الله عز وجل نبيه بمنته عليه، زاده تشريفاً وإكراماً بقوله له: (واصطنعتك لنفسي).
فما هو المراد بذلك؟
"يقول تعالى ذكره: (واصطنعتك لنفسي) أنعمت عليك يا موسى هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك، واختياراً لرسالتي والبلاغ عني، والقيام بأمري ونهيي.
(اذهب أنت وأخوك) هارون (بآياتي) يقول: بأدلتي وحججي.
اذهبا إلى فرعون بها إنه تمرد في ضلاله وغيه، فأبلغاه رسالاتي.
(ولا تنيا في ذكري) يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما.
فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما؛ لأنكما إذا ذكرتماني، ذكرتما مني عليكما نعماً جمة، ومننا لا تحصى كثرة، يقال منه: ونى فلان في هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف، وهو يني ونياً كما قال العجاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غَبَر " ([21])
حسن الخطاب والمقال حتى مع العدو الضال
قال تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 42 – 44].
للدعوة آداب، وللخطاب مراتب ودرجات، ويحسن استفتاح الخطاب بالقول اللين وإن كان المخاطب عدواً، أو ضالاً، أو اجتمعت فيه العداوة والضلالة والطغيان.
"يقول تعالى ذكره لموسى وهارون: فقولا لفرعون قولاً لينا، ذكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له، هو أن يكنياه." ([22])
وقيل في معنى: (القول اللين هنا) أقوال أخرى:
- قول: لا إله إلا الله.
- قول: إن لك رباً ولك معاداً، وإن بين يديك جنة وناراً. ([23])
لعله يتذكر أو يخشى:
"اختلف في معنى قوله: (لعله) في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناها ها هنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى: (فقولا له قولاً ليناً)، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه." ([24])
"وقال آخرون: معنى لعل هاهنا: كي، ووجهوا معنى الكلام إلى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى) فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بمعنى: لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدى، بمعنى: لنتغدى، أو حتى نتغدى، ولكلا هذين القولين وجه حسن، ومذهب صحيح." ([25])
وإذا كان الخطاب الحسن والقول اللين مطلوباً مع فرعون الطاغية، فكيف بمن هو دونه؟
وفي ذلك يقول ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين." ([26])
لا خوف فالله يسمع ويرى
قال تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: 45 – 46].
"يقول تعالى إخباراً عن موسى وهارون عليهما السلام، أنهما قالا مستجيرين بالله تعالى شاكيين إليه: إننا نخاف أن يفرط علينا (أو أن يطغى) يعنيان: أن يبدر إليهما بعقوبة أو يعتدي عليهما، فيعاقبهما وهما لا يستحقان منه ذلك.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (أن يفرط) يعجل.
وقال مجاهد: يبسط علينا.
وقال الضحاك عن ابن عباس أو أن يطغى: يعتدي." ([27])
فكان الوعد الرباني: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى).
قال ابن جرير الطبري: "يقول الله تعالى ذكره: قال الله لموسى وهارون (لا تخافا) فرعون (إِنَّنِي مَعَكُمَا) أعينكما عليه، وأبصركما (أسمَعُ) ما يجري بينكما وبينه، فأفهمكما ما تحاورانه به (وأرَى) ما تفعلان ويفعل، لا يخفى عليّ من ذلك شيء (فَأْتِيَاهُ فَقُولا لَهُ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)." ([28])
وقال ابن كثير: "قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى أي لا تخافا منه، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى علي من أمركم شيء، واعلما أن ناصيته بيدي، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي." ([29])
وكفى بربك هادياً ونصيراً.
السلام على من اتبع الهدى
قال تعالى: ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [طه: 47 – 48].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الأعراف: 104 – 105].
"يخبر تعالى عن مناظرة موسى لفرعون وإلجامه إياه بالحجة وإظهاره الآيات البينات بحضرة فرعون وقومه من قبط مصر، فقال تعالى: (وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين) أي أرسلني الذي هو خالق كل شيء وربه ومليكه، (حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق) فقال بعضهم: معناه حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق، أي جدير بذلك وحري به، قالوا: والباء وعلى يتعاقبان يقال رميت بالقوس وعلى القوس، وجاء على حال حسنة وبحال حسنة.
وقال بعض المفسرين: معناه حريص على أن لا أقول على الله إلا الحق، وقرأ آخرون من أهل المدينة: (حقيق علي) بمعنى واجب وحق علي ذلك أن لا أخبر عنه إلا بما هو حق وصدق، لما أعلم من عز جلاله وعظيم شأنه.
(قد جئتكم ببينة من ربكم) أي بحجة قاطعة من الله أعطانيها دليلاً على صدقي فيما جئتكم به فأرسل معي بني إسرائيل أي أطلقهم من أسرك وقهرك، ودعهم وعبادة ربك وربهم فإنهم من سلالة نبي كريم إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن." ([30])
"قوله: (قد جئناك بآية من ربك) أي بدلالة ومعجزة من ربك والسلام على من اتبع الهدى أي والسلام عليك إن اتبعت الهدى." ([31])
ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
(توظيف الأدلة المشاهدة في المحاجة منهج نبوي)
لم يكن إبراهيم عليه السلام النبي الوحيد الذي وظف المشاهد الكونية في الاستدلال على وجود الله تعالى؛ بل سار على هذا النهج الأنبياء الكرام، ومنهم موسى عليه السلام.
قال تعالى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 49 – 55].
" يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى منكراً وجود الصانع الخالق إله كل شيء وربه ومليكه، (قال فمن ربكما يا موسى) أي الذي بعثك وأرسلك من هو، فإني لا أعرفه وما علمت لكم من إله غيري (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى)." ([32])
فما بال القرون الأولى؟ ولمَ استعلم عنهم فرعون في هذا المقام؟
"يقول تعالى ذكره: قال فرعون لموسى، إذ وصف موسى ربه جل جلاله بما وصفه به من عظيم السلطان، وكثرة الإنعام على خلقه والأفضال: فما شأن الأمم الخالية من قبلنا لم تقر بما تقول، ولم تصدق بما تدعو إليه، ولم تخلص له العبادة؛ ولكنها عبدت الآلهة والأوثان من دونه، إن كان الأمر على ما تصف من أن الأشياء كلها خلقه، وأنها في نعمه تتقلب، وفي مننه تتصرف، فأجابه موسى فقال: علم هذه الأمم التي مضت من قبلنا فيما فعلت من ذلك، عند ربي في كتاب: يعني في أم الكتاب، لا علم لي بأمرها، وما كان سبب ضلال من ضل منهم فذهب عن دين الله (لا يضل ربي) يقول: لا يخطئ ربي في تدبيره وأفعاله، فإن كان عذب تلك القرون في عاجل، وعجل هلاكها، فالصواب ما فعل، وإن كان أخر عقابها إلى القيامة، فالحق ما فعل، هو أعلم بما يفعل، لا يخطئ ربي (ولا ينسى) فيترك فعل ما فعله حكمة وصواب." ([33])
سحر مفترى
(جواب فرعون وقومه عن البينات والمعجزات)
كدأب مكذبي أنبياء الله تعالى، كانت التهمة الموجهة إلى النبي حاضرة بعد أن ألجمتهم البينات، فلم يجدوا إلا أن يتهموه بأن هذه البينات والمعجزات، ما هي إلا سحر.
قال تعالى: ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: 107 – 110].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [القصص: 36 – 37].
وقال تعالى: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: 57 – 58].
"يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى، وهي إلقاء عصاه فصارت ثعباناً عظيماً، ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء، فقال: هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك، وتكاثرنا بهم ولا يتم هذا معك، فإن عندنا سحراً مثل سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه، فاجعل بيننا وبينك موعداً أي يوما نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان معين ووقت معين، فعند ذلك قال لهم موسى موعدكم يوم الزينة وهو يوم عيدهم ونيروزهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماعهم جميعهم؛ ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء ومعجزات الأنبياء وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية، ولهذا قال: وأن يحشر الناس أي جميعهم ضحى أي ضحوة من النهار، ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح.
وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بين واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج، ولهذا لم يقل ليلاً؛ ولكن نهاراً ضحى." ([34])
الصرح وأسباب السماء
في معرض التحدي والاستهزاء والاستبعاد، أمر فرعون وزيره هامان ببناء صرح عالٍ لعله يطلع إلى إله موسى، تعالى الله عن ذلك.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾ [غافر: 36 – 37].
قال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [القصص: 38].
"يقول تعالى مخبراً عن فرعون وعتوه وتمرده وافترائه في تكذيبه موسى عليه الصلاة والسلام أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحاً.
وهو القصر العالي المنيف الشاهق، وكان اتخاذه من الآجر المضروب من الطين المشوي كما قال تعالى: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا﴾ [القصص: 38].
ولهذا قال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون البناء بالآجر وأن يجعلوه في قبورهم رواه ابن أبي حاتم، وقوله: (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات) إلخ، قال سعيد بن جبير وأبو صالح: أبواب السموات وقيل: طرق السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً وهذا من كفره وتمرده أنه كذب موسى عليه الصلاة والسلام في أن الله عز وجل أرسله إليه قال الله تعالى: (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) أي بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى عليه الصلاة والسلام ولهذا قال تعالى: (وما كيد فرعون إلا في تباب) قال ابن عباس ومجاهد يعني إلا في خسار." ([35])
يوم الزينة
جاء اليوم الموعود، يوم الزينة، وجمع فرعون كيده، ولقيهم موسى، فكيف صدّر الحديث في هذا الجمع؟ وما المراد بكيد فرعون؟
قال تعالى: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾ [طه: 59 – 61].
"قوله: (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) يقول تعالى ذكره: فأدبر فرعون معرضا عما أتاه به من الحقّ (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) يقول: فجمع مكره، وذلك جمعه سحرته بعد أخذه إياهم بتعلمه (ثُمَّ أَتَى) يقول: ثم جاء للموعد الذي وعده موسى، وجاء بسحرته." ([36])
تحذير أخير للجمع الغفير:
"يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة لما جاء بهم فرعون: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) يقول: لا تختلقوا على الله كذباً، ولا تتقوّلوه (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ) فيستأصلكم بهلاك فيبيدكم." ([37])
مصير من افترى:
"(وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) يقول: لم يظفر من يخلق كذباً، ويقول بكذبه ذلك بحاجته التي طلبها به، ورجا إدراكها به." ([38])
الطريقة المثلى
(هل هي منهج؟ أم أشخاص؟)
قال تعالى: ﴿فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾ [طه: 62 – 64].
نجوى السحرة:
"قوله: (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) يقول تعالى ذكره: وأسرّوا السحرة المناجاة بينهم.
ثم اختلف أهل العلم في السرار الذي أسروه، فقال بعضهم: هو قول بعضهم لبعض: إن كان هذا ساحراً فإنا سنغلبه، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا." ([39])
الطريقة المثلى:
القول الأول: السادة والكبراء والأشراف.
"قوله: (وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) يقول: ويغلبا على ساداتكم وأشرافكم، يقال: هو طريقة قومه ونظورة قومه، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والمنظور إليه، يقال ذلك للواحد والجمع، وربما جمعوا، فقالوا: هؤلاء طرائق قومهم، ومنه قول الله تبارك وتعالى: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن: 11] وهؤلاء نظائر قومهم." ([40])
القول الثاني: الدين والسنة والمنهج.
"قال آخرون: معنى ذلك، ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتم عليه، من قولهم: فلان حسن الطريقة." ([41])
بين عصا موسى وحبال السحرة وعصيّهم
قال تعالى: ﴿قالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 65 – 69].
"يقول تعالى ذكره: فأجمعت السحرة كيدهم، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى: (يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفاً، فقال بعضهم: كانوا سبعين ألف ساحر، مع كل ساحر منهم حبل وعصا." ([42])
وقيل: كانوا نيفاً وثلاثين ألف رجل.
وقيل: 15 ألفاً.
وقيل: 900. ([43])
"وقوله: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا) يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة: بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي. وقوله: (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)، وفي هذا الكلام متروك، وهو: فألقوا ما معهم من الحبال والعصيّ، فإذا حبالهم، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه، وذُكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى." ([44])
من الأعلى ومن الذي استعلى؟
"يعني تعالى ذكره بقوله: فأوجس في نفسه خوفاً موسى فوجده.
وقوله: (قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى) يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى إذ أوجس في نفسه خيفة: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى) على هؤلاء السحرة، وعلى فرعون وجنده، والقاهر لهم (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا) يقول: وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى." ([45])
وصدق رب العزة القائل: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 69].
إيمان السحرة وتسليمهم
مشهد مهيب، أن تلقف عصا موسى ما ألقى السحرة، وأن يخروا ساجدين مؤمنين برب موسى، وسط ذلك الجمع الغفير، وفي حضرة طاغية الأرض فرعون الذي ادعى الألوهية، في يوم الزينة، وفي وضح النهار.
قال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه: 70].
قال ابن جرير الطبري: "وفي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك عليه وهو: فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) وذكر أن موسى لما ألقى ما في يده تحوّل ثعباناً، فالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الحبال والعصي." ([46])
أيقن السحرة أن ما رأوه رأي العين لم يكن سحراً، وهم أهل الصنعة وأعلم بطرائقها وحبائلها، فآمنوا وسلموا أمرهم لله تعالى.
فكيف سيكون وقع المشهد على فرعون الذي استعان بهم؛ لينصروه على موسى وهارون؟
وماذا سيكون جواب السحرة عن ذلك؟
الله خير وأبقى
إذا حضر الإيمان في القلب، وأحكم وثاقه ورباطه، لم يكن هناك رجاء مطلق، ولا خوف مطلق، ولا رهبة مطلقة، ولا حب مطلق إلا لله عز وجل.
ويتلاشى حينئذ كل شيء دونه سبحانه وتعالى، والله خير من كل شيء وأبقى.
قال تعالى: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: 71 – 76].
"يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم، وغلب كل الغلب، شرع في المكابرة والبهت، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة، فتهددهم وتوعدهم وقال: آمنتم له أي صدقتموه قبل أن آذن لكم أي ما أمرتكم بذلك وافتتم علي في ذلك، وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب.
(إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 123]، ثم أخذ يتهددهم فقال: (فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي لأجعلنكم مثلة، ولأقتلنكم ولأشهرنكم، قال ابن عباس: فكان أول من فعل ذلك، ورواه ابن أبي حاتم.
وقوله: (ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى) أي أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى، فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه، فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم، هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل وقالوا: (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات)
أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين، (والذي فطرنا) يحتمل أن يكون قسماً، ويحتمل أن يكون معطوفاً على البينات، يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدئ خلقنا من الطين، فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت.
(فاقض ما أنت قاض) أي فافعل ما شئت، وما وصلت إليه يدك، (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال، ونحن قد رغبنا في دار القرار إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا أي ما كان منا من الآثام خصوصاً ما أكرهتنا عليه من السحر؛ لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه." ([47])
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 18، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([2]) تفسير القرآن العظيم، 5/ 272.
([3]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 272 - 273، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([4]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 292، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 295.
([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 296.
([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 296 – 297.
([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 297.
([9]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 278، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([10]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 278 - 279، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([11]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 301، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 301.
([13]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 301.
([14]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 301 - 302، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([15]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 279 - 280، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/304، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([17]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/305.
([18]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/305 - 306.
([19]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/306 - 311.
([20]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/311.
([21]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/312، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([22]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/313، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([23]) انظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 289، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([24]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/313.
([25]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/313 – 314.
([26]) تفسير القرآن العظيم، 5/ 289.
([27]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 290، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([28]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 315، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2 000 م.
([29]) تفسير القرآن العظيم، 5/ 290.
([30]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 67 - 68، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([31]) تفسير القرآن العظيم، 5/ 291.
([32]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 291 - 292، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([33]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 318 - 319، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([34]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 293، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([35]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 495، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([36]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 325، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([37]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 325.
([38]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 326.
([39]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 327، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([40]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 331.
([41]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 332.
([42]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 334، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([43]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 335.
([44]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 336.
([45]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 18/ 337.
([46]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 338، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([47]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 297 - 298، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.