كتاب "مباحث في علوم القرآن"
https://drive.google.com/file/d/1jr8-jNWYX7M-q2SwP5YUp48gGLMNhX5T/view
تلخيص مباحث في علوم القرآن
لمناع القطّان
التعريف بالعلم (علوم القرآن):
العلوم: جمع عِلم، والعلم: الفهم والإدراك. ثم نُقِلَ بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة ضبطًا علميًّا.
والمراد بعلوم القرآن: العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن من حيث معرفة أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمُحْكَمِ والمتشابه، إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن.
نشأته وتطوره:
أولا:في عهد النّبوّة
القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة، أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فكان صلوات الله وسلامه عليه يبلغه لصحابته -وهم عرب خُلَّصٌ- فيفهمونه بسليقتهم، وإذا التبس عليهم فهم آية من الآيات سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها.
وحرصوا كذلك على العمل به والوقوف عند أحكامه،فقد روِيَ عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا".
ولم يأذن لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتابة شيء عنه سوى القرآن خشية أن يلتبس القرآن بغيره.
رَوَى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تكتبوا عني, ومَن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدِّثوا عني ولا حَرَج، ومَن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
ثانيا : في عهد الصحابة والتابعين:
ولئن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أذن لبعض صحابته بعد ذلك في كتابة الحديث فإن ما يتصل بالقرآن ظل يعتمد على الرواية بالتلقين في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
جاءت خلافة عثمان رضي الله عنه، واقتضت الدواعي إلى جمع المسلمين على مصحف واحد، فتم ذلك وسُمِّيَ بالمصحف الإمام، وأُرْسلت نسخ منه إلى الأمصار، وسُمِّيَتْ كتابته بالرسم العثماني نسبة إليه، ويُعتبر هذا بداية "لعلم رسم القرآن".
ثم كانت خلافة عليٍّ -رضي الله عنه- فوضع أبو الأسود الدؤلي بأمر منه قواعد النحو، صيانة لسلامة النطق، وضبطًا للقرآن الكريم، ويُعتبر هذا كذلك بداية لـ"علم إعراب القرآن".
استمر الصحابة يتناقلون معاني القرآن وتفسير بعض آياته على تفاوت فيما بينهم، لتفاوت قدرتهم على الفهم، وتفاوت ملازمتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتناقل عنهم ذلك تلاميذهم من التابعين.
والذي رُوِيَ عن هؤلاء جميعًا يتناول: علم التفسير، وعلم غريب القرآن، وعلم أسباب النزول، وعلم المكي والمدني، وعلم الناسخ والمنسوخ، ولكن هذا كله ظل معتمدًا على الرواية بالتلقين.
ثالثا : في عصر التدوين
جاء عصر التدوين في القرن الثاني، وبدأ تدوين الحديث بأبوابه المتنوعة، وشمل ذلك ما يتعلق بالتفسير، وجمع بعض العلماء ما رُوِيَ من تفسير للقرآن الكريم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة، أو عن التابعين.
وهؤلاء العلماء كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعًا لباب من أبوابه، ولم يصلنا من تفاسيرهم شيء مكتوب سوى مخطوطة تفسير عبد الرزاق بن همام([1]).
ثم نهج نهجهم بعد ذلك جماعة من العلماء وضعوا تفسيرًا متكاملًا للقرآن وفق ترتيب آياته، واشتهر منهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310 هجرية.
وهكذا بدأ التفسير أولًا بالنقل عن طريق التلقي والرواية، ثم كان تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث، ثم دُوِّنَ على استقلال وانفراد، وتتابع التفسير بالمأثور، ثم التفسير بالرأي.
وبإزاء علم التفسير كان التأليف الموضوعي في موضوعات تتصل بالقرآن ولا يستغني المفسر عنها،كالتّأليف في أسباب النزول أو النّاسخ والمنسوخ أو القراءات ...إلخ ، وهذه المباحث جميعها هي التي تُعرف بعلوم القرآن.
ثمّ تتابع التّأليف فيها عبر العصور حتى صارت عَلَمًا على العلم المعروف بهذا الاسم.
القرآن:
القرآن رسالة الله إلى الإنسانية كافة وقد تواترت النصوص الدالة على ذلك في الكتاب والسٌّنَّة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158]، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾[ الفرقان:1]، وقال صلى الله عليه وسلم: "وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة"، ولن يأتي بعده رسالة أخرى، ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40].
فجاء وافيًا بجميع مطالب الحياة الإنسانية على الأسس الأولى للأديان السماوية، وتحدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العرب بالقرآن، وقد نزل بلسانهم، وهم أرباب الفصاحة والبيان، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله، فثبت له الإعجاز، وبإعجازه ثبتت الرسالة.
وكتب الله له الحفظ والنقل المتواتر دون تحريف أو تبديل،ولم تكن هذه الميزة لكتاب آخر من الكتب السابقة لأنها جاءت موقوتة بزمن خاص، وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر:9]، وتجاوزت رسالة القرآن الإنس إلى الجن: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ, قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ, يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ﴾ [الأحقاف:29].
تعريف القرآن:
"قرأ": تأتي بمعنى الجمع والضم، والقراءة: ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، والقرآن في الأصل كالقراءة: مصدر قرأ قراءة وقرآنًا. قال تعالى: ﴿إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقَرُآنَهُ, فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: 17]، أي قراءته، فهو مصدر على وزن "فُعلان" بالضم: كالغفران والشكران، تقول: قرأته قرءًا وقراءة وقرآنًا، بمعنى واحد. سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر.
وقد خص القرآن بالكتاب المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- فصار له كالعلم الشخصي.
وذكر بعض العلماء أن تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين كتب الله لكونه جامعًا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم. كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾[النحل:89]، وقوله: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ﴾[الأنعام:38].
وذهب بعض العلماء إلى أن لفظ القرآن غير مهموز الأصل في الاشتقاق، إما لأنه وضع علمًا مرتجلًا على الكلام المنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس مشتقًا من "قرأ"، وإما لأنه من قرن الشيء بالشيء إذا ضمه إليه، أو من القرائن لأن آياته يشبه بعضها بعضًا فالنون أصلية، وهذا رأي مرجوح، والصواب الأول.
ويذكر العلماء تعريفًا له يُقَرِّبُ معناه ويميزه عن غيره، فيُعَرِّفُونَهُ بأنه: "كلام الله، المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- المتعبد بتلاوته"([2]).
الفرق بين القرآن و الحديث القدسي و الحديث النبوي:
الحديث لغة ضد القديم.
الحديث النّبوي: ما أُضِيفَ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير [التّقرير هو ما فُعل بحضرة النّبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكر عليه].
الحديث القدسي: نسبة إلى القدس، وهي نسبة تدل على التعظيم، لأن مادة الكلمة دالة على التنزيه والتطهير في اللغة، وهو ما يضيفه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله تعالى، فالرسول راوٍ لكلام الله بلفظ من عنده، وإذا رواه أحد رواه عن رسول الله مُسْنَدًا إلى الله عز وجل، فيقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل....".
أو يقول: "قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى - أو يقول الله تعالى ... ".
الفرق بين القرآن والحديث القدسي:
هناك عدة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي أهمها:
- أن القرآن الكريم كلام الله وقع به التّحدي والحديث القدسي لم يقع به التحدي والإعجاز.
- القرآن الكريم لا يُنْسَب إلا إلى الله تعالى، فيقال: قال الله تعالى،والحديث القدسي -كما سبق- قد يُرْوَى مضافًا إلى الله وقد يُرْوَى مضافًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل.
- والقرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر، فهو قطعي الثبوت، والأحاديث القدسية أكثرها أخبار آحاد، فهي ظنية الثبوت، وقد يكون الحديث القدسي صحيحًا، وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا.
-القرآن الكريم من عند الله لفظًا ومعنًى، فهو وحي باللفظ والمعنى، والحديث القدسي معناه من عند الله، ولفظه من عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الصحيح ولذا تجوز روايته بالمعنى عند جمهور المحدِّثين.
- والقرآن الكريم مُتَعَبَّدٌ بتلاوته، فهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة، والحديث القدسي لا يجزئ في الصلاة، ويثيب الله على قراءته ثوابًا عامًّا، فلا يصدق فيه الثواب الذي ورد ذكره في الحديث على قراءة القرآن، بكل حرف عشر حسنات.
الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي:
الحديث النبوي قسمان:
1-قسم توقيفي: وهو الذي تلقى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مضمونه من الوحي فبيَّنه للناس بكلامه.
2-قسم توفيقي: وهو الذي استنبطه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من فهمه للقرآن، لأنه مبيِّن له، أو استنبطه بالتأمل والاجتهاد، وهذا القسم الاستنباطي الاجتهادي يقره الوحي إذا كان صوابًا، وإذا وقع فيه خطأ جزئي نزل الوحي بما فيه الصواب وليس هذا القسم كلام الله قطعًا.
ويتبين من ذلك: أن الأحاديث النبوية بقسميها: التوقيفي، والتوفيقي الاجتهادي الذي أقره الوحي، مردها جميعًا بجملتها إلى الوحي، ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾[النّجم:3].
والحديث القدسي معناه من عند الله عز وجل، يُلْقَى إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بكيفية من كيفيات الوحي -لا على التعيين- أما ألفاظه فمن عند الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الراجح ونسبته إلى الله تعالى نسبة لمضمونه لا نسبة لألفاظه.
الوحي:
معنى الوحي:
يقال: وحيت إليه وأوحيت: إذا كلَّمته بما تخفيه عن غيره.
والوحي: الإشارة السريعة، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد، وبإشارة ببعض الجوارح.
والوحي مصدر، ومادة الكلمة تدل على معنيين أصليين، هما: الخفاء والسرعة، ولذا قيل في معناه: "الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجَّه إليه بحيث يخفى على غيره".
والوحي بمعناه اللغوي يتناول:
1- الإلهام الفطري للإنسان، كالوحي إلى أُم موسى ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾[القصص:7].
2- والإلهام الغريزي للحيوان، كالوحي إلى النحل ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾[ النحل:68].
%0