ابن الجوزي ومنهجه في التفسير
بقلم : أحمد فهيم مطر
(مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الحادي والثلاثون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1411هـ)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، وبعد : لقد استهوتني دراسة شخصية ابن الجوزي لما اتصف به من صفات كثيرة كانت محل إعجاب من عاصره أو قام بدراسته ، فقد كان من أكبر المؤرخين في عصره الذين كتبوا التاريخ بأمانة ودقة رغم التيارات الكثيرة والفتن التي كانت متفشية في ذلك العصر .
وقد كان ابن الجوزي كذلك إماما في الحديث وقد أطلق عليه لقب الحافظ مما يدل على مكانته وتمكنه ، وكان محدثا وواعظا ومفسرا ، حتى إنه قد فسر القرآن الكريم على منبر وعظه ، وكان أديبا وله بعض الأشعار ، وقد أكثر من التصانيف مما لم يقم به عالم قبله أو محدث أو فقيه ، وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيفه ما بين الثلاثمائة والأربعمائة مصنف ، وهذا هو الذي استهواني في دراسة شخصية ابن الجوزي والوقوف على بعض الملامح والصفات التي كان يتحلى بها ، والوقوف كذلك على التيارات والفتن التي كانت سائدة في ذلك العصر الذي عاش فيه .
وأرجو أن يوفقني الله في نقل صورة حسية للقارئ ، فأكون قد أديت بعض ما يجب علينا تجاه تلك الشخصية الفريدة .
والله يوفقنا إلى ما فيه الخير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
حياة ابن الجوزي
أسرته :
كان أهله تجارا في النحاس فلهذا يوجد في بعض سماعاته القديمة ابن الجوزي الصفار وذكر أن والده كان يعمل الصفر بنهر القلائين . مات والده وله من العمر ثلاث سنوات فكان يتما مبكرا بالنسبة له ، ولكن ذلك لم يؤثر عليه من الناحية المادية ، فالأسرة كانت على جانب من الثراء لا تحتاج فيه إلى أن تجعله يتعلم صنعة أو حرفة يقتاتون منها أو يتعايشون ، فكانت وجهتهم هي طلب العلم .
أما والدته فقد ظلت على قيد الحياة حيث سبقها إلى الموت بأيام . وتولى رعايته بعد أبيه عمه أبو البركات الذي حمله إلى الحافظ أبي الفضل ابن ناصر لتسميعه الحديث . وتشير بعض المصادر إلى أن عمته هي التي حملته إلى ابن ناصر وقرأ عليه .
وكان لابن الجوزي ثلاثة إخوة وأختان : أولهما عبد الله وعبد الرزاق والثالث محمد . أما الأختان فقد شاركته إحداهما في التلمذة على بعض شيوخه .
ولابن الجوزي أبناء ثلاثة : عبد العزيز وهو أكبرهم مات شابا في حياة والده ، ثم أبو القاسم علي ، وقد كان عاقا لوالده ألب عليه في زمن المحنة وغيرها وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الأثمان ، ثم محيي الدين يوسف وكان أنجب أولاده وأصغرهم ووعظ بعد أبيه ، ثم باشر حسبة بغداد ، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد ، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم ، وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن : رابعة أم سبطة أبي المظفر صاحب مرآة الزمان .
وخلاصة القول أن أسرة ابن الجوزي كانت من الأسر التي تهتم بالعلم والمعرفة ، فقد أسهم ابن الجوزي هو وأبناؤه في بناء الفكر العربي والإسلامي وإمداد المكتبة العربية بكل ما هو نافع ومفيد .
مولده ونشأته :
هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري ( من ذرية أبي بكر الصديق ) الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي وعرف بابن الجوزي نسبة إلى جده الأكبر جعفر ( الجوزي ) وسمي جده بالجوزي نسبة إلى مشرعة الجوز أو إلى فرضة فيها يقال لها جوزة ، هي محلة أو فرضة في البصرة ويقال إن جوزة فرضة على شاطئ دجلة قريبا من بغداد .
ولد سنة ثمان وخمسمائة ، وقيل سنة تسع ، وقيل سنة عشر ، وكان مولده بدرب حبيب ، وتوفي والده وهو صغير فكفلته أمه وعمته وتوجها به إلى العلم ، فحملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر فأولاه عناية كبيرة لما رأى من بوادر نبوغه وإقباله وحرصه على العلم وهو صغير ، وحفظ القرآن الكريم وقرأه على جماعة من أئمة القراء .
وسر نجاح ابن الجوزي يكمن في قوة بديهته ، وسرعة بادرته ، وحضور ذهنه ، ونوادر أجوبته ، مع كثرة محفوظه وسعة روايته .
ولقد انقطع ابن الجوزي للدرس ومجالس العلم وترك ما كان أترابه يلهون به من اللعب ؛ للتوفر على الحفظ ، والتوغل في طريق علوم زمانه وثقافته " وكان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان " .
وهكذا درج ابن الجوزي منذ صغره يحب العلم ، ويشغف بالتحصيل في فنون العلم ، وقد تحدث ابن الجوزي في كتابه " لفتة الكبد " فقال :
" كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون وأنا في زمن الصبا آخذ جزءا ، أقعد حجرة من الناس إلى جانب الرقة فأتشاغل بالعلم " .
وكانت بغداد مشرقة زاهرة بعلومها وفنونها زاخرة بالعلم والعلماء ، فنهل ابن الجوزي من هذا المنهل الفياض الذي لا يغيض ، دفعه إلى ذلك حبه للعلم وولوعه به ، وتحدث هو عن نفسه في كتابه " صيد الخاطر " فقال : فأقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري : إنني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ، ثم لم يحبب إلي فن واحد منه ، بل فنونه ، ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه ، بل أروم استقصاءه والزمان لا يسع ، والعمر أضيق والشوق يقوى ، والعجز يقعد ، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات " .
وقد أخذ ابن الجوزي العلم عن خاله الشيخ أبي الفضل أكثر من ثلاثين سنة ، وكذلك أخذ الحديث والوعظ على يد الشيخ الزاغوني ، وأخذ الفقه كذلك عن أبي بكر الدينوري الحنبلي ، ودرس اللغة على أبي منصور الجواليقي ، والحديث عن ابن عبد الواحد الدينوري ، وقد جمع شيوخه في مشيخته " ذكر منهم ستة وثمانين شيخا " وكان يحارب أهل البدع وقد أعلن عليهم ذلك دون هوادة أو خوف ، وقيل له مرة : قلل من ذكر أهل البدع مخافة الفتن فأنشد :
أتــوب إليـك يـا رحـمن ممـا جـنيت فقــــــد تعـــــــاظمت الذنـــــــوب
وأمــا عــن هــوى ليلــى وتــركي زيارتهـــــــا فـــــــإني لا أتـــــــوب
وقال له قائل : ما فيك عيب إلا أنك حنبلي ، فأنشد :
وعـــيرني الواشــون أنــي أحبهــا وتلـك شــكاة ظـاهر عنـك عارهـا
وليس عجيبا أن يجلس الواعظ في بغداد منذ سنة 527 هـ وسنة دون العشرين ، ومازال يدرس ويعظ ويؤلف حتى أصبح إمام بغداد وواعظها الأول .
وكان يحضر مجلسه عامة الناس وخاصتهم ، ويتزاحمون على حضور تلك المجالس ، حتى لقد حرز الجمع في بعض المجالس بمائة ألف ، وهذا العدد وإن كان يدل على المبالغة إلا أنه يدل دلالة قاطعة على كثرة العدد وشدة الزحام ، وإقبال الناس على مواعظه وحضور مجالسه ، وكان الخليفة يحضر وعظه ومجالسه في المناسبات ، وكان أبو الفرج يلقي الموعظة على الخليفة ولا يخشى في ذلك شيئا .
وذكر أنه تكلم يوما بحضرة الخليفة وحكى له موعظة شيبان للرشيد : وقال فيما قال : يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك ، وإن أمسكت خفت عليك وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك .
وفي آخر حياته وشى به حساده عند الخليفة فأرسل من أهانه وشتمه وختم على داره ، وشتت عياله ، وأخذ في سفينة إلى واسط فحبس في دار هناك ، ومكث على ذلك الحال خمس سنين وهو يقوم بشئون نفسه من غسل وطبخ ، حتى استطاع ابنه يوسف أن يجتهد وباجتهاده توصل إلى أم الخليفة فشفعت للشيخ فأطلق سراحه .
طلبه للعلم :
نشأ ابن الجوزي منذ نعومة أظفاره يحب العلم ويختلف إلى العلماء ( ولم يكن يفعل مثل الصبيان يلعبون ويلهون ويضيعون أوقاتهم في اللعب والجري ، ولكنه أوقف نفسه على الحفظ والتوغل في العلم ، وقد كان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان ) .
ولقد وجد ابن الجوزي المناخ مهيأ له والأمور تسير رخاء بريح طيبة ، فأهله كانوا يشجعونه على العلم ، وشيوخه كذلك عندما لمسوا فيه حب العلم والتعلق به ، وكان أولهم خاله ابن ناصر ، وكذلك وجد بغداد تعج بالعلماء والمفكرين ، فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي كله تزدهر بالعلوم وتشرق بالمعارف وتتيه بالعلماء .
وقد وصل ابن الجوزي قمة النضج العلمي حتى أطلق عليه لقب الحافظ دلالة على مكانته العلمية الكبيرة ، وقد تحدث عن نفسه فقال : أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة ، وسمعت قبل ذلك " .
ولقد برع وتفوق في كل علم من العلوم وفن من الفنون ، فكان في الفقه إماما يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء الحنابلة .
أما في التفسير فكان لا يجارى ولا يبارى حتى أنه قد فسر القرآن الكريم على منبر وعظه ، وكان يقول : " ما عرفت واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن ، فالحمد لله المنعم " .
ولقد بلغت مؤلفاته وتصانيفه في القرآن وعلومه سبعة وعشرين كتابا كان من أبرزها كتابه الشهير " زاد المسير في علم التفسير " .
وكان من المبرزين في التاريخ المتوسعين فيه ، فكتب وترجم لكبار الصحابة والفقهاء ، أما في الوعظ فكان وحيد عصره ونابغة قرنه ، بدليل تسابق العامة والخاصة والأمراء والخلفاء على مجالس وعظه ، وكان الناس يقصدونه للتوبة على يديه ، ولقد حضر بعض هذه المجالس الرحالة العربي ابن جبير عند زيارته لبغداد عام خمسمائة وثمانين من الهجرة ، وقد أطنب في وصفها وتأثيرها العام في المجتمع حتى قال : " تساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح " وقال ابن رجب : " إذا وعظ اختلس القلوب وتشققت النفوس دون الجيوب " ، وكان ابن الجوزي كذلك أديبا ومحدثا ، ويرتجل ما يريد ارتجاله ، وقد حفظت لنا المصادر بعض أشعار ابن الجوزي ووصفتها بأنها حسنة أو فائقة أو لطيفة .
وكان له مؤلفات وتصانيف كثيرة ، وقد ذكرت بعض المصادر أن الكراريس التي كتبها ابن الجوزي لو جمعت وقسمت على أيام حياته لكان له في كل يوم تسع كراريس .
وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيف ابن الجوزي ما بين الثلثمائة والأربعمائة مصنف .
ولهذا فقد وصل ابن الجوزي إلى مكانة علمية لم يتوصل إليها أحد قبله وبلغ منزلة لم يرق إليها عالم قط .
مذهبه :
كان ابن الجوزي على مذهب أهل السنة ومذهب الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه ، وكان يذم من يخالفهم ، ويصرح بمذاهبهم في مسائل الأصول وخاصة مسألة القرآن ويتكلم عنهم كثيرا في كتبه ، وكان على حرب دائمة مع أهل البدع والخرافات .
وقال يوما على المنبر : أهل البدع يقولون : ما في السماء أحد ، ولا في المصحف قرآن ، ولا في القبر نبي . ثلاث عورات لكم .
وقد كان له خطة ومذهب ظهرا واضحين في كتابه " تلبيس إبليس " الذي تحدث فيه عن كثير من المفاسد والمبتدعات التي تفشت في ذلك العصر ، ومنها البدع الصوفية التي أنكرها ، ولم يقف على حد الإنكار ولكنه أعلن عليها حربا لا هوادة فيها .
ومع ذلك فإن بعض أصحاب مذهب الإمام أحمد نقموا على ابن الجوزي بعض آرائه ، لأنه لم يكن يتعصب تعصبا كاملا للمذهب ، وكان يرى في نفسه عدم وقوفه على رأي ، بل لا بد من استعمال العقل والفكر .
يقول عنه ابن رجب الحنبلي في طبقات الحنابلة :
" نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا ميله إلى التأويل في بعض كلامه ، واشتد نكيرهم عليه في ذلك ، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف ، وهو إن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحل شبه المتكلمين وبيان فسادها .
وكان دفاع ابن الجوزي عن السنة والمذهب السلفي ومحاربة الصوفية وأهل البدع من الشيعة ، كان سببا في إيذائه وإدخاله السجن ، وإهانته ، وختم داره ، ومكوثه في السجن خمس سنين .
أعماله :
أوقف الشيخ حياته على العلم ، فتعلم وأخذ من العلم حظا كبيرا ، وفاق أقرانه ، ولم يتفوق في علم واحد من العلوم ، وإنما تفوق في جميع العلوم التي كتب فيها حتى علوم الطب .
وكان من مبادئه أن يخدم الإسلام ويرفع راية السنة المحمدية ، فأوقف حياته على محاربة البدع والمبتدعة وأهل الكلام والشيعة ، ومن أعماله التي أوقف نفسه عليها هي : مجالس الوعظ والإرشاد . فقد كانت تؤتي ثمارها ، وتؤثر في الناس تأثيرا كبيرا لدرجة أن الناس كانوا يتلقونه بالشموع التي حزرها بعضهم بألف شمعة . وقال ابن القطيعي : انتفع الناس بكلامه فكان يتوب في المجلس الواحد مائة وأكثر في بعض الأيام ، وكان يجلس بجامع المنصور يوما أو يومين في السنة فتغلق المحال ويحزر الجمع بمائة ألف .
وسلمت إليه المدرسة التي للجهة ( بنفشا ) وكتب في كتاب الوقف أنها وقف على أصحاب أحمد ، وأنها مفوضة إلى ناصر السنة ابن الجوزي . وكان يعظ الأمراء والخلفاء ولا يخاف قول الحق لهم . لأنه يسعى إلى هدف معين هو إعلاء كلمة الله ورفع راية السنة المحمدية ، لا يريد مالا ولا جاها ولا منصبا ولا مكسبا من مكاسب الدنيا .
وقد بنى ابن الجوزي مدرسة بدرب ديناء ودرس بها سنة سبعين ، وذكر أول يوم تدريسه بها أربعة عشر درسا من فنون العلم ، وزاد عدد المدارس بعد ذلك حتى صارت خمس مدارس كلها في خدمة العلم والتعليم ، ويكفيه من العمل تلك المصنفات الكثيرة التي ألفها في كل علم وكل فن .
منهجه في التفسير :
لقد نهج ابن الجوزي في تفسيره للقرآن الكريم نهج السلف الصالح وأهل السنة ، وقد استقى تفسيره من مصادر كثيرة أهمها ما يأتي :
مصادره في القراءات :
كان أهم مصدر للتفسير في القراءات هم شيوخه الذين درس عليهم ، وتعلم على أيديهم هذا العلم ، ثم ما لبث أن تفوق عليهم جميعا ، وألف في هذا العلم كتابا يسمى " الإشارة إلى القراءة المختارة " أربعة أجزاء مما يدل على تضلعه وتمكنه من هذا العلم .
والشيوخ الذين تلقاه عليهم هم :
أبو الحسن علي بن عبد الله الزاغوني ، وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون المقرئ ، وأبو عبد الله بن الخياط المقرئ ، وأبو الفضل أحمد بن الحسين المقرئ ، وأبو منصور عبد الرحمن القزاز ، وأبو حفص عمر بن ظفر بن أحمد المقرئ .
وقد قرأ بالروايات في كبره على ابن الباقلاني بواسط حين كان منفيا بها ، وقرأ بالعشر على أبي بكر محمد بن الحسن المزرفي . ثم تتبع بعد ذلك أصحاب القراءات المشهورة ، وكانت مصادره في تفسيره منهم ، ومن هؤلاء :
ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو عمرو ، وحفص ، وطلحة وغيرهم كثير كقتادة والفراء والأخفش .
مصادره في التفسير :
كان مصدره الأول هو ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار ثم الصحابة رضوان الله عليهم . من أمثال علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس . ثم ما روي عن التابعين من أمثال ابن جبير وعكرمة وطاوس اليماني ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبي العالية ، والحسن البصري ، وأبي سعيد الخدري ، وقتادة ، والسدي ، والحسن ، وابن جريج .
أما المصادر التي نقل عنها ففي طليعتها تفسير ابن جرير ، وكتب الحديث ، وكتابا ابن قتيبة " مشكل القرآن " ، " غريب القرآن " ، وكتب معاني القرآن ولا سيما كتابا الفراء والزجاج ، والحجة لأبي علي الفارسي ، و " مجاز القرآن " لأبي عبيدة ، وكتب ابن الأنباري في القرآن ، وأسماء الله الحسنى للخطابي وغيرها .
وقد أخذ عن غير هؤلاء من تلاميذ الصحابة رضوان الله عليهم . كعلقمة بن قيس ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، ومرة الهمذاني ، وعامر الشعبي ، وقتادة بن دعامة الدوسي ، وهؤلاء من تلاميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وأخذ كذلك عن عبيدة السلماني ، وأبي الطفيل ، والحسين بن علي رضي الله عنه وهؤلاء من تلاميذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأخذ كذلك عن زيد بن أسلم ، وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي وهؤلاء من تلاميذ أبي بن كعب رضي الله عنه .
فهؤلاء هم : أقطاب التفسير وأعلامه الذين أخذ عنهم ، وعن الذين تتلمذوا عليهم حتى انتهت إليه الرئاسة في التفسير والفتوى ، وكان أكثرهم شهرة هو ابن عباس الذي لقب بالحبر والبحر لكثرة علمه ومعرفته بمعاني كتاب الله .
مصادره في أسباب النزول :
كان من أول مصادره في ذلك هم الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد فسروا القرآن بما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما شاهدوه من الأحداث التي كان القرآن ينزل بها ، وأشهرهم عبد الله بن عباس وابن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب . ومن أكثر هؤلاء رواية ومعرفة هو : عبد الله بن عباس الذي نشأ في بيت النبوة وكان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يشهد كثيرا من المواقف والظروف والملابسات والحوادث التي تنزل فيها الآيات القرآنية ، وكان يسأل الصحابة ويعرف منهم مواطن نزول القرآن وتواريخ التشريع وأسباب النزول .
ويلي ابن عباس في المرتبة ابن مسعود ، وقد كان أحفظ الصحابة لكتاب الله .
فقد روي عن مسروق قال : قال عبد الله - يعني ابن مسعود - والذي لا إله غيره ما تركت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . ويلي ابن مسعود رضي الله عنه ، فقد كان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل . فعن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم نهار ، أم في سهل أم في جبل . . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه أنه قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت .
ويلي هؤلاء أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي وكان سيد القراء وأحد كتاب الوحي ، ومن أعلم الصحابة بكتاب الله ، وكان عارفا بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها ، وكان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآيات التي لا يعرف معناها
مصادره النحوية واللغوية :
كان مصدره الأول في اللغة والنحو هو أبو منصور الجواليقي الذي تعلم منه الأدب واللغة وقرأ عليه كتاب المعرب .
والوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة وكانت له معرفة بالنحو واللغة والعروض وصنف ووزر للمقتفي .
أما مصادره التي نقل عنها فهي كتب ابن قتيبة ، والفراء ، والزجاج ، وأبي علي الفارسي ، وأبي عبيدة في كتبهم مشكل القرآن ، وغريب القرآن ، وكتب معاني القرآن والحجة ، ومجاز القرآن ، وبذلك كتب ابن الأنباري في القرآن .
وكذلك الأصمعي ، والمبرد ، وابن فارس ، وأبو معاذ النحوي ، وثعلب ، والفراء ، والكسائي ، وإبراهيم بن السري ، وأبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني ويونس بن حبيب النحوي .
مصادره الفقهية :
أما مصادره الفقهية فكثيرة وتعتبر مصادره الأولى " فقد قرأ الفقه والخلاف والأصول على أبي بكر الدينوري ، والقاضي أبي يعلى ، وتتبع مشايخ الحديث والفقه ، وكان منهم القاضي أبو بكر الأنصاري ، وأبو القاسم الحريري ، وأبو السعادات المتوكلي ، وأخوه يحيى ، وأبو عبد الله البارع ، وأبو الحسن علي بن أحمد الموحد ، وأبو غالب الماوردي ، وأبو منصور بن خيرون ، وأبو القاسم السمرقندي ، وعبد الملك الكرخوي وأبو سعد الزوزني وأبو سعد البغدادي ويحيى بن الطراح ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن ، وأبو القاسم علي الهروي ، وأبو منصور القزاز ، وعبد الجبار بن منده .
أبرز سمات تفسير ابن الجوزي :
أبرز سمات تفسيره أنه كان يذكر الآية من القرآن ويتناولها بالتفسير السهل الواضح ، ويذكر سبب نزولها إن كان هناك سبب للنزول ، وكذلك كان يفسر الآية بالآية . وهذا ما يسمي تفسير القرآن بالقرآن ، وكذلك كان يتناول معاني الألفاظ اللغوية بالإيضاح والبيان ، وإن كان فيها أكثر من رأي ذكره ، وكان يفسر بالمأثور مع تناول الأحكام الفقهية والتعرض لها والقراءات التي وردت بها الآية . ومن خلال ذلك نستطيع أن نتناول كل موقف وكل سمة من هذه السمات بشيء من التفصيل .
مواقفه من القراءات :
لقد ذكر ذلك في مقدمة زاد المسير " وقد ألم أيضا بمشهور القراءات وأطراف من شواذها ، ونقل توجيهها في العربية عن أئمة هذا العلم . ومعنى ذلك أنه كان يذكر مشهور القراءات ثم يذكر التوجيه التي توجه إليه ، والمعنى الذي يقصد منها على ذلك التوجيه . فنرى مثلا عند ذكره وتفسيره لقوله تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ الآية 143 من سورة البقرة " يقول " لرءوف " قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم ( لرءوف ) على وزن لرعوف في جميع القرآن ، ووجهها أن فعولا أكثر في كلامهم من فعل ، فباب ضروب وشكور أوسع من باب حذر ويقظ ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر بن عاصم ( لرؤف ) على وزن رعف . ويقال هو الغالب على أهل الحجاز : قال جرير :
تـــرى المســـلمين عليـــك حقـــا كفعـــل الوالـــد الـــرؤف الرحـــيم
وعند قوله تعالى : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا الآية 165 من سورة البقرة . قرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ( يرى ) ومعناه لو يرون عذاب الآخرة لعلموا أن القوة لله جميعا . وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب ( ولو ترى ) بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به جميع الناس وجوابه محذوف تقديره لرأيتم أمرا عظيما . كما تقول : لو رأيت فلانا والسياط تأخذه . وإنما حذف الجواب لأن المعنى واضح بدونه ، قال أبو علي : وإنما قال " إذ " ولم يقل " إذا " وإن كانت " إذ " لما مضى لإرادة تقريب الأمر فأتى بمثال الماضي ، وإنما حذف جواب لو لأنه أقحم لذهاب المتوعد إلى كل ضرب من الوعيد . وقرأ أبو جعفر ( إن القوة لله ) بكسر الهمزة فيها على الاستئناف كأنه يقول : فلا يحزنك ما ترى من محبتهم أصنامهم : إن القوة لله جميعا .
وعند قوله تعالى : لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الآية 66 من سورة العنكبوت . " وليتمتعوا " قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بإسكان اللام على معنى الأمر ، والمعنى ليتمتعوا بباقي أعمارهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة كفرهم . وقرأ الباقون بكسر اللام في " ليتمتعوا " فجعلوا اللامين بمعنى " كي " فتقديره : كي يكفروا ولكي يتمتعوا . فيكون معنى الكلام : إذا هم يشركون ليكفروا وليتمتعوا : أي لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة .
ذلك هو موقف ابن الجوزي من القراءات يذكرها ثم يذكر المعنى على كل قراءة من تلك القراءات ليكون أبين وأوضح وأدعى إلى النفع .
تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة :
رأى ابن الجوزي بثاقب نظره وعميق فكره أن القرآن الكريم قد اشتمل على إيجاز وإطناب وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد وما جاء موجزا في مكان قد بسط في مكان آخر ، فكان لا بد من تفسير الموجز بالمبسوط . فكان يذكر الآية التي تقابل أو تفسر أو توضح الآية التي يقوم بتفسيرها ، ونلمس ذلك واضحا في تفسيره : فمثلا عند قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ الآية 37 من سورة البقرة " . قال : وفي الكلمات أقوال :
أحدها :
أنها قوله تعالى : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الآية 23 من سورة الأعراف . وفي قوله تعالى : فَتَابَ عَلَيْهِ قال : أصل التوبة الرجوع ، فالتوبة من آدم رجوعه عن المعصية وهي من الله تعالى رجوعه عليه بالرحمة ، وإنما لم يذكر حواء في التوبة لأنها لم يجر لها ذكر . لا أن توبتها لم تقبل ، وقال قوم : إذا كان معنى فعل الاثنين واحدا جاز أن يذكر أحدهما ويكون المعنى لهما كقوله تعالى : وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ سورة التوبة آية 63 ، وقوله تعالى : فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى سورة طه الآية 117 .
ومثلا عند قوله تعالى : لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ آية 103 من سورة الأنعام . قوله تعالى : لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ في الإدراك قولان أحدهما : أنه بمعنى الإحاطة ، والثاني بمعنى الرؤية . وفي ( الإبصار ) قولان أحدهما : أنها العيون : قاله الجمهور ، والثاني أنها العقول . ففي معنى الآية ثلاثة أقوال . القول الثالث منها : لا تدركه الأبصار في الدنيا : رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ومقاتل ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ سورة القيامة . فقيد النظر إليه بالقيامة وأطلق في هذه الآية ، والمطلق حمل على المقيد ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا الآية 31 من سورة النساء يقول : اجتناب الشيء تركه جانبا وفي الكبائر أحد عشر قولا :
أحدها : أنها سبع . فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي عند الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .
والثاني : أنها تسع . وروى حديثا عن عبيد بن عمير عن أبيه . والثالث : أنها أربع وروى كذلك حديثا في البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر . وروى عن أنس بن مالك . والرابع : أنها ثلاث فروى حديثا عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى في البخاري ومسلم عن أبي بكرة .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا الآيات من 60 - 66 من سورة الكهف . قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ سبب خروج موسى عليه السلام في هذا السفر ما روى عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه . فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك إلى آخر الحديث ، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
أسباب النزول :
من الأشياء البارزة والسمات الظاهرة التي كان يتبعها ابن الجوزي في تفسيره هي أسباب النزول ، فالآية يتضح معناها إذا علم سبب نزولها ، فنراه يذكر سبب النزول إذا كان للآية أو للسورة وكل ذلك واضح ظاهر في تفسيره .
فمثلا في سورة آل عمران وسبب نزولها يذكر فيها أنها مدنية ، وأن صدرا من أولها نزل في وفد نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا فيهم العاقب والسيد فخاصموه في عيسى . فقالوا إن لم يكن ولد الله فمن أبوه ؟ فنزلت فيهم صدر ( آل عمران ) إلى بضع وثمانين آية منها وقد ذكر سبب نزول سورة الأنفال على أقوال ثلاثة : الأول منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقال المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردعا فأبوا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت سورة الأنفال . . رواه عكرمة عن ابن عباس .
ويذكر في سبب نزول سورة يوسف قولين : أما القول الأول فروي عن سعد بن أبي وقاص قال : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا ، فأنزل الله تعالى : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إلى قوله : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا ، فأنزل الله تعالى : اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ سورة الزمر آية 23 ، كل ذلك يؤمرون بالقرآن . ويذكر في سبب نزول سورة المجادلة قوله تعالى : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا فقد روي عن عائشة أنها قالت : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب البيت أسمع كلامها ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها وتقول : يا رسول الله : أبلى شبابي ، وفترت له بطني ، حتى إذا كبر سني ، وانقطع ولدي ، ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك ، قالت : فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات . وأما الآيات فكان كذلك يتتبع نزول كل آية ويذكرها فهذا أحرى لتفسيرها وتوضيحها وبيان معناها والأمثلة كثيرة لتتبع الآيات ونورد بعضها .
فمثلا عند تفسير قوله تعالى : مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ سورة آل عمران آية 179 . ففي سبب نزولها خمسة أقوال ، أحدها : أن قريشا قالت : تزعم يا محمد أن من اتبعك فهو في الجنة ، ومن خالفك فهو في النار ، فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك . فنزلت هذه الآية . . هذا قول ابن عباس .
وعند تفسير قوله تعالى : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ سورة الرعد آية 7 ، اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال ، أحدها : أنها نزلت في كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك قاله ابن عباس وعند تفسير قوله تعالى : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ سورة عبس آية 37 ، ذكر أن سبب نزولها . روى أنس بن مالك قال : قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم : أنحشر عراة ؟ قال : نعم . قالت : واسوأتاه ، فأنزل الله تعالى : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ .
الأحكام الفقهية :
كان ابن الجوزي لا يترك حكما من الأحكام الفقهية إلا تعرض له وذكر الآراء التي قيلت فيه مع عدم التعرض للأرجح أو الصحيح اللهم إلا على لسان القائلين أنفسهم ، ونرى ذلك في كل الآيات التي تحتاج إلى أحكام فقهية وأدلى فيها العلماء بآرائهم وخاصة المذاهب الفقهية الأربعة وبعض تلاميذهم من الذين يلونهم . وترى ذلك واضحا في كل تفسيره ، وقلما كان يدلي برأيه . فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ سورة البقرة آية 179 يقول : نقل ابن منصور عن أحمد : إذا قتل رجل رجلا بعصا أو خنقه ، أو شدخ رأسه بحجر ، يقتل بمثل الذي قتل به ، فظاهر هذا أن القصاص يكون بغير السيف ، ويكون بمثل الآلة التي قتل بها . وهو قول مالك والشافعي ، ونقل عن حرب : إذا قتله بخشبة قتل بالسيف ، ونقل أبو طالب إذا خنقه قتل بالسيف ، فظاهر هذا أنه لا يكون القصاص إلا بالسيف وهو قول أبي حنيفة رحمه الله .
عند تفسير قوله تعالى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ سورة البقرة آية 184 ، يقول : وليس المرض والسفر على الإطلاق فإن المريض إذا لم يضر به الصوم لم يجز له الإفطار ، وإنما الرحمة موقوفة على زيادة المرض بالصوم ، واتفق العلماء أن السفر مقدر واختلفوا في تقديره : فقال أحمد ومالك والشافعي أقله مسيرة ثلاثة أيام : مسيرة أربعة وعشرين فرسخا ، وقال الأوزاعي أقله مرحلة يوم . مسيرة ثمانية فراسخ .
وعند تفسير قوله تعالى : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ سورة المائدة الآية 5 ، يقول :
فأما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى ، وطعامهم ذبائحهم : هذا قول ابن عباس والجماعة ، وإنما أريد بها الذبائح خاصة لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن تولاه من مجوسي وكتابي وإنما الذكاة تختلف . فلما خص أهل الكتاب بذلك دل على أن المراد الذبائح ، فأما ذبائح المجوس فأجمعوا على تحريمها ، واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان ؛ فروى ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس بها . وتلا قوله تعالى : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ المائدة آية 51 . وهذا قول الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وعكرمة ، وقتادة والزهري والحكم وحماد ، وقد روي عن علي وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل ، ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين :
إحداهما : تباح ذبائحهم وهو قول أبي حنيفة ومالك .
الثانية : لا تباح .
وقال الشافعي من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن لم يبح أكل ذبيحته .
وعند تفسيره لقوله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً سورة النحل آية 8 .
ويجوز أكل لحم الخيل ، وإنما لم يذكر في الآية لأنه ليس هو المقصود ، وإنما معظم المقصود بها الركوب والزينة . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك : لا تؤكل لحوم الخيل .
اللغة والنحو :
لقد اهتم ابن الجوزي اهتماما كبيرا باللغة العربية والنحو ويظهر ذلك من خلال تفسيره ، ولقد ورد ذلك أيضا في مقدمة تفسيره للجزء الأول ، حيث جاء في المقدمة : " لم يفته وهو يفسر مفردات القرآن أن يذكر اشتقاقها استكمالا للمعنى وزيادة في الفائدة .
فقد كان يورد الروايات والآراء التي وردت في تفسير اللفظ وما أيدها من الأشعار العربية والدلالة على معناها إلا أنه لم يكن يتعرض لها بالتعليق برأيه ، بل كان يوردها مجردة عن التعليق بمعنى كل قائل واستشهاده ، ثم بالنحو والإعراب وفي أحيان كثيرة يعرض للقراءات على الرفع أو على النصب أو خلافه ، فمثلا عند تفسيره لسورة الفاتحة قوله تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ يقول : فأما الرب فهو المالك ، ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالإضافة ، فيقال : هذا رب الدار ، ورب العبد . وقيل : هو مأخوذ من التربية .
قال شيخنا أبو منصور اللغوي - يقال : رب فلان صنيعته يربها ربا : إذا أتمها وأصلحها فهو رب وراب . قال الشاعر :
بـرب الــذي يــأتي مـن الخـير إنـه إذا ســـئل المعـــروف زاد وتممـــا
قال : والرب يقال على ثلاثة أوجه ، أحدها : المالك يقال : رب الدار ، والثاني : المصلح يقال : رب الشيء ، والثالث : : السيد المطاع قال تعالى : فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا سورة يوسف آية 41 . والجمهور على خفض باء رب . وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر بنصبها ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، والربيع بن خثيم ، وأبو عمران الجوفي برفعها وترى الإعراب والخلافات النحوية واضحة جلية عند تفسير قوله تعالى : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا سورة آل عمران آية 30 . قال الزجاج نصب اليوم بقوله : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ في ذلك اليوم . قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون متعلقا بالمصير ، والتقدير : وإلى الله المصير يوم تجد ، ويجوز أن يكون متعلقا بفعل مضمر ، والتقدير : اذكر يوم تجد . وفي كيفية وجود العمل وجهان أحدهما : وجوده مكتوبا في الكتاب ، والثاني وجود الجزاء عليه .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ سورة النساء آية 81 ، قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ نزلت في المنافقين كانوا يؤمنون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمنوا فإذا خرجوا خالفوا ، هذا قول ابن عباس . قال الفراء والرفع في طاعة على معنى أمرك طاعة .
قوله تعالى : بَيَّتَ طَائِفَةٌ قال ابن قتيبة : والمعنى فإذا برزوا من عندك ، أي خرجوا ، بيت طائفة منهم غير الذي تقول : أي : قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوك نهارا . قال الشاعر :
أتــــوني فلــــم أرض مــــا بيتـــوا وكــــانوا أتــــوني بشــــيء نكـــر
والعرب تقول : هذا أمر قد قدر بليل ، وفرغ منه بليل ، ومنه قول الحارث بن حلزة :
أجــمعوا أمـــرهم عشـــاء فلمـــا أصبحـــوا أصبحــت لهــم ضوضــاء
وقال بعضهم بيت بمعنى بدل وأنشد :
وبيــــت قــــولي عنــــد المليــــك قــــاتلك اللـــــه عبـــــدا كفـــــورا
فإننا نرى اللغة والإعراب وأشعار العرب في تفسير تلك المفردات اللغوية ورواية الشعر للاستشهاد وتفسير الألفاظ هي الطريقة المشهورة لابن عباس رضي الله عنه الذي قد نقل عنه ابن الجوزي ، ومن أهم مصادره وكذلك نجد المعاني البلاغية واضحة بارزة .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا سورة الأعراف آية 92 فيها أربعة أقوال : القول الأول : كأن لم يعيشوا في دارهم ، قاله ابن عباس والأخفش قال حاتم طيئ :
غنينـــا زمانــا بــالتصعلك والغنــى فكــلا ســقاناه بكأســيهما الدهــر
فمــا زادنــا بغيــا علـى ذي قرابـة غنانـــا ولا أزرى بأحســـابنا الفقــر
قال الزجاج : معنى غنينا : عشنا - والتصعلك : الفقر - والعرب تقول للفقير صعلوك . والثاني : كأن لم يتنعموا فيها ، قاله قتادة .
والثالث : كأن لم يكونوا فيها ، قاله ابن زيد ومقاتل .
والرابع : كأن لم ينزلوا فيها ، قاله الزجاج . قال الأصمعي : المغاني : المنازل ، يقال : غنينا بمكان كذا . أي نزلنا به . وقال ابن قتيبة كأن لم يقيموا فيها .
ومعنى غنينا بمكان كذا : أقمنا . قال ابن الأنباري وإنما كرر قوله : الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا للمبالغة في ذمهم : كما تقول : أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي شتم أعراضنا .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ سورة إبراهيم ، آية 10 ، يقول : هذا استفهام إنكار والمعنى لا شك في الله أي في توحيده ( يدعوكم ) بالرسل والكتب لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قال أبو عبيدة - من زائدة - كقوله : فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ سورة الحاقة ، آية 47 . قال أبو ذؤيب :
جـــزيتك ضعـــف الحـــب لمــا شــكوته ومـا إن جــزاك الضعـف مـن أحـد قبلـي
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا سورة الواقعة الآية 25 ، يقول : فإن قيل التأثيم لا يسمع فكيف ذكره مع المسموع ؟ فالجواب أن العرب يتبعون آخر الكلام أوله ، وإن لم يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر ، فيقولون : أكلت خبزا ولبنا ، واللبن لا يؤكل ، وإنما حسن هذا لأنه كان مع ما يؤكل . قال الفراء أنشدني بعض العرب :
إذا مــــــا الغانيــــــات بــــــرزن يومـــــا وزججـــــــن الحواجـــــــب والعيونـــــــا
قال : والعين لا تزجج وإنما تكحل فردها على الحاجب لأن المعنى يعرف . .
موقفه من الإسرائيليات :
لقد جاء في مقدمه تفسير " زاد المسير " في الجزء الأول منه ما يظهر موقفه من الإسرائيليات التي ذكرها وأوردها في تفسيره ، فقد ذكر في المقدمة " ومن إيراد طائفة غير قليلة من الأخبار الإسرائيلية الغربية التي أغنانا الله عنها بما هو أصح منها وأنفع وأوضح وأبلغ وغالبه مما لا يتعلق به كبير فائدة ، ولا حاصل له مما ينفع به في الدين " .
فنراه قد روى بعض الأخبار الإسرائيلية عن رواة اشتهروا برواية تلك الأخبار من أمثال كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، والسدي وغيرهم كأبي صالح الكلبي . فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ سورة الأنبياء آية 83 - 84 .
يذكر قصصا طويلة عن أيوب لا يتسع المقام لذكرها . رواها عن وهب بن منبه ، وهي رواية غريبة لا يصدقها العقل أو المنطق ، ولا تليق بمقام الأنبياء لما فيها من المنافاة لمقامهم عند الله .
وقد ذكر هذه القصة في تفسيره في الجزء الخامس من زاد المسير من ص 375 إلى ص 378 .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ سورة النمل آية 35 ، يسرد في ذلك قصة طويلة هي أقرب ما تكون إلى الخيال .
يقول : إنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفا ، وثلاثين وصيفة ، وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ، ثم كتبت إليه ، إني بعثت إليك بهدية فأقبلها وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر ، فأدخل فيها خيطا على طرفي الخيط بخاتمتك ، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفة وثلاثين وصيفا فميز بين الجواري والغلمان ، فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه ، فقال له : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [ لبنا ] ، من الذهب . .
وهكذا حتى نهاية القصة وقد نسبها إلى ابن عباس ، وقد علق ابن كثير رحمه الله عليها قائلا : والله أعلم أكان ذلك أم لا ؟ وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات . ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا سورة القصص آية 38 . نراه قد ذكر رواية غريبة عن بناء الصرح والعمال والفعلة وأنهم خمسون ألف بناء سوى الأتباع إلى آخر الرواية ، ورميه بالنشابة وأنها رجعت ملطخة بالدم ، فقال : قتلت إله موسى .
وقد روى هذه الرواية الطبري عن السدي ورواها السيوطي عن السدي وقد علق عليها القرطبي قائلا : والله أعلم بصحة ذلك .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ سورة ص آية 21 . فقد روى عن وهب أنه قال : كانت الحمامة من طيور الجنة ، وقال السدي تصور له الشيطان في صورة حمامة . قال المفسرون : إنه لما تبع الحمامة رأى امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل ، وقيل : بل على سطح لها ، فعجب من حسنها ، فحانت منها التفاتة فرأت ظله ، ففضت شعرها فغطى بدنها فزاده ذلك إعجابا بها ، فسأل عنها ، فقيل : هذه امرأة أوريا ، وزوجها في غزاة فكتب داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وكذا وقدمه قبل التابوت ، وكان من قدم قبل التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح عليه أو يستشهد . .
إلى نهاية القصة التي لا تليق بشخص عادي فما بالك بنبي من أنبياء الله . وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص ، جلدته مائة وستين جلدة وهي حد الفرية على الأنبياء . . ومثلا عند تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ سورة ص آية 33 .
يقول : ولقد فتنا سليمان أي ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا أي على سريره " جسدا " وفيه قولان :
أحدهما : أنه شيطان قاله ابن عباس والجمهور ، وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة أقوال أحدها : أنه صخر ، والثاني أنه آصف ، إلى آخر هذه القصة التي ذكر فيها سبب الابتلاء . وكانت في خصومة قضى فيها بالحق إلا أن هواه كان مع أهل زوجته الذين كانوا طرفا في القضية ، وقد ذكر هذه القصة في الجزء السابع من ص 132 إلى ص 136 .
وقد علق على هذه الأقوال بعض المفسرين كابن كثير وقال إنها من الإسرائيليات . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ص 143 : وأما ما يحكى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فالله أعلم بصحته . وقد علق ابن كثير على قصة إعطاء جرادة الخاتم حين ذهابه إلى الخلاء بإسناده إلى ابن عباس ولكنه يقول - ولكن الظاهر أنه تلقاه - إن صح عنه من أهل الكتاب .
وهكذا نرى أن جميع تلك القصص قد نقلها ابن الجوزي عن الإسرائيليات وحشا بها تفسيره حشوا مما لا يليق في حق إنسان عادي فكيف بالأنبياء ؟
ترجيحه بعض الآراء على بعض :
قلما كان لابن الجوزي نظرة ترجيحية في الأقوال أو ترجيح رأي على رأي آخر ، وإنما كان يسرد الآراء سردا على لسان قائليها دون أن يعقب عليها أو يكون له رأي فيها ، وقد ذكر ذلك في مقدمة التفسير " وكذلك لم يحاول ترجيح رأي على رأي أو معنى على معنى ، ولا ناقش ما يحكيه من أقوال إلا في مواضع قليلة " . .
فمثلا عند تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا سورة ص آية 33 . وبعد أن يذكر الأقوال التي يراد بها الجسد يقول : والمفسرون على القول الأول . ونحن نذكر قصة ابتلائه على قول الجمهور . وهو يقصد بالقول الأول الذي قاله ابن عباس والجمهور أن الذي ألقي على الكرسي شيطان ، وهذه من نظراته الترجيحية القليلة .
وبعد ذلك تذكر القصة كيفية ضياع الخاتم ، ويذكر ابن الجوزي كل تلك الأقوال الصحيح منها والدخيل من أهل الكتاب والإسرائيلية فلا يعلق عليها بشيء ، مع أهمية هذا لأنه يمس نبيا من الأنبياء . والأنبياء لهم العصمة وهم منزهون عن كل ما لا يليق .
ومن نظراته الترجيحية القليلة أيضا ، أنه علق على قصة الشيطان الذي استولى على ملك سليمان : هل كان يأتي نساء سليمان ، فبعض الأقوال ذكرت أنه كان يأتيهن في زمن الحيض ، والقول الآخر أنه لم يقدر عليهن . وقد علق عليها ابن الجوزي قائلا : وهذا هو الصحيح : أي عدم إتيانه لهن .
ومن نظراته الترجيحية أيضا : أنه علق على قصة سليمان واستيلاء الشيطان على ملكه ، بأنه آصف الذي قال لسليمان عندما فتن : أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب الله عليك ، فقام في مقامه وسار بالسيرة الجميلة ، وقد علق ابن الجوزي على هذا بقوله : وهذا لا يصح ولا ذكره من يوثق به .
وقد كانت هناك أشياء تمس العقيدة فلم يتعرض لها بالرأي أو الترجيح ، مثل وجود الأوثان في بيت سليمان وعبادتها ، وخصوصا وأن العبادة استمرت أربعين يوما كما تقول الرواية ، وقد علق عليها بعض المفسرين الآخرين .
وكذلك في قصة امتحان داود عليه السلام وما ذكر من تلك القصة الطويلة والافتراءات التي تقول برؤيته لامرأة أوريا وحبه لها ورغبته فيها ، يذكر ذلك كله ابن الجوزي دون أن يتعرض له بالتعليق أو التكذيب ، وخصوصا وأنه مروي عن وهب بن منبه وهو ممن اشتهروا بالإسرائيليات . ولا يزيد عن قوله : " هذا قول وهب بن منبه " .
وكذلك في قصة أيوب عليه السلام وما كان من امتحانه وابتلائه بمرضه وإعراض الناس عنه ، وسبب هذا الابتلاء ، وقد رويت كذلك عن وهب بن منبه ، وقيل عنها : إن بها غرابة ، وقيل كذلك إنها من الإسرائيليات ، ولم يعلق ابن الجوزي برأيه أو يدلي بدلوه .
ومن النظرات الترجيحية القليلة التي أبداها عند تفسيره لقوله تعالى : لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ سورة يوسف آية 25 ، قال : وفي البرهان ستة أقوال : أحدها : أنه مثل له يعقوب . روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : نودي يا يوسف أتزني فتكون مثل الطائر الذي نتف ريشه فذهب يطير فلم يستطع فلم يعط على النداء شيئا ، فنودي الثانية فلم يعط على النداء شيئا فتمثل له يعقوب فضرب صدره ، فقام فخرجت شهوته من أنامله .
والثاني : أنه جبريل عليه السلام ، والثالث : أنها قامت إلى صنم في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال لها يوسف : أي شيء تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه السوأة . فقال : أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت ، فهو البرهان الذي رأى .
والرابع : أن الله بعث إليه ملكا فكتب في وجه المرأة بالدم وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا الإسراء آية 32 .
والخامس : أن سيده دنا من الباب ، والسادس : أن البرهان هو علم ما أحل الله مما حرم الله ، فرأى تحريم الزنا . قال ابن قتيبة : رأى حجة الله عليه وهي البرهان . .
فكان من تعليق ابن الجوزي عليه بأن قال :
وهذا هو القول الصحيح وما تقدمه فليس بشيء وإنما هي أحاديث من أعمال القصاص ، وقد أشرت إلى فسادها في كتاب " المغني في التفسير " وكيف يظن بنبي كريم أنه يخوف ويرعب ويضطر إلى ترك هذه المعصية وهو مصر هذا غاية القبح . .
تلك هي النظرات الترجيحية التي أبدى بعضها ابن الجوزي وهي قليلة إذا قيست على غيره من المفسرين الذين يدلون بآرائهم أو يرجحون بعض الآراء على بعضها الآخر بما لهم من خبرة وعلم دون أن يتركوا القارئ يتخبط في تلك الأقوال لا يدري الصحيح منها أو غير الصحيح أو الأحسن أو الأفضل .
وفاة ابن الجوزي :
بعد حياة حافلة بالعمل الدائب المستمر لخدمة الإسلام ورفعة شأن السنة المحمدية ومحاربة البدع والمبتدعة ، مرض الشيخ مدة لا تزيد على خمسة أيام توفي على أثرها رحمه الله رحمة واسعة .
وكانت وفاته ليلة الجمعة الثاني عشر من رمضان بين العشاءين سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، ودفن من الغد في باب الحرب ، وأجمع من ترجموا له على أن يوم وفاته كان يوما مشهودا في بغداد ، فقد ازدحم الناس لتشييعه إلى مثواه الأخير ، وغلقت الأسواق ، وأفطر بعضهم لشدة الزحام والحر ولم يصل إلى حفرته عند قبر الإمام أحمد بن حنبل إلا وقت صلاة الجمعة ، وحزن الناس عليه كثيرا حتى قيل : لم يخلف بعده مثله . .
ذلك هو ابن الجوزي الذي أوقف حياته على العلم والدراسة وخدمة الدين ورفع رايته لمحاربة التيارات المعادية للإسلام ، حتى ولو كلفته سجنه ونفيه .
ذلك هو ابن الجوزي الإمام المحدث الفقيه العالم الذي فسر القرآن على منبره ، المؤلف صاحب التصانيف العديدة الذي التزم في تفسيره بالمأثور لا بطريقة التفسير بالرأي .
جزى الله ابن الجوزي خيرا على ما قدمه للإنسانية من ثروة ضخمة وما قدم للإسلام من خير ولأهله من نفع . . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
ابن الجوزي ومنهجه في التفسير
بقلم : أحمد فهيم مطر
(مجلة البحوث الإسلامية بإشراف ومسؤولية الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية - العدد الحادي والثلاثون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1411هـ)
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ، وبعد : لقد استهوتني دراسة شخصية ابن الجوزي لما اتصف به من صفات كثيرة كانت محل إعجاب من عاصره أو قام بدراسته ، فقد كان من أكبر المؤرخين في عصره الذين كتبوا التاريخ بأمانة ودقة رغم التيارات الكثيرة والفتن التي كانت متفشية في ذلك العصر .
وقد كان ابن الجوزي كذلك إماما في الحديث وقد أطلق عليه لقب الحافظ مما يدل على مكانته وتمكنه ، وكان محدثا وواعظا ومفسرا ، حتى إنه قد فسر القرآن الكريم على منبر وعظه ، وكان أديبا وله بعض الأشعار ، وقد أكثر من التصانيف مما لم يقم به عالم قبله أو محدث أو فقيه ، وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيفه ما بين الثلاثمائة والأربعمائة مصنف ، وهذا هو الذي استهواني في دراسة شخصية ابن الجوزي والوقوف على بعض الملامح والصفات التي كان يتحلى بها ، والوقوف كذلك على التيارات والفتن التي كانت سائدة في ذلك العصر الذي عاش فيه .
وأرجو أن يوفقني الله في نقل صورة حسية للقارئ ، فأكون قد أديت بعض ما يجب علينا تجاه تلك الشخصية الفريدة .
والله يوفقنا إلى ما فيه الخير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
حياة ابن الجوزي
أسرته :
كان أهله تجارا في النحاس فلهذا يوجد في بعض سماعاته القديمة ابن الجوزي الصفار وذكر أن والده كان يعمل الصفر بنهر القلائين . مات والده وله من العمر ثلاث سنوات فكان يتما مبكرا بالنسبة له ، ولكن ذلك لم يؤثر عليه من الناحية المادية ، فالأسرة كانت على جانب من الثراء لا تحتاج فيه إلى أن تجعله يتعلم صنعة أو حرفة يقتاتون منها أو يتعايشون ، فكانت وجهتهم هي طلب العلم .
أما والدته فقد ظلت على قيد الحياة حيث سبقها إلى الموت بأيام . وتولى رعايته بعد أبيه عمه أبو البركات الذي حمله إلى الحافظ أبي الفضل ابن ناصر لتسميعه الحديث . وتشير بعض المصادر إلى أن عمته هي التي حملته إلى ابن ناصر وقرأ عليه .
وكان لابن الجوزي ثلاثة إخوة وأختان : أولهما عبد الله وعبد الرزاق والثالث محمد . أما الأختان فقد شاركته إحداهما في التلمذة على بعض شيوخه .
ولابن الجوزي أبناء ثلاثة : عبد العزيز وهو أكبرهم مات شابا في حياة والده ، ثم أبو القاسم علي ، وقد كان عاقا لوالده ألب عليه في زمن المحنة وغيرها وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الأثمان ، ثم محيي الدين يوسف وكان أنجب أولاده وأصغرهم ووعظ بعد أبيه ، ثم باشر حسبة بغداد ، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد ، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم ، وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن : رابعة أم سبطة أبي المظفر صاحب مرآة الزمان .
وخلاصة القول أن أسرة ابن الجوزي كانت من الأسر التي تهتم بالعلم والمعرفة ، فقد أسهم ابن الجوزي هو وأبناؤه في بناء الفكر العربي والإسلامي وإمداد المكتبة العربية بكل ما هو نافع ومفيد .
مولده ونشأته :
هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري ( من ذرية أبي بكر الصديق ) الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي وعرف بابن الجوزي نسبة إلى جده الأكبر جعفر ( الجوزي ) وسمي جده بالجوزي نسبة إلى مشرعة الجوز أو إلى فرضة فيها يقال لها جوزة ، هي محلة أو فرضة في البصرة ويقال إن جوزة فرضة على شاطئ دجلة قريبا من بغداد .
ولد سنة ثمان وخمسمائة ، وقيل سنة تسع ، وقيل سنة عشر ، وكان مولده بدرب حبيب ، وتوفي والده وهو صغير فكفلته أمه وعمته وتوجها به إلى العلم ، فحملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر فأولاه عناية كبيرة لما رأى من بوادر نبوغه وإقباله وحرصه على العلم وهو صغير ، وحفظ القرآن الكريم وقرأه على جماعة من أئمة القراء .
وسر نجاح ابن الجوزي يكمن في قوة بديهته ، وسرعة بادرته ، وحضور ذهنه ، ونوادر أجوبته ، مع كثرة محفوظه وسعة روايته .
ولقد انقطع ابن الجوزي للدرس ومجالس العلم وترك ما كان أترابه يلهون به من اللعب ؛ للتوفر على الحفظ ، والتوغل في طريق علوم زمانه وثقافته " وكان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان " .
وهكذا درج ابن الجوزي منذ صغره يحب العلم ، ويشغف بالتحصيل في فنون العلم ، وقد تحدث ابن الجوزي في كتابه " لفتة الكبد " فقال :
" كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون وأنا في زمن الصبا آخذ جزءا ، أقعد حجرة من الناس إلى جانب الرقة فأتشاغل بالعلم " .
وكانت بغداد مشرقة زاهرة بعلومها وفنونها زاخرة بالعلم والعلماء ، فنهل ابن الجوزي من هذا المنهل الفياض الذي لا يغيض ، دفعه إلى ذلك حبه للعلم وولوعه به ، وتحدث هو عن نفسه في كتابه " صيد الخاطر " فقال : فأقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري : إنني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به ، ثم لم يحبب إلي فن واحد منه ، بل فنونه ، ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه ، بل أروم استقصاءه والزمان لا يسع ، والعمر أضيق والشوق يقوى ، والعجز يقعد ، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات " .
وقد أخذ ابن الجوزي العلم عن خاله الشيخ أبي الفضل أكثر من ثلاثين سنة ، وكذلك أخذ الحديث والوعظ على يد الشيخ الزاغوني ، وأخذ الفقه كذلك عن أبي بكر الدينوري الحنبلي ، ودرس اللغة على أبي منصور الجواليقي ، والحديث عن ابن عبد الواحد الدينوري ، وقد جمع شيوخه في مشيخته " ذكر منهم ستة وثمانين شيخا " وكان يحارب أهل البدع وقد أعلن عليهم ذلك دون هوادة أو خوف ، وقيل له مرة : قلل من ذكر أهل البدع مخافة الفتن فأنشد :
أتــوب إليـك يـا رحـمن ممـا جـنيت فقــــــد تعـــــــاظمت الذنـــــــوب
وأمــا عــن هــوى ليلــى وتــركي زيارتهـــــــا فـــــــإني لا أتـــــــوب
وقال له قائل : ما فيك عيب إلا أنك حنبلي ، فأنشد :
وعـــيرني الواشــون أنــي أحبهــا وتلـك شــكاة ظـاهر عنـك عارهـا
وليس عجيبا أن يجلس الواعظ في بغداد منذ سنة 527 هـ وسنة دون العشرين ، ومازال يدرس ويعظ ويؤلف حتى أصبح إمام بغداد وواعظها الأول .
وكان يحضر مجلسه عامة الناس وخاصتهم ، ويتزاحمون على حضور تلك المجالس ، حتى لقد حرز الجمع في بعض المجالس بمائة ألف ، وهذا العدد وإن كان يدل على المبالغة إلا أنه يدل دلالة قاطعة على كثرة العدد وشدة الزحام ، وإقبال الناس على مواعظه وحضور مجالسه ، وكان الخليفة يحضر وعظه ومجالسه في المناسبات ، وكان أبو الفرج يلقي الموعظة على الخليفة ولا يخشى في ذلك شيئا .
وذكر أنه تكلم يوما بحضرة الخليفة وحكى له موعظة شيبان للرشيد : وقال فيما قال : يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك ، وإن أمسكت خفت عليك وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك .
وفي آخر حياته وشى به حساده عند الخليفة فأرسل من أهانه وشتمه وختم على داره ، وشتت عياله ، وأخذ في سفينة إلى واسط فحبس في دار هناك ، ومكث على ذلك الحال خمس سنين وهو يقوم بشئون نفسه من غسل وطبخ ، حتى استطاع ابنه يوسف أن يجتهد وباجتهاده توصل إلى أم الخليفة فشفعت للشيخ فأطلق سراحه .
طلبه للعلم :
نشأ ابن الجوزي منذ نعومة أظفاره يحب العلم ويختلف إلى العلماء ( ولم يكن يفعل مثل الصبيان يلعبون ويلهون ويضيعون أوقاتهم في اللعب والجري ، ولكنه أوقف نفسه على الحفظ والتوغل في العلم ، وقد كان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان ) .
ولقد وجد ابن الجوزي المناخ مهيأ له والأمور تسير رخاء بريح طيبة ، فأهله كانوا يشجعونه على العلم ، وشيوخه كذلك عندما لمسوا فيه حب العلم والتعلق به ، وكان أولهم خاله ابن ناصر ، وكذلك وجد بغداد تعج بالعلماء والمفكرين ، فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي كله تزدهر بالعلوم وتشرق بالمعارف وتتيه بالعلماء .
وقد وصل ابن الجوزي قمة النضج العلمي حتى أطلق عليه لقب الحافظ دلالة على مكانته العلمية الكبيرة ، وقد تحدث عن نفسه فقال : أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة ، وسمعت قبل ذلك " .
ولقد برع وتفوق في كل علم من العلوم وفن من الفنون ، فكان في الفقه إماما يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء الحنابلة .
أما في التفسير فكان لا يجارى ولا يبارى حتى أنه قد فسر القرآن الكريم على منبر وعظه ، وكان يقول : " ما عرفت واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن ، فالحمد لله المنعم " .
ولقد بلغت مؤلفاته وتصانيفه في القرآن وعلومه سبعة وعشرين كتابا كان من أبرزها كتابه الشهير " زاد المسير في علم التفسير " .
وكان من المبرزين في التاريخ المتوسعين فيه ، فكتب وترجم لكبار الصحابة والفقهاء ، أما في الوعظ فكان وحيد عصره ونابغة قرنه ، بدليل تسابق العامة والخاصة والأمراء والخلفاء على مجالس وعظه ، وكان الناس يقصدونه للتوبة على يديه ، ولقد حضر بعض هذه المجالس الرحالة العربي ابن جبير عند زيارته لبغداد عام خمسمائة وثمانين من الهجرة ، وقد أطنب في وصفها وتأثيرها العام في المجتمع حتى قال : " تساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح " وقال ابن رجب : " إذا وعظ اختلس القلوب وتشققت النفوس دون الجيوب " ، وكان ابن الجوزي كذلك أديبا ومحدثا ، ويرتجل ما يريد ارتجاله ، وقد حفظت لنا المصادر بعض أشعار ابن الجوزي ووصفتها بأنها حسنة أو فائقة أو لطيفة .
وكان له مؤلفات وتصانيف كثيرة ، وقد ذكرت بعض المصادر أن الكراريس التي كتبها ابن الجوزي لو جمعت وقسمت على أيام حياته لكان له في كل يوم تسع كراريس .
وقد اختلف المؤرخون في عدد تصانيف ابن الجوزي ما بين الثلثمائة والأربعمائة مصنف .
ولهذا فقد وصل ابن الجوزي إلى مكانة علمية لم يتوصل إليها أحد قبله وبلغ منزلة لم يرق إليها عالم قط .
مذهبه :
كان ابن الجوزي على مذهب أهل السنة ومذهب الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه ، وكان يذم من يخالفهم ، ويصرح بمذاهبهم في مسائل الأصول وخاصة مسألة القرآن ويتكلم عنهم كثيرا في كتبه ، وكان على حرب دائمة مع أهل البدع والخرافات .
وقال يوما على المنبر : أهل البدع يقولون : ما في السماء أحد ، ولا في المصحف قرآن ، ولا في القبر نبي . ثلاث عورات لكم .
وقد كان له خطة ومذهب ظهرا واضحين في كتابه " تلبيس إبليس " الذي تحدث فيه عن كثير من المفاسد والمبتدعات التي تفشت في ذلك العصر ، ومنها البدع الصوفية التي أنكرها ، ولم يقف على حد الإنكار ولكنه أعلن عليها حربا لا هوادة فيها .
ومع ذلك فإن بعض أصحاب مذهب الإمام أحمد نقموا على ابن الجوزي بعض آرائه ، لأنه لم يكن يتعصب تعصبا كاملا للمذهب ، وكان يرى في نفسه عدم وقوفه على رأي ، بل لا بد من استعمال العقل والفكر .
يقول عنه ابن رجب الحنبلي في طبقات الحنابلة :
" نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا ميله إلى التأويل في بعض كلامه ، واشتد نكيرهم عليه في ذلك ، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف ، وهو إن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحل شبه المتكلمين وبيان فسادها .
وكان دفاع ابن الجوزي عن السنة والمذهب السلفي ومحاربة الصوفية وأهل البدع من الشيعة ، كان سببا في إيذائه وإدخاله السجن ، وإهانته ، وختم داره ، ومكوثه في السجن خمس سنين .
أعماله :
أوقف الشيخ حياته على العلم ، فتعلم وأخذ من العلم حظا كبيرا ، وفاق أقرانه ، ولم يتفوق في علم واحد من العلوم ، وإنما تفوق في جميع العلوم التي كتب فيها حتى علوم الطب .
وكان من مبادئه أن يخدم الإسلام ويرفع راية السنة المحمدية ، فأوقف حياته على محاربة البدع والمبتدعة وأهل الكلام والشيعة ، ومن أعماله التي أوقف نفسه عليها هي : مجالس الوعظ والإرشاد . فقد كانت تؤتي ثمارها ، وتؤثر في الناس تأثيرا كبيرا لدرجة أن الناس كانوا يتلقونه بالشموع التي حزرها بعضهم بألف شمعة . وقال ابن القطيعي : انتفع الناس بكلامه فكان يتوب في المجلس الواحد مائة وأكثر في بعض الأيام ، وكان يجلس بجامع المنصور يوما أو يومين في السنة فتغلق المحال ويحزر الجمع بمائة ألف .
وسلمت إليه المدرسة التي للجهة ( بنفشا ) وكتب في كتاب الوقف أنها وقف على أصحاب أحمد ، وأنها مفوضة إلى ناصر السنة ابن الجوزي . وكان يعظ الأمراء والخلفاء ولا يخاف قول الحق لهم . لأنه يسعى إلى هدف معين هو إعلاء كلمة الله ورفع راية السنة المحمدية ، لا يريد مالا ولا جاها ولا منصبا ولا مكسبا من مكاسب الدنيا .
وقد بنى ابن الجوزي مدرسة بدرب ديناء ودرس بها سنة سبعين ، وذكر أول يوم تدريسه بها أربعة عشر درسا من فنون العلم ، وزاد عدد المدارس بعد ذلك حتى صارت خمس مدارس كلها في خدمة العلم والتعليم ، ويكفيه من العمل تلك المصنفات الكثيرة التي ألفها في كل علم وكل فن .
منهجه في التفسير :
لقد نهج ابن الجوزي في تفسيره للقرآن الكريم نهج السلف الصالح وأهل السنة ، وقد استقى تفسيره من مصادر كثيرة أهمها ما يأتي :
مصادره في القراءات :
كان أهم مصدر للتفسير في القراءات هم شيوخه الذين درس عليهم ، وتعلم على أيديهم هذا العلم ، ثم ما لبث أن تفوق عليهم جميعا ، وألف في هذا العلم كتابا يسمى " الإشارة إلى القراءة المختارة " أربعة أجزاء مما يدل على تضلعه وتمكنه من هذا العلم .
والشيوخ الذين تلقاه عليهم هم :
أبو الحسن علي بن عبد الله الزاغوني ، وأبو منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون المقرئ ، وأبو عبد الله بن الخياط المقرئ ، وأبو الفضل أحمد بن الحسين المقرئ ، وأبو منصور عبد الرحمن القزاز ، وأبو حفص عمر بن ظفر بن أحمد المقرئ .
وقد قرأ بالروايات في كبره على ابن الباقلاني بواسط حين كان منفيا بها ، وقرأ بالعشر على أبي بكر محمد بن الحسن المزرفي . ثم تتبع بعد ذلك أصحاب القراءات المشهورة ، وكانت مصادره في تفسيره منهم ، ومن هؤلاء :
ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو عمرو ، وحفص ، وطلحة وغيرهم كثير كقتادة والفراء والأخفش .
مصادره في التفسير :
كان مصدره الأول هو ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار ثم الصحابة رضوان الله عليهم . من أمثال علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس . ثم ما روي عن التابعين من أمثال ابن جبير وعكرمة وطاوس اليماني ، وعطاء بن أبي رباح ، وأبي العالية ، والحسن البصري ، وأبي سعيد الخدري ، وقتادة ، والسدي ، والحسن ، وابن جريج .
أما المصادر التي نقل عنها ففي طليعتها تفسير ابن جرير ، وكتب الحديث ، وكتابا ابن قتيبة " مشكل القرآن " ، " غريب القرآن " ، وكتب معاني القرآن ولا سيما كتابا الفراء والزجاج ، والحجة لأبي علي الفارسي ، و " مجاز القرآن " لأبي عبيدة ، وكتب ابن الأنباري في القرآن ، وأسماء الله الحسنى للخطابي وغيرها .
وقد أخذ عن غير هؤلاء من تلاميذ الصحابة رضوان الله عليهم . كعلقمة بن قيس ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، ومرة الهمذاني ، وعامر الشعبي ، وقتادة بن دعامة الدوسي ، وهؤلاء من تلاميذ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . وأخذ كذلك عن عبيدة السلماني ، وأبي الطفيل ، والحسين بن علي رضي الله عنه وهؤلاء من تلاميذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأخذ كذلك عن زيد بن أسلم ، وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي وهؤلاء من تلاميذ أبي بن كعب رضي الله عنه .
فهؤلاء هم : أقطاب التفسير وأعلامه الذين أخذ عنهم ، وعن الذين تتلمذوا عليهم حتى انتهت إليه الرئاسة في التفسير والفتوى ، وكان أكثرهم شهرة هو ابن عباس الذي لقب بالحبر والبحر لكثرة علمه ومعرفته بمعاني كتاب الله .
مصادره في أسباب النزول :
كان من أول مصادره في ذلك هم الصحابة رضوان الله عليهم ، فقد فسروا القرآن بما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما شاهدوه من الأحداث التي كان القرآن ينزل بها ، وأشهرهم عبد الله بن عباس وابن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب . ومن أكثر هؤلاء رواية ومعرفة هو : عبد الله بن عباس الذي نشأ في بيت النبوة وكان ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يشهد كثيرا من المواقف والظروف والملابسات والحوادث التي تنزل فيها الآيات القرآنية ، وكان يسأل الصحابة ويعرف منهم مواطن نزول القرآن وتواريخ التشريع وأسباب النزول .
ويلي ابن عباس في المرتبة ابن مسعود ، وقد كان أحفظ الصحابة لكتاب الله .
فقد روي عن مسروق قال : قال عبد الله - يعني ابن مسعود - والذي لا إله غيره ما تركت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته . ويلي ابن مسعود رضي الله عنه ، فقد كان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل . فعن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم نهار ، أم في سهل أم في جبل . . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي رضي الله عنه أنه قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وأين نزلت .
ويلي هؤلاء أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي وكان سيد القراء وأحد كتاب الوحي ، ومن أعلم الصحابة بكتاب الله ، وكان عارفا بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها ، وكان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآيات التي لا يعرف معناها
مصادره النحوية واللغوية :
كان مصدره الأول في اللغة والنحو هو أبو منصور الجواليقي الذي تعلم منه الأدب واللغة وقرأ عليه كتاب المعرب .
والوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة وكانت له معرفة بالنحو واللغة والعروض وصنف ووزر للمقتفي .
أما مصادره التي نقل عنها فهي كتب ابن قتيبة ، والفراء ، والزجاج ، وأبي علي الفارسي ، وأبي عبيدة في كتبهم مشكل القرآن ، وغريب القرآن ، وكتب معاني القرآن والحجة ، ومجاز القرآن ، وبذلك كتب ابن الأنباري في القرآن .
وكذلك الأصمعي ، والمبرد ، وابن فارس ، وأبو معاذ النحوي ، وثعلب ، والفراء ، والكسائي ، وإبراهيم بن السري ، وأبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني ويونس بن حبيب النحوي .
مصادره الفقهية :
أما مصادره الفقهية فكثيرة وتعتبر مصادره الأولى " فقد قرأ الفقه والخلاف والأصول على أبي بكر الدينوري ، والقاضي أبي يعلى ، وتتبع مشايخ الحديث والفقه ، وكان منهم القاضي أبو بكر الأنصاري ، وأبو القاسم الحريري ، وأبو السعادات المتوكلي ، وأخوه يحيى ، وأبو عبد الله البارع ، وأبو الحسن علي بن أحمد الموحد ، وأبو غالب الماوردي ، وأبو منصور بن خيرون ، وأبو القاسم السمرقندي ، وعبد الملك الكرخوي وأبو سعد الزوزني وأبو سعد البغدادي ويحيى بن الطراح ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن ، وأبو القاسم علي الهروي ، وأبو منصور القزاز ، وعبد الجبار بن منده .
أبرز سمات تفسير ابن الجوزي :
أبرز سمات تفسيره أنه كان يذكر الآية من القرآن ويتناولها بالتفسير السهل الواضح ، ويذكر سبب نزولها إن كان هناك سبب للنزول ، وكذلك كان يفسر الآية بالآية . وهذا ما يسمي تفسير القرآن بالقرآن ، وكذلك كان يتناول معاني الألفاظ اللغوية بالإيضاح والبيان ، وإن كان فيها أكثر من رأي ذكره ، وكان يفسر بالمأثور مع تناول الأحكام الفقهية والتعرض لها والقراءات التي وردت بها الآية . ومن خلال ذلك نستطيع أن نتناول كل موقف وكل سمة من هذه السمات بشيء من التفصيل .
مواقفه من القراءات :
لقد ذكر ذلك في مقدمة زاد المسير " وقد ألم أيضا بمشهور القراءات وأطراف من شواذها ، ونقل توجيهها في العربية عن أئمة هذا العلم . ومعنى ذلك أنه كان يذكر مشهور القراءات ثم يذكر التوجيه التي توجه إليه ، والمعنى الذي يقصد منها على ذلك التوجيه . فنرى مثلا عند ذكره وتفسيره لقوله تعالى : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ الآية 143 من سورة البقرة " يقول " لرءوف " قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم ( لرءوف ) على وزن لرعوف في جميع القرآن ، ووجهها أن فعولا أكثر في كلامهم من فعل ، فباب ضروب وشكور أوسع من باب حذر ويقظ ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر بن عاصم ( لرؤف ) على وزن رعف . ويقال هو الغالب على أهل الحجاز : قال جرير :
تـــرى المســـلمين عليـــك حقـــا كفعـــل الوالـــد الـــرؤف الرحـــيم
وعند قوله تعالى : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا الآية 165 من سورة البقرة . قرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي ( يرى ) ومعناه لو يرون عذاب الآخرة لعلموا أن القوة لله جميعا . وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب ( ولو ترى ) بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به جميع الناس وجوابه محذوف تقديره لرأيتم أمرا عظيما . كما تقول : لو رأيت فلانا والسياط تأخذه . وإنما حذف الجواب لأن المعنى واضح بدونه ، قال أبو علي : وإنما قال " إذ " ولم يقل " إذا " وإن كانت " إذ " لما مضى لإرادة تقريب الأمر فأتى بمثال الماضي ، وإنما حذف جواب لو لأنه أقحم لذهاب المتوعد إلى كل ضرب من الوعيد . وقرأ أبو جعفر ( إن القوة لله ) بكسر الهمزة فيها على الاستئناف كأنه يقول : فلا يحزنك ما ترى من محبتهم أصنامهم : إن القوة لله جميعا .
وعند قوله تعالى : لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ الآية 66 من سورة العنكبوت . " وليتمتعوا " قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بإسكان اللام على معنى الأمر ، والمعنى ليتمتعوا بباقي أعمارهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة كفرهم . وقرأ الباقون بكسر اللام في " ليتمتعوا " فجعلوا اللامين بمعنى " كي " فتقديره : كي يكفروا ولكي يتمتعوا . فيكون معنى الكلام : إذا هم يشركون ليكفروا وليتمتعوا : أي لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة .
ذلك هو موقف ابن الجوزي من القراءات يذكرها ثم يذكر المعنى على كل قراءة من تلك القراءات ليكون أبين وأوضح وأدعى إلى النفع .
تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة :
رأى ابن الجوزي بثاقب نظره وعميق فكره أن القرآن الكريم قد اشتمل على إيجاز وإطناب وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد وما جاء موجزا في مكان قد بسط في مكان آخر ، فكان لا بد من تفسير الموجز بالمبسوط . فكان يذكر الآية التي تقابل أو تفسر أو توضح الآية التي يقوم بتفسيرها ، ونلمس ذلك واضحا في تفسيره : فمثلا عند قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ الآية 37 من سورة البقرة " . قال : وفي الكلمات أقوال :
أحدها :
أنها قوله تعالى : رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الآية 23 من سورة الأعراف . وفي قوله تعالى : فَتَابَ عَلَيْهِ قال : أصل التوبة الرجوع ، فالتوبة من آدم رجوعه عن المعصية وهي من الله تعالى رجوعه عليه بالرحمة ، وإنما لم يذكر حواء في التوبة لأنها لم يجر لها ذكر . لا أن توبتها لم تقبل ، وقال قوم : إذا كان معنى فعل الاثنين واحدا جاز أن يذكر أحدهما ويكون المعنى لهما كقوله تعالى : وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ سورة التوبة آية 63 ، وقوله تعالى : فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى سورة طه الآية 117 .
ومثلا عند قوله تعالى : لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ آية 103 من سورة الأنعام . قوله تعالى : لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ في الإدراك قولان أحدهما : أنه بمعنى الإحاطة ، والثاني بمعنى الرؤية . وفي ( الإبصار ) قولان أحدهما : أنها العيون : قاله الجمهور ، والثاني أنها العقول . ففي معنى الآية ثلاثة أقوال . القول الثالث منها : لا تدركه الأبصار في الدنيا : رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ومقاتل ويدل على أن الآية مخصوصة بالدنيا قوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ سورة القيامة . فقيد النظر إليه بالقيامة وأطلق في هذه الآية ، والمطلق حمل على المقيد ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا الآية 31 من سورة النساء يقول : اجتناب الشيء تركه جانبا وفي الكبائر أحد عشر قولا :
أحدها : أنها سبع . فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي عند الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات .
والثاني : أنها تسع . وروى حديثا عن عبيد بن عمير عن أبيه . والثالث : أنها أربع وروى كذلك حديثا في البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر . وروى عن أنس بن مالك . والرابع : أنها ثلاث فروى حديثا عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى في البخاري ومسلم عن أبي بكرة .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا الآيات من 60 - 66 من سورة الكهف . قوله تعالى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ سبب خروج موسى عليه السلام في هذا السفر ما روى عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل ، فسئل أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا ، فعتب الله عز وجل عليه إذ لم يرد العلم إليه . فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك إلى آخر الحديث ، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
أسباب النزول :
من الأشياء البارزة والسمات الظاهرة التي كان يتبعها ابن الجوزي في تفسيره هي أسباب النزول ، فالآية يتضح معناها إذا علم سبب نزولها ، فنراه يذكر سبب النزول إذا كان للآية أو للسورة وكل ذلك واضح ظاهر في تفسيره .
فمثلا في سورة آل عمران وسبب نزولها يذكر فيها أنها مدنية ، وأن صدرا من أولها نزل في وفد نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم في ستين راكبا فيهم العاقب والسيد فخاصموه في عيسى . فقالوا إن لم يكن ولد الله فمن أبوه ؟ فنزلت فيهم صدر ( آل عمران ) إلى بضع وثمانين آية منها وقد ذكر سبب نزول سورة الأنفال على أقوال ثلاثة : الأول منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : من قتل قتيلا فله كذا وكذا ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقال المشيخة للشبان : أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردعا فأبوا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت سورة الأنفال . . رواه عكرمة عن ابن عباس .
ويذكر في سبب نزول سورة يوسف قولين : أما القول الأول فروي عن سعد بن أبي وقاص قال : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا ، فأنزل الله تعالى : الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إلى قوله : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فتلاه عليهم زمانا ، فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا ، فأنزل الله تعالى : اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ سورة الزمر آية 23 ، كل ذلك يؤمرون بالقرآن . ويذكر في سبب نزول سورة المجادلة قوله تعالى : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا فقد روي عن عائشة أنها قالت : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب البيت أسمع كلامها ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها وتقول : يا رسول الله : أبلى شبابي ، وفترت له بطني ، حتى إذا كبر سني ، وانقطع ولدي ، ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك ، قالت : فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات . وأما الآيات فكان كذلك يتتبع نزول كل آية ويذكرها فهذا أحرى لتفسيرها وتوضيحها وبيان معناها والأمثلة كثيرة لتتبع الآيات ونورد بعضها .
فمثلا عند تفسير قوله تعالى : مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ سورة آل عمران آية 179 . ففي سبب نزولها خمسة أقوال ، أحدها : أن قريشا قالت : تزعم يا محمد أن من اتبعك فهو في الجنة ، ومن خالفك فهو في النار ، فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك . فنزلت هذه الآية . . هذا قول ابن عباس .
وعند تفسير قوله تعالى : وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ سورة الرعد آية 7 ، اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال ، أحدها : أنها نزلت في كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك قاله ابن عباس وعند تفسير قوله تعالى : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ سورة عبس آية 37 ، ذكر أن سبب نزولها . روى أنس بن مالك قال : قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم : أنحشر عراة ؟ قال : نعم . قالت : واسوأتاه ، فأنزل الله تعالى : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ .
الأحكام الفقهية :
كان ابن الجوزي لا يترك حكما من الأحكام الفقهية إلا تعرض له وذكر الآراء التي قيلت فيه مع عدم التعرض للأرجح أو الصحيح اللهم إلا على لسان القائلين أنفسهم ، ونرى ذلك في كل الآيات التي تحتاج إلى أحكام فقهية وأدلى فيها العلماء بآرائهم وخاصة المذاهب الفقهية الأربعة وبعض تلاميذهم من الذين يلونهم . وترى ذلك واضحا في كل تفسيره ، وقلما كان يدلي برأيه . فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ سورة البقرة آية 179 يقول : نقل ابن منصور عن أحمد : إذا قتل رجل رجلا بعصا أو خنقه ، أو شدخ رأسه بحجر ، يقتل بمثل الذي قتل به ، فظاهر هذا أن القصاص يكون بغير السيف ، ويكون بمثل الآلة التي قتل بها . وهو قول مالك والشافعي ، ونقل عن حرب : إذا قتله بخشبة قتل بالسيف ، ونقل أبو طالب إذا خنقه قتل بالسيف ، فظاهر هذا أنه لا يكون القصاص إلا بالسيف وهو قول أبي حنيفة رحمه الله .
عند تفسير قوله تعالى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ سورة البقرة آية 184 ، يقول : وليس المرض والسفر على الإطلاق فإن المريض إذا لم يضر به الصوم لم يجز له الإفطار ، وإنما الرحمة موقوفة على زيادة المرض بالصوم ، واتفق العلماء أن السفر مقدر واختلفوا في تقديره : فقال أحمد ومالك والشافعي أقله مسيرة ثلاثة أيام : مسيرة أربعة وعشرين فرسخا ، وقال الأوزاعي أقله مرحلة يوم . مسيرة ثمانية فراسخ .
وعند تفسير قوله تعالى : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ سورة المائدة الآية 5 ، يقول :
فأما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى ، وطعامهم ذبائحهم : هذا قول ابن عباس والجماعة ، وإنما أريد بها الذبائح خاصة لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن تولاه من مجوسي وكتابي وإنما الذكاة تختلف . فلما خص أهل الكتاب بذلك دل على أن المراد الذبائح ، فأما ذبائح المجوس فأجمعوا على تحريمها ، واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان ؛ فروى ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس بها . وتلا قوله تعالى : وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ المائدة آية 51 . وهذا قول الحسن وعطاء بن أبي رباح والشعبي وعكرمة ، وقتادة والزهري والحكم وحماد ، وقد روي عن علي وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل ، ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين :
إحداهما : تباح ذبائحهم وهو قول أبي حنيفة ومالك .
الثانية : لا تباح .
وقال الشافعي من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن لم يبح أكل ذبيحته .
وعند تفسيره لقوله تعالى : وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً سورة النحل آية 8 .
ويجوز أكل لحم الخيل ، وإنما لم يذكر في الآية لأنه ليس هو المقصود ، وإنما معظم المقصود بها الركوب والزينة . وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك : لا تؤكل لحوم الخيل .
اللغة والنحو :
لقد اهتم ابن الجوزي اهتماما كبيرا باللغة العربية والنحو ويظهر ذلك من خلال تفسيره ، ولقد ورد ذلك أيضا في مقدمة تفسيره للجزء الأول ، حيث جاء في المقدمة : " لم يفته وهو يفسر مفردات القرآن أن يذكر اشتقاقها استكمالا للمعنى وزيادة في الفائدة .
فقد كان يورد الروايات والآراء التي وردت في تفسير اللفظ وما أيدها من الأشعار العربية والدلالة على معناها إلا أنه لم يكن يتعرض لها بالتعليق برأيه ، بل كان يوردها مجردة عن التعليق بمعنى كل قائل واستشهاده ، ثم بالنحو والإعراب وفي أحيان كثيرة يعرض للقراءات على الرفع أو على النصب أو خلافه ، فمثلا عند تفسيره لسورة الفاتحة قوله تعالى : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ يقول : فأما الرب فهو المالك ، ولا يذكر هذا الاسم في حق المخلوق إلا بالإضافة ، فيقال : هذا رب الدار ، ورب العبد . وقيل : هو مأخوذ من التربية .
قال شيخنا أبو منصور اللغوي - يقال : رب فلان صنيعته يربها ربا : إذا أتمها وأصلحها فهو رب وراب . قال الشاعر :
بـرب الــذي يــأتي مـن الخـير إنـه إذا ســـئل المعـــروف زاد وتممـــا
قال : والرب يقال على ثلاثة أوجه ، أحدها : المالك يقال : رب الدار ، والثاني : المصلح يقال : رب الشيء ، والثالث : : السيد المطاع قال تعالى : فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا سورة يوسف آية 41 . والجمهور على خفض باء رب . وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر بنصبها ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، والربيع بن خثيم ، وأبو عمران الجوفي برفعها وترى الإعراب والخلافات النحوية واضحة جلية عند تفسير قوله تعالى : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا سورة آل عمران آية 30 . قال الزجاج نصب اليوم بقوله : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ في ذلك اليوم . قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون متعلقا بالمصير ، والتقدير : وإلى الله المصير يوم تجد ، ويجوز أن يكون متعلقا بفعل مضمر ، والتقدير : اذكر يوم تجد . وفي كيفية وجود العمل وجهان أحدهما : وجوده مكتوبا في الكتاب ، والثاني وجود الجزاء عليه .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ سورة النساء آية 81 ، قوله تعالى : وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ نزلت في المنافقين كانوا يؤمنون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمنوا فإذا خرجوا خالفوا ، هذا قول ابن عباس . قال الفراء والرفع في طاعة على معنى أمرك طاعة .
قوله تعالى : بَيَّتَ طَائِفَةٌ قال ابن قتيبة : والمعنى فإذا برزوا من عندك ، أي خرجوا ، بيت طائفة منهم غير الذي تقول : أي : قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوك نهارا . قال الشاعر :
أتــــوني فلــــم أرض مــــا بيتـــوا وكــــانوا أتــــوني بشــــيء نكـــر
والعرب تقول : هذا أمر قد قدر بليل ، وفرغ منه بليل ، ومنه قول الحارث بن حلزة :
أجــمعوا أمـــرهم عشـــاء فلمـــا أصبحـــوا أصبحــت لهــم ضوضــاء
وقال بعضهم بيت بمعنى بدل وأنشد :
وبيــــت قــــولي عنــــد المليــــك قــــاتلك اللـــــه عبـــــدا كفـــــورا
فإننا نرى اللغة والإعراب وأشعار العرب في تفسير تلك المفردات اللغوية ورواية الشعر للاستشهاد وتفسير الألفاظ هي الطريقة المشهورة لابن عباس رضي الله عنه الذي قد نقل عنه ابن الجوزي ، ومن أهم مصادره وكذلك نجد المعاني البلاغية واضحة بارزة .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا سورة الأعراف آية 92 فيها أربعة أقوال : القول الأول : كأن لم يعيشوا في دارهم ، قاله ابن عباس والأخفش قال حاتم طيئ :
غنينـــا زمانــا بــالتصعلك والغنــى فكــلا ســقاناه بكأســيهما الدهــر
فمــا زادنــا بغيــا علـى ذي قرابـة غنانـــا ولا أزرى بأحســـابنا الفقــر
قال الزجاج : معنى غنينا : عشنا - والتصعلك : الفقر - والعرب تقول للفقير صعلوك . والثاني : كأن لم يتنعموا فيها ، قاله قتادة .
والثالث : كأن لم يكونوا فيها ، قاله ابن زيد ومقاتل .
والرابع : كأن لم ينزلوا فيها ، قاله الزجاج . قال الأصمعي : المغاني : المنازل ، يقال : غنينا بمكان كذا . أي نزلنا به . وقال ابن قتيبة كأن لم يقيموا فيها .
ومعنى غنينا بمكان كذا : أقمنا . قال ابن الأنباري وإنما كرر قوله : الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا للمبالغة في ذمهم : كما تقول : أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي شتم أعراضنا .
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ سورة إبراهيم ، آية 10 ، يقول : هذا استفهام إنكار والمعنى لا شك في الله أي في توحيده ( يدعوكم ) بالرسل والكتب لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ قال أبو عبيدة - من زائدة - كقوله : فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ سورة الحاقة ، آية 47 . قال أبو ذؤيب :
جـــزيتك ضعـــف الحـــب لمــا شــكوته ومـا إن جــزاك الضعـف مـن أحـد قبلـي
ومثلا عند تفسير قوله تعالى : لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا سورة الواقعة الآية 25 ، يقول : فإن قيل التأثيم لا يسمع فكيف ذكره مع المسموع ؟ فالجواب أن العرب يتبعون آخر الكلام أوله ، وإن لم يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر ، فيقولون : أكلت خبزا ولبنا ، واللبن لا يؤكل ، وإنما حسن هذا لأنه كان مع ما يؤكل . قال الفراء أنشدني بعض العرب :
إذا مــــــا الغانيــــــات بــــــرزن يومـــــا وزججـــــــن الحواجـــــــب والعيونـــــــا
قال : والعين لا تزجج وإنما تكحل فردها على الحاجب لأن المعنى يعرف . .
موقفه من الإسرائيليات :
لقد جاء في مقدمه تفسير " زاد المسير " في الجزء الأول منه ما يظهر موقفه من الإسرائيليات التي ذكرها وأوردها في تفسيره ، فقد ذكر في المقدمة " ومن إيراد طائفة غير قليلة من الأخبار الإسرائيلية الغربية التي أغنانا الله عنها بما هو أصح منها وأنفع وأوضح وأبلغ وغالبه مما لا يتعلق به كبير فائدة ، ولا حاصل له مما ينفع به في الدين " .
فنراه قد روى بعض الأخبار الإسرائيلية عن رواة اشتهروا برواية تلك الأخبار من أمثال كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، والسدي وغيرهم كأبي صالح الكلبي . فمثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ سورة الأنبياء آية 83 - 84 .
يذكر قصصا طويلة عن أيوب لا يتسع المقام لذكرها . رواها عن وهب بن منبه ، وهي رواية غريبة لا يصدقها العقل أو المنطق ، ولا تليق بمقام الأنبياء لما فيها من المنافاة لمقامهم عند الله .
وقد ذكر هذه القصة في تفسيره في الجزء الخامس من زاد المسير من ص 375 إلى ص 378 .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ سورة النمل آية 35 ، يسرد في ذلك قصة طويلة هي أقرب ما تكون إلى الخيال .
يقول : إنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة ، وثلاثين وصيفا ، وثلاثين وصيفة ، وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ، ثم كتبت إليه ، إني بعثت إليك بهدية فأقبلها وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر ، فأدخل فيها خيطا على طرفي الخيط بخاتمتك ، وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفة وثلاثين وصيفا فميز بين الجواري والغلمان ، فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه ، فقال له : انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [ لبنا ] ، من الذهب . .
وهكذا حتى نهاية القصة وقد نسبها إلى ابن عباس ، وقد علق ابن كثير رحمه الله عليها قائلا : والله أعلم أكان ذلك أم لا ؟ وأكثره مأخوذ من الإسرائيليات . ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا سورة القصص آية 38 . نراه قد ذكر رواية غريبة عن بناء الصرح والعمال والفعلة وأنهم خمسون ألف بناء سوى الأتباع إلى آخر الرواية ، ورميه بالنشابة وأنها رجعت ملطخة بالدم ، فقال : قتلت إله موسى .
وقد روى هذه الرواية الطبري عن السدي ورواها السيوطي عن السدي وقد علق عليها القرطبي قائلا : والله أعلم بصحة ذلك .
ومثلا عند تفسيره لقوله تعالى : وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ سورة ص آية 21 . فقد روى عن وهب أنه قال : كانت الحمامة من طيور الجنة ، وقال السدي تصور له الشيطان في صورة حمامة . قال المفسرون : إنه لما تبع الحمامة رأى امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل ، وقيل : بل على سطح لها ، فعجب من حسنها ، فحانت منها التفاتة فرأت ظله ، ففضت شعرها فغطى بدنها فزاده ذلك إعجابا بها ، فسأل عنها ، فقيل : هذه امرأة أوريا ، وزوجها في غزاة فكتب داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وكذا وقدمه قبل التابوت ، وكان من قدم قبل التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح عليه أو يستشهد . .
إلى نهاية القصة التي لا تليق بشخص عادي فما بالك بنبي من أنبياء الله . وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص ، جلدته مائة وستين جلدة وهي حد الفرية على الأنبياء . . ومثلا عند تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ سورة ص آية 33 .
يقول : ولقد فتنا سليمان أي ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا أي على سريره " جسدا " وفيه قولان :
أحدهما : أنه شيطان قاله ابن عباس والجمهور ، وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة أقوال أحدها : أنه صخر ، والثاني أنه آصف ، إلى آخر هذه القصة التي ذكر فيها سبب الابتلاء . وكانت في خصومة قضى فيها بالحق إلا أن هواه كان مع أهل زوجته الذين كانوا طرفا في القضية ، وقد ذكر هذه القصة في الجزء السابع من ص 132 إلى ص 136 .
وقد علق على هذه الأقوال بعض المفسرين كابن كثير وقال إنها من الإسرائيليات . وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف ص 143 : وأما ما يحكى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فالله أعلم بصحته . وقد علق ابن كثير على قصة إعطاء جرادة الخاتم حين ذهابه إلى الخلاء بإسناده إلى ابن عباس ولكنه يقول - ولكن الظاهر أنه تلقاه - إن صح عنه من أهل الكتاب .
وهكذا نرى أن جميع تلك القصص قد نقلها ابن الجوزي عن الإسرائيليات وحشا بها تفسيره حشوا مما لا يليق في حق إنسان عادي فكيف بالأنبياء ؟
ترجيحه بعض الآراء على بعض :
قلما كان لابن الجوزي نظرة ترجيحية في الأقوال أو ترجيح رأي على رأي آخر ، وإنما كان يسرد الآراء سردا على لسان قائليها دون أن يعقب عليها أو يكون له رأي فيها ، وقد ذكر ذلك في مقدمة التفسير " وكذلك لم يحاول ترجيح رأي على رأي أو معنى على معنى ، ولا ناقش ما يحكيه من أقوال إلا في مواضع قليلة " . .
فمثلا عند تفسير قوله تعالى : وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا سورة ص آية 33 . وبعد أن يذكر الأقوال التي يراد بها الجسد يقول : والمفسرون على القول الأول . ونحن نذكر قصة ابتلائه على قول الجمهور . وهو يقصد بالقول الأول الذي قاله ابن عباس والجمهور أن الذي ألقي على الكرسي شيطان ، وهذه من نظراته الترجيحية القليلة .
وبعد ذلك تذكر القصة كيفية ضياع الخاتم ، ويذكر ابن الجوزي كل تلك الأقوال الصحيح منها والدخيل من أهل الكتاب والإسرائيلية فلا يعلق عليها بشيء ، مع أهمية هذا لأنه يمس نبيا من الأنبياء . والأنبياء لهم العصمة وهم منزهون عن كل ما لا يليق .
ومن نظراته الترجيحية القليلة أيضا ، أنه علق على قصة الشيطان الذي استولى على ملك سليمان : هل كان يأتي نساء سليمان ، فبعض الأقوال ذكرت أنه كان يأتيهن في زمن الحيض ، والقول الآخر أنه لم يقدر عليهن . وقد علق عليها ابن الجوزي قائلا : وهذا هو الصحيح : أي عدم إتيانه لهن .
ومن نظراته الترجيحية أيضا : أنه علق على قصة سليمان واستيلاء الشيطان على ملكه ، بأنه آصف الذي قال لسليمان عندما فتن : أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب الله عليك ، فقام في مقامه وسار بالسيرة الجميلة ، وقد علق ابن الجوزي على هذا بقوله : وهذا لا يصح ولا ذكره من يوثق به .
وقد كانت هناك أشياء تمس العقيدة فلم يتعرض لها بالرأي أو الترجيح ، مثل وجود الأوثان في بيت سليمان وعبادتها ، وخصوصا وأن العبادة استمرت أربعين يوما كما تقول الرواية ، وقد علق عليها بعض المفسرين الآخرين .
وكذلك في قصة امتحان داود عليه السلام وما ذكر من تلك القصة الطويلة والافتراءات التي تقول برؤيته لامرأة أوريا وحبه لها ورغبته فيها ، يذكر ذلك كله ابن الجوزي دون أن يتعرض له بالتعليق أو التكذيب ، وخصوصا وأنه مروي عن وهب بن منبه وهو ممن اشتهروا بالإسرائيليات . ولا يزيد عن قوله : " هذا قول وهب بن منبه " .
وكذلك في قصة أيوب عليه السلام وما كان من امتحانه وابتلائه بمرضه وإعراض الناس عنه ، وسبب هذا الابتلاء ، وقد رويت كذلك عن وهب بن منبه ، وقيل عنها : إن بها غرابة ، وقيل كذلك إنها من الإسرائيليات ، ولم يعلق ابن الجوزي برأيه أو يدلي بدلوه .
ومن النظرات الترجيحية القليلة التي أبداها عند تفسيره لقوله تعالى : لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ سورة يوسف آية 25 ، قال : وفي البرهان ستة أقوال : أحدها : أنه مثل له يعقوب . روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : نودي يا يوسف أتزني فتكون مثل الطائر الذي نتف ريشه فذهب يطير فلم يستطع فلم يعط على النداء شيئا ، فنودي الثانية فلم يعط على النداء شيئا فتمثل له يعقوب فضرب صدره ، فقام فخرجت شهوته من أنامله .
والثاني : أنه جبريل عليه السلام ، والثالث : أنها قامت إلى صنم في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال لها يوسف : أي شيء تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه السوأة . فقال : أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت ، فهو البرهان الذي رأى .
والرابع : أن الله بعث إليه ملكا فكتب في وجه المرأة بالدم وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا الإسراء آية 32 .
والخامس : أن سيده دنا من الباب ، والسادس : أن البرهان هو علم ما أحل الله مما حرم الله ، فرأى تحريم الزنا . قال ابن قتيبة : رأى حجة الله عليه وهي البرهان . .
فكان من تعليق ابن الجوزي عليه بأن قال :
وهذا هو القول الصحيح وما تقدمه فليس بشيء وإنما هي أحاديث من أعمال القصاص ، وقد أشرت إلى فسادها في كتاب " المغني في التفسير " وكيف يظن بنبي كريم أنه يخوف ويرعب ويضطر إلى ترك هذه المعصية وهو مصر هذا غاية القبح . .
تلك هي النظرات الترجيحية التي أبدى بعضها ابن الجوزي وهي قليلة إذا قيست على غيره من المفسرين الذين يدلون بآرائهم أو يرجحون بعض الآراء على بعضها الآخر بما لهم من خبرة وعلم دون أن يتركوا القارئ يتخبط في تلك الأقوال لا يدري الصحيح منها أو غير الصحيح أو الأحسن أو الأفضل .
وفاة ابن الجوزي :
بعد حياة حافلة بالعمل الدائب المستمر لخدمة الإسلام ورفعة شأن السنة المحمدية ومحاربة البدع والمبتدعة ، مرض الشيخ مدة لا تزيد على خمسة أيام توفي على أثرها رحمه الله رحمة واسعة .
وكانت وفاته ليلة الجمعة الثاني عشر من رمضان بين العشاءين سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، ودفن من الغد في باب الحرب ، وأجمع من ترجموا له على أن يوم وفاته كان يوما مشهودا في بغداد ، فقد ازدحم الناس لتشييعه إلى مثواه الأخير ، وغلقت الأسواق ، وأفطر بعضهم لشدة الزحام والحر ولم يصل إلى حفرته عند قبر الإمام أحمد بن حنبل إلا وقت صلاة الجمعة ، وحزن الناس عليه كثيرا حتى قيل : لم يخلف بعده مثله . .
ذلك هو ابن الجوزي الذي أوقف حياته على العلم والدراسة وخدمة الدين ورفع رايته لمحاربة التيارات المعادية للإسلام ، حتى ولو كلفته سجنه ونفيه .
ذلك هو ابن الجوزي الإمام المحدث الفقيه العالم الذي فسر القرآن على منبره ، المؤلف صاحب التصانيف العديدة الذي التزم في تفسيره بالمأثور لا بطريقة التفسير بالرأي .
جزى الله ابن الجوزي خيرا على ما قدمه للإنسانية من ثروة ضخمة وما قدم للإسلام من خير ولأهله من نفع . . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .