لوط عليه السلام في القرآن الكريم

 

    ﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾   .

 

أحد الأنبياء المكرمين، والمصطفين المرسلين، سار على نهج التوحيد الذي سار عليه الأنبياء من قبله، ولقي في ذلك ما لقي من تكذيب، ونكران، وكفر، وعصيان، إلا أن لقومه سابقة لم يرِدها أحد قبلهم من العالمين.

هذا النبي الكريم هو: لوط عليه السلام.

"وهو لوط بن هاران بن آزار، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام.

وكان الله تعالى قد بعثه إلى أمة عظيمة في حياة إبراهيم عليهما السلام، وكانوا يسكنون سدوم." ([1])

فكيف وصفه القرآن الكريم؟ وما هي قصته مع قومه؟ وما هو نهجه في دعوته معهم؟

قال تعالى: ﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات: 133].

وقال تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ۝وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الأنبياء: 74 - 75].

وقال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ۝إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ۝ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ۝وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 160- 164].

ومن أوصاف هذا النبي الكريم التي بينتها الآيات السابقة:

  • الحكم.
  • العلم.
  • الأمانة.
  • الإخلاص.

 قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: وآتينا لوطاً حكماً، وهو فصل القضاء بين الخصوم.

وعلماً: يقول: وآتيناه أيضاً علماً بأمر دينه، وما يجب عليه لله من فرائضه." ([2])

وشأن لوط عليه السلام، مثل كل الأنبياء الكرام، لا يطلبون إزاء دعوتهم أجراً، ولا يبتغون مالاً، فكيف كان حال قومه؟ وما هي سابقتهم؟

 

السبَّاقون إلى الخبائث

 

وصف الله قوم لوط عليه السلام بالقرية التي كانت تعمل الخبائث،قال تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ [الأنبياء: 74].

وذكر عدداً من الأوصاف التي أظهرت خبثهم، وفسادهم، ومنها أنهم:

  • قوم سَوء.
  • فاسقون.
  • قطع السبيل.
  • الظلم
  • سبق العالمين في إتيان الفاحشة.

فما هي سابقتهم التي أتوها؟

قال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: 80 – 81].

"وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها، التي عاقبهم الله عليها، إتيان الذكور.

(ما سبقكم بها من أحد من العالمين)، يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين." ([3])

وقال تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165 – 166].

وقال تعالى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ۝أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: 54 – 55].

وقال تعالى: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: 29].

وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [العنكبوت: 31].

 

إنهم أناس يتطهرون

 

نهىالنبيُّ الكريم لوط عليه السلام قومَه عن عمل الفواحش والخطايا، وأنذرهم، وخوّفهم من عقاب ربهم فتماروا بالنذر، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ﴾[القمر: 36].

وأظهر لهم بغضهم لعملهم، ورفضه لجريمتهم.

قال تعالى:﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ﴾[الشعراء: 168].

فماذا كان جوابهم؟ وهل استجابوا للنذر؟ وقبلوا النصيحة؟

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[الأعراف: 82].

وقال تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾[الشعراء: 167].

"لما نهاهم نبي الله عن ارتكاب الفواحش، وغشيانهم الذكور، وأرشدهم إلى إتيان نسائهم اللاتي خلقهن الله لهم، ما كان جوابهم له إلا أن قالوا:(لئن لم تنته يا لوط) أي: عمّا جئتنا به (لتكونن من المخرجين)، أي ننفيك من بين أظهرنا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82].

فلما رأى أنهم لا يرتدعون عمّا هم فيه، وأنهم مستمرون على ضلالتهم، تبرأ منهم وقال:(إني لعملكم من القالين) أي: المبغضين، لا أحبه ولا أرضى به، وإني بريء منكم." ([4])

وقال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[النمل: 56].

"عن قتادة أنه تلا: (إنهم أناس يتطهرون)، قال: عابوهم بغير عيب أي: إنهم يتطهرون من أعمال السوء." ([5])

وقال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[العنكبوت: 29]

فقد لخّص القرآن الكريم جواب قومه الوارد في عدة آيات، في المضامين التالية:

  • الاستهزاء بتطهّر لوط عليه السلام وآله.
  • السعي في إخراج لوط عليه السلام وآله.
  • التحدي واستعجال العذاب.

 

استغاثة نبيّ

 

سلك لوط عليهم السلام كافة السبل ليثني قومه عمّا أتوه من فواحش، وما ارتكبوه من مناكير، فلم يستجيبوا لدعوته في هدايتهم، ولم ينصرفوا عن غيّهم، وضلالهم.

فما كان للنبي إلا أن يستغيث بربه القوي العزيز، ويستنصره على القوم المفسدين.

قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 30].

قال ابن كثير: "وقوله تعالى:﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [العنكبوت: 29]، وهذا من كفرهم، واستهزائهم، وعنادهم.

ولهذا استنصر عليهم نبي الله فقال: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: 30]." ([6])

وقال البقاعي: "ولما كان كأنه قيل: بم أجابهم؟ قيل: (قال) أي: لوط عليه الصلاة والسلام معرضاً عنهم، مقبلاً بكليّته على المحسن إليه: (ربّ) أي: أيها المحسن إلي.

(انصرني على القوم) أي: الذين فيهم من القوة ما لا طاقة لي بهم معه.

(المفسدين) بإتيان ما تعلم من القبائح." ([7])

فماذا حدث بعد استغاثة النبي الكريم؟

وما قصة قومه مع ضيفه؟

وما دور امرأته ولمَ ضربها الله مثلاً؟

 

بين الضيف المكرمين والقوم الفاسقين

 

لم يستجِب قوم لوط عليه السلام لدعوته، ولم ينتهوا عن أفاعيلهم، واستبعدوا وقوع العذاب بهم؛ بل بلغ بهم الفسق أن راودوه عن ضيفه.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ۝وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: 36 – 37].

فمن هم ضيفه؟ وكيف حال لوط عليه السلام بين قومه وبينهم؟ وماذا حدث بعد ذلك؟

أولاً: الضيف المكرمون:

جاءت الملائكة إبراهيم عليه السلام بالبشرى، وجاءوه بخبر إهلاك قوم لوط عليه السلام، ثم ذهبوا إلى لوط عليهم السلام، فأنكرهم، ولم يعرفهم،قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ۝ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ۝ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ۝ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ۝ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ۝ وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: 61 – 66].

"فلما أتى رسلُ الله آل لوط، أنكرهم لوط فلم يعرفهم، وقال لهم: (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ): أي نُنْكركم لا نعرفكم، فقالت لهالرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما كان فيه قومك يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم به." ([8])

قال الطبري: "قالت الرسل للوط: وجئناك بالحق اليقين من عند الله، وذلك الحقّ هو العذاب الذي عذب الله به قوم لوط.

وقد ذكرت خبرهم وقصصهم في سورة هود وغيرها حين بعث الله رسله ليعذّبهم به.

وقولهم: (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) يقولون: إنا لصادقون فيما أخبرناك به يا لوط من أن الله مهلك قومك (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) يقول تعالى ذكره مخبراً عن رسله أنهم قالوا للوط: فأسر بأهلك ببقية من الليل، واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسري بهم وكن من ورائهم، وسر خلفهم وهم أمامك، ولا يلتفت منكم وراءه أحد، وامضوا حيث يأمركم الله." ([9])

هذا كان خبر الملائكة، الضيف المكرمين، فما هو موقف قوم لوط عليه السلام من وجودهم؟ وماذا فعلوا؟

ثانياً: موقف القوم الفاسقين من الضيف المكرمين:

قال تعالى: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ۝قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ۝ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ۝قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾[الحجر: 67 – 70].

"يخبر تعالى عن مجيء قوم لوط لما علموا بأضيافه وصباحة وجوههم، وأنهم جاءوا مستبشرين بهم فرحين ﴿قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ۝ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ﴾[الحجر: 68 – 69] وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم أنهم رسل الله، كما قال في سورة هود، وأما هاهنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله وعطف بذكر مجيء قومه ومحاجته لهم، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه، فقالوا له مجيبين:﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [الحجر: 70]أي: أو ما نهيناك أن تضيف أحداً؟" ([10])

ومما أجابهم به عليه السلام: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ۝ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ۝ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: 78 – 80].

وقوله تعالى: ﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الحجر: 71].

فما هو المقصود بالبنات اللاتي ورد ذكرهن في الآيات الكريمة؟ ولماذا أرشدهم لذلك؟

 

بناتي هن أطهر لكم

 

ما فتئ لوط عليه السلام يرشد قومه إلى الطريق القويم، والمسلك المستقيم الموافق للفطر السليمة.

قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ۝ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ۝ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: 78 – 80].

قال ابن كثير: "قوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: 78].

يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة.

كما قال لهم في الآية الأخرى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشعراء: 165- 166].

 وقوله في الآية الأخرى:﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [الحجر: 70].

أي: ألم ننهك عن ضيافة الرجال.

﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ۝ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾[الحجر: 71- 72].

وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: 78].

قال مجاهد: لم يكنّ؛ بناته ولكن كنّ من أمته وكل نبي أبو أمته، وكذا روي عن قتادة وغير واحد.

وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوجوا النساء ولم يعرض عليهم سفاحاً، وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم، هنّ بناته، وهو أب لهم." ([11])

 

امرأة لوط

 

جعل اللهُ امرأة لوط عليه السلام مثلاً للذين كفروا، فماذا فعلت، وما دورها في قصة قومها؟ وما هو مصيرها؟

قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾[التحريم: 10].

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: مثَّلَ اللهُ مثلاً للذين كفروا من الناس، وسائر الخلق، امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.

ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون.

وأن خيانة امرأة لوط، أن لوطاً كان يُسِرُّ الضيفَ، وتدلُّ عليه." ([12])

وقال ابن كثير: "فخانتاهما، أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجدِ ذلك كله شيئاً ولا دفع عنهما محذوراً.

ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ [التحريم: 10] أي: لكفرهما.

وقيل، أي: للمرأتين، ادخلا النار مع الداخلين.

 وليس المراد بقوله:فخانتاهما في فاحشة؛ بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور." ([13])

ولذلك استحقت أن يكون مصيرها النار، وأن يصيبها ما أصاب قومها.

قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ [هود: 81].

فما هو العقاب الذي حلّ بهم؟ ونزل بساحتهم؟

 

عذاب حلّ بالمؤتفكات

 

أجاب الله دعاء نبيّه، ونجّاه ومن معه من المؤمنين، قال تعالى: ﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ۝فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ۝إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ [الشعراء: 169 – 171].

وقال تعالى: ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ۝ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾[الأنبياء: 74 – 75].

إلا امرأته كانت من الغابرين، وأما قومه فقد حلّ بهم العذاب، ونزل بساحتهم، فساء صباح المنذَرين.

وقد جاء وصف عذابهم، وتصويره في القرآن الكريم من جوانب عدة، وورد بأسماء مختلفة:

  • مطر الحجارة.
  • أهوى قريتهم، وجعل عاليها سافلها.
  • الصيحة.
  • الرِّجْز.
  • عذاب مستقر.
  • الحاصب.

والمؤتفكات: "قوم لوط، ائتفكت بهم الأرض، أي انقلبت بهم." ([14])

الشواهد القرآنية على عذابهم:

قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: 84].

وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ۝مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ [هود: 82 – 83].

"وقوله: منضود قال بعضهم: في السماء، أي معدة لذلك، وقال آخرون: منضود أي يتبع بعضها بعضاً في نزولها عليهم، وقوله: مسومة أي: مُعلّمة، مختومة، عليها أسماء أصحابها كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه، وقال قتادة وعكرمة: مسوّمة مطوقة بها نضْحٌ من حمرة، وذكروا أنها نزلت على أهل البلد، وعلى المتفرقين في القرى مما حولها، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث إذ جاءه حجر من السماء، فسقط عليه من بين الناس، فدمره فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد حتى أهلكتهم عن آخرهم، فلم يبق منهم أحد." ([15])

وقال تعالى:﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ۝وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ۝وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾[الشعراء: 172 – 175].

وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ۝وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [النمل: 57 – 58].

وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ۝فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ۝إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ۝وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[الحجر: 73 – 77].

"قوله (فأخذتهم الصيحة مشرقين) يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب، وهي الصيحة مشرقين: يقول: إذ أشرقوا، ومعناه: إذ أشرقت الشمس، ونصب مشرقين ومصبحين على الحال بمعنى: إذا أصبحوا، وإذ أشرقوا، يقال منه: صيح بهم، إذا أهلكوا." ([16])

وقال تعالى: ﴿إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ۝ وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: 34 – 35].

وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ ۝نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ۝وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ ۝وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ۝وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ ۝فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ۝وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾[القمر: 34 – 40].

وقال تعالى:﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ۝فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ۝فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ [النجم: 53 – 55].

 

هدايات وعبر من قصة لوط عليه السلام مع قومه

 

لا ترد قصة في القرآن الكريم، إلا وفيها حظ وافر من الاعتبار والنظر.

ومن العبر المستفادة من قصة لوط عليه السلام وقومه:

  • حماية الضيف وجه من وجوه الإكرام ومن شأن الأنبياء عليهم السلام.

قال تعالى: ﴿وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ۝ قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ۝ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ۝ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [الحجر: 67 – 70].

  • الدالّ على الشر كفاعله كما أن الدالّ على الخير كفاعله.

قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10].

  • عمه الفكر يحوّل المدائح إلى معايب، والمزايا إلى مثالب.

قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر: 72].

فقد يعاب الإنسان الصالح بغير عيب بغية التنقّص والاستهزاء.

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: 82].

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 639، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([2]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 18/ 472، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 12/ 548، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([4]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 639 - 640، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 19/ 482، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([6]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 59، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([7]) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: برهان الدين البقاعي، 5/ 555، تحقيق: عبد الرزاق غالب المهدي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة، 1432 هـ - 2011 م.

([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 17/ 114 - 115، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([9]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 115.

([10]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 654، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([11]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 461 - 462، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([12]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 23/ 497، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.

([13]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 7/ 325، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([14]) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى، 1/ 263، تحقيق: د.محمد فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي بالقاهرة.

([15]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 4/ 464 - 465، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.

([16]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 17/ 119، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.