بسم الله الرحمن الرحيم
قصة التي نقضت غزلها من بعد قوة
يدعو القرآن الكريم إلى حفظ العهود والمواثيق، وإلى رعاية العمل وتعاهده وعدم التفريط فيه، بعد بذل الإنسان طاقته ووسعه في ذلك؛ لئلا يحبط عمله، وينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً، ويصبح هباء منثوراً.
وجاء في سبيل تقرير هذا الأمر بأساليب عدة، تارة بالأمر المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34].
وتارة بالأمر غير المباشر، عبر ضرب الأمثال والقصص؛ للعظة والعبرة، أو يجمع بين الأمر المباشر وغير المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 90- 93].
"يقول تعالى ذكره ناهياً عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وآمرًا بوفاء العهود، وممثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بذلك العهود والمواثيق، (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) يعني: من بعد إبرام، وكان بعض أهل العربية يقول: القوّة: ما غُزِل على طاقة واحدة ولم يثن. وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة. (1) "
"وقال آخرون: إنما هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد، فشبهه بامرأة تفعل هذا الفعل، وقالوا في معنى نقضت غزلها من بعد قوة، نحواً مما قلنا. (2) "
"وقوله: (أَنْكَاثًا) يعني: أنقاضاً، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نكْث، حبلاً كان ذلك أو غزلاً يقال منه: نَكَث فلان هذا الحبل فهو ينكُثُه نكثاً، والحبل منتكِث: إذا انتقضت قُواه، وإنما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد.
وقوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يقول: خديعة وغروراً، ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنُّقلة عنهم إلى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عدداً منهم. (3) "
____________________
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 17/ 283، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م
(2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 284.
(3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 285- 286.
قصة التي نقضت غزلها من بعد قوة
يدعو القرآن الكريم إلى حفظ العهود والمواثيق، وإلى رعاية العمل وتعاهده وعدم التفريط فيه، بعد بذل الإنسان طاقته ووسعه في ذلك؛ لئلا يحبط عمله، وينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً، ويصبح هباء منثوراً.
وجاء في سبيل تقرير هذا الأمر بأساليب عدة، تارة بالأمر المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34].
وتارة بالأمر غير المباشر، عبر ضرب الأمثال والقصص؛ للعظة والعبرة، أو يجمع بين الأمر المباشر وغير المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 90- 93].
"يقول تعالى ذكره ناهياً عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وآمرًا بوفاء العهود، وممثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بذلك العهود والمواثيق، (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) يعني: من بعد إبرام، وكان بعض أهل العربية يقول: القوّة: ما غُزِل على طاقة واحدة ولم يثن. وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة. (1) "
"وقال آخرون: إنما هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد، فشبهه بامرأة تفعل هذا الفعل، وقالوا في معنى نقضت غزلها من بعد قوة، نحواً مما قلنا. (2) "
"وقوله: (أَنْكَاثًا) يعني: أنقاضاً، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نكْث، حبلاً كان ذلك أو غزلاً يقال منه: نَكَث فلان هذا الحبل فهو ينكُثُه نكثاً، والحبل منتكِث: إذا انتقضت قُواه، وإنما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد.
وقوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يقول: خديعة وغروراً، ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنُّقلة عنهم إلى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عدداً منهم. (3) "
____________________
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 17/ 283، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م
(2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 284.
(3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 285- 286.
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة التي نقضت غزلها من بعد قوة
يدعو القرآن الكريم إلى حفظ العهود والمواثيق، وإلى رعاية العمل وتعاهده وعدم التفريط فيه، بعد بذل الإنسان طاقته ووسعه في ذلك؛ لئلا يحبط عمله، وينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً، ويصبح هباء منثوراً.
وجاء في سبيل تقرير هذا الأمر بأساليب عدة، تارة بالأمر المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34].
وتارة بالأمر غير المباشر، عبر ضرب الأمثال والقصص؛ للعظة والعبرة، أو يجمع بين الأمر المباشر وغير المباشر، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 90- 93].
"يقول تعالى ذكره ناهياً عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وآمرًا بوفاء العهود، وممثلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيها الناس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم الله بالوفاء بذلك العهود والمواثيق، (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) يعني: من بعد إبرام، وكان بعض أهل العربية يقول: القوّة: ما غُزِل على طاقة واحدة ولم يثن. وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة. (1) "
"وقال آخرون: إنما هذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد، فشبهه بامرأة تفعل هذا الفعل، وقالوا في معنى نقضت غزلها من بعد قوة، نحواً مما قلنا. (2) "
"وقوله: (أَنْكَاثًا) يعني: أنقاضاً، وكلّ شيء نُقِض بعد الفتل فهو أنكاث، واحدها: نكْث، حبلاً كان ذلك أو غزلاً يقال منه: نَكَث فلان هذا الحبل فهو ينكُثُه نكثاً، والحبل منتكِث: إذا انتقضت قُواه، وإنما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد.
وقوله: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ) يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) يقول: خديعة وغروراً، ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنُّقلة عنهم إلى غيرهم من أجل أن غيرهم أكثر عدداً منهم. (3) "
____________________
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: ابن جرير الطبري، 17/ 283، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1420 هـ - 2000 م
(2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 284.
(3) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17/ 285- 286.