بسم الله الرحمن الرحيم
(4)
الشواهد القرآنية في تفسير سورة النساء
الشاهد (1):
قال تعالى: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67].
المسألة:
أن يكون اللفظ للواحد، ومعناه يقع على الجميع.
نص أبي عبيدة:
" ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] أي: رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور
وفى القرآن: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67]. (1)
والمعنى: أطفالاً." (2)
الشاهد (2):
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23].
المسألة:
مجيء المستثنى من غير جنس المستثنى منه.
نص أبي عبيدة:
"﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: 92]، وهذا كلام تستثني العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حال إلا أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطأً، فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23]: واللمم ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلموا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تطعن بعيداً ولم تطأ
على الأرض إلا ذيل مرط مرحل
المرحل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
يقول: إلا أن يكون بها، وقال أبو خراش الهذلي:
أمسى سقام خلاء لا أنيس به
إلا السباع ومر الريح بالغرف" (3)
الشاهد (3):
قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177].
المسألة:
مجيء (مَن) اسماً.
نص أبي عبيدة:
" ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء: 114] فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها، إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنجوى: فعل، ومن: اسم، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم، وفى آية أخرى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177] فالبر هاهنا مصدر، و (من) في هذا الموضع اسم." (4)
الشاهد (4):
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19].
المسألة:
دلالة الاستحواذ على معنى: الغلبة.
نص أبي عبيدة:
" ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 141]: نغلب عليكم، ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19]: غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهن وله حوذي
كما يحوذ الفئة الكَمِيُّ
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن." (5)
الشاهد (5):
قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
المسألة:
رفع خبر (أن). (6)
نص أبي عبيدة:
" ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: 170] نصب على ضمير جواب: (يكن خيراً لكم)، وكذلك كل أمر ونهي، وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف (أن) مفتوحة فما بعدها رفع؛ لأنه خبر (أن)، ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
وما مر بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره (ى) فإنه لا ينون نحو عيسى، وموسى." (7)
الشاهد (6):
قال تعالى: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86].
الشاهد (7):
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26].
المسألة (8):
مواضع فتح وكسر همزة: (إمّا).
ومن مواضع كسرها:
- إذا كان تخييراً.
- إذا كان في موضع: (إن).
نص أبي عبيدة:
"﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النساء: 173] الألف مفتوحة وكذلك كل شيء في القرآن إذا كان تمام كلامه بالفاء، وإذا كان تخييراً فألف (إما) مكسورة كقوله: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86]، وإذا كان في موضع (إن) فكذلك الألف مكسورة من ذلك ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26]." (9)
ملحوظة:
قد يشير أبو عبيدة إلى مضمون آية أخرى على سبيل الاستشهاد والربط بين الآيات القرآنية، وتفسير بعضها ببعض؛ ولكن دون أن يذكر الآية المفسِّرة بنصها، ومن ذلك:
"﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: 170] قوله: كن، فكان." (10)
ولعل أبا عبيدة يريد بذلك أن هذه (الكلمة) مفسرة بقوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 47 – 48].
والله سبحانه أعلى وأعلم.
_____________________
(1) هذا الشاهد القرآني من الشواهد التي أكثر أبو عبيدة من إيرادها في المسائل المتعلقة به.
(2) مجاز القرآن، 1/ 131.
(3) مجاز القرآن، 1/ 136 – 137.
(4) مجاز القرآن، 139 – 140.
(5) مجاز القرآن/ 141- 142.
(6) جاء بكلمة: (خير) هنا في موضعين، أحدهما في موضع نصب، والآخر في موضع رفع؛ لأنه خبر أن، كما بيّن ما يكون من إعراب حال فتح همزة: أن.
(7) مجاز القرآن، 1/ 143.
(8) تم دمج الشاهدين في مسألة واحدة؛ لأنهما مرتبطان بالمسألة ذاتها، وذكرهما أبو عبيدة في الموضع ذاته.
(9) مجاز القرآن، 1/ 144.
(10) مجاز القرآن، 1/ 143.
(4)
الشواهد القرآنية في تفسير سورة النساء
الشاهد (1):
قال تعالى: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67].
المسألة:
أن يكون اللفظ للواحد، ومعناه يقع على الجميع.
نص أبي عبيدة:
" ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] أي: رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور
وفى القرآن: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67]. (1)
والمعنى: أطفالاً." (2)
الشاهد (2):
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23].
المسألة:
مجيء المستثنى من غير جنس المستثنى منه.
نص أبي عبيدة:
"﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: 92]، وهذا كلام تستثني العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حال إلا أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطأً، فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23]: واللمم ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلموا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تطعن بعيداً ولم تطأ
على الأرض إلا ذيل مرط مرحل
المرحل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
يقول: إلا أن يكون بها، وقال أبو خراش الهذلي:
أمسى سقام خلاء لا أنيس به
إلا السباع ومر الريح بالغرف" (3)
الشاهد (3):
قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177].
المسألة:
مجيء (مَن) اسماً.
نص أبي عبيدة:
" ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء: 114] فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها، إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنجوى: فعل، ومن: اسم، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم، وفى آية أخرى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177] فالبر هاهنا مصدر، و (من) في هذا الموضع اسم." (4)
الشاهد (4):
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19].
المسألة:
دلالة الاستحواذ على معنى: الغلبة.
نص أبي عبيدة:
" ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 141]: نغلب عليكم، ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19]: غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهن وله حوذي
كما يحوذ الفئة الكَمِيُّ
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن." (5)
الشاهد (5):
قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
المسألة:
رفع خبر (أن). (6)
نص أبي عبيدة:
" ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: 170] نصب على ضمير جواب: (يكن خيراً لكم)، وكذلك كل أمر ونهي، وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف (أن) مفتوحة فما بعدها رفع؛ لأنه خبر (أن)، ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
وما مر بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره (ى) فإنه لا ينون نحو عيسى، وموسى." (7)
الشاهد (6):
قال تعالى: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86].
الشاهد (7):
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26].
المسألة (8):
مواضع فتح وكسر همزة: (إمّا).
ومن مواضع كسرها:
- إذا كان تخييراً.
- إذا كان في موضع: (إن).
نص أبي عبيدة:
"﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النساء: 173] الألف مفتوحة وكذلك كل شيء في القرآن إذا كان تمام كلامه بالفاء، وإذا كان تخييراً فألف (إما) مكسورة كقوله: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86]، وإذا كان في موضع (إن) فكذلك الألف مكسورة من ذلك ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26]." (9)
ملحوظة:
قد يشير أبو عبيدة إلى مضمون آية أخرى على سبيل الاستشهاد والربط بين الآيات القرآنية، وتفسير بعضها ببعض؛ ولكن دون أن يذكر الآية المفسِّرة بنصها، ومن ذلك:
"﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: 170] قوله: كن، فكان." (10)
ولعل أبا عبيدة يريد بذلك أن هذه (الكلمة) مفسرة بقوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 47 – 48].
والله سبحانه أعلى وأعلم.
_____________________
(1) هذا الشاهد القرآني من الشواهد التي أكثر أبو عبيدة من إيرادها في المسائل المتعلقة به.
(2) مجاز القرآن، 1/ 131.
(3) مجاز القرآن، 1/ 136 – 137.
(4) مجاز القرآن، 139 – 140.
(5) مجاز القرآن/ 141- 142.
(6) جاء بكلمة: (خير) هنا في موضعين، أحدهما في موضع نصب، والآخر في موضع رفع؛ لأنه خبر أن، كما بيّن ما يكون من إعراب حال فتح همزة: أن.
(7) مجاز القرآن، 1/ 143.
(8) تم دمج الشاهدين في مسألة واحدة؛ لأنهما مرتبطان بالمسألة ذاتها، وذكرهما أبو عبيدة في الموضع ذاته.
(9) مجاز القرآن، 1/ 144.
(10) مجاز القرآن، 1/ 143.
بسم الله الرحمن الرحيم
(4)
الشواهد القرآنية في تفسير سورة النساء
الشاهد (1):
قال تعالى: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67].
المسألة:
أن يكون اللفظ للواحد، ومعناه يقع على الجميع.
نص أبي عبيدة:
" ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69] أي: رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد، والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور
وفى القرآن: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ [غافر: 67]. (1)
والمعنى: أطفالاً." (2)
الشاهد (2):
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23].
المسألة:
مجيء المستثنى من غير جنس المستثنى منه.
نص أبي عبيدة:
"﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً﴾ [النساء: 92]، وهذا كلام تستثني العرب الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حال إلا أن يقتله مخطئاً، فإن قتله خطأً، فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم: 23]: واللمم ليس من الكبائر، وهو في التمثيل: إلا أن يلموا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير:
من البيض لم تطعن بعيداً ولم تطأ
على الأرض إلا ذيل مرط مرحل
المرحل: برد في حاشيته خطوط، فكأنه قال: لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل البرد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم:
وبلدة ليس بها أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
يقول: إلا أن يكون بها، وقال أبو خراش الهذلي:
أمسى سقام خلاء لا أنيس به
إلا السباع ومر الريح بالغرف" (3)
الشاهد (3):
قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177].
المسألة:
مجيء (مَن) اسماً.
نص أبي عبيدة:
" ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء: 114] فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس من نجواهم التي لا خير فيها، إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنجوى: فعل، ومن: اسم، قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي القفارة عاقل
والمخافة: فعل، والوعل اسم، وفى آية أخرى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: 177] فالبر هاهنا مصدر، و (من) في هذا الموضع اسم." (4)
الشاهد (4):
قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19].
المسألة:
دلالة الاستحواذ على معنى: الغلبة.
نص أبي عبيدة:
" ﴿أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 141]: نغلب عليكم، ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ [المجادلة: 19]: غلب عليهم، قال العجاج:
يحوذهن وله حوذي
كما يحوذ الفئة الكَمِيُّ
أي يغلب عليها، يحوذهن: مثل يحوزهن، أي يجمعهن." (5)
الشاهد (5):
قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
المسألة:
رفع خبر (أن). (6)
نص أبي عبيدة:
" ﴿فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ﴾ [النساء: 170] نصب على ضمير جواب: (يكن خيراً لكم)، وكذلك كل أمر ونهي، وإذا كانت آية قبلها وأن تفعلوا، ألف (أن) مفتوحة فما بعدها رفع؛ لأنه خبر (أن)، ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 280].
وما مر بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره (ى) فإنه لا ينون نحو عيسى، وموسى." (7)
الشاهد (6):
قال تعالى: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86].
الشاهد (7):
قال تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26].
المسألة (8):
مواضع فتح وكسر همزة: (إمّا).
ومن مواضع كسرها:
- إذا كان تخييراً.
- إذا كان في موضع: (إن).
نص أبي عبيدة:
"﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النساء: 173] الألف مفتوحة وكذلك كل شيء في القرآن إذا كان تمام كلامه بالفاء، وإذا كان تخييراً فألف (إما) مكسورة كقوله: ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ﴾ [الكهف: 86]، وإذا كان في موضع (إن) فكذلك الألف مكسورة من ذلك ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26]." (9)
ملحوظة:
قد يشير أبو عبيدة إلى مضمون آية أخرى على سبيل الاستشهاد والربط بين الآيات القرآنية، وتفسير بعضها ببعض؛ ولكن دون أن يذكر الآية المفسِّرة بنصها، ومن ذلك:
"﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء: 170] قوله: كن، فكان." (10)
ولعل أبا عبيدة يريد بذلك أن هذه (الكلمة) مفسرة بقوله تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 47 – 48].
والله سبحانه أعلى وأعلم.
_____________________
(1) هذا الشاهد القرآني من الشواهد التي أكثر أبو عبيدة من إيرادها في المسائل المتعلقة به.
(2) مجاز القرآن، 1/ 131.
(3) مجاز القرآن، 1/ 136 – 137.
(4) مجاز القرآن، 139 – 140.
(5) مجاز القرآن/ 141- 142.
(6) جاء بكلمة: (خير) هنا في موضعين، أحدهما في موضع نصب، والآخر في موضع رفع؛ لأنه خبر أن، كما بيّن ما يكون من إعراب حال فتح همزة: أن.
(7) مجاز القرآن، 1/ 143.
(8) تم دمج الشاهدين في مسألة واحدة؛ لأنهما مرتبطان بالمسألة ذاتها، وذكرهما أبو عبيدة في الموضع ذاته.
(9) مجاز القرآن، 1/ 144.
(10) مجاز القرآن، 1/ 143.