التوحيد في القرآن الكريم
كل آيات القرآن الكريم تتكلم عن التوحيد؛ فالكلام عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وعبادته هو كلام في التوحيد، وقصص الأنبياء مع أقوامهم هو كلام عن التوحيد والكلام في الغيبيات داخل في التوحيد والكلام في الأحكام هو مما يلزم الموحد ويثبت به تحقيق توحيده، يقول ابن القيم رحمه الله:
"إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن: إما خبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد" [مدارج السالكين (3/ 417- 418)].
فالتوحيد أصل في القرآن الكريم ومن كلياته المطردة، كما قال السعدي رحمه الله: "ومن كليات القرآن، أنه يدعوا إلى توحيد الله ومعرفته، بذكر أسماء الله، وأوصافه، وأفعاله الدالة على تفرده بالوحدانية، وأوصاف الكمال، وإلى أنه الحق، وعبادته هي الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، ويبين نقص كل ما عبد من دون الله من جميع الوجوه" [تيسير الكريم الرحمن (ص: 941)].
والأمر بالعبودية وتوحيد الألوهية لله تعالى هو أول أمر في القرآن الكريم وأوَّلُ أمر في القرآن الكريم أمر به الله تعالى بعد أن ذكر أنه الرب سبحانه وتعالى لا رب سواء فهو مستحق للألوهية جل في علاه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22].
وأسلوب طرح التوحيد في القرآن الكريم هو الأفضل والأفصح والأسرع وصولا إلى القلب وأنفى لكل شبهة ورأي باطل، يقول ابن القيم رحمه الله: "وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين والآيات على المطالب العالية: من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد والنبوات، ورد النحل الباطلة والآراء الفاسدة، مثل القرآن. فإنه كفيل بذلك كله، متضمن له على أتم الوجوه وأحسنها، وأقربها إلى العقول وأفصحها بيانا" [إغاثة اللهفان (1/ 44)].