أيوب عليه السلام في القرآن
إعداد مركز المحتوى القرآني
أيوب عليه السلام مع الابتلاء
وصف الله ابتلاء أيوب عليه السلام، والضرّ الذي أصابه، وما مسه من النصب، والعذاب.
قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 83 - 84].
وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 41 - 44].
"يذكر تعالى عن أيوب عليه السلام، ما كان أصابه من البلاء في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير وأولاد ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده، يقال: بالجذام في سائر بدنه، ولم يبقَ منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجته كانت تقوم بأمره، ويقال: إنها احتاجت، فصارت تخدم الناس من أجله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل). [مسند الإمام أحمد، ح 1418]
وفي الحديث الآخر: (يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه). [مسند الإمام أحمد، ح 1418]
وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك." ([1])
النصب والعذاب:
"قيل: بنصب في بدني، وعذاب في مالي وولدي." ([2])
مغتسل بارد وشراب
(التكامل بين عافية الظاهر والباطن)
استغاث النبي الصابر الأواب، بربه الرحمن الرحيم، فأجاب الله تعالى دعاءه، وهيأ لشفاء عبده أسبابه، وقال له: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: 42].
ونقل الطبري عن الحسن في قول الله: (اركض برجلك): "فركض برجله، فنبعت عين فاغتسل منها، ثم مشى نحواً من أربعين ذراعاً، ثم ركض برجله، فنبعت عين، فشرب منها، فذلك قوله: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: 42].
وعنى بقوله (مغتسل): ما يغتسل به من الماء، يقال منه: هذا مغتسل، وغسول للذي يغتسل به من الماء. وقوله (وشراب) يعني: ويشرب منه، والموضع الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلاً." ([3])
وقال ابن كثير: " عند ذلك استجاب له أرحم الراحمين، وأمره أن يقوم من مقامه، وأن يركض الأرض برجله ففعل، فأنبع الله تعالى عيناً وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأذى.
ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عيناً أخرى، وأمره أن يشرب منها، فأذهبت جميع ما كان في باطنه من السوء.
وتكاملت العافية ظاهراً وباطناً، ولهذا قال تبارك وتعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ [ص: 42]." ([4])
هبة الرحمن رحمة وذكرى وامتنان
كانت عاقبة صبر أيوب عليه السلام، خيراً، وجاءت استجابة دعائه بأكثر مما طلب.
قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 43].
قال ابن جرير: "اختلف أهل التأويل في معنى قوله (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم) وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك والصواب من القول عندنا فيه في سورة الأنبياء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فتأويل الكلام: فاغتسل وشرب، ففرجنا عنه ما كان فيه من البلاء.
ووهبنا له أهله، من زوجة وولد.
(ومثلهم معهم رحمة منا) له ورأفة.
(وذكرى) يقول: وتذكيراً لأولي العقول؛ ليعتبروا بها فيتعظوا." ([5])
وقال ابن كثير: "قوله عز وجل: (رحمة منا) أي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته. (وذكرى لأولي الألباب) أي لذوي العقول؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة." ([6])
ضغث وحنث
قال تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44].
ورد في قصة أيوب حديثاً عن ضغث، وحديثاً عن الحنث، أي: الحنث في اليمين، فما هو الضغث؟ ولماذا كان مخرجاً لعدم حنث أيوب عليه السلام في يمينه؟ ولمَ كانت تلك اليمين؟
قال ابن جرير: "قوله (وخذ بيدك ضغثاً) يقول: وقلنا لأيوب: خذ بيدك ضغثاً، وهو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرطبة، وكملء الكف من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق." ([7])
"وقوله: (إنا وجدناه صابراً نعم العبد) يقول: إنا وجدنا أيوب صابراً على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله، والدخول في معصيته (نعم العبد إنه أواب) يقول: إنه على طاعة الله مقبل، وإلى رضاه رجاع." ([8])
وقال ابن كثير: " قوله جلت عظمته: (وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث) وذلك أن أيوب عليه الصلاة والسلام كان قد غضب على زوجته، ووجد عليها في أمر فعلته قيل: باعت ضفيرتها بخبز، فأطعمته إياه، فلامها على ذلك، وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، وقيل: لغير ذلك من الأسباب فلما شفاه الله عز وجل وعافاه، ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والإحسان أن تقابَل بالضرب.
فأفتاه الله عز وجل أن يأخذ ضغثاً، وهو الشمراخ فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة وقد برّت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب إليه، ولهذا قال جل وعلا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44].
أثنى الله تعالى عليه ومدحه بأنه نعم العبد إنه أواب أي رجاع منيب، ولهذا قال جل جلاله:
﴿ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2- 3].
واستدل كثير من الفقهاء بهذه الآية الكريمة على مسائل في الإيمان وغيرها، وقد أخذوها بمقتضاها ومنعت طائفة أخرى من الفقهاء من ذلك، وقالوا: لم يثبت أن الكفارة كانت مشروعة في شرع أيوب عليه السلام، فلذلك رخص له في ذلك، وقد أغنى الله هذه الأمة بالكفارة." ([9])
عبر وهدايات من قصة أيوب عليه السلام
في قصة أيوب عليه السلام دروس وعبر وهدايات، في الصبر، وحسن المعشر، ومنها:
أولاً: العبد الصابر مستحق للمدح الرباني والثناء العاطر:
قال تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44].
ثانياً: يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب:
قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84].
وقال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 43].
ثالثاً: التقوى مخرج من كل ضيق ونورٌ لحالك الطريق:
قال تعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: 44].
إعداد:
جمانة بنت خالد
مراجعة وتدقيق:
عادل الشميري
إشراف:
الشيخ غازي بن بنيدر العمري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 5/ 349، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([2]) تفسير القرآن العظيم، 6/ 429.
([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 210 - 211، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([4]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 429، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([5]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 211، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([6]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 430، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.
([7]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 21/ 212، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م.
([8]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 21/ 214.
([9]) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، 6/ 430 - 431، تحقيق: أ.د حكمت بشير ياسين، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1431 هـ.